السادس عشر : الارتداد 

الكتاب : مبـاني تكملة منهاج الصالحين - الجزء الأول : القضاء   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5900


السادس عشر :  الارتداد

   المرتدّ عبارة عمّن خرج عن دين الإسلام ، وهو قسمان : فطري وملّي .

 
ــ[392]ــ

   وتدلّ على ذلك صحيحة حنّان عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في قول الله عزّ وجلّ : (إِنَّمَا جَزَاؤُا  ا لَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ) الآية «قال : لا يبايع ولا يؤوى (ولا يطعم) ولا يتصدّق عليه»(1) .

   فإنّ مقتضى إطلاقها استمرار الحكم إلى أن يموت .

   وتؤيّدها رواية زرارة عن أحدهما (عليهما السلام) : في قوله تعالى : (إِنَّمَا جَزَاؤُا ا لَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ـ إلى قوله: ـ أَوْ يُصَلَّبُوا) الآية «قال: لايبايع ولا يؤتى بطعام ولا يتصدّق عليه»(2) .

   وعن ابن سعيد : أنّ حدّ النفي سنة واحدة(3) .

   ولكن لا دليل عليه إلاّ الروايات المتقدّمة ، وبما أ نّها ضعاف جميعاً فلا يمكن الاعتماد عليها أصلاً .

   ثمّ إنّ صريح المحقّق في النافع والشهيد الثاني في الروضة تقييد زمان النفي بعدم التوبة ، فإذا تاب يسقط حكم النفي ، فيسمح له بالاستقرار في أيّ مكان شاء(4) .

   وهذا مما لا نعرف له وجهاً ظاهراً ، ومقتضى إطلاق الدليل من الآية وغيرها أنّ التوبة بعد الظفر به لا أثر لها ، فيبقى منفيّاً حتى يموت .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 315 /  أبواب حد المحارب ب 4 ح 1 ، والآية في سورة المائدة 5 : 33 .

(2) الوسائل 28 : 318 /  أبواب حد المحارب ب 4 ح 8 ، والآية في سورة المائدة 5 : 33 .

(3) الجامع للشرائع : 242 .

(4) المختصر النافع : 226 ، الروضة 9 : 302 .

ــ[393]ــ

الأوّل :  المرتدّ الفطري ، وهو الذي ولد على الإسلام من أبوين مسلمين أو من أبوين أحدهما مسلم (1) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أمّا بالنسبة إلى المتولّد من أبوين مسلمين : فيدلّ على الحكم بإسلامه ـ  مضافاً إلى الإجماع والضرورة  ـ معتبرة عمّار الساباطي الآتية ، وما نذكره فيما إذا كان أحد أبويه مسلماً .

   وأمّا بالنسبة إلى المتولّد من أبوين أحدهما مسلم : فيدلّ عليه ـ مضافاً إلى أ نّه لا خلاف فيه ، بل لا يبعد أن يكون من الواضحات ـ أمران :

   أحدهما :  ما دلّ على أنّ الرجل المسلم إذا مات وكانت زوجته أو أمته حاملاً يعزل ميراثه فينتظر به حتى يولد حيّاً ، فإنّه يدلّ بإطلاقه على أنّ الحمل يرث إذا ولد حيّاً وإن كانت الزوجة أو الأمة غير مسلمة ، وبضميمة أنّ وارث المسلم يعتبر فيه الإسلام ـ على ما دلّت عليه معتبرة سماعة وصحيحة فضيل ابن يسار(1) ـ يثبت أ نّه محكوم بالإسلام من أوّل ولادته ، وكذلك إذا ماتت الاُمّ المسلمة وتركت ولداً من كافر ولو لأجل الوطء بالشبهة أو أسلمت الاُمّ بعد الحمل وقبل الولادة ، فإنّ الولد يرثها بمقتضى إطلاق الأدلّة ، فيثبت إسلامه بالملازمة المتقدّمة .

   ثانيهما : معتبرة عبيد بن زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في الصبي يختار الشرك وهو بين أبويه «قال: لايترك وذاك إذا كان أحد أبويه نصرانيّاً»(2).

   وصحيحة أبان على رواية الصـدوق : أنّ أبا عبدالله (عليه السلام) قال في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 2 : 25 ـ 26 / 1 ، 3 .

(2) الوسائل 28 : 326 /  أبواب حد المرتدّ ب 2 ح 1 .

ــ[394]ــ

ويجب قتله وتبين منه زوجته وتعتدّ عدّة الوفاة ، وتقسّم أمواله حال ردّته بين ورثته (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصبي إذا شبّ فاختار النصرانيّة وأحد أبويه نصراني أو مسلمين «قال : لا يترك ولكن يضرب على الإسلام» (1) .

   فإنّهما تدلاّن على تبعيّة الولد لأحد أبويه في الإسلام ، ولأجل ذلك لا يترك ويضرب على الإسلام ، فإن كان أحد أبويه مسلماً قبل ولادته يحكم عليه بالإسلام من أوّل ولادته ، وإن صار مسلماً بعد ولادته حكم عليه بالإسلام من حين إسلامه .

   وتؤيّد ذلك رواية حفص بن غياث ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل من أهل الحرب إذا أسلم في دار الحرب فظهر عليهم المسلمون بعد ذلك «فقال : إسلامه إسلامٌ لنفسه ولولده الصغار وهم أحرار» الحديث (2) .

   ويؤيّده أيضاً ما رواه الصدوق مرسلاً ، قال : قال علي (عليه السلام) : «إذا أسلم الأب جرّ الولد إلى الإسلام ، فمن أدرك من ولده دُعي إلى الإسلام ، فإن أبى قتل» الحديث (3) .

   (1) بلا خلاف ظاهر ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :

   منها : معتبرة عمار الساباطي ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «كلّ مسلم بين مسلمين ارتدّ عن الإسلام وجحد محمّداً (صلّى الله عليه وآله وسلّم) نبوّته وكذّبه فإنّ دمه مباح لمن سمع ذلك منه ، وامرأته بائنة منه يوم

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 326 /  أبواب حد المرتدّ ب 2 ح 2 ، الفقيه 3 : 91 / 341 .

(2) الوسائل 15 : 116 /  أبواب جهاد العدو ب 43 ح 1 .

(3) الوسائل 28 : 329 /  أبواب حد المرتد ب 3 ح 7 .

ــ[395]ــ

ارتدّ ، ويقسّم ماله على ورثته وتعتدّ امرأته عدّة المتوفّى عنها زوجها ، وعلى الإمام أن يقتله ولا يستتيبه» (1) .

   وهذه الصحيحة وإن كان موضوعها المسلم المتولّد من مسلمين إلاّ أنّ الظاهر أنّ التقييد من جهة الغلبة ولو بقرينة سائر الروايات . والمراد كلّ من كان مسلماً من أوّل أمره ، فتشمل المسلم المتولّد من أبوين أحدهما مسلم .

   ومنها : صحيحة الحسين بن سعيد ، قال : قرأت بخطّ رجل إلى أبي الحسن الرضا (عليه السلام): رجل ولد على الإسلام، ثمّ كفر وأشرك وخرج عن الإسلام، هل يستتاب ، أو يقتل ولا يستتاب ؟ فكتب (عليه السلام) «يقتل» (2) .

   ومنها : صحيحة علي بن جعفر عن أخيه أبي الحسن (عليه السلام) ، قال : سألته عن مسلم تنصّر «قال : يقتل ولا يستتاب» قلت : فنصراني أسلم ثمّ ارتدّ؟ «قال: يستتاب ، فإن رجع وإلاّ قتل»(3).

   وهذه الصحيحة تدلّ على أنّ من كان مسلماً من أوّل أمره ثمّ تنصّر يحكم عليه بالقتل من دون استتابة ، فيشمل من كان متولّداً من أبوين أحدهما مسلم .

   وبها يقيّد إطلاق صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) ـ في حديث ـ «قال : ومن جحد نبيّاً مرسلاً نبوّته وكذّبه فدمه مباح» الحديث (4) .

   وكذلك صحيحته الثانية ، قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن المرتدّ «فقال : من رغب عن الإسلام وكفر بما اُنزل على محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) بعد إسلامه فلا توبة له ، وقد وجب قتله ، وبانت منه امرأته ، ويقسّم ما ترك على ولده» (5) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 324 /  أبواب حد المرتد ب 1 ح 3 .

(2) ، (3) الوسائل 28 : 325 /  أبواب حد المرتدّ ب 1 ح 6 ، 5 .

(4) ، (5) الوسائل 28 : 323 /  أبواب حد المرتدّ ب 1 ح 1 ، 2 .

ــ[396]ــ

الثاني :  المرتدّ الملّي وهو من أسلم عن كفر ثمّ ارتدّ ورجع إليه ، وهذا يستتاب ، فإن تاب خلال ثلاثة أيّام فهو ، وإلاّ قتل في اليوم الرابع (1) . ولا تزول عنه أملاكه (2) ، وينفسخ العقد بينه وبين زوجته (3) ، وتعتدّ عدّة المطلّقة إذا كانت مدخولاً بها (4) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فتحملان على المرتدّ الفطري .

   كما أنّ بها يقيّد ما دلّ على أنّ المرتدّ يستتاب فإن تاب وإلاّ قتل ، كصحيحة ابن محبوب عن غير واحد من أصحابنا عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام)(1) ، فتحمل على المرتدّ الملّي .

   (1) أمّا استتابته وعدم قتله ابتداءً : فتدلّ عليها صحيحة علي بن جعفر المتقدّمة .

   وأمّا تحديد زمان الاستتابة بثلاثة أيّام فتدلّ عليه معتبرة السكوني، عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه (عليهم السلام) : «المرتدّ عن الإسلام تعزل عنه امرأته ولا تؤكل ذبيحته ، ويستتاب ثلاثة أيّام ، فإن تاب وإلاّ قتل يوم الرابع إذا كان صحيح العقل»(2) .

   (2) وذلك لعدم الدليل على الزوال، وإنّما الدليل قد دلّ على ذلك في خصوص المرتدّ الفطري .

   (3) لما تقدّم من معتبرة السكوني، ولما سيأتي من معتبرة أبي بكر الحضرمي.

   (4) تدلّ على ذلك معتبرة أبي بكر الحضرمي عن أبي عبدالله (عليه السلام) :

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 327 /  أبواب حد المرتدّ ب 3 ح 2 .

(2) الوسائل 28 : 328 /  أبواب حد المرتد ب 3 ح 5 .

ــ[397]ــ

   (مسألة 268) : يشترط في تحقّق الارتداد: البلوغ وكمال العقل والاختيار(1)، فلو نطق الصبي بما يوجب الكفر لم يحكم بارتداده وكفره، وكذا  المجنون والمكره . ولو ادّعى الإكراه على الارتـداد ، فإن قامت قرينة على ذلك فهو ، وإلاّ فلا أثر لها (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

«إذا ارتدّ الرجل المسلم عن الإسلام بانت منه امرأته كما تبين المطلّقة ثلاثاً ، وتعتدّ منه كما تعتدّ المطلّقة ، فإن رجع إلى الإسلام وتاب قبل أن تتزوّج فهو خاطب ولا عدّة عليها منه له وإنّما عليها العدّة لغيره» الحديث (1) .

   (1) قد تقدّم الكلام في ذلك مفصّلاً وأنّه لاحدّ على الصبي ولا على المجنون ولا على المكره(2) .

   (2) خلافاً لجماعة ذهبوا إلى سقوط الحدّ مع احتمال صدق المدّعي للإكراه ، تمسّكاً بأنّ الحدود تدرأ بالشبهة .

   ولكنّك عرفت أنّ هذه الكبرى لم تثبت ، وإنّما هي رواية مرسلة رواها الشيخ الصدوق (قدس سره) (3) ، وقد تقدّم أ نّه لا شبهة في أمثال المقام ، فإنّا قد ذكرنا أنّ المراد بالشبهة إن كان هو الشبهة الواقعيّة فهي متحقّقة في أكثر موارد ثبوت الحدّ ، وإن كان المراد بها الشبهة واقعاً وظاهراً فهي غير متحقّقة في المقام ، لتحقّق ما يوجب الارتداد وجداناً ، والمانع ـ وهو الإكراه  ـ مدفوع بالأصل .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 26 : 28 /  أبواب موانع الإرث ب 6 ح 5 .

(2) في ص 207 ـ 209 .

(3) في ص 206 .

ــ[398]ــ

   (مسألة 269) : لو قتل المرتدّ الملّي أو مات كانت تركته لورثته المسلمين، وإن لم يكن له وارث مسلم فالمشهور أنّ إرثه للإمام (عليه السلام)، وهو لا يخلو من إشكال، بل لا يبعد أن يكون كالكافر الأصلي فيرثه الكافر (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) تدلّ على ذلك صحيحة إبراهيم بن عبدالحميد ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : نصراني أسلم ثمّ رجع إلى النصرانيّة ، ثمّ مات «قال : ميراثه لولده النصارى» ومسلم تنصّر ثمّ مات «قال : ميراثه لولده المسلمين»(1) .

   وهذه الصحيحة لا بدّ من تقييد إطلاقها بما إذا لم يكن له وارث مسلم ، لما دلّ من الروايات على أنّ الكافر لا يرث مع وجود المسلم :

   منها : معتبرة أبان : أنّ أبا عبدالله (عليه السلام) قال في الرجل يموت مرتدّاً عن الإسلام وله أولاد ومال «فقال : ماله لولده المسلمين»(2) .

   على أنّ الرواية في نفسها ظاهرة في أ نّه ليس له وارث مسلم ، وإلاّ فلا يحتمل أن يرثه وارثه الكافر دون وارثه المسلم بعد دلالة عدّة روايات على أنّ الإسلام يوجب العزّ والشرف ، ونحن نرث الكفّار وهم لا يرثوننا .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 26 : 25 /  أبواب موانع الإرث ب 6 ح 1 .

(2) الوسائل 26 : 28 /  أبواب موانع الإرث ب 6 ح 6 ، والرواية مطابقة لما في الفقيه 3 : 92 / 342 .

ــ[399]ــ

   (مسألة 270) : إذا كان للمرتدّ ولد صغير فهو محكوم بالإسلام ويرثه ولا يتبعه في الكفر . نعم ، إذا بلغ فأظهر الكفر حكم بكفره ، ولو ولد للمرتدّ ولد بعد ردّته كان الولد محكوماً بالإسلام أيضاً إذا كان انعقاد نطفته حال إسلام أحد أبويه ، فإنّه يكفي في ترتّب أحكام الإسلام انعقاد نطفته حال كون أحد أبويه مسلماً وإن ارتدّ بعد ذلك (1) .

   (مسألة 271) : إذا ارتدّت المرأة ولو عن فطرة لم تقتل (2) ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) ظهر الحال في جميع ذلك مما تقدّم .

   (2) بلا خلاف بين الأصحاب ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :

   منها : صحيحة حمّاد عن أبي عبدالله (عليه السلام) في المرتدّة عن الإسلام «قال : لا تقتل ، وتستخدم خدمة شديدة ، وتمنع الطعام والشراب إلاّ ما يمسك نفسها ، وتلبس خشن الثياب ، وتضرب على الصلوات»(1) .

   ومنها : معتبرة عباد بن صهيب عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : المرتدّ يستتاب، فإن تاب وإلاّ قتل، والمرأة تستتاب ، فإن تابت وإلاّ حبست في السجن واُضرّ بها»(2) .

   ومنها : صحيحة الحسن بن محبوب ، عن غير واحد من أصحابنا ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله (عليهما السلام) ـ في المرتدّ ـ «يستتاب ، فإن تاب وإلاّ قتل، والمرأة إذا ارتدّت عن الإسلام استتيبت ، فإن تابت وإلاّ خلدت في السجن وضيّق عليها في حبسها»(3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 330 /  أبواب حد المرتدّ ب 4 ح 1 .

(2) الوسائل 28 : 331 /  أبواب حد المرتدّ ب 4 ح 4 .

(3) الوسائل 28 : 332 /  أبواب حد المرتدّ ب 4 ح 6 .

ــ[400]ــ

وتبين من زوجها وتعتدّ عدّة الطلاق(1)، وتستتاب، فإن تابت فهو، وإلاّ حبست دائماً وضربت في أوقات الصلاة ،

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   بقي هنا شيء :  وهو أ نّه قد روى محمّد بن قيس عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) في وليدة كانت نصرانيّة فأسلمت وولدت لسيّدها ، ثمّ إنّ سيّدها مات وأوصى بها عتاقة السريّة على عهد عمر ، فنكحت نصرانيّاً ديرانيّاً وتنصّرت فولدت منه ولدين وحبلت بالثالث ، فقضى فيها أن يعرض عليها الإسلام ، فعرض عليها الاسلام فأبت ، فقال : ما ولدت من ولد نصرانيّاً فهم عبيد لأخيهم الذي ولدت لسيّدها الأوّل وأنا أحبسها حتى تضع ولدها ، فإذا ولدت قتلتها»(1) .

   وهذه الرواية وإن كانت صحيحة إلاّ أ نّه لا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ، فإنّه لا يظهر وجه لكون أولادها من النصراني المتزوّج بها عبيداً لأخيهم المتولّد من سيّدها ، كما لا يظهر وجه لقتلها بعد وضع حملها ، بعد وضوح أنّ المرأة لا تقتل بالارتداد حتى إذا كان عن فطرة، فضلاً عمّا إذا كان عن ملّة كما هو مورد الرواية ، ولأجل ذلك احتمل الشيخ (قدس سره) حملها على ما إذا تزوّجت بمسلم ثمّ ارتدّت وتزوّجت فاستحقّت القتل لذلك(2) ، ولكنّ الحمل المزبور ـ مع بعده في نفسه ـ ينافيه أنّ القتل في الرواية قد ترتّب على عدم التوبة ، فلو كان القتل لما ذكره لم يكن يسقط بالتوبة .

   (1) بلا خلاف بين الأصحاب .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 331 /  أبواب حد المرتد ب 4 ح 5 .

(2) التهذيب 10 : 143 / 567 .

 
 

ــ[401]ــ

واستخدمت خدمة شديدة، ومنعت الطعام والشراب إلاّ ما يمسك نفسها، وألبست خشن الثياب(1).

   (مسألة 272) : إذا تكرّر الارتداد في الملّي أو في المرأة قيل: يقتل في الرابعة، وقيل: يقتل في الثالثة، وكلاهما لا يخلو من إشكال ، بل الأظهر عدم القتل(2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   أمّا بينونتها من زوجها : فلقوله تعالى : (وَلاَ تُمْسِكُوا بِعِصَمِ ا لْكَوَافِرِ)(1) ، فإنّه يدلّ على أنّ زوجة المسلم لا تكون كافرة ، خرج من ذلك ما خرج من جواز التزويج بأهل الكتاب مطلقاً أو في خصوص المتعة ، وما إذا أسلم الزوج ولم تسلم زوجته ، ويبقى الباقي تحت العموم .

   وأمّا اعتدادها عدّة الطلاق : فلأنّ التقاء الختانين يوجب العدّة مطلقاً كما تقدّم(2) ، والمنصرف من العدّة إنّما هو عدّة الطلاق ، إلاّ فيما ثبت بدليل خاصّ أ نّها عدّة الوفاة ، كما في ارتداد الزوج عن فطرة .

   (1) تدلّ على ذلك بعض الروايات المتقدّمة .

   (2) الوجه في ذلك : أ نّه لا دليل على القتل في المرّة الرابعة إلاّ ما ادّعاه الشيخ من الإجماع في الخلاف على أنّ أصحاب الكبائر يقتلون في الرابعة ، وهو نقل إجماع لم يثبت(3) ، بل ثبت عدمه ، لذهاب جماعة إلى أ نّه يقتل في الثالثة ، ونسب الشيخ (قدس سره) ذلك إلى الأصحاب(4) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الممتحنة 60 : 10 .

(2) شرح العروة الوثقى 32 : 224 .

(3) الخلاف 5 : 504 .

(4) المبسوط 8 : 74 .

ــ[402]ــ

   وأمّا القتل في الثالثة : فلا دليل عليه أيضاً إلاّ الصحيحة المتقدّمة من أنّ أصحاب الكبائر إذا اُقيم عليهم الحدّ مرّتين يقتلون في الثالثة ، وهذه الصحيحة لا تشمل المقام ، فإنّها خاصّة بما إذا اُقيم الحدّ على الجاني مرّتين ، وهو غير متحقّق في المقام .

   نعم، روى الشيخ الكليني، عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد بن عيسى ، عن علي بن حديد، عن جميل بن درّاج وغيره ، عن أحدهما (عليهما السلام) : في رجل رجع عن الإسلام «قال : يستتاب ، فإن تاب وإلاّ قتل» قيل لجميل : فما تقول : إن تاب ثمّ رجع عن الإسلام ؟ قال : يستتاب ، قيل : فما تقول إن تاب ثمّ رجع ؟ قال : لم أسمع في هذا شيئاً ، لكنّه عندي بمنزلة الزاني الذي يقام عليه الحدّ مرّتين ثمّ يقتل بعد ذلك ، وقال : روى أصحابنا «أنّ الزاني يقتل في المرّة الثالثة» (1) ، ورواها الشيخ بإسناده عن أحمد بن محمّد مع اختلاف يسير .

   ولكن هذه الرواية ضعيفة بعليّ بن حديد . على أنّ المذكور فيها فتوى لجميل فلا حجّيّة فيها .

   وأمّا رواية جابر عن أبي عبدالله (عليه السلام) على رواية محمّد بن يعقوب ، وعن أبي جعفر (عليه السلام) على رواية الشيخ «قال : اُتي أمير المؤمنين (عليه السلام) برجل من بني ثعلبة قد تنصّر بعد إسلامه فشهدوا عليه ، فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام) : ما يقول هؤلاء الشهود ؟ فقال : صدقوا وأنا أرجع إلى الإسلام ، فقال : أمّا أ نّك لو كذّبت الشهود لضربت عنقك ، وقد قبلت منك فلا تعد ، فإنّك إن رجعت لم أقبل منك رجوعاً بعده» (2) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 28 : 328 /  أبواب حد المرتدّ ب 3 ح 3 ، الكافي 7 : 256 / 5 ، التهذيب 10 : 137 / 544 .

(2) الوسائل 28 : 328 /  أبواب حد المرتدّ ب 3 ح 4 ، الكافي 7 : 257 / 9 ، التهذيب 10 : 137 / 545 .

ــ[403]ــ

   (مسألة 273) : غير الكتابي إذا أظهر الشهادتين حكم بإسلامه ولا يفتّش عن باطنه ، بل الحكم كذلك حتى مع قيام القرينة على أنّ إسلامه إنّما هو للخوف من القتل (1) . وأمّا الكتابي فقال جماعة بعدم الحكم بإسلامه في هذا الفرض ، وهو لا يخلو من إشكال ، بل الأظهر هو الحكم بإسلامه (2) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   فهي ضعيفة السند ، فإنّ في سندها محمّد بن سالم ، وهو مشترك بين الثقة وغير الثقة ، وعمرو بن شمر وهو ضعيف . على أنّ متنها مخالف للمقطوع به كما هو ظاهر .

   (1) بلا خلاف ولا إشكال وعليه جرت السيرة القطعيّة ، مضافاً إلى ما يأتي في الحكم بإسلام الكتابي إذا أظهر الإسلام .

   (2) وذلك لأ نّه يكفي في الإسلام إظهاره لساناً ، سواءً آمن قلباً أم لا .

   بيان ذلك : أنّ السيرة القطعيّة قد جرت في زمن النبيّ الأكرم (صلّى الله عليه وآله وسلّم) على قبول إسلام الكفرة بمجرّد إظهارهم للشهادتين ، مع القطع بكونهم غير معتقدين بالإسلام حقيقةً ، إذ من البعيد جدّاً ـ لو لم يكن مستحيلاً عادةً ـ حصول اليقين القلبي للكفرة بمجرّد مشاهدتهم غلبة الإسلام وتقدّمه . ومن هذا القبيل إسلام المرتدّ الملّي ، فإنّه يستتاب ثلاثة أيّام ، فإن لم يتب قتل، فإنّ إسلامه حينئذ يكون في الغالب خوفاً من القتل، وكذلك المرأة المرتدّة ـ ولو عن فطرة ـ فإنّها تحبس وتضرب أوقات الصلاة ويضيّق عليها في الطعام والشراب حتى تتوب وتسلم .

   هذا ، مضافاً إلى الروايات الواردة من طرق الخاصّة والعامّة الدالّة على أنّ الإسلام هو إظهار الشهادتين ، وأنّ به حقنت الدماء ، وعليه جرت المواريث

ــ[404]ــ

   (مسألة 274) : إذا صلّى المرتدّ أو الكافر الأصلي في دار الحرب أو دار الإسلام ، فإن قامت قرينة على أ نّها من جهة التزامه بالإسلام حكم به ، وإلاّ فلا (1) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وجاز النكاح :

   منها : معتبرة سماعة ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : أخبرني عن الإسلام والإيمان ، أهما مختلفان ؟ «فقال : إنّ الإيمان يشارك الإسلام والإسلام لا يشارك الإيمان» فقلت : فصفها لي «فقال : الإسلام شهادة أن لا إله إلاّ الله والتصديق برسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، به حقنت الدماء وعليه جرت المناكح والمواريث» الحديث(1) .

   (1) وذلك لأنّ مجرّد الصلاة لا يكون دليلاً على إظهار الشهادتين ، فالعبرة إنّما هي بإظهارهما ، فإن كانت الصلاة قرينة على ذلك فهو ، وإلاّ فلا تدلّ على إسلامه .

   وقد يقال :  إنّ الصلاة حيث إنّها تشتمل على الشهادتين فالآتي بها مظهر لهما .

   وفيه :  أنّ المعتبر في الصلاة إنّما هو لفظ الشهادتين دون قصد معناهما ، والمعتبر في الإسلام إنّما هو قصد معناهما ، فمجرّد الإتيان بهما بعنوان جزء الصلاة لا يدلّ على الإسلام .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الكافي 2 : 25 / 1 .

ــ[405]ــ

   (مسألة 275) : لو جنّ المرتدّ الملّي بعد ردّته وقبل توبته لم يقتل (1) ، وإن جنّ بعد امتناعه عن التوبة قتل (2) .

   (مسألة 276) : لا يجوز تزويج المرتدّ بالمسلمة (3) ، وقيل بعدم جواز تزويجه من الكافرة أيضاً ، وفيه إشكال ، بل الأظهر جوازه ، ولا سيّما في الكتابيّة ، ولا سيّما في المتعة (4) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) وذلك لما تقدّم من أنّ قتل المرتدّ الملّي مشروط بامتناعه عن التوبة (1) .

   (2) لأنّ شرط القتل ـ وهو الامتناع عن التوبة ـ قد وجد ، وعروض الجنون بعده لا يوجب سقوط القتل عنه ، لعدم الدليل على سقوطه به .

   (3) قد ظهر وجه ذلك مما سبق .

   (4) وجه الإشكال : هو أنّ المشهور ذهبوا إلى عدم جواز عقده من الكافرة ، نظراً إلى تحرّمه بالإسلام المانع من التزويج بها ، ولذا علّل الشهيد (قدس سره) في الدروس بأنّ المرتدّ دون المسلم وفوق الكافر(2)، ولكنّ الصحيح هو جواز عقده منها :

   أمّا من الكتابية : فواضح ، لأنّ تزويج المسلم بها إذا كان جائزاً مطلقاً ـ كما قويّناه  ـ أو في المتعة ـ كما هو المشهور ـ فتزويج من هو دون المسلم بطريق أولى ، على أ نّه لا مقتضي لمنع تزويجه منها .

   وأمّا تزويجه من غير الكتابيّة : فإن تمّ إجماع على عدم الجواز فهو ، ولكنّه غير تامّ ، وعليه فلا مانع منه ، لعدم الدليل على المنع .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 398 .

(2) الدروس 2 : 55 .

ــ[406]ــ

   (مسألة 277): لاولاية للأب أو الجدّ المرتدّ على بنته المسلمة، لانقطاع ولايتهما بالارتداد(1).

   (مسألة 278) : يتحقّق رجوع المرتدّ عن ارتداده باعترافه بالشهادتين إذا كان ارتداده بإنكار التوحيد أو النبوّة الخاصّة (2) ، وأمّا إذا كان ارتداده بإنكار عموم نبوّة نبيّنا محمّد (صلّى الله عليه وآله وسلّم) لجميع البشر فلا بدّ في توبته من رجوعه عمّا جحد وأنكر (3) .

   (مسألة 279) : إذا قتل المرتدّ عن فطرة أو ملّة مسلماً عمداً جاز لولي المقتول قتله فوراً ، وبذلك يسقط قتله من جهة ارتداده بسقوط موضوعه . نعم ، لو عفا الولي أو صالحه على مال قُتِل من ناحية ارتداده .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

   وأمّا تعليل الشهيد (قدس سره) : فهو واضح الضعف ، لأنّ المرتدّ أدون من الكافر الأصلي ، ولذلك يحكم بقتله دون غيره .

   ومما ذكرناه يظهر حال تزويجه بالمرتدّة .

   (1) من دون خلاف بين الأصحاب ، لقوله تعالى : (وَلَن يَجْعَلَ اللهُ لِلكَافِرِينَ عَلَى المُؤْمِنِينَ سَبِيلاً)(1) .

   (2) والوجه في كلّ منهما ظاهر ، وذلك لما عرفت من أ نّه يكفي في الحكم بالإسلام إظهار الشهادتين ، ولا فرق في ذلك بين أن يكون كافراً أصليّاً أو مرتدّاً .

   (3) وجهه ظاهر .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) النساء 4 : 141 .

ــ[407]ــ

   (مسألة 280) : إذا قتل أحدٌ المرتدَّ عن ملّة بعد توبته ، فإن كان معتقداً بقاءه على الارتداد لم يثبت القصاص ، ولكن تثبت الدية (1) .

   (مسألة 281) : إذا تاب المرتدّ عن فطرة لم تقبل توبته بالنسبة إلى الأحكام اللازمة عليه من وجوب قتله وانتقال أمواله إلى ورثته وبينونة زوجته منه(2)، وأمّا بالإضافة إلى غير تلك الأحكام فالأظهر قبول توبته(3)، فتجري عليه أحكام المسلم ، فيجوز له أن يتزوّج من زوجته السابقة أو امرأة مسلمة اُخرى وغير ذلك من الأحكام .
ـــــــــــــــــــــــــــــــ

   (1) أمّا عدم ثبوت القصاص : فلأ نّه لم يكن متعمّداً لقتل المسلم الذي هو الموضوع لوجوب القصاص .

   وأمّا ثبوت الدية : فلأنّ دم المسلم لا يذهب هدراً .

   (2) على ما دلّت عليه الروايات المتقدّمة .

   (3) وذلك لعموم ما دلّ على قبول التوبة، وما دلّ على أنّ من أظهر الشهادتين يحكم بإسلامه . ويؤكّد ذلك أ نّه لا شكّ في عدم سقوط التكليف عنه ، وأ نّه مكلّف بالصلاة والصيام وغيرهما مما يشترط في صحّته الإسلام ، فلو لم تقبل توبته امتنع تكليفه بذلك ، مع أ نّه مسلم بمقتضى إظهاره الشهادتين .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net