ــ[124]ــ
الفصل الثالث
في القسامة
(مسألة 110): لو ادّعى الولي القتل على واحد أو جماعة، فإن أقام البيّنة على مدّعاه فهو(1)، وإلاّ
فإن لم يكن هنا لوث طولب المدّعى عليه بالحلف ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) بلا خلاف ولا إشكال ، لإطلاق أدلّة حجّيّة البيّنة .
وأمّا صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إنّ الله حكم في دمائكم بغير ما حكم به
في أموالكم ، حكم في أموالكم : أنّ البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه ، وحكم في دمائكم :
أنّ البيّنة على المدّعى عليه واليمين على من ادّعى ، لئلاّ يبطل دم امرئ مسلم»(1) .
فهي لاتدلّ على عدم حجّيّة بيّنة المدّعي، وإنّما تدلّ على أنّ المطالب بها هو المنكر دون المدّعي ، على
أ نّها خاصّة بموارد اللوث دون غيرها على ما سيأتي .
وأمّا في غيرها فيكون المطالب بالبيّنة هو المدّعي ، بمقتضى ما ورد من أنّ البيّنة على المدّعي واليمين
على المدّعى عليه .
هذا ، وقد صرّح في صحيحة بريد بن معاوية ومسعدة بن زياد الآتيتين بحجّيّة بيّنة المدّعي ، مع أ نّهما
وردتا في مورد اللوث .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 153 / أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 9 ح 4 .
ــ[125]ــ
فإن حلف سقطت الدعوى (1) ، وإن لم يحلف كان له ردّ الحلف إلى المدّعي ، وإن كان لوث طولب
المدّعى عليه بالبيّنة (2) ، فإن أقامها على عدم القتل فهو، وإلاّ فعلى المدّعي الإتيان بقسامة خمسين رجلاً
لإثبات مدّعاه (3) ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) من دون خلاف ولا إشكال بين الأصحاب ، كما في سائر الدعاوى . وكذلك الحال في جواز
ردّ الحلف على المدّعي .
(2) بلا خلاف ولا إشكال ، وتدلّ على ذلك صحيحة أبي بصير المتقدّمة وصحيحة بريد بن معاوية
الآتية .
(3) من دون خلاف بين الأصحاب ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :
منها: صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: إنّما جعلت القسامة احتياطاً للناس لكيما
إذا أراد الفاسق أن يقتل رجلاً أو يغتال رجلاً حيث لايراه أحد خاف ذلك فامتنع من القتل»(1).
ومنها : صحيحة بريد بن معاوية عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن القسامة «فقال :
الحقوق كلّها : البيّنة على المدّعي واليمين على المدّعى عليه ، إلاّ في الدم خاصّة ، فإنّ رسول الله (صلّى
الله عليه وآله وسلّم) بينما هو بخيبر إذا فقدت الأنصار رجلاً منهم ، فوجدوه قتيلاً ، فقالت الأنصار :
إنّ فلان اليهودي قتل صاحبنا ، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) للطالبين : أقيموا رجلين
عدلين من غيركم أقيده (أقده) برمته ، فإن لم تجدوا شاهدين فأقيموا قسامة خمسين رجلاً أقيده برمته ،
فقالوا : يا رسول الله ، ما عندنا شاهدان من غيرنا وإنّا لنكره أن نقسم على ما لم نره ، فوداه رسول
الله (صلّى الله عليه وآله)
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 151 / أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 9 ح 1 .
ــ[126]ــ
وقال: إنّما حقن دماء المسلمين بالقسامة، لكي إذا رأى الفاجر الفاسق فرصة (من عدوّه) حجزه مخافة
القسامة أن يقتل به فكفّ عن قتله ، وإلاّ حلف المدّعى عليه قسامة خمسين رجلاً ما قتلنا ولا علمنا قاتلاً
، وإلاّ اُغرموا الدية إذا وجدوا قتيلاً بين أظهرهم إذا لم يقسم المدّعون»(1) .
ومنها: صحيحة مسعدة بن زياد عن جعفر (عليه السلام) «قال: كان أبي (رضي الله عنه) إذا لم يقم
القوم المدّعون البيّنة على قتل قتيلهم ، ولم يقسموا بأنّ المتّهمين قتلوه ، حلّف المتّهمين بالقتل خمسين يميناً
بالله ما قتلناه ولا علمنا له قاتلاً ، ثمّ يؤدّى الدية إلى أولياء القتيل ، ذلك إذا قتل في حيّ واحد ، فأمّا إذا
قتل في عسكر أو سوق مدينة فديته تدفع إلى أوليائه من بيت المال»(2) .
بقي هنا شيء : وهو أنّ المتسالم عليه بين فقهائنا ـ بل بين فقهاء المسلمين كافّة إلاّ الكوفي من
العامّة(3) ـ اعتبار اللوث في القسامة ، ومع ذلك قد ناقش فيه المحقّق الأردبيلي ، نظراً إلى إطلاق
الروايات وخلوّها عن التقييد المذكور(4) ، ولكنّ الصحيح هو اعتبار اللوث ، فإنّه ـ مضافاً إلى كونه
أمراً متسالماً عليه ـ يمكن استفادته من عدّة روايات في الباب :
منها : معتبرة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إنّما جعلت القسامة ليغلّظ بها في الرجل
المعروف بالشرّ المتّهم، فإن شهدوا عليه جازت شهادتهم»(5).
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 152 / أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 9 ح 3 .
(2) الوسائل 29 : 153 / أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 9 ح 6 .
(3) حكاه في الجواهر 42 : 227 .
(4) مجمع الفائدة والبرهان 14 : 182 ـ 184 .
(5) الوسائل 29 : 154 / أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 9 ح 7 .
ــ[127]ــ
وإلاّ فعلى المدّعى عليه القسامة كذلك (1) ، فإن أتى بها سقطت الدعوى ،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
ومنها : صحيحة زرارة وبريد المتقدّمتان .
ومنها : صحيحة ابن سنان ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «إنّما وضعت القسامة
لعلّة الحوط، يحتاط على الناس، لكي إذا رأى الفاجر عدوّه فرّ منه مخافة القصاص»(1) .
فإنّ التعليل المذكور فيها يدلّنا على أنّ جعل القسامة لا يعمّ كلّ مورد ، بل لا بدّ أن يكون المدّعى
عليه رجلاً فاسقاً ومتّهماً بالشرّ ، كما صرّح به في رواية زرارة . وهذا هو معنى اللوث .
أضف إلى ذلك : أنّ قوله (عليه السلام) في روايات الباب : «إنّما جعلت القسامة احتياطاً لدماء
الناس» يدلّ على اعتبار اللوث فيها، وإلاّ لم يكن احتياطاً للدماء، بل يوجب هدرها ، حيث إنّ للفاسق
والفاجر أن يدّعي القتل على أحد ويأتي بالقسامة فيتقصّ منه ، فيذهب دم المسلم هدراً .
ويؤيّد ذلك ما في حديث عن الصادق (عليه السلام) : «كانت العداوة بين الأنصار وبينهم ـ
اليهود ـ ظاهرة ، فإذا كانت هذه الأسباب أو ما أشبهها فهي لطخ تجب معه القسامة»(2) .
(1) بلا خلاف بين الأصحاب ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :
منها : ما تقدّم من صحيحة بريد بن معاوية وصحيحة مسعدة بن زياد .
ومنها : صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن القسامة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 154 / أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 9 ح 9 .
(2) دعائم الاسلام 2 : 429 .
ــ[128]ــ
وإلاّ اُلزم الدعوى (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
«فقال: هي حقّ، إنّ رجلاً من الأنصار وجد قتيلاً في قليب من قلب اليهود ـ إلى أن قال: ـ فقال لهم
رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم) : فليقسم خمسون رجلاً منكم على رجل ندفعه إليكم ، قالوا :
يا رسول الله ، كيف نقسم على ما لم نر ؟ قال : فيقسم اليهود» الحديث(1) .
(1) على ما يظهر من كلمات غير واحد منهم ، فإنّهم ذكروا أ نّه إذا نكل وامتنع عن الحلف اُلزم
الدعوى ، بل صرّح بعضهم ـ كصاحب الرياض (قدس سره) (2) ـ بأ نّه يُلزَم بالدعوى ، سواء
أكانت الدعوى دعوى القتل عمداً أم كانت دعوى القتل خطأً .
والوجه في ذلك : هو أنّ مقتضى ما دلّ على جعل القسامة وأ نّه إذا لم يقسم المدّعي كانت القسامة
على المدعى عليه : أ نّه إذا امتنع عن الحلف اُلزم بالدعوى، وإلاّ كان إلزامه بالحلف لغواً . وهذا ظاهر
.
ثمّ إنّه هل للمدّعى عليه عندئذ ردّ الحلف على المدّعي ، كما كان ذلك في غير دعوى القتل ، أم
يحكم على المدّعى عليه بمجرّد نكوله ؟
قولان ، المشهور هو الثاني .
وعن الشيخ (قدس سره) في المبسوط هو الأوّل(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 155 / أبواب دعوى القتل وما يثبت به ب 10 ح 3 .
(2) رياض المسائل 2 : 519 .
(3) المبسوط 7 : 210 .
|