بسم الله الرّحمن الرّحيم
الحمد لله ربّ العالمين ، والصلاة والسلام على محمّد وآله الطّيبين الطاهرين ، واللعنة الدائمة على
أعدائهم أجمعين .
أمّا بعد، فهذا هو الجزء الثاني من مباني تكملة المنهاج المشتمل على كتابي القصاص والديات ، وقد
منّ الله سبحانه وتعالى عليَّ بالتوفيق لإنجازه وإتمامه ، إنّه وليّ التوفيق وله الحمد أوّلاً وآخراً .
ــ[1]ــ
ــ[2]ــ
كتاب القصاص
ــ[3]ــ
كتاب القصاص
وفيه فصول
الفصل الأوّل
في قصاص النفس
(مسألة 1) : يثبت القصاص بقتل النفس المحترمة المكافئة عمداً وعدواناً (1)، ويتحقّق العمد بقصد
البالغ العاقل القتل ولو بما لا يكون قاتلاً غالباً فيما إذا ترتّب القتل عليه (2) ، بل الأظهر تحقّق العمد
بقصد ما يكون قاتلاً عادةً وإن
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) يأتي وجه جميع ذلك في شرائط القصاص إن شاء الله تعالى .
(2) لتحقّق قصد القتل حقيقةً ، فيتحقّق القتل العمدي الذي هو الموضوع للقصاص .
وتدلّ على ذلك عدّة روايات :
منها : صحيحة الحلبي ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «العمد : كلّ ما اعتمد شيئاً فأصابه
بحديدة أو بحجر أو بعصاً أو بوكزة، فهذا كلّه عمد، والخطأ:
ــ[4]ــ
لم يكن قاصداً القتل ابتداءً (1) ، وأمّا إذا لم يكن قاصداً القتل ولم يكن الفعل قاتلاً عادةً ، كما إذا
ضربه بعود خفيف أو رماه بحصاة فاتّفق موته ، لم يتحقّق
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
من اعتمد شيئاً فأصاب غيره»(1) .
(1) لأنّ قصد الفعل مع الالتفات إلى ترتّب القتل عليه عادةً لا ينفكّ عن قصد القتل تبعاً .
وتدلّ عليه ـ مضافاً إلى ذلك ـ عدّة روايات :
منها : صحيحة الفضل بن عبدالملك ـ على رواية الصدوق ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) أ نّه
قال : «إذا ضرب الرجل بالحديدة فذلك العمد» قال : سألته عن الخطأ الذي فيه الدية والكفّارة ، أهو
أن يعتمد ضرب رجل ولا يعتمد قتله ؟ «فقال : نعم» قلت : رمى شاة فأصاب إنساناً ؟ «قال : ذاك
الخطأ الذي لا شكّ فيه ، عليه الدية والكفّارة»(2) .
فإنّها تدلّ على أنّ الضرب بالحديدة ـ الذي يترتّب عليه القتل عادةً ـ من القتل العمدي وإن لم
يقصد الضارب القتل ابتداءً ، وأمّا مع قصد القتل فلا خصوصيّة للحديدة .
ومنها : صحيحة أبي العبّاس وزرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إنّ العمد : أن يتعمّده
فيقتله بما يقتل مثله ، والخطأ ، أن يتعمّده ولا يريد قتله يقتله بما لايقتل مثله، والخطأ الذي لا شكّ فيه:
أن يتعمّد شيئاً آخر فيصيبه»(3) .
فإنّ التقييد بقوله (عليه السلام) : «بما لا يقتله» يدلّ على أنّ الآلة إذا كانت
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 36 / أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 3 .
(2) الوسائل 29 : 38 / أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 9 ، الفقيه 4 : 77 / 239 .
(3) الوسائل 29 : 40 / أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 13 .
ــ[5]ــ
به موجب القصاص (1) .
(مسألة 2) : كما يتحقّق القتل العمدي فيما إذا كان فعل المكلّف علّة تامّة للقتل أو جزءاً أخيراً
للعلّة بحيث لا ينفكّ الموت عن فعل الفاعل زماناً ، كذلك يتحقّق فيما إذا ترتّب القتل عليه من دون أن
يتوسّطه فعل اختياري من شخص آخر ، كما إذا رمى سهماً نحو من أراد قتله فأصابه فمات بذلك بعد
مدّة من الزمن ، ومن هذا القبيل ما إذا خنقه بحبل ولم يرخه عنه حتّى مات ، أو حبسه في مكان ومنع
عنه الطعام والشراب حتّى مات ، أو نحو ذلك ، فهذه الموارد وأشباهها داخلة في القتل العمدي (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
قتّالة فليس هو من الخطأ وإن لم يقصد القتل ابتداءً .
(1) وذلك لعدم تحقّق العمد في القتل ، ولصحيحة الفضل بن عبدالملك وصحيحة أبي العبّاس
وزرارة المتقدّمتين ، وصحيحة اُخرى لأبي العبّاس عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : قلت له : أرمي
الرجل بالشيء الذي لا يقتل مثله «قال : هذا خطأ» ثمّ أخذ حصاة صغيرة فرمى بها ، قلت : أرمي
الشاة فأصيب رجلاً «قال : هذا الخطأ الذي لا شكّ فيه ، والعمد الذي يضرب بالشيء الذي يقتل
بمثله»(1) .
(2) لأنّ العبرة في القصاص إنّما هو بتحقّق القتل العمدي ، وملاك العمد في القتل هو إيجاد عمل
يقصد به القتل أو يترتّب عليه الموت غالباً ، وهو متحقّق في جميع هذه الموارد .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 37 / أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 7 .
|