ثبوت القود دون الدية في القتل العمدي - حكم ما لو تعذّر القصاص من القاتل 

الكتاب : مباني تكملة منهاج الصالحين - الجزء الثاني : القصاص   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 5270


ــ[151]ــ

 

الفصل الرابع

في أحكام القصاص

   (مسألة 130) : الثابت في القتل العمـدي القود دون الدية ، فليس لوليّ المقتول مطالبة القاتل بها

إلاّ إذا رضي بذلك ، وعندئذ يسقط عنه القود وتثبت الدية (1) ويجوز لهما التراضي

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــ

   (1) على المشهور شهرة عظيمة بين الأصحاب ، بل ادّعي عليه الإجماع .

   خلافاً للعماني والإسكافي(1) ، حيث حكي عنهما ـ في المسألة ـ التخيير بين الاقتصاص والدية .

   وتدلّ على هذا القول صحيحة عبدالله بن سنان وابن بكير ، جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) ،

قال : سُئِل عن المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً ـ إلى أن قال : ـ «فقال : إن لم يكن علم به انطلق إلى

أولياء المقتول فأقرّ عندهم بقتل صاحبه ، فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية وأعتق نسمة وصام

شهرين متتابعين وأطعم ستّين مسكيناً توبةً إلى الله عزّ وجلّ»(2) .

   وصحيحة ابن سنان الثانية عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أ نّه سئل عن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) حكاه في المختلف 9 : 274 .

(2) الوسائل 22 : 398 /  أبواب الكفارات ب 28 ح 1 .

ــ[152]ــ

رجل قتل مؤمناً ، وهو يعلم أ نّه مؤمن ، غير أ نّه حمله الغضب على أ نّه قتله ، هل له من توبة إن أراد

ذلك أو لا توبة له ؟ «قال : توبته إن لم يعلم انطلق إلى أوليائه فأعلمهم أ نّه قتله، فإن عفي عنه أعطاهم

الدية واعتق رقبة وصام شهرين متتابعين وتصدّق على ستّين مسكيناً»(1) .

   وتؤيِّد ذلك رواية أبي بكر الحضرمي ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) رجل قتل رجلاً متعمّداً

«قال: جزاؤه جهنم» قال : قلت له : هل له توبة ؟ «قال: نعم ، يصوم شهرين متتابعين ويطعم ستّين

مسكيناً ويعتق رقبة ، ويؤدّي ديته» قال : قلت : لا يقبلون منه الدية ؟ «قال : يتزوج إليهم ، ثمّ يجعلها

صلة يصلهم بها» قال : قلت : لا يقبلون منه ولا يزوّجونه ؟ «قال : يصرّه صرراً يرمي بها في

دارهم»(2) .

   والنبوّيتان :

   ففي إحداهما : «من قتل له قتيلاً فهو يخيّر بين النظرين : إمّا يفدي ، وإمّا أن يقتل»(3) .

   وفي الثانية : «من اُصيب بدم أو خبل فهو بالخيار بين إحدى ثلاث : إمّا أن يقتصّ ، أو يأخذ العقل،

أو يعفو»(4) .

   والصحيح هو قول المشهور، والوجه في ذلك: هو أنّ رواية أبي بكر الحضرمي والنبويّتين ضعاف

سنداً، فلايمكن الاستدلال بها على ثبوت حكم شرعي أصلاً .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 22 : 399 /  أبواب الكفارات ب 28 ح 3 .

(2) الوسائل 22 : 399 /  أبواب الكفارات ب 28 ح 4 .

(3) ورد بتفاوت يسير بالألفاظ كما في مسند أحمد 2 : 238 ، سنن البيهقي 8 : 53 حيث ورد

بلفظ (فهو بخير النظرين ... ) .

(4) مسند أحمد 4 : 31 ، سنن الدارمي 2 : 188 .

ــ[153]ــ

على أقلّ من الدية أو على أكثر منها (1) . نعم ، إذا كان الاقتصاص يستدعي

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــ

   وأمّا الصحيحتان الاُولتان : فهما وإن دلّتا بظاهرهما على القول بالتخيير ـ  لأنّه إذا وجب على

القاتل إعطاء الدية عند عفو الولي عن الاقتصاص ، جاز للوليّ ترك القصاص ومطالبته بالدية لا محالة ،

وهذا هو معنى التخيير ـ إلاّ أ نّهما معارضتان بصحيحة عبدالله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبدالله (

عليه السلام) يقول : «من قتل مؤمناً متعمّداً قيد منه ، إلاّ أن يرضى أولياء المقتول أن يقبلوا الدية ، فإن

رضوا بالدية وأحبّ ذلك القاتل فالدية» الحديث(1) .

   ولكن لا بدّ من تقديم هذه الصحيحة على تلك الصحيحتين ، لموافقتها لإطلاق الكتاب المجيد من

ناحية ، فإنّه ظاهر في ثبوت الولاية على القصاص فقط بالإضافة إلى الولي ، دون أن يكون له المطالبة

بالدية ، ولمخالفتها للعامّة من ناحية اُخرى دونهما .

   فالنتيجة :  هي أنّ الدية لا تثبت إلاّ برضا الجاني ، فلا يكون وليّ المجني عليه بالخيار بين الاقتصاص منه

ومطالبته الدية .

   هذا كلّه فيما إذا تمكّن من الاقتصاص .

   وأمّا إذا لم يتمكّن منه لمانع لزمت الجاني الدية ، كما سيأتي تفصيله إن شاء الله تعالى (2) .

   (1) بلا خلاف ولا إشكال . والوجه في ذلك : هو أنّ الدية لم تثبت ابتداءً ، وإنّما كان ثبوتها منوطاً

برضا الطرفين : الجاني ، ووليّ المجنى عليه ، فالعبرة إذن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 29 : 53 /  أبواب القصاص في النفس ب 19 ح 3 .

(2) في ص 241 .

ــ[154]ــ

الردّ من الولي ، كما إذا قتل رجل امرأة ، كان وليّ المقتول مخيّراً بين القتل ومطالبة الدية (1) .

   (مسألة 131) : لو تعذّر القصاص لهرب القاتل أو موته أو كان ممّن لا يمكن الاقتصاص منه لمانع

خارجي ، انتقل الأمر إلى الدية ، فإن كان للقاتل مال فالدية في ماله ، وإلاّ اُخذت من الأقرب فالأقرب

إليه ، وإن لم يكن أدّى الإمام (عليه السلام) الدية من بيت المال (2) .

 

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

ـــــ

إنّما هي برضاهما ، فعلى أي مقدار تراضيا ثبت ، سواء أكان ذلك المقدار أقلّ من الدية أم أكثر .

   (1) تقدّم وجه ذلك مفصّلاً (1) .

   (2) على المشهور في الهارب والميّت .

   وتدلّ على ذلك معتبرة أبي بصير ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً

متعمّداً ، ثمّ هرب القاتل فلم يقدر عليه «قال : إن كان له مال اُخذت الدية من ماله ، وإلاّ فمن

الأقرب فالأقرب ، وإن لم يكن له قرابة أدّاه الإمام ، فإنّه لا يبطل دم امرئ مسلم»(2) .

   وصحيحة ابن أبي نصر عن أبي جعفر (عليه السلام) : في رجل قتل رجلاً عمداً ، ثمّ فرّ فلم يقدر

عليه حتّى مات «قال : إن كان له مال اُخذ منه ، وإلاّ اُخذ من الأقرب فالأقرب»(3) .

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 39 .

(2) الوسائل 29 : 395 /  أبواب العاقلة ب 4 ح 1 .

(3) الوسائل 29 : 395 /  أبواب العاقلة ب 4 ح 3 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net