ــ[100]ــ
الشرط الخامس : أن يكون المقتول محقون الدم، فلا قود في القتل السائغ شرعاً ، كقتل سابّ النبيّ
(صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة الطّاهرين (عليهم السلام) ، وقتل المرتدّ الفطري ولو بعد توبته
والمحارب والمهاجم القاصد للنفس أو العرض أو المال ، وكذا من يقتل بقصاص أو حدّ وغير ذلك .
والضابط في جميع ذلك هو كون القتل سائغاً للقاتل (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
عين صحيح «فقال : إنّ عمد الأعمى مثل الخطأ ، هذا فيه الدية في ماله ، فإن لم يكن له مال فالدية
على الإمام ، ولا يبطل حقّ امرئ مسلم»(1) .
ثمّ إنّه لا بدّ من حمل المعتبرة على ما إذا لم تكن له عاقلة ، بقرينة صحيحة الحلبي المتقدّمة الدالّة على أ
نّه إذا لم تكن له عاقلة فالدية في ماله . كما أ نّه لا بدّ من تقييد إطلاق ذيل الصحيحة بما إذا كان له مال
، وإلاّ فالدية على الإمام بمقتضى ذيل المعتبرة الدالّ على ذلك .
بقي هنا شيء : وهو أنّ الشهيد الثاني (قدس سره) في المسالك قد رمى الروايتين بضعف السند(2)، والظاهر أ نّه نظر في رواية الحلبي إلى رواية الشيخ (رحمة الله عليه) ، فإنّ في سندها محمّد بن
عبدالله ، وهو محمّد بن عبدالله بن هلال، الذي لم يرد فيه توثيق ولا مدح في كتب الرجال . وغفل عن
أنّ الصدوق (قدس سره) رواها في الفقيه بسند صحيح .
وأمّا رواية أبي عبيدة فلا موجب لتضعيفها، غير أنّ في سندها عمّار الساباطي، وهو من أجلّ الثقات
.
(1) وذلك لأنّ دم المقتول يكون عندئذ هدراً ، ومعه لا موجب للقصاص
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 89 / أبواب القصاص في النفس ب 35 ح 1 .
(2) المسالك 2 : 371 (حجري) .
ــ[101]ــ
ولا للدية، غاية الأمر أ نّه قد يكون دمه هدراً بالإضافة إلى كلّ شخص، كسابّ النبيّ (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) والأئمّة الأطهار (سلام الله عليهم) ، وقد يكون هدراً بالإضافة إلى شخص دون آخر، كما
في موارد قتل المرتدّ الفطري ، وموارد القصاص ونحوهما والمحارب والمهاجم .
هذا ، مضافاً إلى ورود النصوص الخاصّة بذلك :
منها : ما ورد في سابّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله وسلّم) والأئمّة الأطهار (عليهم السلام) الدالّة
على جواز قتله لكلّ أحد ، ومعنى ذلك : أنّ دمه هدر ، وقد تقدّمت تلك الروايات في محلّها (1) .
ومنها : ما ورد في من قتله الحدّ أو القصاص ، وهو عدّة نصوص :
منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : أ يّما رجل قتله الحدّ أو القصاص فلا دية
له»(2) .
ومنها : صحيحة أبي العبّاس عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عمّن اُقيم عليه الحدّ ، أيقاد
منه ، أو تؤدّى ديته ؟ «قال : لا ، إلاّ أن يزاد على القود»(3) .
فإنّها تدلّ على أ نّه لا قود ولا دية في ذلك مطلقاً ، أي سواء أكان قتله من جهة الارتداد أو الزنا أو
اللواط أو قتل النفس المحترمة .
ومنها : ما ورد في المحارب والمهاجم الدالّ على أنّ دمه هدر ، وقد تقدّمت تلك الروايات أيضاً في
محلّها (4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) مباني تكملة المنهاج 1 : 320 .
(2) الوسائل 29 : 65 / أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 9 .
(3) الوسائل 29 : 65 / أبواب القصاص في النفس ب 24 ح 7 .
(4) مباني تكملة المنهاج 1 : 385 .
ــ[102]ــ
(مسألة 89 ) : المشهور على أنّ من رأى زوجته يزني بها رجل وهي مطاوعة ، جاز له قتلهما ، وهو
لا يخلو عن إشكال ، بل منع (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) يقع الكلام في صورتين :
الاُولى : أ نّه إذا ادّعى الزوج أ نّه رأى زوجته تزني فقتلها لذلك من دون أن تكون له بيّنة على
ذاك، ففي هذه الصورة لا إشكال ولا خلاف في ثبوت القود عليه ، وتدلّ على ذلك ـ مضافاً إلى أ نّه
على طبق القواعد ـ الروايات الآتية .
الثانية : أن تكون له بيّنة على ذلك ، ففي هذه الصورة : المعروف والمشهور بين الأصحاب ـ بل لم
يظهر الخلاف في البين ـ أ نّه لا قود عليه ، واستدلّ على جواز قتله وأ نّه لا قود عليه بعدّة روايات :
منها : رواية سعيد بن المسيّب على رواية الشيخ (قدس سره) ورواية يحيى ابن سعيد بن المسيّب على
رواية الصدوق (قدس سره) : أنّ معاوية كتب إلى أبي موسى الأشعري : أنّ ابن أبي الجسرين وجد
رجلاً مع امرأته فقتله ، فاسأل لي علياً (عليه السلام) عن هذا ، قال أبو موسى : فلقيت علياً (عليه
السلام) فسألته ـ إلى أن قال : ـ «فقال : أنا أبو الحسن ، إن جاء بأربعة يشهدون على ما شهد ،
وإلاّ دفع برمته»(1) .
ومنها : رواية الفتح بن يزيد الجرجاني عن أبي الحسن (عليه السلام) : في رجل دخل دار آخر
للتلصّص أو الفجور ، فقتله صاحب الدار ، أيُقتَل به أم لا؟ «فقال : اعلم أنّ من دخل دار غيره فقد
أهدر دمه ولا يجب عليه شيء»(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 135 / أبواب القصاص في النفس ب 69 ح2، التهذيب 10 : 314 /
1168 ، الفقيه 4 : 127 / 447.
(2) الوسائل 29 : 70 / أبواب القصاص في النفس ب 27 ح 2 .
ــ[103]ــ
ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث «قال : أ يّما رجل اطّلع على قوم
في دارهم لينظر إلى عوراتهم ففقؤوا عينه أو جرحوه فلا دية عليهم . وقال : من اعتدى فاعتدي عليه
فلا قود له»(1) .
وفيه : أنّ الرواية الاُولى وإن كانت تامّة دلالة إلاّ أ نّها ضعيفة سنداً من عدّة جهات ، فإنّ في سندها
الحصين بن عمرو ، وهو مجهول ، وكذا يحيى بن سعيد ، على أنّ طبقة أحمد بن النضر متأخّرة عن
الحصين بن عمرو فلا يمكن روايته عنه ، فالرواية مرسلة من هذه الجهة ، فلا يمكن الاعتماد عليها .
وأمّا الرواية الثانية فلأ نّها ضعيفة سنداً ودلالةً ، أمّا سنداً : فلأنّ في سندها عدّة مجاهيل ، وأمّا دلالةً
: فلأنّ موردها دخول دار أحد للفجور أو التلصّص ، فيجوز قتله للدفاع .
ومن هنا قلنا: إنّه لا يختصّ بالزنا، فلو دخل دار غيره لتقبيل زوجته ـ مثلاً ـ جاز قتله أيضاً، كما أ
نّه لا يختصّ بالزوج ، فلو دخل دار غيره للفجور بابنته أو اُخته ، أو لتقبيلهما ، جاز له قتله ، كما تقدّم
ذلك مفصّلاً (2) .
وهذا بخلاف مورد كلامنا ، فإنّه فيما إذا لم ينطبق عليه عنوان الدفاع ، فإذن لا يقاس ما نحن فيه
بالموارد المتقدّمة ، فالرواية أجنبيّة عن محلّ الكلام .
وبذلك يظهر الجواب عن الرواية الثالثة ، فإنّها وإن كانت تامّة سنداً ، إلاّ أ نّها أجنبيّة عمّا نحن فيه ،
فإنّها واردة في مقام الدفاع عن العرض ، وقد تقدّم أ نّه لا شبهة في جواز القتل لأجله(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 68 / أبواب القصاص في النفس ب 25 ح 7 .
(2) تكملة مباني المنهاج 1 : 421 ـ 423 .
(3) تكملة مباني المنهاج 1 : 423 .
ــ[104]ــ
فالنتيجة : أنّ شيئاً من هذه الروايات لا يدلّ على مذهب المشهور .
على أنّ صحيحة داود بن فرقد، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «إنّ أصحاب رسول
الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) قالوا لسعد بن عبادة : أرأيت لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما
كنت صانعاً به ؟ قال : كنت أضربه بالسيف، قال : فخرج رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)
فقال : ماذا يا سعد ؟ فقال سعد : قالوا : لو وجدت على بطن امرأتك رجلاً ما كنت صانعاً به ؟ فقلت
: أضربه بالسيف ، فقال : يا سعد ، فكيف بالأربعة الشهود ؟ فقال : يا رسول الله ، بعد رأي عيني
وعلم الله أن قد فعل ؟ قال : أي والله ، بعد رأي عينك وعلم الله أن قد فعل ، إنّ الله قد جعل لكلّ
شيء حدّاً ، وجعل لمن تعدّى ذلك الحدّ حدّاً»(1) .
ظاهرة في عدم جواز قتله وأنّ الله تعالى جعل للزنا حدّاً ، وأ نّه لا يجوز قتل الزاني قبل شهادة الأربعة
، فلا يجوز التعدّي عنه ، ومن تعدّى فعليه حدّ .
فما في الجواهر من أ نّه يمكن أن تكون الصحيحة بياناً للحكم في الظاهر ، وأ نّه لا مانع من قتله في
الواقع ولا إثم عليه(2) .
لا يمكن المساعدة عليه ، فإنّه خلاف ظاهر الصحيحة ، فلا يمكن الالتزام به بلا دليل ولا قرينة .
وأمّا ما في الجواهر أيضاً من نسبة صحيح آخر إلى داود بن فرقد ، وهو ما كتبه معاوية إلى أبي
موسى (3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 14 / أبواب مقدمات الحدود ب 2 ح 1 .
(2) الجواهر 41 : 369 .
(3) الجواهر 41 : 369 ـ 370 .
ــ[105]ــ
فالظاهر أ نّه سهو من قلمه الشريف ، حيث إنّ تلك الرواية لم يروها داود ابن فرقد .
أضف إلى ما ذكرناه : أ نّه لو تمّت دلالة تلك الروايات على جواز القتل فإنّما تتمّ في خصوص قتل
الرجل الزاني ، ولا تدلّ على جواز قتل الزوجة المزني بها .
نعم ، أرسل الشهيد (قدس سره) في الدروس : «أنّ من رأى زوجته تزني فله قتلهما»(1) .
وبما أنّ هذه المرسلة لاتوجد في كلام من تقدّم على الشهيد فلا يحتمل استناد المشهور إليها ليقال :
إنّها منجبرة بعمل المشهور ، على أنّ الكبرى ممنوعة . ثمّ إنّ الحكم على تقدير ثبوته يختصّ بحال الزنا،
فلو علم الزوج أنّ رجلاً زنى بزوجته سابقاً لم يجز له قتله ، وذلك لأنّ عمدة الدليل عليه هي رواية ابن
أبي الجسرين المتقدّمة ، وهي لا تدلّ على أزيد من ذلك .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 28 : 149 / أبواب حد الزنا ب 45 ح 2 ، الدروس 2 : 48 .
|