ــ[116]ــ
(مسألة 88) : لا تمنع القرابة من جهة النسب عن قبول الشهادة ، فتسمع شهادة الأب لولده وعلى ولده والولد لوالده والأخ لأخيه وعليه (1) ، وأمّا قبول شهادة الولد على الوالد ففيه خلاف ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ورواية الصدوق رواية قول الصادق عن آبائه (عليهم السلام) ، ولأ نّنا في بين الروايتين ولا دليل على وحدتهما فالظاهر أنّ الصادق (عليه السلام) نقل تارةً فعل أمير المؤمنين (عليه السلام) ، واُخرى قول آبائه (عليهم السلام) ، فتصحّ كلتا الروايتين .
ثمّ إنّه قد يقال : إنّ العداوة الدنيويّة للأخ المسلم لا تجتمع مع العدالة ، فلا حاجة إلى اعتبار عدمها بعد اعتبار العدالة في الشهادة ، ولكنّ الصحيح أ نّها لا تضرّ بالعدالة أحياناً ، إذ قد يمكن حصول العداوة لسبب ما ، فيبغض الإنسان ـ مثلاً ـ قاتل ابنه خطأً بحيث لا يحبّ أن يراه ، ولكن لا يرتكب عملاً ينافي عدالته من هتك أو سبٍّ أو غير ذلك ، فمثل هذه العداوة تجتمع مع العدالة .
(1) بلا خلاف ولا إشكال ، وتدلّ عليه ـ مضافاً إلى الإطلاقات ـ عدّة نصوص خاصّة ، منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن شهادة الوالد لولده والولد لوالده والأخ لأخيه ، «فقال : تجوز»(1) .
ومورد هذه النصوص وإن كان الشهادة للقريب لا عليه إلاّ أ نّه يفهم منها حكم الشهادة عليه بالأولويّة القطعيّة .
ثمّ إنّه نسب إلى الشيخ في قبول شهادة القريب للقريب اعتبار انضمام شاهد أجنبي إليه(2) ، وقد استدلّ عليه بمعتبرة إسماعيل بن أبي زياد السكوني ، عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 368 / كتاب الشهادات ب 26 ح 3 .
(2) النهاية : 330 .
ــ[117]ــ
والأظهر القبول (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جعفر، عن أبيه (عليهما السلام): «أنّ شهادة الأخ لأخيه تجوز إذا كان مرضيّاً ومعه شاهد آخر»(1).
ولكن من الظاهر أنّ الرواية في مقام بيان أ نّه لا اعتبار بشهادة الواحد ، بل لا بدّ من أن ينضمّ إليه شاهد آخر . وليس فيها دلالة ولا إشعار بأنّ الشاهد الآخر لا بدّ أن يكون أجنبيّاً ، فلا موجب لتقييد المطلقات ، فلو شهد أخوان عادلان لأخ لهما أو كان أحد الشاهدين أباً للمشهود له والآخر أخاً له قبلت شهادتهما .
(1) وإن كان المشهور بين الأصحاب عدم القبول ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد .
واستدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى الإجماع ـ بأنّ الشهادة على الوالد تكذيبٌ وإيذاءٌ له ، فيكون بذلك عاقّاً .
وبما رواه الصدوق مرسلاً : «أ نّه لا تقبل شهادة الولد على والده»(2) .
أقول : أمّا الإجماع فهو غير تامّ ، فإنّه قد نسب إلى السيّد المرتضى (قدس سره) الخلاف(3) ، وتردّد في ذلك العلاّمة في التحرير(4) ، واختار الشهيد القبول في الدروس(5) ، ومال إلى ذلك بعض المتأخّرين . وممّا يوهن دعوى الإجماع أنّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 368 / كتاب الشهادات ب 26 ح 5 ، التهذيب 6 : 286 / 790 .
(2) الوسائل 27 : 369 / كتاب الشهادات ب 26 ح 6 ، الفقيه 3 : 26 / 71 .
(3) حكاه في الجواهر 41 : 75 ، وراجع الانتصار : 496 .
(4) التحرير 2 : 209 (حجري) .
(5) الدروس 2 : 132 .
ــ[118]ــ
أكثر المتقدّمين ـ كابن الجنيد وابن أبي عقيل ـ لم يتعرّضوا لهذه المسألة لا نفياً ولا إثباتاً .
وأمّا دعوى أنّ الشهادة على الوالد عقوق وتكذيب له فهي واضحة البطلان، إذ لا ملازمة بين الشهادة والتكذيب ، إذ قد يكون الوالد مشتبهاً ومخطئاً في اعتقاده فلا تكون الشهادة عليه تكذيباً له ، على أنّ تكذيبه إذا كان لإقامة الحقّ فهو إحسان في حقّه وتفريغٌ لذمّته ، فكيف يكون ذلك عقوقاً ؟! ولو صحّ ذلك لما جازت الشهادة على الوالدة أيضاً ، مع أ نّه لا خلاف في جوازها عليها .
وأمّا مرسلة الصدوق فليست بحجّة ، مضافاً إلى معارضتها بما يأتي .
ويدلّ على جواز القبول ـ مضافاً إلى الإطلاقات ـ قوله تعالى : (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ للهِِ وَلَوْ عَلَى أَنْفُسِكُمْ أَوِ ا لْوَالِدَيْنِ وَا لاَْقْرَبِينَ ...)(1) . وما يقال : من أنّ الأمر بالإقامة لا يستلزم القبول واضح البطلان .
وصحيحة داود بن الحصين ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) «يقول : أقيموا الشهادة على الوالدين والولد» الحديث(2) .
وتؤيّد ذلك رواية علي بن سويد عن أبي الحسن (عليه السلام) ـ في حديث ـ «قال : كتب إليَّ أبي في رسالته إليَّ وسألت عن الشهادة لهم : فأقم الشهادة لله ولو على نفسك أو الوالدين والأقربين فيما بينك وبينهم، فإن خفت على أخيك ضيماً فلا»(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النساء 4 : 135 .
(2) الوسائل 27 : 340 / كتاب الشهادات ب 19 ح 3 .
(3) الوسائل 27 : 315 / كتاب الشهادات ب 3 ح 1 .
ــ[119]ــ
(مسألة 89) : تقبل شهادة الزوج لزوجته وعليها ، وأمّا شهادة الزوجة لزوجها أو عليه فتقبل إذا كان معها غيرها (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ثمّ إنّه لا فرق في قبول شهادة الولد على الوالدين أن تكون الشهادة بمال أو بقصاص أو حدٍّ أو نحو ذلك ، لإطلاق الدليل .
ولا يعتدّ بما عن بعض العامّة من المنع عن قبول شهادته في القصاص والحدّ ، محتجّاً بأ نّه لا يجوز أن يكون الولد سبباً لعقوبة الوالد ، كما لا يقتصّ به ولا يحدّ بقذفه .
وذلك لأ نّه قياسٌ صرف ، على أ نّه مع الفارق ، كما هو ظاهر .
(1) تدلّ على ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : «قال: تجوز شهادة الرجل لامرأته والمرأة لزوجها إذا كان معها غيرها»(1) .
وموثّقة سماعة ـ في حديث ـ قال سألته عن شهادة الرجل لامرأته ؟ «قال : نعم» والمرأة لزوجها ؟ «قال : لا ، إلاّ أن يكون معها غيرها»(2) .
أقول : مورد الروايتين شهادة الرجل لامرأته وشهادتها له ، وأمّا شهادتها عليه وشهادته عليها فيعلم حكمهما بالأولويّة كما تقدّم . على أنّ الحكم على طبق العمومات والإطلاقات ، فلا حاجة إلى دليل خاصّ .
ثمّ إنّ اعتبار الضميمة في قبول شهادة الزوجة ليس لخصوصيّة فيها ، وإنّما هو باعتبار أنّ شهادة المرأة وحدها لا يثبت بها المشهود به حتى مع ضميمة اليمين كما سبق . وعلى ذلك ، فلو شهدت الزوجة على وصيّة زوجها لشخص ولم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 366 / كتاب الشهادات ب 25 ح 1 .
(2) الوسائل 27 : 367 / كتاب الشهادات ب 25 ح 3 .
ــ[120]ــ
وكذا تُقبل شهادة الصديق لصديقه وإن تأكّدت بينهما الصداقة والصحبة (1) . ــــــــــــــــــــــــ
يكن معها غيرها يثبت بها الربع ، لإطلاق ما دلّ على ثبوت الربع بشهادة المرأة الواحدة في الوصيّة .
(1) بلا خلاف بيننا ، خلافاً لبعض الشافعيّة ، حيث ذهب إلى عدم قبول شهادته إذا كانت بينهما ملاطفة وهديّة ، والعمومات حجّة عليه ، وأمّا احتمال أنّ الشهادة شهادة زور فيدفعه إحراز عدالته .
|