ــ[106]ــ
الرابع : العدالة فلا تُقبل شهادة غير العادل (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكنّه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق هاتين الصحيحتين وتقييدهما بمورد الوصيّة لموثّقة سماعة .
(1) بلا خلاف ولا إشكال ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد منهم .
وتدلّ عليه الآية الكريمة الواردة في الوصيّة ، قال عزّ وجلّ : (... إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ا لْمَوْتُ حِينَ ا لْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْل مِنكُمْ ...)(1) .
فإنّ اعتبار العدالة في الشاهد على الوصيّة المبني أمرها على التوسعة ـ فتقبل فيها شهادة المرأة وشهادة غير المسلم إذا لم يوجد مسلم ـ يقتضي اعتبارها في غير الوصيّة جزماً ، وكيف يمكن الالتزام بعدم ثبوت الوصيّة بشهادة رجلين غير عدلين وثبوت الزواج والقتل ودعوى المال وما شاكل ذلك بشهادتهما ؟! ويؤيد هذا اعتبار العدالة في الآية المباركة في شاهدي الطلاق .
وتدلّ عليه أيضاً عدّة من الروايات :
منها: صحيحة عبدالله بن أبي يعفور ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): بم تعرف عدالة الرجل بين المسلمين حتى تقبل شهادته لهم وعليهم؟ «فقال: أن تعرفوه بالستر والعفاف وكفّ البطن والفرج واليد واللسان ، ويعرف باجتناب الكبائر التي أوعد الله عليها النار من شرب الخمر والزنا والربا وعقوق الوالدين والفرار من الزحف وغير ذلك ، والدلالة على ذلك كلّه أن يكون ساتراً لجميع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة 5 : 106 .
ــ[107]ــ
عيوبه حتى يحرم على المسلمين ما وراء ذلك من عثراته وعيوبه وتفتيش ما وراء ذلك ، ويجب عليهم تزكيته ـ إلى أن قال : ـ فإذا سُئِل عنه في قبيلته ومحلّته قالوا : ما رأينا منه إلاّ خيراً مواظباً على الصلوات متعاهداً لأوقاتها في مصلاّه، فإنّ ذلك يجيز شهادته وعدالته بين المسلمين» الحديث(1).
ويظهر من ذيل الرواية كفاية حسن الظاهر في ثبوت العدالة .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : لو كان الأمر إلينا لأجزنا شهادة الرجل إذا علم منه خير مع يمين الخصم في حقوق الناس»(2) .
ومنها : معتبرة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لا بأس بشهادة الضيف إذا كان عفيفاً صائناً»(3) .
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما يردّ من الشهود ؟ قال : «فقال : الظنين والمتّهم» قال: قلت: فالفاسق والخائن؟ «قال: ذلك يدخل في الظنين»(4) .
ومنها : صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : لا بأس بشهادة المملوك إذا كان عادلاً»(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 391 / كتاب الشهادات ب 41 ح 1 .
(2) الوسائل 27 : 394 / كتاب الشهادات ب 41 ح 8 .
(3) الوسائل 27 : 395 / كتاب الشهادات ب 41 ح 10 .
(4) الوسائل 27 : 373 / كتاب الشهادات ب 30 ح 1 .
(5) الوسائل 27 : 345 / كتاب الشهادات ب 23 ح 1 .
ــ[108]ــ
ومنها : صحيحة عبدالرحمن بن أبي عبدالله عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كان علي (عليه السلام) إذا أتاه رجلان يختصمان بشهود عدلهم سواء وعددهم أقرع بينهم على أ يّهما تصير اليمين» الحديث(1) .
ومنها : معتبرة العلاء بن سيّابة عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أنّ أبا جعفر (عليه السلام) قال : «لا تقبل شهادة سابق الحاجّ ، لأ نّه قتل راحلته وأفنى زاده وأتعب نفسه واستخفّ بصلاته» قلت : فالمكاري والجمّال والملاّح ؟ «فقال : وما بأس بهم تقبل شهادتهم إذا كانوا صلحاء»(2) .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الذمّي والعبد يشهدان على شهادة ثمّ يسلم الذمّي ويعتق العبد ، أتجوز شهادتهما على ما كانا أشهدا عليه ؟ «قال : نعم ، إذا علم منهما بعد ذلك خيراً جازت شهادتهما»(3) .
ومنها : معتبرة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ في حديث ـ : «أنّ عليّاً (عليه السلام) قال : لا أقبل شهادة الفاسق إلاّ على نفسه»(4) .
ومنها : صحيحة عمار بن مروان عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في الرجل يشهد لابنه والابن لأبيه والرجل لامرأته «فقال: لابأس بذلك إذا كان خيراً»(5) .
ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : ردّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 251 / أبواب كيفية الحكم ب 12 ح 5 .
(2) الوسائل 27 : 381 / كتاب الشهادات ب 34 ح 1 .
(3) الوسائل 27 : 387 / كتاب الشهادات ب 39 ح 1 .
(4) الوسائل 27 : 394 / كتاب الشهادات ب 41 ح 7 .
(5) الوسائل 27 : 394 / كتاب الشهادات ب 41 ح 9 .
ــ[109]ــ
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) شهادة السائل الذي يسأل في كفّه . قال أبو جعفر (عليه السلام) : لأ نّه لا يؤمّن على الشهادة ، وذلك لأ نّه إن اُعطي رضي وإن مُنعَ سخط»(1) .
فإنّها تدلّ على أنّ الشاهد لا بدّ من أن يكون مأموناً على شهادته والفاسق غير مأمون عليها وغير ذلك .
بقي هنا شيء : وهو أ نّه قد يستفاد من بعض الروايات عدم اعتبار العدالة في الشاهد ونفوذ شهادة المسلم وإن كان فاسقاً ، كصحيحة حريز عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في أربعة شهدوا على رجل محصن بالزنا فعدل منهم اثنان ، ولم يعدل الآخران «فقال : إذا كانوا أربعة من المسلمين ليس يعرفون بشادة الزور اُجيزت شهادتهم جميعاً واُقيم الحدّ على الذي شهدوا عليه، إنّما عليهم أن يشهدوا بما أبصروا وعلموا وعلى الوالي أن يجيز شهادتهم ، إلاّ أن يكونوا معروفين بالفسق»(2) .
ولكن هذه الصحيحة شاذّة وغير قابلة لمعارضة الروايات المشهورة المعروفة التي تقدّمت جملة منها ، على أ نّها مطلقة فتقيد بالروايات الآنفة الذكر .
وبذلك يظهر الجواب عن معتبرة العلاء بن سيّابة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة من يلعب بالحمـام «قال : لا بأس إذا كان لا يعرف بفسق»(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 382 / كتاب الشهادات ب 35 ح 2 .
(2) الوسائل 27 : 397 / كتاب الشهادات ب 41 ح 18 .
(3) الوسائل 27 : 394 / كتاب الشهادات ب 41 ح 6 .
ــ[110]ــ
ولا بأس بقبول شهادة أرباب الصنائع المكروهة والدنيئة (1) .
الخامس : أن لا يكون الشاهد ممّن له نصيب فيما يشهد به ، فلا تقبل شهادة الشريك في المال المشترك (2) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلا خلاف ، وتدلّ عليه الإطلاقات المتقدّمة .
(2) بلا خلاف ظاهر في المسألة .
وتدلّ على ذلك معتبرة سماعة، قال : سألته عمّا يردّ من الشهود «قال: المريب والخصم والشريك ودافع مغرم والأجير والعبد والتابع والمتّهم ، كلّ هؤلاء تردّ شهاداتهم»(1) .
أقول : الظاهر من هذه الرواية أنّ شهادة الشريك لا تقبل بما هو شريك ، فإنّ ذلك هو المنصرف إليه الإطلاق ولا سيّما بقرينة ما تقدّمه وما تأخّره ممّن تردّ شهادته ، فلا مانع من قبول شهادة الشريك في غير مال الشركة ، كما صرّح به في صحيحة أبان على طريق الصدوق ، ومرسلته على طريق الشيخ ، قال : سُئِل أبو عبدالله (عليه السلام) عن شريكين شهد أحدهما لصاحبه «قال : تجوز شهادته إلاّ في شيء له فيه نصيب»(2) .
وأمّا ما دلّ على قبول شهادة الشريك في المال المشترك فيه ، كصحيحة عبدالرحمن ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء ادّعى واحد وشهد اثنان «قال : يجوز»(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 378 / كتاب الشهادات ب 32 ح 3 .
(2) الوسائل 27 : 370 / كتاب الشهادات ب 27 ح 3 ، الفقيه 3 : 27 / 78، التهذيب 6 : 246 / 623، والاستبصار 3 : 15 / 40.
(3) الوسائل 27 : 370 / كتاب الشهادات ب 27 ح 4 .
ــ[111]ــ
ولا شهادة صاحب الدين إذا شهد للمحجور عليه بمال(1)، ولا شهادة السيّد لعبده المأذون(2) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فهو لم يثبت ، فإنّ الرواية وإن كانت معتبرة عندنا ، إلاّ أنّ محمّد بن يعقوب روى بطريق صحيح عن عبدالرحمن بن أبي عبدالله ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن ثلاثة شركاء شهد اثنان على واحد «قال: لاتجوز شهادتهما»(1).
والراوي عن عبدالرّحمن في كلتا الروايتين هو أبان فلم تثبت روايته الاُولى .
فالنتيجة : أنّ شهادة الشريك لا مانع من قبولها في غير مال الشركة وإنّما لا تقبل شهادته فيما هو شريك فيه .
(1) يدلّ عليه ما دلّ من الروايات على عدم الاعتبار بشهادة الخصم ، منها : صحيحة عبيدالله بن علي الحلبي ، قال : سُئِل أبو عبدالله (عليه السلام) عمّا يردّ من الشهود «فقال : الظنين والمتّهم والخصم» الحديث(2) .
(2) الدليل على ذلك ما تقدّم ، لأنّ مال العبد للمولى ، وكذلك الحال فيما بعده .
وتدلّ عليه أيضاً صحيحة محمّد بن يحيى ، قال : كتب محمّد بن الحسن ـ يعني : الصفّار ـ إلى أبي محمّد (عليه السلام) : هل تقبل شهادة الوصي للميّت بدين له على رجل مع شاهد آخر عدل ؟ فوقّع (عليه السلام) : «إذا شهد معه آخر عدل فعلى المدّعي يمين» الحديث(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 369 / كتاب الشهادات ب 27 ح 1 ، الكافي 7 : 394 / 1 .
(2) الوسائل 27 : 374 / كتاب الشهادات ب 30 ح 5 .
(3) الوسائل 27 : 371 / كتاب الشهادات ب 28 ح 1 .
ــ[112]ــ
ولا شهادة الوصي فيما هو وصي فيه ، ولا شهادة من يريد دفع ضرر عن نفسه ، كشهادة أحد العاقلة بجرح شهود الجناية (1) ، ولا شهادة الوكيل أو الوصي بجرح شهود المدّعي على الموكّل أو الموصي (2) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنّها ظاهرة في عدم الاعتداد بشهادة الوصي ، وإلاّ فلا حاجة إلى ضمّ اليمين إلى شهادة رجل آخر .
فالمتحصّل من الرواية : أنّ شهادة الوصي ساقطة ، وإنّما يثبت حقّ الميّت بشاهد ويمين .
(1) لأنّ شهادته من شهادة الخصم حقيقة ، ومقتضى الصحيحة المتقدّمة عدم قبولها ، وتدلّ عليه أيضاً موثّقة سماعة المتقدّمة .
(2) لأنّ الوكيل أو الوصي لهما حقّ التصرّف في المال الموصى به والموكّل فيه ، فهما بشهادتهما يثبتان لأنفسهما حقّاً ، فيكون ذلك من شهادة الخصم التي لا تسمع بمقتضى الصحيحة المذكورة . وبذلك يظهر الوجه فيما بعده .
بقي هنا شيء : وهو أنّ جماعة من الفقهاء ـ منهم المحقّق في الشرائع(1) ـ قد اعتبروا في قبول شهادة الشاهد أن لا يكون متّهماً . ورتّب المحقق عليه عدم قبول شهادة جملة ممّن ذكرناهم .
وقد استدلّوا على ذلك بعدّة روايات :
منها : صحيحة عبدالله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : ما يردّ من الشهود ؟ قال : «فقال : الظنين والمتّهم» قال: قلت: فالفاسق والخائن؟ «قال : ذلك يدخل في الظنين»(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشرائع 4 : 130 و 131 .
(2) الوسائل 27 : 373 / كتاب الشهادات ب 30 ح 1 .
ــ[113]ــ
ولا شهادة الشريك لبيع الشقص الذي فيه حقّ الشفعة . وأمّا إذا شهد شاهدان لمن يرثانه فمات قبل حكم الحاكم فالمشهور عدم الاعتداد بشهادتهما، ولكنّه مشكل (1) ، والأقرب هو القبول .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنها : صحيحة عبدالله بن علي الحلبي ، قال : سُئِل أبو عبدالله (عليه السلام) عمّا يردّ من الشهود «فقال: الظنين والمتّهم والخصم» قال قلت: فالفاسق والخائن؟ «فقال : هذا يدخل في الظنين»(1) .
أقول : الظاهر أنّ المراد بالمتّهم في هذه الروايات من لم تثبت عدالته وكانت شهادته في معرض شهادة الزور ، في قبال من كان عفيفاً صائناً ثابت العدالة ، فإنّ ذلك هو المتفاهم العرفي من لفظ المتّهم ، كما يستفاد ذلك من رواية يحيى بن خالد الصيرفي عن أبي الحسن الماضي (عليه السلام) ، قال : كتبت إليه في رجل مات وله اُمّ ولد وقد جعل لها سيّدها شيئاً في حياته ثمّ مات ، فكتب (عليه السلام) «لها ما أثابها به سيّدها في حياته معروف لها ذلك ، تقبل على ذلك شهادة الرجل والمرأة والخدم غير المتّهمين»(2) .
فإنّه من الظاهر أنّ المراد من المتّهمين في هذه الرواية هو ما ذكرناه .
ولو تنزّلنا عن ذلك فلا أقلّ من الإجمال ، فإنّ من المقطوع به أ نّه ليس مطلق التهمة لشخص ـ لاحتمال أ نّه يريد بشهادته إثبات أمر يرجع نفعه إليه بوجه ـ يوجب ردّ شهادته كشهادة المرأة لزوجها وبالعكس ، وشهادة الولد لأبيه أو أخيه أو سائر أقاربه وبالعكس ، وشهادة الصديق لصديقه ونحو ذلك .
(1) وجه الإشكال : أنّ الحكم المزبور وإن كان مشهوراً بل ادّعي عليه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 374 / كتاب الشهادات ب 30 ح 5 .
(2) الوسائل 27 : 364 / كتاب الشهادات ب 24 ح 47 .
|