ــ[306]ــ
الثامن : القذف
وهو الرمي بالزنا أو اللواط ، مثل أن يقول لغيره : زنيت أو أنت زان ، أو ليط بك، أو أنت منكوح في دبرك ، أو أنت لائط، أو ما يؤدّي هذا المعنى.
(مسألة 200) : لا يقام حدّ القذف إلاّ بمطالبة المقذوف ذلك (1) .
(مسألة 201) : يعتبر في القاذف البلوغ والعقل ، فلو قذف الصبي أو المجنون لم يحدّ (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) تقدّم الكلام في ذلك في مبحث الزنا عموماً (1) .
وتدلّ عليه بالخصوص معتبرة عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل قال للرجل : يا ابن الفاعلة ـ يعني : الزنا ـ «فقال : إن كانت اُمّه حيّة شاهدة ثمّ جاءت تطلب حقّها ضرب ثمانين جلدة ، وإن كانت غائبة انتظر بها حتى تقدم ثمّ تطلب حقّها ، وإن كانت قد ماتت ولم يعلم منها إلاّ خير ضُرِبَ المفتري عليها الحدّ ثمانين جلدة» (2) .
(2) تدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى ما تقدّم من حديث رفع القلم عنهما ـ صحيحة فضيل بن يسار ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «لا حدّ لمن لا حدّ عليه ، يعني : لو أنّ مجنوناً قذف رجلاً لم أرَ عليه شيئاً ، ولو قذفه رجل فقال : يا زان ، لم يكن عليه حدّ» (3) ، ونحوها معتبرة إسحاق بن عمار(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 276 ـ 277 .
(2) الوسائل 28 : 187 / أبواب حد القذف ب 6 ح 1 .
(3) ، (4) الوسائل 28 : 42 / أبواب مقدمات الحدود ب 19 ح 1 .
ــ[307]ــ
ولا فرق في القاذف بين الحرّ والعبد (1) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وصحيحة أبي مريم الأنصاري ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن الغلام لم يحتلم يقذف الرجل ، هل يجلد ؟ «قال : لا ، وذلك لو أنّ رجلاً قذف الغلام لم يجلد»(1) .
ولا يضر بصحّتها وقوع القاسم بن سليمان في سندها ، لأ نّه ثقة على الأظهر .
(1) على المشهور شهرة عظيمة ، وتدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى ظاهر الآية : (وَا لَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ ، ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء...)(2) ـ عدّة نصوص :
منها : معتبرة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال في الرجل إذا قذف المحصنة : «يجلد ثمانين ، حرّاً كان أو مملوكاً»(3) .
ومنها: معتبرته الثانية ، قال: سألته عن المملوك يفتري على الحرّ «قال: يجلد ثمانين» الحديث(4).
ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا قذف العبد الحرّ جلد ثمانين . وقال : هذا من حقوق الناس»(5) .
ومنها : معتبرة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : في مملوك قذف حرّة محصنة «قال : يجلد ثمانين ، لأ نّه إنّما يجلد بحقّها»(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 185 / أبواب حد القذف ب 5 ح 1 .
(2) النور 24 : 4 .
(3) الوسائل 28 : 178 / أبواب حد القذف ب 4 ح 1 .
(4) الوسائل 28 : 180 / أبواب حد القذف ب 4 ح 5 .
(5) الوسائل 28 : 179 / أبواب حد القذف ب 4 ح 4 .
(6) الوسائل 28 : 180 / أبواب حد القذف ب 4 ح 8 .
ــ[308]ــ
ومنها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أ نّه سُئِل عن المكاتب افترى على رجل مسلم «قال: يضرب حدّ الحرّ ثمانين إن كان أدّى من مكاتبته شيئاً أو لم يؤدّ» الحديث(1) .
ومنها : معتبرة أبي بكر الحضرمي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن مملوك قذف حرّاً «قال : يجلد ثمانين ، هذا من حقوق الناس» الحديث(2) .
هذا ، وقد خالف في المسألة الصدوق والشيخ في محكي الهداية والمبسوط ، فذهبا إلى اعتبار الحرّيّة في إجراء الحدّ الكامل(3) .
وتدلّ على ذلك معتبرة القاسم بن سليمان قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن العبد إذا افترى على الحرّ ، كم يجلد ؟ «قال : أربعين ، وقال : إذا أتى بفاحشة فعليه نصف العذاب»(4) .
ولكن هذه الرواية لا تعارض الروايات المتقدّمة من وجوه :
أوّلاً : من جهة شهرة تلك الروايات بين الأصحاب ومعروفيّتها وشذوذ هذه ، فتطرح ولا يعمل بها .
وثانياً : أنّ تلك الروايات موافقة لإطلاق قوله تعالى : (وَا لَّذِينَ يَرْمُونَ المُحْصَنَاتِ...)(5) وهذه مخالفة له، وأمّا قوله تعالى: (فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَة فَعَلَيْهُنَّ نِصْفُ مَا عَلَى المُحْصَنَاتِ)(6) فالمراد من الفاحشة فيه هو الزنا وما بحكمه فحسب .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 181 / أبواب حد القذف ب 4 ح 9 .
(2) الوسائل 28 : 181 / أبواب حد القذف ب 4 ح 10 .
(3) الهداية : 293 ، المبسوط 8 : 16 .
(4) الوسائل 28 : 183 / أبواب حد القذف ب 4 ح 15 .
(5) النور 24 : 4 .
(6) النساء 4 : 25 .
ــ[309]ــ
ولا بين المسلم والكافر (1) .
(مسألة 202) : يعتبر في المقذوف البلوغ والعقل (2)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وثالثاً : أنّ تلك الروايات مخالفة للعامّة ، حيث إنّ صاحب المغني نسب القول باعتبار الحرّيّة في الحدّ الكامل إلى أكثر أهل العلم ، بل قال : كاد أن يكون اتّفاقاً ، ونقل دعوى الإجماع على ذلك من الصحابة والطعن على من خالفهم في المسألة(1) . وهذه الرواية موافقة لها .
فالنتيجة : أنّ الصحيح هو ما ذهب إليه المشهور .
وأمّا صحيحة محمّد عن أبي جعفر (عليه السلام) : في العبد يفتري على الحرّ «قال : يجلد حدّاً إلاّ سوطاً أو سوطين»(2) .
ومعتبرة سماعة ، قال : سألته عن المملوك يفتري على الحرّ «قال : عليه خمسون جلدة»(3) .
فهما روايتان شاذّتان فلا بدّ من طرحهما ، حيث لا عامل بهما لا من العامّة ولا من الخاصّة ، على أ نّهما مخالفتان لإطلاق الكتاب .
(1) لإطلاق الأدلّة ، ولخصوص معتبرة بكير عن أحدهما (عليهما السلام) ، أ نّه قال : «من افترى على مسلم ضُرِبَ ثمانين ، يهوديّاً أو نصرانيّاً أو عبداً»(4) .
(2) تدلّ على ذلك صحيحة الفضيل ومعتبرة إسحاق بن عمار وصحيحة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المغني 10 : 198 .
(2) الوسائل 28 : 184 / أبواب حد القذف ب 4 ح 19 .
(3) الوسائل 28 : 184 / أبواب حد القذف ب 4 ح 20 .
(4) الوسائل 28 : 182 / أبواب حد القذف ب 4 ح 13 .
ــ[310]ــ
والحرّيّة (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أبي مريم الأنصاري المتقدّمات في المسألة السابقة .
وتدلّ على اعتبار البلوغ في المقذوف ـ مضافاً إلى ذلك ـ صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في الرجل يقذف الصبيّة ، يجلد ؟ «قال : لا ، حتى تبلغ» (1) .
وفي صحيحته الثانية : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقذف الجارية الصغيرة «قال : لا يجلد إلاّ أن تكون أدركت أو قاربت (قارنت) »(2) .
والظاهر أنّ المراد بالإدراك في هذه الصحيحة هو رؤية الحيض ، وبالقرب من ذلك إكمالها تسع سنين . فالنتيجة : أن تكون بالغة .
(1) بلا خلاف بين الأصحاب ، بل ادّعي عليه الإجماع .
وتدلّ على ذلك صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : من افترى على مملوك عُزّر لحرمة الإسلام»(3) .
وصحيحة منصور بن حازم عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في الحرّ يفتري على المملوك «قال : يُسأل ، فإن كانت اُمّه حرّة جُلِدَ الحدّ»(4) .
فإنّ الظاهر من الفرية فيها هو نسبة التولّد من الزنا إليه ، فعندئذ تكون الفرية فرية لاُمّه ، فإذا كانت حرّة فعليه حدّ القذف .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 186 / أبواب حد القذف ب 5 ح 4 .
(2) الوسائل 28 : 185 / أبواب حد القذف ب 5 ح 3 .
(3) الوسائل 28 : 181 / أبواب حد القذف ب 4 ح 12 .
(4) الوسائل 28 : 181 / أبواب حد القذف ب 4 ح 11 .
ــ[311]ــ
والإسلام(1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتؤيّد ذلك رواية عبيد بن زرارة ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «لو اُتيت برجل قذف عبداً مسلماً بالزنا لا نعلم منه إلاّ خيراً لضربته الحدّ حدّ الحرّ إلاّ سوطاً»(1) .
ورواية حمزة بن حمران عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال : سألته عن رجل أعتق نصف جاريته ثمّ قذفها بالزنا ، قال : «قال : أرى عليه خمسين جلدة» الحديث(2) .
ثمّ إنّه لا فرق بين كون القاذف أجنبيّاً أو مولاه ، وذلك لإطلاق النصوص .
(1) من دون خلاف في البين ، بل عليه الإجماع .
وتدلّ على ذلك صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أ نّه نهى عن قذف من ليس على الإسلام إلاّ أن يطّلع على ذلك منهم «وقال : أيسر ما يكون أن يكون قد كذب»(3) .
وصحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أ نّه نهى عن قذف من كان على غير الإسلام إلاّ أن تكون قد اطّلعت على ذلك منه(4) .
فإنّهما واضحتا الدلالة على أ نّه لا بأس بقذف من ليس على الإسلام إذا كان مطّلعاً على ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 178 / أبواب حد القذف ب 4 ح 2 .
(2) الوسائل 28 : 179 / أبواب حد القذف ب 4 ح 3 .
(3) الوسائل 28 : 173 / أبواب حد القذف ب 1 ح 1 .
(4) الوسائل 28 : 173 / أبواب حد القذف ب 1 ح 2 .
ــ[312]ــ
والإحصان(1)، فلو لم يكن المقذوف واجداً لهذه الأوصاف لم يثبت الحدّ بقذفه . نعم ، يثبت التعزير حسبما يراه الحاكم من المصلحة على ما سيأتي في باب التعزير . ولو قذف الأب ابنه لم يحدّ (2) ، وكذلك لو قذف اُمّ ابنه الميّتة .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فالنتيجة : هي اعتبار البلوغ والعقل والحرّيّة والإسلام في المقذوف .
(1) وهو هنا بمعنى العفّة كما هو المستعمل فيه في عدّة من الآيات والروايات ، وقد رود التقييد بذلك في عدّة من الروايات :
منها : معتبرة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال في الرجل إذا قذف المحصنة : «يجلد ثمانين ، حرّاً كان أو مملوكاً»(1) .
ومنها : صحيحة عبيد بن زرارة المتقدّمة .
(2) تدلّ عليه صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل قذف ابنه بالزنا «قال : لو قتله ما قتل به، وإن قذفه لم يجلد له» قلت : فإن قذف أبوه اُمّه ؟ «قال : إن قذفها وانتفى من ولدها تلاعنا ولم يلزم ذلك الولد الذي انتفى منه ، وفرّق بينهما ولم تحلّ له أبداً . قال : وإن كان قال لابنه واُمّه حيّة : يا ابن الزانية ، ولم ينتف من ولدها ، جلد الحدّ لها ، ولم يفرّق بينهما . قال : وإن كان قال لابنه : يا ابن الزانية ، واُمّه ميّتة ولم يكن لها من يأخذ بحقّها منه إلاّ ولدها منه ، فإنّه لا يقام عليه الحدّ ، لأنّ حقّ الحدّ قد صار لولده منها ، فإن كان لها ولد من غيره فهو وليّها يجلد له ، وإن لم يكن لها ولد من غيره وكان لها قرابة يقومون بأخذ الحدّ جلد لهم»(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 178 / أبواب حد القذف ب 4 ح 1 .
(2) الوسائل 28 : 196 / أبواب حد القذف ب 14 ح 1 .
ــ[313]ــ
نعم ، لو كان لها ابن من غيره ثبت له الحدّ ، وكذا الحال إذا كان لها قرابة (1) .
(مسألة 203) : لو قذف رجل جماعة بلفظ واحد ، فإن أتوا به مجتمعين ضُرِب حدّاً واحداً ، وإن أتوا به متفرّقين ضرب لكلّ منهم حدّاً (2) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الدليل على ذلك ذيل صحيحة محمّد بن مسلم المتقدّمة .
(2) على المشهور ، بل ادّعي عليه عدم الخلاف .
وتدلّ على ذلك صحيحة جميل بن درّاج عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل افترى على قوم جماعة «قال : إن أتوا به مجتمعين ضُرِبَ حدّاً واحداً ، وإن أتوا به متفرّقين ضرب لكلّ منهم حدّاً»(1) .
وصحيحة محمّد بن حمران عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل افترى على قوم جماعة قال : «فقال : إن أتوا به مجتمعين به ضُرِبَ حدّاً واحداً ، وإن أتوا به متفرّقين ضُرِبَ لكلّ رجل حدّاً»(2) .
وما يتوهّم من اشتراك محمّد بن حمران بين الثقة وغيره يندفع بما ذكرناه في معجم رجال الحديث من أنّ الوارد في الروايات هو النهدي الثقة(3) .
وعلى ما في الصحيحتين تحمل معتبرة سماعة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في رجل افترى على نفر جميعاً فجلده حدّاً واحداً»(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 192 / أبواب حد القذف ب 11 ح 1 .
(2) الوسائل 28 : 192 / أبواب حد القذف ب 11 ح 3 .
(3) معجم رجال الحديث 17 : 46 ـ 47 / 10666 .
(4) الوسائل 28 : 193 / أبواب حد القذف ب 11 ح 4 .
ــ[314]ــ
ولو قذفهم متفرّقين حدّ لكلّ منهم حدّاً (1) .
(مسألة 204) : إذا عفا المقذوف حدّ القذف عن القاذف فليس له المطالبة به بعد ذلك (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
فإنّها مطلقة ، فتحمل على ما إذا أتوا به جميعاً .
وأمّا رواية بريد عن أبي جعفر (عليه السلام) : في الرجل يقذف القوم جميعاً بكلمة واحدة «قال : إذا لم يسمّهم فإنّما عليه حدّ واحد ، وإن سمّى فعليه لكلّ رجل حدّ»(1) .
فهي وإن دلّت على تعدّد الحدّ إن سمّاهم ولو أتوا به مجتمعين إلاّ أ نّها ضعيفة السند ، فلا يمكن الاعتماد عليها ، إذ في سندها أبو الحسن الشامي ، وهو لم يوثّق ولم يمدح .
(1) تدلّ على ذلك صحيحة الحسن العطّار ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام): رجل قذف قوماً «قال: بكلمة واحدة؟» قلت: نعم «قال: يضرب حدّاً واحداً ، فإن فرّق بينهم في القذف ضرب لكلّ واحد منهم حدّاً»(2) ، وإطلاق الجملة الاُولى يحمل على ما إذا أتوا بالقاذف مجتمعين .
(2) تدلّ على ذلك معتبرة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن الرجل يفتري على الرجل فيعفو عنه ، ثمّ يريد أن يجلده بعد العفو «قال : ليس له أن يجلده بعد العفو»(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 193 / أبواب حد القذف ب 11 ح 5 .
(2) الوسائل 28 : 192 / أبواب حد القذف ب 11 ح 2 .
(3) الوسائل 28 : 207 / أبواب حد القذف ب 21 ح 1 .
ــ[315]ــ
ومعتبرة سماعة الاُخرى ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقذف الرجل بالزنا فيعفو عنه ويجعله من ذلك في حلّ ، ثمّ إنّه بعد ذلك يبدو له في أن يقدّمه حتى يجلده «فقال : ليس له حدّ بعد العفو» الحديث(1) .
بقي هنا أمران :
الأوّل : أ نّه لا فرق في العفو بين أن يكون قبل المرافعة أو بعده ، بلا خلاف ولا إشكال في الجملة بين الأصحاب ، لأ نّه من حقوق الناس فأمرها بأيديهم وجوداً وعدماً .
ويدلّ على ذلك إطلاق معتبرتي سماعة المتقدّمتين ، وصحيحة ضريس الكناسي عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : لا يعفى عن الحدود التي لله دون الإمام ، فأمّا ما كان من حقوق الناس في حدّ فلا بأس بأن يعفى عنه دون الإمام»(2) .
أمّا رواية حمزة بن حمران عن أحدهما (عليهما السلام) ، قال : سألته عن رجل أعتق نصف جاريته ثمّ قذفها بالزنا، قال: «قال: أرى عليه خمسين جلدة ، ويستغفر الله عزّ وجلّ» قلت : أرأيت إن جعلته في حلّ وعفت عنه ؟ «قال : لا ضرب عليه إذا عفت عنه من قبل أن ترفعه»(3) .
فهي ضعيفة سنداً ، فإنّ حمزة بن حمران لم تثبت وثاقته ولم يمدح ، وعليه فلا يمكن الاعتماد عليها .
الثاني : أ نّه لا فرق في ذلك بين قذف الزوجة وغيره على المشهور بين الأصحاب شهرة عظيمة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 206 / أبواب حد القذف ب 20 ح 3 .
(2) الوسائل 28 : 205 / أبواب حد القذف ب 20 ح 1 .
(3) الوسائل 28 : 179 / أبواب حد القذف ب 4 ح 3 .
ــ[316]ــ
(مسألة 205) : إذا مات المقذوف قبل أن يطالب بحقّه أو يعفو فلأوليائه من أقاربه المطالبـة به ، كما أن لهم العفو ، فإن تعدّد الولي كما إذا مات عن ولدين أو أخوين فعفا أحدهما كان للآخر المطالبة بالحقّ ، ولا يسقط بعفو الأوّل (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
نعم ، نسب إلى الشيخ في كتابي الأخبار ويحيى بن سعيد عدم عفو للزوجة بعد المرافعة(1)، جمعاً بين صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألته عن الرجل يقذف امرأته «قال : يجلد» قلت : أرأيت إن عفت عنه ؟ «قال : لا ، ولا كرامة»(2) ، وبين ما دلّ من الروايات المتقدّمة على العفو .
ولكن يرد عليه أوّلاً: أنّ مقتضى الجمع بينهما ـ على تقدير تماميّة دلالة الصحيحة ـ ليس ذلك، بل يقيّد إطلاق الروايات السابقة بغير الزوجة ، كما نسب ذلك إلى الصدوق (قدس سره)(3) .
وثانياً : أنّ صحيحة محمّد بن مسلم ظاهرة في صحّة عفو الزوجة ، فإنّ الظاهر من قوله (عليه السلام) : «لا» بعد قوله : أرأيت إن عفت عنه ، هو نفي الجلد لا نفي العفو ، وعلى تقدير التنزّل عن هذا وتسليم أ نّه لا ظهور لها في ذلك فلا شبهة في أ نّها ليست ظاهرة في عدم عفو الزوجة أيضاً ، بل هي مجملة فلا أثر لها عندئذ ، فالمرجع هو الإطلاقات المتقدّمة ، ومقتضاها عدم الفرق بين الزوجة وغيرها .
(1) بلا خلاف بين الأصحاب ، بل ادّعي عليه الإجماع .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حكاه في الجواهر 41 : 425 .
(2) الوسائل 28 : 207 / أبواب حد القذف ب 20 ح 4 .
(3) حكاه في الجواهر 41 : 426 .
ــ[317]ــ
(مسألة 206) : إذا قذف أحد ابن شخص أو ابنته فقال له : ابنك زان ، أو ابنتك زانية ، فالحدّ حقّ لهما ، وليس لأبيهما حقّ المطالبة به أو العفو(1) .
(مسألة 207) : إذا تكرّر الحدّ بتكرّر القذف قتل القاذف في الثالثة (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتدلّ على ذلك معتبرة عمار الساباطي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سمعته يقول : «إن الحدّ لا يورث كما تورث الدية والمال ، ولكن من قام به من الورثة فهو وليّه ، ومن تركه فلم يطلبه فلا حقّ له ، وذلك مثل رجل قذف وللمقذوف أخ (أخوان) ، فإن عفا عنه أحدهما كان للآخر أن يطلبه بحقّه ، لأ نّها اُمّهما جميعاً ، والعفو إليهما جميعاً»(1) ، وقريب منها معتبرته الاُخرى(2) .
وعلى ذلك تحمل معتبرة السكوني : «الحدّ لا يورث»(3) أي لا يكون إرثه كإرث المال ، كما في معتبرة عمّار .
(1) فإنّ القذف متوجّه إلى الابن أو الابنة فحسب دون الأب ، فبطبيعة الحال يكون حقّ الحدّ لهما دونه .
نعم ، عن الشيخ في النهاية أنّ للأب المطالبة به أو العفو(4) .
ولكن وجهه غير ظاهر ، بعد ما عرفت من أنّ طرف القذف هو الابن أو الابنة دون الأب .
(2) وذلك لصحيحة يونس المتقدّمة من أنّ أصحاب الكبائر إذا اُقيم عليهم الحدّ مرّتين قتلوا في الثالثة . ولا دليل على خلافها في المقام .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 208 / أبواب حد القذف ب 22 ح 2 .
(2) الوسائل 28 : 208 / أبواب حد القذف ب 22 ح 1 .
(3) الوسائل 28 : 209 / أبواب حد القذف ب 22 ح 3 .
(4) النهاية : 724 .
ــ[318]ــ
(مسألة 208) : إذا تكرّر القذف من شخص واحد لواحد قبل أن يقام عليه الحدّ، حُدَّ حدّاً واحداً(1).
(مسألة 209) : لايسقط الحدّ عن القاذف إلاّ بالبيّنة المصدّقة أو بتصديق من يستحقّ عليه الحدّ أو بالعفو . نعم ، لو قذف الزوج زوجته سقط حقّ القذف باللعان أيضاً على ما تقدّم (2) .
(مسألة 210) : لو شهد أربعة بالزنا ثمّ رجع أحدهم حُدَّ الراجع . ولا فرق في ذلك بين كونه قبل حكم الحاكم وبعده (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما قيل من أ نّه يقتل في الرابعة بعد إقامة الحدّ عليه ثلاث مرّات .
لم يظهر وجهه إلاّ لأجل إلحاقه بالزنا من هذه الناحية، وهو قياس لانقول به .
(1) تدلّ على ذلك صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) : في الرجل يقذف الرجل فيجلد ، فيعود عليه بالقـذف «فقال : إن قال له : إنّ الذي قلت لك حقّ ، لم يجلد ، وإن قذفه بالزنا بعد ما جلد فعليه الحدّ ، وإن قذفه قبل ما يجلد بعشر قذفات لم يكن عليه إلاّ حدّ واحد» (1) .
(2) الوجه في جميع ذلك ظاهر ، فلا يحتاج إلى مؤنة بيان .
(3) بلا إشكال فيما إذا كان بعد حكم الحاكم . وأمّا إذا كان قبل حكم الحاكم فقد يقال : إنّه يحدّ الجميع ، ولكن لا وجه له ، وذلك لتماميّة الشهود الأربعة ، فلا موجب للحدّ .
نعم ، يحدّ الراجع ، نظراً إلى أ نّه برجوعه قد اعترف بالقذف .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 191 / أبواب حد القاذف ب 10 ح 1 .
|