ــ[271]ــ
(مسألة 176) : لو وجد الزاني عارياً جلد عارياً . وإن وجد كاسياً ، قيل : يجرّد فيجلد ، وفيه إشكال ، والأظهر جواز جلده كاسياً (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
النهي التحريم . والأولى حمله على الكراهة ، لقصوره سنداً عن إفادة التحريم ، مضافاً إلى أصالة الإباحة ، انتهى(1) .
وفيه أوّلاً : أنّ الرواية وإن كانت ضعيفة على طريق الشيخ إلاّ أ نّها صحيحة على طريق الصدوق ، بل هي صحيحة على طريق الكليني أيضاً ، فإنّه رواها بسند صحيح عن خلف بن حمّاد عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، غير أ نّها لم تثبت ، فإنّ الشيخ رواها بعين السند عن خالد بن حمّاد كما تقدّم ، فلا وجه للمناقشة في سندها .
وثانياً : أنّ الدليل غير منحصر بها كما عرفت .
(1) ذهب جماعة ـ منهم الفاضلان في النافع والقواعد(2) ـ أ نّه يجلد مجرّداً .
ومستند هذا القول معتبرة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) عن الزاني كيف يجلد ؟ «قال : أشدّ الجلد» قلت : فمن فوق ثيابه ؟ «قال : بل تخلع ثيابه» الحديث(3) ، وقريب منها معتبرته الاُخرى(4) .
ولكن عن جماعة اُخرى ـ بل نسب إلى المشهور ـ أ نّه يجلد على الحال التي وجد عليها : إن عارياً فعارياً وإن كاسياً فكاسياً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المسالك 14 : 388 .
(2) المختصر النافع : 216 ، القواعد 3 : 530 .
(3) الوسائل 28 : 92 / أبواب حد الزنا ب 11 ح 2 .
(4) الوسائل 28 : 92 / أبواب حد الزنا ب 11 ح 3 .
ــ[272]ــ
وأمّا المرأة الزانية فتجلد وهي كاسية (1) ، والرجل يجلد قائماً ، والمرأة قاعدة ، ويتّقى الوجه والمذاكير (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومستند ذلك معتبرة طلحة بن زيد ، عن جعفر ، عن أبيه (عليهما السلام) «قال : لا يجرّد في حدّ ولا يشنح ـ يعني : يمدّ ـ وقال : ويضرب الزاني على الحال التي وجد عليها : إن وجد عرياناً ضرب عرياناً ، وإن وجد وعليه ثيابه ضرب وعليه ثيابه»(1) .
وبما أنّ معتبرة طلحة بن زيد معارضة بمعتبرتي إسحاق بن عمار ، نظراً إلى أ نّها ظاهرة في حرمة التجريد ، وهما ظاهرتان في وجوبه ، فتسقطان ، فالمرجع هو إطلاقات أدلّة الجلد من الكتاب والسنّة ، ومقتضاها جواز الجلد كاسياً .
ويمكن أن يقال : إنّ معتبرة إسحاق بن عمار مطلقة من ناحية أ نّه كان في حال وجدانه عارياً واُكسي بعد ذلك ، وأ نّه كان كاسياً حال وجدانه ، وعليه فيقيّد إطلاقها بمعتبرة طلحة بن زيد .
فالنتيجة : هي اختصاص وجوب الخلع بما إذا كان في حال وجدانه عارياً ، وأمّا إذا كان كاسياً حين وجدانه ضرب وعليه ثيابه .
(1) لأنّ وجوب التجريد ـ على القول به ـ يختصّ دليله بالرجل ، وأمّا بدن المرأة فلا بدّ من ستره .
(2) تدلّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : يضرب الرجل الحدّ قائماً والمرأة قاعدة، ويضرب على كلّ عضو، ويترك الرأس والمذاكير» (2).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 93 / أبواب حد الزنا ب 11 ح 7 .
(2) الوسائل 28 : 92 / أبواب حد الزنا ب 11 ح 1 .
ــ[273]ــ
(مسألة 177) : يجوز للحاكم الجامع للشرائط إقامة الحدود على الأظهر (1).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) هذا هو المعروف والمشهور بين الأصحاب ، بل لم ينقل فيه خلاف إلاّ ما حكي عن ظاهر ابني زهرة وإدريس من اختصاص ذلك بالإمام أو بمن نصّبه لذلك(1) . وهو لم يثبت ، ويظهر من المحقق في الشرائع والعلاّمة في بعض كتبـه التوقّف(2) .
ويدلّ على ما ذكرناه أمران :
الأوّل : أنّ إقامة الحدود إنّما شرّعت للمصلحة العامّة ودفعاً للفساد وانتشار الفجور والطغيان بين الناس ، وهذا ينافي اختصاصه بزمان دون زمان ، وليس لحضور الإمام (عليه السلام) دخل في ذلك قطعاً ، فالحكمة المقتضية لتشريع الحدود تقضي بإقامتها في زمان الغيبة كما تقضي بها زمان الحضور .
الثاني : أنّ أدلّة الحدود ـ كتاباً وسنّةً ـ مطلقة وغير مقيّدة بزمان دون زمان، كقوله سبحانه: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِد مِنْهُما مائَةَ جَلْدَة)(3)، وقوله تعالى : (السَّارِق وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما)(4) . وهذه الأدلّة تدلّ على أ نّه لا بدّ من إقامة الحدود ، ولكنّها لا تدلّ على أنّ المتصدّي لإقامتها من هو ، ومن الضروري أنّ ذلك لم يشرّع لكلّ فرد من أفراد المسلمين ، فإنّه يوجب اختلال النظام ، وأن لا يثبت حجر على حجر، بل يستفاد من عدّة روايات أ نّه لا يجوز إقامة الحدّ لكلّ أحد:
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الغنية 2 : 437 ، السرائر 3 : 432 .
(2) الشرائع 4 : 75 ، منتهى المطلب 2 : 994 (حجري) ..
(3) النور 24 : 2 .
(4) المائدة 5 : 38 .
ــ[274]ــ
منها : صحيحة داود بن فرقد ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «إنّ أصحاب رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قالوا لسعد بن عبادة: أرأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به؟ قال: كنت أضربه بالسيف ، قال : فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) فقال : ماذا يا سعد ؟ فقال سعد : قالوا : لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به ؟ فقلت : أضربه بالسيف ، فقال : يا سعد ، فكيف بالأربعة الشهود ؟ فقال : يا رسول الله بعد رأي عيني وعلم الله أن قد فعل ؟ قال : اي والله بعد رأي عينك وعلم الله أن قد فعل، إنّ الله قد جعل لكلّ شيء حدّاً، وجعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً»(1).
فإذن لا بدّ من الأخذ بالمقدار المتيقّن ، والمتيقّن هو من إليه الأمر ، وهو الحاكم الشرعي .
وتؤيّد ذلك عدّة روايات :
منها : رواية إسحاق بن يعقوب ، قال : سألت محمّد بن عثمان العمري أن يوصل لي كتاباً قد سألت فيه عن مسائل أشكلت عليَّ ، فورد التوقيع بخطّ مولانا صاحب الزمان (عليه السلام) : «أمّا ما سألت عنه أرشدك الله وثبّتك ـ إلى أن قال : ـ وأمّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا ، فإنّهم حجّتي عليكم وأنا حجّة الله»(2) .
ومنها : رواية حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) من يقيم الحدود : السلطان أو القاضي ؟ «فقال : إقامة الحدود إلى من إليه الحكم»(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 14 / أبواب مقدمات الحدود ب 2 ح 1 .
(2) الوسائل 27 : 140 / أبواب صفات القاضي ب 11 ح 9 .
(3) الوسائل 28 : 49 / أبواب مقدمات الحدود ب 28 ح 1 .
ــ[275]ــ
فإنّها ـ بضميمة ما دلّ على أنّ من إليه الحكم في زمان الغيبة هم الفقهاء ـ تدلّ على أنّ إقامة الحدود إليهم ووظيفتهم .
وأمّا الاستدلال على عدم الجواز بما في دعائم الإسلام والأشعثيّات عن الصادق (عليه السلام) عن آبائه عن علي (عليهم السلام) : «لا يصلح الحكم ولا الحدود ولا الجمعة إلاّ بإمام»(1) .
ففيه: أنّ ما في دعائم الإسلام ـ لإرساله ـ لم يثبت. وأمّا الأشعثيّات ـ المعبّر عنها بالجعفريّات أيضاً ـ فهي أيضاً لم تثبت .
بيان ذلك : أنّ كتاب محمّد بن محمّد الأشعث ـ الذي وثّقه النجاشي وقال : له كتاب الحجّ ذكر فيه ما روته العامّة عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) في الحجّ(2) ـ وإن كان معتبراً إلاّ أ نّه لم يصل إلينا ولم يذكره الشيخ في الفهرست ، وهو لا ينطبق على ما هو موجود عندنا جزماً ، فإنّ الكتاب الموجود بأيدينا مشتمل على أكثر أبواب الفقه ، وذلك الكتاب في الحجّ خاصّة وفي خصوص ما روته العامّة عن جعفر بن محمّد (عليهما السلام) .
وأمّا ما ذكره النجاشي والشيخ في ترجمـة إسماعيل بن موسى بن جعفر (عليهم السلام) من أنّ له كتباً يرويها عن أبيه عن آبائه ، منها : كتاب الطهارة ، إلى آخر ما ذكراه(3) .
فهو وإن كان معتبراً أيضاً ، فإنّ طريقهما إلى تلك الكتب هو الحسين بن عبيدالله عن سهل بن أحمد بن سهل عن محمّد بن محمّد الأشعث عن موسى بن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المستدرك 17 : 402 / كتاب القضاء ب23 ح2، دعائم الإسلام 1 : 182، الأشعثيّات: 43 .
(2) رجال النجاشي : 379 / 1031 .
(3) رجال النجاشي : 26 / 48 ، الفهرست : 10 / 31 .
|