(مسألة 16) : لو أمسكه وقتله آخر ، قتل القاتل ، وحبس الممسك مؤبّداً حتّى يموت بعد ضرب
جنبيه ويجلد كلّ سنة خمسين جلدة (2) . ولو اجتمعت
(2) تدلّ على ذلك عدّة روايات :
منها: معتبرة عمرو بن أبي المقدام: أنّ رجلاً قال لأبي جعفر المنصور ـ وهو يطوف ـ: يا أمير
المؤمنين، إنّ هذين الرجلين طرقا أخي ليلاً، فأخرجاه من منزله فلم يرجع إليّ، ووالله ما أدري ما صنعا
به، فقال لهما: ما صنعتما به؟ فقالا: يا أمير المؤمنين، كلّمناه ثمّ رجع إلى منزله ـ إلى أن قال: ـ فقال
لأبي عبد الله جعفر بن محمّد (عليه السلام): اقض بينهم ـ إلى أن قال : ـ «فقال : يا غلام ، اكتب :
بسم الله الرّحمن الرّحيم ، قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : كلّ من طرق رجلاً بالليل
فأخرجه من منزله فهو ضامن إلاّ أن يقيم عليه البيّنة أ نّه قد ردّه إلى منزله . يا غلام ، نحّ هذا فاضرب
عنقـه للآخر» فقال : يابن رسول الله ، والله ما أنا قتلته ولكنّي أمسكته ، ثمّ جاء هذا فوجأه فقتله
«فقال: أنا ابن رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) ، يا غلام ، نحّ هذا فاضرب عنقه للآخر» فقال
: يابن رسول الله ، ما عذّبته ولكنّي قتلته بضربة واحدة . فأمر أخاه فضرب عنقه ، ثمّ أمر بالآخر
فضرب جنبيه وحبسه في السجن ووقع على رأسه يحبس عمره ويضرب في كلّ سنة خمسين جلدة (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 51 / أبواب القصاص في النفس ب 18 ح 1 .
ــ[13]ــ
جماعة على قتل شخص فأمسكه أحدهم وقتله آخر ونظر إليه ثالث ، فعلى القاتل القود ، وعلى
الممسك الحبس مؤبّداً حتّى الموت ، وعلى الناظر أن تقفأ عيناه (1) .
(مسألة 17) : لو أمر غيره بقتل أحد ، فقتله ، فعلى القاتل القود ، وعلى الآمر الحبس مؤبّداً إلى أن
يمـوت (2) . ولو أكرهه على القـتل ، فإن كان ما توعّد به دون القتل فلا ريب في عدم جواز القتل
، ولو قتله ـ والحال هذه ـ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : قضى علي (عليه السلام) في رجلين
أمسك أحدهما وقتل الآخر ، قال : يقتل القاتل ويحبس الآخر حتّى يموت غمّاً»(1) ، وقريب منها
معتبرة سماعة(2) .
ومنها : معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) : «إنّ ثلاثة نفر رفعوا إلى أمير المؤمنين (عليه
السلام) : واحد منهم أمسك رجلاً ، وأقبل الآخر فقتله ، والآخر يراهم ، فقضى في صاحب الرؤية أن
تسمل عيناه ، وفي الذي أمسك أن يسجن حتّى يموت كما أمسكه ، وقضى في الذي قتل أن يقتل»(3)
.
(1) تدلّ عليه معتبرة السكوني المتقدّمة .
(2) تدلّ على ذلك صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) : في رجل أمر رجلاً بقتل رجل
فقتله «فقال : يقتل به الذي قتله ، ويحبس الآمر بقتله في الحبس حتّى يموت»(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 49 / أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 1 .
(2) الوسائل 29 : 50 / أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 2 .
(3) الوسائل 29 : 50 / أبواب القصاص في النفس ب 17 ح 3 .
(4) الوسائل 29 : 45 / أبواب القصاص في النفس ب 13 ح 1 .
ــ[14]ــ
كان عليه القود (1) ، وعلى المكره الحبس المؤبّد (2) ، وإن كان ما توعّد به هو القتل فالمشهور أنّ
حكمه حكم الصورة الاُولى ، ولكنّه مشكل ، ولا يبعد جواز القتل عندئذ ، وعلى ذلك فلا قود ولكن
عليه الدية (3) ، وحكم المكرِه ـ بالكسر ـ في هذه الصورة حكمه في الصورة الاُولى . هذا إذا
كان المكرَه ـ بالفتح ـ بالغاً عاقلاً . وأمّا إذا كان مجنوناً أو صبيّاً غير ممـيّز فالقود على المكرِه ـ
بالكسر ـ (4) ، وأمّا إذا كان صبيّاً مميّزاً فلا قود لا على المكرِه ولا على
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) وذلك لما علم من ضرورة الشرع المقدّس أهمّيّة النفس المحترمة ، فلا ترتفع حرمة قتلها بالإكراه
على ما دون القتل ، فلو أقدم على قتلها ـ والحال هذه ـ فقد قتلها ظلماً وعدواناً ، وحكمه
القصاص والقود .
(2) لصحيحة زرارة المتقدّمة .
(3) أمّا وجه المشهور : فلأ نّهم استدلّوا على أنّ الإكراه لا يتحقّق في القتل .
وفيه : أنّ ما ذكروه وإن كان صحيحاً ، حيث إنّ حديث الإكراه الوارد مورد الامتنان لا يشمل
المقام وأمثاله ، إلاّ أ نّه مع ذلك لا يكون القتل محرّماً ، فإنّ ذلك داخل في باب التزاحم ، إذ الأمر يدور
بين ارتكاب محرّم ـ وهو قتل النفس المحترمة ـ وبين ترك واجب ـ وهو حفظ نفسه وعدم تعريضه
للهلاك ـ وحيث لا ترجيح في البين فلا مناص من الالتزام بالتخيير ، وعليه فالقتل يكون سائغاً وغير
صادر عن ظلم وعدوان ، فلا يترتّب عليه القصاص ، ولكن تثبت الدية ، لأنّ دم امرئ مسلم لا
يذهب هدراً .
(4) وذلك لأ نّه القاتل في الفرض ، حيث إنّهما كالآلة بالنسبة إليه .
ــ[15]ــ
الصبي (1) . نعم ، على عاقلة الصبي الدية (2) وعلى المكرِه الحبس مؤبّداً (3) . ـــــــــــــــ
ـــــ
(1) أمّا على المكرِه ـ بالكسر ـ فلأ نّه في الفرض لم يكن قاتلاً ، فإنّ القاتل إنّما هو الصبي المميّز .
وأمّا على الصبي فلأ نّه لا قود عليه ، وإنّما هو على القاتل البالغ متعمّداً .
(2) لأنّ عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة على ما سيأتي إن شاء الله تعالى(1) .
(3) لأنّ صحيحة زرارة المتقدّمة وإن كان موردها كون المأمور رجلاً إلاّ أنّ من المعلوم أ نّه لا
خصوصيّة لذلك أصلاً ، بل الحكم يجري في كلّ مورد يكون المتصدّي للقتل فاعلاً مختاراً ، سواء أكان
رجلاً أم امرأةً أم صبيّاً مميّزاً . ـــــــــــــ
(1) في ص 79 .
|