(مسألة 188) : يتخيّر الإمام في قتل اللائط المحصن وكذلك غير المحصن إن قلنا بوجوب قتله بين أن يضربه بالسيف وإذا ضربه بالسيف لزم إحراقه بعده بالنار على الأظهر (1) ، أو يحرقه بالنار ، أو يدحرج به مشدود اليدين والرجلين من جبل ونحوه، وإذا كان اللائط محصناً فللإمام أن يرجمه(2)، وأمّا الملوط فالإمام مخيّر بين رجمه والأحكام الثلاثة المذكورة ، ولا فرق بين كونه محصناً أو غير محصن (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) يدلّ على ذلك إطلاق صحيحة عبدالرحمن العرزمي الآتية .
(2) قد تقدّم تفصيل ذلك قريباً .
(3) بيان ذلك : أنّ النصوص الواردة في المقام على طوائف ، ويستفاد التخيير بين الأحكام المزبورة من الجمع بين تلك الطوائف :
الطائفة الاُولى : ما دلّت على أنّ حكم الملوط الرجم مطلقاً ، كصحيحة يزيد ابن عبدالملك المتقدّمة(1)، ومعتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: قال أمير المؤمنين (عليه السلام): إذا كان الرجل كلامه كلام النساء ومشيته مشية النساء ويمكّن من نفسه ينكح كما تنكح المرأة فارجموه ولا تستحيوه» (2) .
الطائفة الثانية : ما دلّت على أنّ حكمه القتل مطلقاً ، كصحيحة حمّاد بن عثمان المتقدّمة (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 281 .
(2) الوسائل 28 : 159 / أبواب حد اللواط ب 3 ح 5 .
(3) في ص 281 .
ــ[287]ــ
الطائفة الثالثة : ما دلّت على أنّ حكمه الإحراق بالنار ، كصحيحة جعفر بن محمّد ، عن عبدالله بن ميمون ، عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كتب خالد إلى أبي بكر : سلام عليك ، أمّا بعد فإنّي أتيت برجل قامت عليه البيّنة أ نّه يؤتى في دبره كما تؤتى المرأة، فاستشار فيه أبو بكر ، فقالوا : اقتلوه، فاستشار فيه أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) فقال: احرقه بالنار» الحديث(1).
وقد يقال : إنّ الرواية ضعيفة ، لجهالة جعفر بن محمّد .
ولكنّه يندفع : بأنّ جعفر بن محمّد الذي يروي عن عبدالله بن ميمون هو جعفر بن محمّد بن عبيدالله ، بقرينة أ نّه من رواة كتابه على ما فصّلناه في كتابنا المعجم(2) ، وهو وإن لم يوثّق في كتب الرجال إلاّ أ نّه موجود في أسناد كامل الزيارات . فاذن الرواية صحيحة .
وبعد ذلك نقول : إنّ مقتضى الجمع بين هذه الطوائف هو رفع اليد عن ظهور كلّ واحدة منها في الوجوب التعييني والحمل على التخيير .
فالنتيجة : هي أنّ الإمام مخيّر بين رجم الملوط ـ كما هو مقتضى نصّ الطائفة الاُولى ـ وبين قتله بالضرب بالسيف أو اهدابه مشدود اليدين والرجلين من جبل أو نحوه ـ كما هو مقتضى إطلاق الطائفة الثانية ـ وبين إحراقه بالنار ، كما هو مقتضى صريح الطائفة الثالثة .
هذا ، مضافاً إلى أ نّه يمكن الاستدلال على ثبوت الأحكام الثلاثة الأخيرة للملوط بصحيحة مالك بن عطيّة المتقدّمة (3) ، ببيان : أنّ موردها وإن كان هو اللائط إلاّ أ نّها تدلّ على ثبوت تلك الأحكام للملوط بالأولويّة القطعيّة ، والسبب في ذلك هو أنّ حكم الملوط في الشريعة المقدّسة على ما يستفاد من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 160 / أبواب حد اللواط ب 3 ح 9 .
(2) المعجم 5 : 83 / 2280 .
(3) في ص 280 .
ــ[288]ــ
الروايات أشدّ من حكم اللائط ، فإنّ حكمه القتل أو الرجم مطلقاً دونه . وعليه ، فإذا ثبتت لللائط هذه الأحكام الثلاثة التي بعضها أشدّ من الرجم لو لم يكن جميعها كذلك ثبتت للملوط بطريق أولى . وحينئذ فمقتضى الجمع بينها وبين الطائفة الاُولى هو ما ذكرناه من التخيير .
وكيف كان ، فلا شبهة في ثبوت تلك الأحكام للملوط كما أ نّها ثابتة لللائط .
ثمّ إنّ الإمام إذا اختار ضربه بالسيف أحرقه بالنار بعده ، وذلك لصحيحة عبدالرحمن العرزمي ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «وجد رجل مع رجل في إمارة عمر فهرب أحدهما واُخذ الآخر ، فجيء به إلى عمر فقال للناس : ما ترون في هذا ؟ فقال هذا : اصنع كذا ، وقال هذا : اصنع كذا ، قال : فما تقول يا أبا الحسن ؟ قال : اضرب عنقه ، فضرب عنقه ، قال : ثمّ أراد أن يحمله فقال : مه ، إنّه قد بقي من حدوده شيء ، قال : أيّ شيء بقي ؟ قال : ادع بحطب ، فدعا عمر بحطب ، فأمر به أمير المؤمنين (عليه السلام) فاُحرق به»(1) .
أقول : إنّ مقتضى إطلاق هذه الصحيحة وإن كان تعيّن ذلك إلاّ أ نّه لا بدّ من رفع اليد عن هذا الإطلاق بنصّ الروايات المتقدّمة ، كما أ نّه لا بدّ من رفع اليد عن إطلاق تلك الروايات بنصّ هذه الصحيحة الدالّة على ثبوت الحكم في اللواط ، ولا يشكّ في ثبوته على الملوط ، لما عرفت من أنّ أمره أشدّ من اللائط ، ويحكم بثبوته على اللائط أيضاً ، للإطلاق المقامي ، وكون الإمام (عليه السلام) في مقام البيان ، فإذا اختار الإمام (عليه السلام) قتل اللائط بالسيف لزم إحراقه بعده بالنار .
وقد تحصّل من ذلك : أ نّه لا فرق بين اللائط المحصن والملوط من هذه الناحية أصلاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 158 / أبواب حد اللواط ب 3 ح 4 .
|