الثاني عشر : شرب المسكر
(مسألة 217) : من شرب المسكر أو الفقاع عالماً بالتحريم (2)
ـــــــــــــــــــــــــــ (2) فلا حدّ على الجاهل بلا خلاف ولا إشكال ، لعدّة من الروايات :
منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : لو أنّ رجلاً دخل في الإسلام وأقرّ به ، ثمّ شرب الخمر وزنى وأكل الربا ولم يتبيّن له شيء من الحلال والحرام ، لم أقم عليه الحدّ إذا كان جاهلاً» الحديث(4) ، وقريب منها صحيحة محمّد بن مسلم(5) وصحيحة أبي عبيدة الحذّاء(6) .
ـــــــــــــ (4) الوسائل 28 : 32 / أبواب مقدمات الحدود ب 14 ح 1 .
(5) الوسائل 28 : 32 / أبواب مقدمات الحدود ب 14 ح 2 .
(6) الوسائل 28 : 32 / أبواب مقدمات الحدود ب 14 ح 3 .
ــ[325]ــ
مع الاختيار والبلوغ والعقل حُدّ (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وتقدّم الكلام في سقوط الحدّ عن المكره والصبي والمجنون(1) .
(1) من دون خلاف بين الأصحاب، وتدلّ على ذلك روايات مستفيضة تقدّمت جملة منها :
ومنها : صحيحة أبي الصباح الكناني عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كلّ مسكر من الأشربة يجب فيه كما يجب في الخمر من الحدّ»(2) .
ومنها : صحيحة محمّد بن إسماعيل بن بزيع عن أبي الحسن (عليه السلام) ، قال : سألته عن الفقاع «فقال : [ هو ] خمر ، وفيه حدّ شارب الخمر»(3) .
ومنها : معتبرة ابن فضّال ، قال : كتبت إلى أبي الحسن (عليه السلام) أسأله عن الفقاع «فقال : هو الخمر ، وفيه حدّ شارب الخمر»(4) .
ومنها : صحيحة سليمان بن خالد، قال: كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يجلد في النبيذ المسكر ثمانين كما يضرب في الخمر ، ويقتل في الثالثة كما يقتل صاحب الخمر(5) .
ومنها : معتبرة أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) «قال : كان علي (عليه السلام) يضرب في الخمر والنبيذ ثمانين»(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 207 ـ 209 .
(2) الوسائل 28 : 230 / أبواب حد المسكر ب 7 ح 1 .
(3) الوسائل 28 : 238 / أبواب حد المسكر ب 13 ح 1 .
(4) الوسائل 25 : 360 / أبواب الأشربة المحرمة ب 27 ح 2 .
(5) الوسائل 28 : 236 / أبواب حد المسكر ب 11 ح 13 .
(6) الوسائل 28 : 224 / أبواب حد المسكر ب 4 ح 2 .
ــ[326]ــ
ومنها : صحيحة بريد بن معاوية، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «إنّ في كتاب علي (عليه السلام) : يضرب شارب الخمر ثمانين ، وشارب النبيذ ثمانين»(1) .
وأمّا ما رواه أبو الصباح الكناني عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ قلت : أرأيت إن اُخذ شارب النبيذ ولم يسكر ، أيجلد ؟ «قال : لا»(2) فقد حمله الشيخ على التقيّة(3) .
والأولى حمله على النبيذ غير المسكر، كما يدلّ على ذلك تقييد النبيذ بالمسكر في صحيحة سليمان بن خالد المتقدّمة ، وصحيحة الحلبي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) قلت : أرأيت إن اُخذ شارب النبيذ ولم يسكر ، أيجلد ثمانين ؟ «قال : لا ، وكلّ مسكر حرام»(4) .
على أنّ الرواية ضعيفة ، فإنّ في سندها محمّد بن فضيل ، وهو مشترك بين الثقة وغير الثقة .
وأمّا صحيحة محمّد بن مسلم، قال: سألته عن الشارب «فقال: أمّا رجل كانت منه زلّة فإنّي معزّره» الحديث(5) .
فلا مانع من أن يراد من التعزير فيها الحدّ الشرعي ، نظراً إلى أ نّه لغةً عبارة عن التأديب والضرب الشديد ، فلا بأس بحمله على ثمانين ضربة ، ولو لم يمكن حمل الرواية على ذلك فهي رواية شاذّة مخالفة للروايات المشهورة المعروفة بين
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 224 / أبواب حد المسكر ب 4 ح 1 .
(2) الوسائل 28 : 224 / أبواب حد المسكر ب 4 ح 4 .
(3) التهذيب 10 : 96 / 370 .
(4) الوسائل 28 : 225 / أبواب حد المسكر ب 4 ح 5 .
(5) الوسائل 28 : 225 / أبواب حد المسكر ب 4 ح 6 .
ــ[327]ــ
ولا فرق في ذلك بين القليل والكثير (1) ، كما لا فرق في ذلك بين أنواع المسكرات مما اتّخذ من التمر أو الزبيب أو نحو ذلك (2) .
(مسألة 218) : لا فرق في ثبوت الحدّ بين شرب الخمر وإدخاله في الجوف وإن لم يصدق عليه عنوان الشرب كالاصطباغ (3) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الأصحاب ، فتطرح .
(1) بلا خلاف .
وتدلّ عليه ـ مضافاً إلى الإطلاقات ـ صحيحة عبدالله بن سنان ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «الحدّ في الخمر أن يشرب منها قليلاً أو كثيراً» (1) .
ومعتبرة إسحاق بن عمار ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل شرب حسوة خمر «قال : يجلد ثمانين جلدة ، قليلها وكثيرها حرام» (2) .
وأمّا مرسلة الصدوق عن زرارة ، قال : قال أبو جعفر (عليه السلام) : «إذا سكر من النيبذ المسكر والخمر جلد ثمانين» (3) .
فهي وإن كانت ظاهرة في اعتبار الإسكار الفعلي في إقامة الحدّ ، إلاّ أ نّها من جهة إرسالها لا يمكن الاعتماد عليها .
(2) وذلك للإطلاقات ، وخصوص صحيحة أبي الصباح الكناني المتقدّمة .
(3) الوجه في ذلك : هو أ نّه لا خصوصيّة بحسب المتفاهم العرفي لعنوان الشرب ، بل الموضوع هو إدخاله في الجوف ولو بغير عنوان الشرب ، ولأجل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 224 / أبواب حد المسكر ب 4 ح 3 .
(2) الوسائل 28 : 219 / أبواب حد المسكر ب 1 ح 1 .
(3) الوسائل 28 : 226 / أبواب حد المسكر ب4 ح 8 ، علل الشرائع : 539 / ذيل ح 8 .
ــ[328]ــ
وأمّا عموم الحكم لغير ذلك كما إذا مزجه بمائع آخر واستهلك فيه وشربه فهو المعروف بل المتسالم عليه بين الأصحاب ، إلاّ أ نّه لا يخلو عن إشكال وإن كان شربه حراماً (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ذلك لا يشكّ أحد في ثبوت الحكم فيما إذا جعل الخمر في كبسولة وبلعها ، مع أ نّه لا يصدق عليه عنوان الشرب .
هذا ، مضافاً إلى أنّ الحدّ غير مترتّب على عنوان الشرب في بعض الروايات ، كمعتبرة أبي بصير عن أحدهما (عليهما السلام) «قال : كان علي (عليه السلام) يضرب في الخمر والنبيذ ثمانين» (1) .
(1) أمّا حرمته فمما لا إشكال فيه ، وتدلّ عليه عدّة من الروايات :
منها : صحيحة عبدالرحمن بن الحجّاج ، قال : استأذنت لبعض أصحابنا على أبي عبدالله (عليه السلام) ـ إلى أن قال : ـ فقال أبو عبدالله (عليه السلام) : «إنّ ما أسكر كثيره فقليله حرام» فقال له الرجل: فأكسره بالماء؟ فقال له أبو عبدالله (عليه السلام) : «لا ، وما للماء يحلّ الحرام ، اتّق الله ولا تشربه» (2) .
وأمّا ثبوت الحدّ فيه فلم يدلّ عليه دليل ، فإن تمّ إجماع فهو ، وإلاّ فهو لم يثبت ، لأنّ الحدّ مختصّ بشرب الخمر ، ولا يعمّ شرب كلّ محرّم وإن لم يصدق عليه شرب الخمر .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 224 / أبواب حد المسكر ب 4 ح 2 .
(2) الوسائل 25 : 339 / أبواب الأشربة المحرّمة ب 17 ح 7 .
ــ[329]ــ
(مسألة 219) : لايلحق العصير العنبي قبل ذهاب ثلثيه بالمسكر في إيجابه الحدّ (1) وإن كان شربه حراماً بلا إشكال (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) خلافاً للمشهور ، حيث ألحقوه بالخمر في إيجابه أحكامه من الحرمة والنجاسة والحدّ ، ولكن نبيّن عن قريب أ نّه لا يستفاد من الروايات إلاّ ثبوت التحريم له فحسب ، ولا ملازمة بين ثبوت التحريم والحدّ كما عرفت .
(2) من دون خلاف بين الأصحاب ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :
منها : صحيحة معاوية بن عمّار ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل من أهل المعرفة بالحقّ يأتيني بالبختج ويقول : قد طبخ على الثلث ، وأنا أعرف أ نّه يشربه على النصف ، أفأشربه بقوله وهو يشربه على النصف ؟ «فقال: لا تشربه» الحديث(1) ، كذا في ما عندنا من نسخة التهذيب .
وهذه الرواية هي مستند القول في النجاسة وثبوت الحدّ بشرب العصير ، ولكنّا قد ذكرنا في كتاب الطهارة (2) أ نّه لا يستفاد من الرواية إلاّ تنزيل العصير منزلة الخمر في عدم جواز شربه ، لا في مطلق أحكامه ، وإلاّ لقال : خمر فلا تشربه . والفرق بين العبارتين ظاهر :
على أنّ الرواية في الكافي خالية عن ذكر كلمة الخمر ، وعليه فحكم هذه الرواية حكم سائر الروايات الدالّة على التحريم من دون اشتمال على التنزيل منزلة الخمر .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 25 : 293 / أبواب الأشربة المحرّمة ب 7 ح 4 ، الكافي 6 : 421 / 7 ، التهذيب 9 : 122 / 526 .
(2) شرح العروة 3 : 97 .
ــ[330]ــ
(مسألة 220) : يثبت شرب المسكر بشهادة عدلين (1) وبالإقرار مرّة واحدة (2) . نعم ، لا يثبت بشهادة النساء لا منضمّات ولا منفردات (3) . ــــــــــــــــــــــ
على أنّ صاحب الوسائل (قدس سره) قد روى هذه الرواية عن الشيخ أيضاً خالية عن ذكر كلمة الخمر ، فيظهر أنّ هذه الكلمة لم تكن موجودة في جميع نسخ التهذيب ، وإنّما هي موجودة في بعضها ، فلا يمكن الاستدلال بها لا على نجاسة العصير ولا على ثبوت الحدّ في شربه .
(1) وذلك لإطلاقات الأدلّة .
(2) خلافاً للمشهور ، حيث اعتبروه مرّتين ، ولكن قد تقدّم أ نّه لا دليل عليه(1) ، فالصحيح هو كفاية الإقرار مرّة واحدة ، لإطلاق دليلها .
(3) تقدّم أنّ شهادة النساء لا تقبل في الحدود(2) . ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 304 .
(2) في ص 149 ـ 150 .
|