ــ[151]ــ
الفصل الرابع
في أحكام القصاص
(مسألة 130) : الثابت في القتل العمـدي القود دون الدية ، فليس لوليّ المقتول مطالبة القاتل بها
إلاّ إذا رضي بذلك ، وعندئذ يسقط عنه القود وتثبت الدية (1) ويجوز لهما التراضي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) على المشهور شهرة عظيمة بين الأصحاب ، بل ادّعي عليه الإجماع .
خلافاً للعماني والإسكافي(1) ، حيث حكي عنهما ـ في المسألة ـ التخيير بين الاقتصاص والدية .
وتدلّ على هذا القول صحيحة عبدالله بن سنان وابن بكير ، جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) ،
قال : سُئِل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً ـ إلى أن قال : ـ «فقال : إن لم يكن علم به انطلق إلى
أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبه ، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصام
شهرين متتابعين وأطعم ستّين مسكيناً توبةً إلى الله عزّ وجلّ»(2) .
وصحيحة ابن سنان الثانية عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أ نّه سئل عن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حكاه في المختلف 9 : 274 .
(2) الوسائل 22 : 398 / أبواب الكفارات ب 28 ح 1 .
ــ[152]ــ
رجل قتل مؤمناً ، وهو يعلم أ نّه مؤمن ، غير أ نّه حمله الغضب على أ نّه قتله ، هل له من توبة إن أراد
ذلك أو لا توبة له ؟ «قال : توبته إن لم يعلم انطلق إلى أوليائه فأعلمهم أ نّه قتله، فإن عفي عنه أعطاهم
الدية واعتق رقبة وصام شهرين متتابعين وتصدّق على ستّين مسكيناً»(1) .
وتؤيِّد ذلك رواية أبي بكر الحضرمي ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل قتل رجلاً متعمّداً
«قال: جزاؤه جهنم» قال : قلت له : هل له توبة ؟ «قال: نعم ، يصوم شهرين متتابعين ويطعم ستّين
مسكيناً ويعتق رقبة ، ويؤدّي ديته» قال : قلت : لا يقبلون منه الدية ؟ «قال : يتزوج إليهم ، ثمّ يجعلها
صلة يصلهم بها» قال : قلت : لا يقبلون منه ولا يزوّجونه ؟ «قال : يصرّه صرراً يرمي بها في
دارهم»(2) .
والنبوّيتان :
ففي إحداهما : «من قتل له قتيلاً فهو يخيّر بين النظرين : إمّا يفدي ، وإمّا أن يقتل»(3) .
وفي الثانية : «من اُصيب بدم أو خبل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث : إمّا أن يقتصّ ، أو يأخذ العقل،
أو يعفو»(4) .
والصحيح هو قول المشهور، والوجه في ذلك: هو أنّ رواية أبي بكر الحضرمي والنبويّتين ضعاف
سنداً، فلايمكن الاستدلال بها على ثبوت حكم شرعي أصلاً .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 22 : 399 / أبواب الكفارات ب 28 ح 3 .
(2) الوسائل 22 : 399 / أبواب الكفارات ب 28 ح 4 .
(3) ورد بتفاوت يسير بالألفاظ كما في مسند أحمد 2 : 238 ، سنن البيهقي 8 : 53 حيث ورد
بلفظ (فهو بخير النظرين ... ) .
(4) مسند أحمد 4 : 31 ، سنن الدارمي 2 : 188 .
ــ[153]ــ
على أقلّ من الدية أو على أكثر منها (1) . نعم ، إذا كان الاقتصاص يستدعي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
وأمّا الصحيحتان الاُولتان : فهما وإن دلّتا بظاهرهما على القول بالتخيير ـ لأنّه إذا وجب على
القاتل إعطاء الدية عند عفو الولي عن الاقتصاص ، جاز للوليّ ترك القصاص ومطالبته بالدية لا محالة ،
وهذا هو معنى التخيير ـ إلاّ أ نّهما معارضتان بصحيحة عبدالله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبدالله (
عليه السلام) يقول : «من قتل مؤمناً متعمّداً قيد منه ، إلاّ أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية ، فإن
رضوا بالدية وأحبّ ذلك القاتل فالدية» الحديث(1) .
ولكن لا بدّ من تقديم هذه الصحيحة على تلك الصحيحتين ، لموافقتها لإطلاق الكتاب المجيد من
ناحية ، فإنّه ظاهر في ثبوت الولاية على القصاص فقط بالإضافة إلى الولي ، دون أن يكون له المطالبة
بالدية ، ولمخالفتها للعامّة من ناحية اُخرى دونهما .
فالنتيجة : هي أنّ الدية لا تثبت إلاّ برضا الجاني ، فلا يكون وليّ المجني عليه بالخيار بين الاقتصاص منه
ومطالبته الدية .
هذا كلّه فيما إذا تمكّن من الاقتصاص .
وأمّا إذا لم يتمكّن منه لمانع لزمت الجاني الدية ، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى (2) .
(1) بلا خلاف ولا إشكال . والوجه في ذلك : هو أنّ الدية لم تثبت ابتداءً ، وإنّما كان ثبوتها منوطاً
برضا الطرفين : الجاني ، ووليّ المجنى عليه ، فالعبرة إذن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 53 / أبواب القصاص في النفس ب 19 ح 3 .
(2) في ص 241 .
ــ[154]ــ
الردّ من الولي ، كما إذا قتل رجل امرأة ، كان وليّ المقتول مخيّراً بين القتل ومطالبة الدية (1) .
(مسألة 131) : لو تعذّر القصاص لهرب القاتل أو موته أو كان ممّن لا يمكن الاقتصاص منه لمانع
خارجي ، انتقل الأمر إلى الدية ، فإن كان للقاتل مال فالدية في ماله ، وإلاّ اُخذت من الأقرب فالأقرب
إليه ، وإن لم يكن أدّى الإمام (عليه السلام) الدية من بيت المال (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
إنّما هي برضاهما ، فعلى أي مقدار تراضيا ثبت ، سواء أكان ذلك المقدار أقلّ من الدية أم أكثر .
(1) تقدّم وجه ذلك مفصّلاً (1) .
(2) على المشهور في الهارب والميّت .
وتدلّ على ذلك معتبرة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً
متعمّداً ، ثمّ هرب القاتل فلم يقدر عليه «قال : إن كان له مال اُخذت الدية من ماله ، وإلاّ فمن
الأقرب فالأقرب ، وإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام ، فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم»(2) .
وصحيحة ابن أبي نصر عن أبي جعفر (عليه السلام) : في رجل قتل رجلاً عمداً ، ثمّ فرّ فلم يقدر
عليه حتّى مات «قال : إن كان له مال اُخذ منه ، وإلاّ اُخذ من الأقرب فالأقرب»(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 39 .
(2) الوسائل 29 : 395 / أبواب العاقلة ب 4 ح 1 .
(3) الوسائل 29 : 395 / أبواب العاقلة ب 4 ح 3 .
|