ــ[131]ــ
(مسألة 94) : لا يبعد قبول شهادة المتبرّع بها إذا كانت واجدة للشرائط ، بلا فرق في ذلك بين حقوق الله تعالى وحقوق الناس (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا دليل عليه .
ومن الغريب أ نّه نسب إلى بعضهم الجمع بين الروايات بعكس ذلك ، ولكن لم يعلم قائله . على أ نّه قد مرّ ما دلّ على قبول شهادة العبد على غير مولاه كما في صحيحة عبدالرحمن .
فالنتيجة : أنّ الأظهر هو قبول شهادة العبد على مولاه أيضاً .
(1) أمّا بالنسبة إلى حقوق الله تعالى ـ ومنها ما يرجع إلى المصالح العامّة ـ ففي الجواهر : أنّ المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة القبول ، بل لم يعرف الخلاف في ذلك إلاّ ما يحكى عن الشيخ في النهاية التي هي متون أخبار ، مع أنّ المحكي عنه في المبسوط موافقة المشهور (1) ، انتهى .
نعم ، تردّد في ذلك المحقق في الشرائع (2) ، وعن الفاضل الاستشكال فيه في بعض كتبه (3) .
وما ذكره المشهور هو الصحيح ، لإطلاقات الأدلّة وعموماتها ، وعدم دليل صالح للتقييد .
وأمّا بالنسبة إلى حقوق الناس فالمشهور بين الفقهاء عدم قبول شهادة المتبرّع ، بل قيل : إنّه لم يوجد الخلاف فيه ، واستدلّ على ذلك بعدّة روايات نبويّة :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 41 : 106 .
(2) الشرائع 4 : 134 .
(3) إرشاد الأذهان 2 : 158 .
ــ[132]ــ
منها قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «ثمّ يجيء قوم يعطون الشهادة قبل أن يسألوها» (1) .
ومنها قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «ثمّ يفشو الكذب حتى يشهد الرجل قبل أن يُستشهَد»(2).
ومنها قوله (صلّى الله عليه وآله وسلّم): «تقوم الساعة على قوم يشهدون من غير أن يُستشهَدوا»(3).
بضميمة ما ورد من أ نّها تقوم على شرار الخلق (4) .
واستدلّ على ذلك أيضاً بأنّ شهادة المتبرّع معرض للتهمة ، ولا عبرة بشهادة المتّهم .
أقول : إن تمّ الإجماع على عدم قبول شهادة المتبرع فهو ، ولكنّه لا يتمّ . وعن ظاهر المحقق الأردبيلي (قدس سره) القبول(5)، ونسب الميل إلى ذلك إلى السبزواري (قدس سره) في الكفاية(6)، واختاره صاحب المستند صريحاً ونسبه إلى صريح ابن إدريس في السرائر (7) . وكيف كان فالإجماع غير محقّق ، والمنقول ليس بحجّة .
وأمّا النبويّات فهي ليست بحجّة ، على أ نّها معارضة بالنبوي الآخر ، فقد
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مسند أحمد 4 : 426 .
(2) سنن ابن ماجة 2 : 791 / 2363 .
(3) دعائم الإسلام 2 : 508 / 1815 .
(4) نوادر الراوندي (ضمن الفصول العشرة) : 16 ، شرح نهج البلاغة 15 : 264 .
(5) مجمع الفائدة والبرهان 12 : 399 .
(6) الكفاية : 282 (حجري) .
(7) المستند 18 : 264 ، السرائر 2 : 133 .
ــ[133]ــ
روي أ نّه قال (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : «ألا اُخبركم بخير الشهود ؟ » قالوا : بلى ، يا رسول الله «قال : أن يشهد الرجل قبل أن يستشهد» (1) .
وأمّا دعوى انجبار النبويّات الدالّة على عدم قبول شهادة المتبرّع بعمل المشهور فممنوعة ، إذ لا ظنّ باعتماد المشهور عليها ، فإنّ المذكور في كلمات غير واحد منهم هو تعليل ذلك بالإجماع أو بالتهمة ، على أنّ لنا كلاماً في كبرى حجّيّة الرواية الضعيفة باستناد المشهور إليها ، ذكرناه في مباحث الاُصول مفصّلاً (2) .
وأمّا الاستدلال بالتهمة فيندفع أوّلاً : بما تقدّم من أنّ المراد بالمتّهم من لم تثبت عدالته . وعلى ذلك رتّبنا قبول شهادة الصديق للصديق والقريب للقريب وغير ذلك . على أنّ الشاهد المتبرّع قد لا يكون متّهماً ، كما إذا كان المشهود به على خلاف ميل الشاهد ، أو أ نّه كان يتخيّل أ نّه يجب عليه أداء الشهادة قبل السؤال أو لغير ذلك ممّا يوجب عدم تطرّق احتمال التهمة فيه .
فالأقرب حينئذ هو قبول شهادة المتـبرّع إذا كان عادلاً جامعاً لشرائط الشهادة .
بقي هنا شيء : وهو أ نّه بناءً على عدم قبول شهادة المتبرّع لا تكون شهادته جرحاً له حتى لا تقبل شهادته في غير ذلك أيضاً ، وعليه ، فلو أعاد شهادته بعد مطالبة الحاكم فالظاهر قبولها ، ولا إجماع في مثل ذلك جزماً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ورد الحديث باختلاف في الألفاظ كما في صحيح مسلم 3 : 1344 / 1719 ، سنن البيهقي 10 : 159 .
(2) مبصاح الاُصول 2 : 201 ـ 203 .
ــ[134]ــ
(مسألة 95) : لا تقبل شهادة ولد الزنا مطلقاً (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة ، بل ادّعي عليه الإجماع في كلمات غير واحد .
خلافاً للشيخ في المبسوط على ما نسب إليه ذلك الشهيد الثاني في المسالك ومال هو إليه .
واستدلّ على قول المشهور بعدّة روايات :
منها: معتبرة أبي بصير ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن ولد الزنا أتجوز شهادته؟ «فقال: لا» فقلت : إنّ الحكم بن عتيبة يزعم أ نّها تجوز «فقال : اللّهمّ لا تغفر ذنبه ، ما قال الله للحكم : (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ) » (1) .
ومنها: صحيحة محمّد بن مسلم، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «لاتجوز شهادة ولد الزنا»(2).
ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن شهادة ولد الزنا «فقال : لا ولا عبد» (3) .
ومنها: صحيحة علي بن جعفر في كتابه عن أخيه، قال: سألته عن ولد الزنا هل تجوز شهادته ؟ «قال : لايجوز شهادته ولا يؤمّ» (4) .
ولا يعارضها ما رواه عبدالله بن جعفر ، عن عبدالله بن الحسن ، عن علي بن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 374 / كتاب الشهادات ب 31 ح 1 ، والآية في الزخرف 43 : 44 .
(2) الوسائل 27 : 375 / كتاب الشهادات ب 31 ح 3 .
(3) الوسائل 27 : 376 / كتاب الشهادات ب 31 ح 6 .
(4) الوسائل 27 : 377 / كتاب الشهادات ب 31 ح 8 ، مسائل علي بن جعفر : 191 / 391 .
ــ[135]ــ
إلّا في الشيء اليسير على إشكال (1) ، وتقبل شهادة من لم يثبت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جعفر ، عن أخيه ، قال : سألته عن ولد الزنا هل تجوز شهادته ؟ «قال : نعم ، تجوز شهادته ولا يؤمّ» (1) .
فإنّها ضعيفة سنداً ، لأنّ عبدالله بن الحسن لم يرد فيه توثيق ولا مدح ، وعلى تقدير تسليم المعارضة فلا بدّ من حملها على التقيّة .
(1) وجه الإشكال : أنّ المشهور ذهبوا إلى عدم الفرق في عدم قبول شهادة ولد الزنا بين الشيء اليسير وغيره ، ولكن عن الشيخ في النهاية وابن حمزة قبول شهادته في الشيء اليسير (2) .
ومستند ذلك ما رواه الشيخ بإسناده عن الحسين بن سعيد ، عن فضالة ، عن أبان ، عن عيسى بن عبدالله ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن شهادة ولد الزنا «فقال : لا تجوز إلاّ في الشيء اليسير إذا رأيت منه صلاحاً» (3) .
وناقش في ذلك الشهيد الثاني (قدس سره) وغيره باشتراك عيسى بن عبدالله بين الثقة وغير الثقة(4).
ولكن الظاهر أنّ المناقشة في غير محلّها ، فإنّ الثقة إنّما هو عيسى بن عبدالله القمّي الذي ورد فيه بسند صحيح مدحٌ بليغ عن الصادق (عليه السلام) (5) ، والراوي عنه هو أبان على ما ذكره الشيخ في رجاله (6) ، وروى عنه أبان في غير
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 376 / كتاب الشهادات ب 32 ح 7 ، قرب الاسناد : 298 / 1171 .
(2) النهاية : 326 ، الوسيلة : 230 .
(3) التهذيب 6 : 244 / 611 .
(4) المسالك 14 : 225 .
(5) رجال الكشي : 332 / 607 و 610 .
(6) رجال الطوسي : 258 / 567 .
ــ[136]ــ
كونه ولد زنا وإن ناله بعض الألسن (1) . ـــــــــــــــــــ
مورد ، فيتعيّن بذلك أنّ عيسى بن عبدالله الوارد في سند هذه الرواية هو القمّي الأشعري ، فتكون الرواية معتبرة .
إنّما الإشكال من جهة أنّ الشيء اليسير والكثير ليس لهما واقع محفوظ كما تقدّم (1) ، بل هما أمران إضافيّان ، فالشيء الواحد يسير بالإضافة إلى شيء وكثير بالإضافة إلى آخر ، أو أ نّه يسير بالإضافة إلى شخص وكثير بالإضافة إلى آخر ، أو أ نّه يسير في مكان أو زمان وكثير في مكان أو زمان آخر . وعلى ذلك فلا تبقى ـ للتفصيل في قبول شهادته في الشيء اليسير وعدم قبولها في الشيء الكثير ـ فائدة .
(1) فإنّه إذا كان واجداً لشرائط قبول الشهادة من العدالة وغيرها فإن ثبت بطريق شرعي كالفراش ـ مثلاً ـ أ نّه ولد حلال فهو ، وإن لم يثبت فيكفي في قبول شهادته العمومات والإطلاقات ، فإنّ المخصّص عنوان وجودي فيثبت عدمه عند الشكّ فيه بالأصل . ــــــــــــ
(1) في ص 95 .
|