ــ[237]ــ
(مسألة 154) : الزاني إذا كان شيخاً وكان محصناً يجلد ثمّ يرجم ، وكذلك الشيخة إذا كانت محصنة (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بلا خلاف بين الأصحاب ، بل ادّعي عليه الإجماع ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :
منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: في الشيخ والشيخة جلد مائة والرجم ، والبكر والبكرة جلد مائة ونفي سنة» (1) .
فهذه الصحيحة وإن كانت مطلقة من جهة الإحصان وعدمه إلاّ أ نّه لا بدّ من تقييدها بالإحصان ، وذلك لصحيحة محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في الشيخ والشيخة أن يجلدا مائة، وقضى للمحصن الرجم، وقضى في البكر والبكرة إذا زنيا جلد مائة، ونفي سنة في غير مصرهما ، وهما اللذان قد اُملكا ولم يدخل بها» (2) .
فإنّ مقتضى هذه الصحيحة : أنّ الشيخ والشيخة لا رجم عليهما إذا لم يكونا محصنين .
فالنتيجة : أنّ الجمع بين الجلد والرجم يختصّ بصورة الإحصان ، فإذا لم يكن إحصان كان الحدّ هو الجلد فحسب .
وأمّا ما ورد في صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : الرجم في القرآن قول الله عزّ وجلّ : إذا زنى الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة ، فإنّهما قضيا الشهوة» (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 64 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 9 .
(2) الوسائل 28 : 61 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 2 .
(3) الوسائل 28 : 62 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 4 .
ــ[238]ــ
ونحوها صحيحة سليمان بن خالد ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : في القرآن رجم ؟ «قال : نعم» قلت : كيف ؟ «قال : الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة ، فإنّهما قضيا الشهوة» (1) .
فهما وإن كانتا تدلاّن على ثبوت الرجم على الشيخ والشيخة مع عدم الإحصان أيضاً ، إذ مع تخصيصهما بالإحصان لا تبقى خصوصيّة لهما ، إلاّ أ نّه لا قائل بذلك منّا ، ولا شكّ في أ نّهما وردتا مورد التقيّة ، فإنّ الأصل في هذا الكلام هو عمر ابن الخطّاب ، فإنّه ادّعى أنّ الرجم مذكور في القرآن ، وقد وردت آية بذلك ، ولكن اختلفت الروايات في لفظ الآية المدّعاة ، فإنّها نقلت بوجوه ، فمنها : ما في هاتين الصحيحتين ، ومنها : غير ذلك ، وقد تعرّضنا لذلك في كتابنا البيان ، في البحث حول التحريف ، وأنّ القرآن لم يقع فيه تحريف (2) .
بقي هنا شيء : وهو أ نّه قد يتوهّم معارضة صحيحة الحلبي بصحيحة أبي العبّاس عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : رجم رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ولم يجلد» وذكروا : أنّ عليّاً (عليه السلام) رجم بالكوفة وجلد ، فأنكر ذلك أبو عبدالله (عليه السلام) وقال : «ما نعرف هذا» أي لم يحدّ رجلاً حدّين : جلد ورجم في ذنب واحد (3) .
ولكنّه يندفع بأنّ الصحيحة إنّما تدلّ على نفي الوقوع خارجاً لا على نفي التشريع ، كما يدلّ على ذلك صدر الصحيحة من أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لم يجلد ، على أ نّها على تقدير المعارضة تحمل على التقيّة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 67 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 18 .
(2) البيان : 200 ـ 257 .
(3) الوسائل 28 : 62 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 5 .
ــ[239]ــ
وأمّا إذا لم يكونا محصنين ففيه الجلد فحسب (1) ، وإذا كان الزاني شاباً أو شابّة فإنّه يرجم إذا كان محصناً (2) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ظهر حكم ذلك ممّا تقدّم .
(2) بلا خلاف بين العلماء ، وقد ادّعي الإجماع على ذلك ، وتدلّ على هذا عدّة روايات :
منها : صحيحة محمّد بن قيس المتقدّمة .
ومنها : موثّقة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : الحرّ والحرّة إذا زنيا جلد كلّ واحد منهما مائة جلدة ، فأمّا المحصن والمحصنة فعليهما الرجم» (1) .
وهل يجب عليهما الجلد قبل الرجم ، أو يقتصر على الرجم ؟
فيه خلاف ، قال المحقق في الشرائع : وإن كان شابّاً ففيه روايتان ، إحداهما : يرجم لا غير، والاُخرى : يجمع له بين الحدّين ، وهو أشبه (2) . وارتضاه صاحب الجواهر (قدس سره) (3) .
أقول : الصحيح أ نّه لا جلد وإنّما يجب الرجم فقط ، فإنّ ما ورد من الروايات في الجمع بين الجلد والرجم مطلق ، ولم يذكر في شيء منها الشاب والشابّة :
منها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) : «في المحصن والمحصنة جلد مائة ثمّ الرجم» (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 62 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 3 .
(2) الشرائع 4 : 158 .
(3) الجواهر 41 : 318 ـ 319 .
(4) الوسائل 27 : 63 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 8 .
ــ[240]ــ
ومنها: صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام): «في المحصن والمحصنة جلد مائة ثمّ الرجم»(1).
وعليه ، فلا بدّ من رفع اليد عن إطلاقهما بصحيحة عاصم بن حميد، عن أبي بصير، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: الرجم حدّ الله الأكبر، والجلد حدّ الله الأصغر، فإذا زنى الرجل المحصن رجم ولم يجلد» (2) .
وهذه الصحيحة لا بدّ من تقييدها بغير الشيخ والشيخة ، لما مرّ من الجمع بين الجلد والرجم فيهما ، فتحمل هذه الصحيحة على الشابّ والشابّة ، فتكون أخصّ من الصحيحتين المتقدّمتين ، فتحمل الصحيحتان على الشيخ والشيخة .
وتؤيّد ذلك رواية عبدالله بن طلحة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا زنى الشيخ والعجوز جلدا ثمّ رجما عقوبةً لهما ، وإذا زنى النصف من الرجال رجم ، ولم يجلد إذا كان قد أحصن» الحديث (3) .
بقي هنا شيء : وهو أ نّه ورد في معتبرة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : قضى علي (عليه السلام) في امرأة زنت فحبلت فقتلت ولدها سرّاً ، فأمر بها فجلدها مائة جلدة ، ثمّ رجمت وكانت أوّل من رجمها» (4) .
وهذه الرواية قد يتوهّم أ نّها تدلّ على الجمع بين الجلد والرجم في غير الشيخ والشيخة ، حيث إنّ موردها المرأة التي حبلت .
ولكنّه يندفع بأنّ الرواية مطلقة ولم يفرض فيها إحصان المرأة ، فالجمع بين الحدّين في مورد الرواية إنّما هو في صورّة خاصّة ، وهي ما إذا قتلت الزانية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 65 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 14 .
(2) الوسائل 28 : 61 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 1 .
(3) الوسائل 28 : 64 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 11 .
(4) الوسائل 28 : 65 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 13 .
ــ[241]ــ
ويجلد إذا لم يكن محصناً (1) .
(مسألة 155) : هل يختصّ الحكم فيما ثبت فيه الرجم بما إذا كانت المزني بها عاقلة بالغـة ، فلو زنى البالغ المحصن بصبيّة أو مجنونة فلا رجم ؟ فيه خلاف ، ذهب جماعة إلى الاختصاص ، منهم : المحقق في الشرائع [ (1) ] ، ولكنّ الظاهر عموم الحكم (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولدها ، فإن أمكن العمل بها في موردها فهو ، وإلاّ فهي مطروحة ، لمعارضتها بما دلّ على أنّ المحصن يرجم وغير المحصن يجلد .
(1) من دون خلاف بين الأصحاب .
وتدلّ عليه الآية المباركة: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَة ...) (2) ، بعد تقييد إطلاقها بغير المحصن.
وعدّة روايات :
منها : ما تقدّم .
ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : الذي لم يحصن يجلد مائة جلدة ولا ينفى ، والذي قد اُملك ولم يدخل بها يجلد مائة وينفى» (3) .
(2) وذلك للإطلاقات الدالّة على ثبوت الرجم مع الإحصان ، وعدم وجود ما يصلح للتقييد إلاّ ما قيل من نقص حرمة المجنونة والصبيّة بالإضافة إلى العاقلة البالغة، ومن نقص اللذّة في الزنا بالصغيرة، ومن قياس ذلك بما إذا وزنت
ــــــــــــــــــــــــــــ
[ 1 ] الشرائع 4 : 158 .
(2) النور 24 : 2 .
(3) الوسائل 28 : 63 / أبواب حد الزنا ب 1 ح 7 .
|