(مسألة 108) : لو قامت بيّنة على أنّ شخصاً قتل زيداً عمداً ، وأقرّ آخر أ نّه هو الذي قتله دون
المشهود عليه وأنّه بريء ، واحتمل اشتراكهما في القتل، كان للوليّ قتل المشهود عليه وعلى المقرّ ردّ
نصف الدية إلى وليّ المشهود عليه ، وله قتل المقرّ ، ولكن عندئذ لا يردّ المشهود عليه إلى ورثة المقرّ
شيئاً ، وله قتلهما بعد أن يردّ إلى وليّ المشهود عليه نصف ديته ،
ــ[120]ــ
ولو عفا عنهما ورضي بالدية كانت عليهما نصفين (1) . وأمّا إذا علم أنّ القاتل واحد فالظاهر جواز
قتل المقرّ أو أخذ
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
والفاضل في بعض كتبه وولده وأبي العباس من وجوب الدية عليهما نصفين(1) ، في غير محلّه .
(1) بيان ذلك : أنّ في المسألة صوراً :
الاُولى : ما إذا علم أولياء المقتول بكذب المقرّ بخصوصه أو بكذب البيّنة كذلك .
الثانية : ما إذا احتمل الاشتراك في القتل بينهما .
الثالثة : ما إذا علم إجمالاً عدم الاشتراك وأنّ القاتل واحد .
أمّا الصورة الاُولى : فهي خارجة عن منصرف الصحيحة الآتية جزماً ، حيث إنّه لا يجوز قتل من
علم ببراءته بمجرّد إقراره أو قيام البيّنة عليه .
وأمّا الصورة الثانية : فمقتضى القاعدة فيها جواز قتلهما معاً ، وذلك لأنّ البيّنة التي قامت على أنّ
زيداً قاتل لا تخلو من أن تكون لها دلالة التزاميّة على نفي اشتراك غيره في القتل ، أو لا تكون لها هذه
الدلالة ، وعلى كلا التقديرين فهي لا تنفي اشتراك غيره فيه ، أمّا على الثان : فواضح ، وأمّا على
الأوّل : فلأنّ الدلالة الالتزامية المذكورة تسقط من جهة إقرار غيره بالقتل ، وأمّا إقرار المقرّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الشيخ المفيد في المقنعة : 736 ، الشيخ الطوسي في النهاية : 742 ، القاضي في المهذب 2 :
502 ، الفاضل في قواعد الأحكام3: 615 ، ابن الفاضل في إيضاح الفوائد 4 : 608 ، أبو العباس
في المهذب البارع 5 : 202 ـ 204 ، وحكاه عن الصهرشتي وأبي منصور الطبري في الجواهر 42 :
219 .
ــ[121]ــ
فهو حجّة بالإضافة إلى ما عليه من الآثار ، وأمّا بالإضافة إلى نفي القتل من غيره فلا يكون حجّة .
فالنتيجة من ضمّ البيّنة إلى الإقرار هي أ نّهما معاً قاتلان على نحو الاشتراك ، فيجري عليهما حكم
الاشتراك في القتل ، غير أنّ وليّ المقتول إذا اقتصّ من المقرّ فقط فليس لورثته أخذ نصف الدية من
المشهود عليه ، وذلك لأجل أخذ المقرّ بإقراره .
وتدلّ على ذلك أيضاً صحيحة زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل قتل
فحمل إلى الوالي ، وجاءه قوم فشهد عليه الشهود أ نّه قتل عمداً ، فدفع الوالي القاتل إلى أولياء
المقتول ليقاد به ، فلم يريموا حتّى أتاهم رجل ، فأقرّ عند الوالي أ نّه قتل صاحبهم عمداً ، وأنّ هذا
الرجل الذي شهد عليه الشهود بريء من قتل صاحبه فلا تقتلوه به وخذوني بدمه ، قال : «فقال أبو
جعفر (عليه السلام) : إن أراد أولياء المقتول أن يقتلوا الذي أقرّ على نفسه فليقتلوه ولا سبيل لهم على
الآخر ، ثمّ لا سبيل لورثة الذي أقرّ على نفسه على ورثة الذي شهد عليه ، وإن أرادوا أن يقتلوا الذي
شهد عليه فليقتلوا ولا سبيل لهم على الذي أقرّ ، ثمّ ليؤدّ الدية الذي أقرّ على نفسه إلى أولياء الذي
شهد عليه نصف الدية» قلت : أرأيت إن أرادوا أن يقتلوهما جميعاً ؟ «قال : ذاك لهم ، وعليهم أن
يدفعوا إلى أولياء الذي شهد عليه نصف الدية خاصاً دون صاحبه ثمّ يقتلونهما» قلت : إن أرادوا أن
يأخذوا الدية ؟ قال : «فقال : الدية بينهما نصفان ، لأنّ أحدهما أقرّ والآخر شهد عليه» قلت : كيف
جعلت لأولياء الذي شهد عليه على الذي أقرّ نصف الدية حيث قتل ، ولم تجعل لأولياء الذي أقرّ على
أولياء الذي شهد عليه ولم يقرّ ؟ «فقال : لأنّ الذي شهد عليه ليس مثل الذي أقرّ ، الذي شهد عليه لم
يقرّ ولم يبرّئ صاحبه والآخر أقرّ وبرّأ
ــ[122]ــ
الدية منه بالتراضي .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
صاحبه ، فلزم الذي أقرّ وبرّأ صاحبه ما لم يلزم الذي شهد عليه ولم يقرّ ولم يبرئ صاحبه»(1) .
وهذه الصحيحة واضحة الدلالة على حكم هذه الصورة بشقوقها .
وأمّا الصورة الثالثة : فالمشهور أنّ الحكم فيها كما في الصورة الثانية ، ولكنّ المحقّق في الشرائع لم
يجزم بذلك حيث قال : وفي قتلهما إشكال ، لانتفاء الشركة ، وكذا في إلزامهما بالدية نصفين ،
والقول بتخيير الولي في أحدهما وجه قوي ، غير أنّ الرواية من المشاهير(2) .
وذهب إلى التخيير جماعة، منهم : ابن إدريس في السرائر والفاضل في التحرير وولده في الإيضاح
وأبو العبّاس في المهذّب والمقتصر(3) .
وقال في الجواهر بعد ما اختار مذهب المشهور : بل لعلّ طرحها ـ الصحيحة ـ والعمل بما تقتضيه
القواعد اجتهادٌ في مقابلة النصّ(4) .
أقول : الصحيح أ نّه لا مجال لما ذهب إليه المشهور ولا للقول بالتخيير .
أمّا الأوّل : فلأنّ الصحيحة إن دلّت على ذلك فإنّما تكون دلالته بالإطلاق ، وكيف يمكن الأخذ به
ورفع اليد عمّا دلّ على عدم جواز قتل المؤمن بغير حقّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 144 / أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 5 ح 1 .
(2) الشرائع 4 : 228 .
(3) السرائر 3 : 341 ، التحرير 2 : 251 ، إيضاح الفوائد 4 : 609 ، المهذب البارع 5 :
205 ـ 207 ، المقتصر : 432 .
(4) الجواهر 42 : 225 .
|