(مسألة 118) : إذا شهد شاهدان عـادلان عند الحاكم ثمّ ماتا حكم بشهادتهما (3) ، وكذلك لو شهدا ثمّ زكيا من حين الشهادة (4) ، ولو شهدا ثمّ فسقا أو فسق أحدهما قبل الحكم فالمشهور عدم جواز الحكم بشهادتهما في حقوق الله ، وأمّا حقوق الناس ففيه خلاف ، والظاهر هو الحكم بشهادتهما مطلقاً ، لأنّ المعتبر إنّما هو العدالة حال الشهادة (5) .
ــــــــــــــــــــــــــ (3) بلا خلاف ولا إشكال بين الأصحاب ، وتدلّ على ذلك إطلاقات أدلّة نفوذ الشهادة وعدم قصورها عن الشمول لمثل هذه الموارد جزماً ، من دون فرق في ذلك بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدمي ، وكذلك الحكم في الجنون الطارئ بعد الشهادة .
(4) لأ نّه بالتزكية تثبت عدالة الشاهدين حين أداء الشهادة .
(5) يقع الكلام هنا في مقامين :
الأوّل : فيما إذا طرأ الفسق على أحد الشاهدين أو كليهما في حقوق الناس .
الثاني : فيما إذا كان ذلك في حقوق الله .
ــ[181]ــ
أمّا المقام الأوّل: ففيه خلاف، فذهب جماعة ـ منهم: الشيخ في الخلاف والحلبي والمحقق(1) ـ إلى عدم القدح .
وذهب جماعة اُخرى ـ منهم : الشيخ في موضع من المبسوط والفاضل في المختلف والشهيد في الدروس (2) ـ إلى القدح .
واستدلّ على ذلك بعدّة اُمور :
الأوّل : أنّ الحاكم لو حكم على طبق شهادتهما لكان ذلك من الحكم بشهادة فاسقين ، وهو غير نافذ .
وفيه : أنّ المعتبر في نفوذ الشهادة عدالة الشاهدين حين الأداء ، ومن المعلوم أنّ حكم الحاكم على طبقها من الحكم بشهادة العدلين لا الفاسقين ، على أ نّه لو لم يجز ذلك لم يجز الحكم فيما إذا طرأ الجنون عليهما أو على أحدهما .
الثاني : أنّ طروء الفسق عليهما أو على أحدهما كرجوعهما عن الشهادة قبل الحكم .
وفيه ـ مضافاً إلى أ نّه قياس محض ، وأ نّه مع الفارق ـ : أنّ الرجوع عدولٌ عن الشهادة الاُولى الموجب لبطلانها من الأوّل ، والفسق الطارئ يوجب فقط شرط قبول الشهادة بقاءً ، ومن المعلوم أ نّه لا يوجب بطلان الشهادة الاُولى .
الثالث : أنّ طروء الفسق يضعف ظنّ العدالة .
وفيه أوّلاً : أنّ الأمر ليس كذلك دائماً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الخلاف 6 : 320 الشهادات / 73 ، انظر الكافي : 440 (فالموجود فيه مخالف لما قاله السيّد (قدس سره) والظاهر قصده الحلي ووقع اشتباه في الطبع فراجع السرائر 2 : 179 ، الشرائع 4 : 146) .
(2) المبسوط 8 : 233 ، المختلف 8 : 535 ، الدروس 2 : 133 .
ــ[182]ــ
وثانياً : أ نّه لو فرض في مورد أ نّه يوجب ضعف الظنّ بالعدالة فلا أثر له بعدما ثبتت عدالته شرعاً .
نعم ، إنّ ظهور الفسق لو أوجب في مورد تشكيكاً في العدالة السابقة ، بحيث لم يمكن الحكم فعلاً بعدالة الشاهدين سابقاً ، كما إذا ثبتت عدالتهما بالاطمئنان الشخصي ، ثمّ زال الاطمئنان وحصل الشكّ فيها ، لكان ذلك قادحاً في قبول شهادتهما جزماً ، ولكن هذه الصورة خارجة عن محلّ الكلام .
وأمّا المقام الثاني : ـ وهو ما إذا كانت الشهادة في حقوق الله ـ فالمشهور فيه عدم جواز الحكم بشهادتهما ، واستدلّ على ذلك بالوجوه المتقدّمة ، وقد عرفت حالها .
وأيضاً استدلّ عليه بأمرين آخرين :
الأوّل : الإجماع .
الثاني : درء الحدود بالشبهات ، نظراً إلى أنّ طروء الفسق يوجب الشبهة .
أقول : أمّا الاجماع : فإنّ تحقّق منه ما يكشف عن قول المعصوم فهو ، ولكنّه لم يتحقّق، لقوّة احتمال أن يكون المدرك فيه الوجوه المتقدّمة ودرء الحدّ بالشبهة ، فلا إجماع تعبّدي هنا .
وأمّا الثاني : فلعل جوابه ظاهر ، إذ لا شبهة بعد شهادة شاهدين عادلين ، ومن الطبيعي أنّ طروء الفسق لا يوجب شبهة في الشهادة السابقة ، بل طروء الكفر لا يوجب ذلك فضلاً عن الفسق .
نعم ، لو فرض أ نّه في مورد أوجب التشكيك في العدالة السابقة ـ كما تقدّم ـ لكان قادحاً في نفوذ شهادتهما قطعاً ، ولكنّه غير مورد الكلام .
|