ــ[189]ــ
(مسألة 123) : تحرم الشهادة بغير حقّ ، وهي من الكبائر (1) ، فإن شهد الشاهدان شهادة الزور وحكم الحاكم بشهادتهما ثمّ ثبت عنده أنّ شهادتهما كانت شهادة زور انتقض حكمه ، وعندئذ إن كان المحكوم به من الأموال ضمناه ، ووجب ردّ العين على صاحبها إن كانت باقية، وإلاّ غرما(2)،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى ما دلّ على حرمة الكذب ـ عدّة روايات خاصّة :
منها : صحيحة هشام بن سالم عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : شاهد الزور لا تزول قدماه حتى تجب له النار» (1) .
ومنها : معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ : «أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال : يا علي ، إنّ ملك الموت إذا نزل فقبض روح الكافر نزل معه بسفود من نار ، فينزع روحه فيصيح جهنّم ، فقال علي (عليه السلام) : هل يصيب ذلك أحداً من اُمّتك ؟ قال : نعم ، حاكم جائر ، وآكل مال اليتيم ظلماً ، وشاهد زور» (2) .
(2) تدلّ على ذلك عدّة نصوص :
منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في شاهد الزور ما توبته ؟ «قال : يؤدّي من المال الذي شهد عليه بقدر ما ذهب من ماله إن كان النصف أو الثلث إن كان شهد هذا وآخر معه» (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 324 / كتاب الشهادات ب 9 ح 1 .
(2) الوسائل 27 : 324 / كتاب الشهادات ب 9 ح 3 .
(3) الوسائل 27 : 327 / كتاب الشهادات ب 11 ح 1 .
ــ[190]ــ
وكذلك المشهود له إذا كان عـالماً بالحال (1) ، وأمّا إن كان جاهلاً بالحـال فالظاهر أ نّه غير ضامن ، بل الغرامة على الشاهدين (2) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنها : صحيحة جميل عن أبي عبدالله (عليه السلام) في شاهد الزور «قال : إن كان الشيء قائماً بعينه رُدَّ على صاحبه ، وإن لم يكن قائماً ضمن بقدر ما أتلف من مال الرجل» (1) ، وقريب منها صحيحته الاُخرى (2) .
فهذه الروايات واضحة الدلالة على أنّ شاهد الزور ضامن ، وأ نّه يجب عليه أخذ العين من المشهود له إذا كانت موجودة وردّها إلى صاحبها ، وإلاّ فعليه مثلها إن كانت مثليّة ، وقيمتها إن كانت قيميّة .
(1) فإنّه لا يجـوز له حيئنذ أخذ المال المشهود له والتصرّف فيه ، بل هو غاصب حقيقةً ، فإذا أتلفه كان ضامناً له ، بل إذا غرم الشاهدان في هذه الصورة جاز لهما الرجوع إلى المشهود له ، لأنّ استقرار الضمان عليه .
(2) بيان ذلك : أنّ المحكوم له ـ في فرض كونه جاهلاً بالحال ـ كان أخذه للعين عن حقّ ، فلا موجب لضمانه ، وتدلّ على ذلك الروايات المتقدّمة الدالّة على غرامة الشاهدين في صورة تلف العين وضمانهما ، حيث إنّ مقتضى إطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة : «يؤدّي من المال ... » انحصار وجوب الأداء بقدر ما ذهب من المال على شاهد الزور دون غيره ، حيث إنّ الأداء غير الضمان ، فتعدّد الضمان بتعدّد الأشخاص لمال واحد وإن أمكن ولكن تعدّد الأداء بتعدّدهم غير ممكن ، فهذا قرينة على انحصار الغرامة والضمان على شاهد الزور دون من تلف المال بيده في هذه الصورة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 327 / كتاب الشهادات ب 11 ح 2 .
(2) الوسائل 27 : 328 / كتاب الشهادات ب 11 ح 3 .
ــ[191]ــ
وإن كان المحكوم به من غير الأموال ـ كقطع اليد والقتل والرجم وما شاكل ذلك ـ اقتصّ من الشاهد (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلا خلاف في المسألة ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات في الشهادة على الزنا زوراً :
منها : معتبرة السكوني ، عن جعفر، عن أبيه ، عن علي (عليهم السلام) : «في رجلين شهدا على رجل ـ إلى أن قال : ـ وقال في أربعة شهدوا على رجل أ نّهم رأوه مع امرأة يجامعها ، وهم ينظرون ، فرجم ، ثمّ رجع واحد منهم ، قال : يغرم ربع الدية إذا قال : شبّه عليّ ، وإذا رجع اثنان وقالا : شبّه علينا ، غرما نصف الدية ، وإن رجعوا كلّهم وقالوا : شبّه علينا ، غرموا الدية ، فإن قالوا : شهدنا بالزور ، قتلوا جميعاً» (1) .
ومنها : معتبرة مسمع كردين عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، فرجم ، ثمّ رجع أحدهم فقال : شككت في شهادتي «قال : عليه الدية» قال : قلت : فإنّه قال : شهدت عليه متعمّداً ؟ «قال : يقتل» (2) .
ومنها : صحيحة إبراهيم بن نعيم الأزدي، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن أربعة شهدوا على رجل بالزنا ، فلمّا قتل رجع أحدهم عن شهادته ، قال : «فقال : يقتل الراجع» الحديث (3) .
فهذه الصحيحة وإن كانت مطلقة إلاّ أ نّه لا بدّ من تقييدها بصورة التعمّد ، وإلاّ فليس عليه إلاّ الدية .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 27 : 332 / كتاب الشهادات ب 14 ح 2 .
(2) الوسائل 27 : 329 / كتاب الشهادات ب 12 ح 3 .
(3) الوسائل 27 : 329 / كتاب الشهادات ب 12 ح 2 .
ــ[192]ــ
(مسألة 124) : إذا أنكر الزوج طلاق زوجته ، وهي مدّعية له ، وشهد شاهدان بطلاقها ، فحكم الحاكم به، ثمّ رجعا وأظهرا خطأهما، فإن كان بعد الدخول لم يضمنا شيئاً(1)، وإن كان قبله ضمنا نصف المهر المسمّى على المشهور، ولكنّه لا يخلو من إشكال ، بل الأظهر عدم الضمان (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويمكن الاستدلال على ذلك بما تقدّم من الروايات الواردة في شهادة الزور المصرّحة بأنّ شاهد الزور هو المتلف ، فيترتّب على شهادته حكم التلف من قصاص أو رجم أو ما شاكل ذلك .
(1) لأ نّهما وإن فوّتا على الزوج منفعة البضع بشهادتهما إلاّ أ نّها لا تضمن من دون خلاف معتدٍّ به في المسألة .
(2) خلافاً للمشهور ، فإنّهم ذهبوا إلى أ نّهما يضمنان نصف المهر المسمّى . ولكنّ الأظهر عدم الضمان ، وذلك لأ نّهما لم يتلفا بشهادتهما شيئاً على الزوج ، لفرض أنّ نصف المهر قد استقرّ على ذمّته بالعقد ، سواء أطلّق أم لم يطلّق ، دخل بها أم لم يدخل ، غاية الأمر أ نّه بالدخول يستقرّ نصفه الآخر .
ومن هنا حكي عن الشيخ الإشكال في ضمانهما نصف المهر المسمّى ، نظراً إلى أنّ رجوعهما عن الشهادة بالطلاق بعد حكم الحاكم به لا يوجب تفويت شيء على الزوج ليضمناه له .
ولكن نسب إليه ضمان مهر المثل في هذه الصورة ، نظراً إلى أنّ الشاهدين قد فوّتا عليه البضع ، فيثبت مهر المثل (1) .
ويندفع ذلك بما عرفت من أ نّه لا ضمان في تفويت البضع .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) انظر في ذلك كلّه النهاية : 336، المبسوط 8 : 247، الخلاف 6 : 323 .
|