ــ[23]ــ
(مسألة 26) : لو جرح اثنان شخصاً جرحين بقصد القتل فمات المجروح بالسراية، فادّعى أحدهما
اندمال جرحه وصدّقه الولي، نفذ إقراره على نفسه ولم ينفذ على الآخر . وعليه ، فيكون الولي مدّعياً
استناد القتل إلى جرحه ، وهو منكر له ، فعلى الولي الإثبات (1) .
(مسألة 27) : إذا قطع اثنان يد شخص ، ولكن أحدهما قطع من الكوع والآخر من الذراع فمات
بالسراية ، فإن استند الموت إلى كلتا الجنايتين معاً كان كلاهما قاتلاً ، وإن استند إلى قاطع الذراع
فالقاتل هو الثاني ، والأوّل جارح ، نظير ما إذا قطع أحد يد شخص وقتله آخر ، فالأوّل جارح والثاني
قاتل (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
يده من الذي قطعها ، فإن أراد أولياؤه أن يقتلوا قاتله أدّوا إلى أولياء قاتله دية يده التي قيد منها إن
كان أخذ دية يده ويقتلوه ، وإن شاءُوا طرحوا عنه دية يد وأخذوا الباقي . قال : وإن كانت يده
قطعت في غير جناية جناها على نفسه ولا أخذ لها دية قتلوا قاتله ولا يغرم شيئاً ، وإن شاءُوا أخذوا دية
كاملة»(1) .
ولكنّها ضعيفة بسورة بن كليب ، فإنّه لم يثبت توثيقه ولا مدحه ، فلا يمكن الاعتماد عليها .
(1) فإن تمكّن الولي من إثبات أنّ تمام القتل مستند إلى جرحه فله الاقتصاص منه بدون ردّ نصف
الدية إليه ، وإلاّ فعلى المنكر الحلف ، وإن ادّعى عدم العلم بذلك ، فإن ادّعى الولي علمه بالاندمال
فعليه اليمين على عدم العلم .
(2) تقدّم حكم الموت بالسراية في أوّل قصاص النفس(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 111 / أبواب القصاص في النفس ب 50 ح 1 .
(2) في ص 6 ـ 7 .
ــ[24]ــ
(مسألة 28) : لو كان الجارح والقاتل واحداً فهل تدخل دية الطرف في دية النفس أم لا ؟ وجهان ،
والصحيح هو التفصيل بين ما إذا كان القتل والجرح بضربة واحدة ، وما إذا كان بضربتين ، فعلى
الأوّل : تدخل دية الطرف في دية النفس فيما تثبت فيه الدية أصالةً (1) . وعلى الثاني : فالمشهور
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) بلا خلاف بين الأصحاب ، بل ادّعي عليه الإجماع .
وتدلّ على ذلك صحيحة أبي عبيدة الحذّاء، قال: سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل ضرب
رجلاً بعمود فسطاط على رأسه ضربة واحدة فأجافه حتّى وصلت الضربة إلى الدماغ فذهب عقله «
قال : إن كان المضروب لا يعقل منها أوقات الصلاة ولا يعقل ما قال ولا ما قيل له ، فإنّه ينتظر به سنة
، فإن مات فيما بينه وبين السنة اُقيد به ضاربه ، وإن لم يمت فيما بينه وبين السنة ولم يرجع إليه عقله
اُغرم ضاربه الدية في ماله لذهاب عقله» قلت : فما ترى عليه في الشجّة شيئاً ؟ «قال : لا ، لأ نّه إنّما
ضرب ضربة واحدة فجنت الضربة جنايتين فألزمته أغلظ الجنايتين ، وهي الدية ، ولو كان ضربه
ضربتين فجنت الضربتان جنايتين لألزمته جناية ما جنتا كائناً ما كان إلاّ أن يكون فيهما الموت بواحدة
وتطرح الاُخرى فيقاد به ضاربه ، فإن ضربه ثلاث ضربات واحدة بعد واحدة فجنين ثلاث جنايات
ألزمته جناية ما جنت الثلاث ضربات كائنات ما كانت ما لم يكن فيها الموت فيقاد به ضاربه ، قال : فإن
ضربه عشر ضربات فجنين جناية واحدة ألزمته تلك الجناية التي جنتها العشر ضربات»(1) .
فمورد الصحيحة وإن كان دخول دية الطرف في دية العقل إلاّ أنّ مقتضى عموم التعليل هو دخول
دية الطرف في دية النفس أيضاً في مفروض الكلام .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 366 / أبواب ديات المنافع ب 7 ح 1 .
ــ[25]ــ
المدعى عليه الإجماع هو التداخل أيضاً والاكتفاء بدية واحدة وهي دية النفس . ولكنّه لا يخلو من
إشكال ، والأقرب عدم التداخل (1) .
وأمّا القصاص فإن كان الجرح والقتل بجناية واحدة ، كما إذا ضربه ضربة واحدة فقطعت يده فمات
، فلا ريب في دخول قصاص الطرف في قصاص النفس ، ولا يقتصّ منه بغير القتل (2) ، كما أ نّه لا
ريب في عدم التداخل إذا
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) فإنّ التداخل خلاف الأصل فيحتاج إلى دليل ، فإن تمّ إجماع عليه ـ كما ادّعاه المحقّق وصاحب
الجواهر (قدّس سرّهما) (1) ـ فهو ، ولكنّه لم يتحقّق ، ولا اعتماد بنقله، فإنّ المسألة غير محرّرة في
كلام غير واحد ، وقد استشكل الأردبيلي في التداخل فيما إذا كان الفصل بين الضربتين كثيراً(2)،
فإذن الأقرب هو التعدّد .
هذا ، مضافاً إلى أنّ صحيحة أبي عبيدة الحذّاء المتقدّمة تدلّ على عدم التداخل، فإنّها تدلّ على أنّ
كلّ جناية يلزم بها الجاني ما لم ينته إلى الاقتصاص ، ومعه يثبت القود ويطرح الباقي .
هذا فيما إذا كان الموت مستنداً إلى إحدى الضربتين .
وأمّا إذا كان مستنداً إلى كليهما فلا ينبغي الشكّ في التداخل ، والوجه فيه ظاهر .
(2) بلا خلاف ولا إشـكال ، وتدلّ على ذلك صحيحة محمّد بن قيس عن أحدهما (عليهما
السلام) : في رجل فقأ عيني رجل وقطع اُذنيه ثمّ قتله «فقال : إن كان فرق ذلك اقتصّ منه ثمّ يقتل،
وإن كان ضربه ضربة واحدة ضربت عنقه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشرائع 4 : 206 ، الجواهر 42 : 62 .
(2) مجمع الفائدة والبرهان 13 : 446 .
ــ[26]ــ
كان الجرح والقتل بضربتين متفرّقتين زماناً ، كما لو قطع يده ولم يمت به ثمّ قتله (1) ، وأمّا إذا كانت
الضربتان متواليتين زماناً ، كما إذا ضربه ضربة فقطعت يده ـ مثلاً ـ وضربه ضربة ثانية فقتلته ، فهل
يحكم بالتداخل ؟ فيه
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
ولم يقتصّ منه»(1) .
وصحيحة حفص بن البختري ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل ضرب على رأسه
فذهب سمعه وبصره واعتقل لسانه ثمّ مات «فقال : إن كان ضربه ضربة بعد ضربة اقتصّ منه ثمّ قتل ،
وإن كان أصابه هذا من ضربة واحدة قتل ولم يقتصّ منه»(2) .
هذا ، مضافاً إلى أنّ القتل عادةً لا ينفكّ عن الجرح .
(1) كما تقتضي ذلك إطلاقات الأدلّة .
وأمّا صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة فلا تقيّد هذه الإطلاقات ، لأنّ مورد الصحيحة وقوع ضربة بعد
ضربة فلا تشمل صورة التفرّق بينهما زماناً ، فهي على تقدير العمل بها والإغماض عن معارضتها
بصحيحتي محمّد بن قيس وابن البختري ـ على ما سيجيء ـ قاصرة عن الشمول لصورة تفرّق
الضربتين زماناً، فلا مانع من التمسّك بالإطلاقات فيها .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 112 / أبواب القصاص في النفس ب 51 ح 1 .
(2) الوسائل 29 : 112 / أبواب القصاص في النفس ب 51 ح 2 .
ــ[27]ــ
إشكال وخلاف ، والأقرب عدم التداخل (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) منشأ الخلاف والإشكال هو الاختلاف بين صحيحتي محمّد بن قيس وحفص بن البختري
المتقدّمتين وبين صحيحة أبي عبيدة المتقدّمة، فإنّ مقتضى الاُولتين عدم التداخل ، ومقتضى الثالثة هو
التداخل ، والأظهر عدم التداخل ، لأنّ الصحيحتين الاُولتين موافقتان لإطلاق الكتاب دون الصحيحة
الثالثة فتتقدّمان عليها .
ثمّ إنّه قد يتوهّم أنّ مورد صحيحة محمّد بن قيس هو تفرّق الضربتين زماناً ، فلا تكون معارضة
لصحيحة أبي عبيدة .
ولكنّه يندفع بأنّ المراد بالتفرّق فيها هو التعدّد ، بقرينة قوله (عليه السلام) : «وإن كان ضربه ضربة
واحدة» فإنّه تصريح بمفهوم الجملة الأولى ، فإذن تكون معارضة لها . ومع الإغماض عن ذلك
فصحيحة ابن البختري كافية في المعارضة .
|