ــ[158]ــ
(مسألة 135) : إذا كان للمقتول أولياء متعدّدون فهل يجوز لكلّ واحد منهم الاقتصاص من القاتل
مستقلاًّ وبدون إذن الباقين أو لا ؟ فيه وجهان ، الأظهر هو الأوّل (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) وفاقاً لجماعة ـ منهم : الشيخ في المبسوط والخلاف(1) ـ وهو المحكيّ عن أبي علي وعلم
الهدى والقاضي والكيدري وابني حمزة وزهرة(2) ، بل في مجمع البرهان نسبته إلى الأكثر(3) ، بل عن
المرتضى والخلاف والغنية وظاهر المبسوط الإجماع عليه ، بل عن الشيخ في الخلاف نسبته إلى أخبار
الفرقة .
وخلافاً لجماعة ، منهم : الفاضل والشهيدان والفاضل المقداد والأردبيلي والكاشاني(4) ، بل في غاية
المرام : أ نّه المشهور(5) .
والوجه في ما ذكرناه : هو أنّ حقّ الاقتصاص لا يخلو من أن يكون قائماً بالمجموع كحقّ الخيار ، أو
بالجامع على نحو صرف الوجود ، أو بالجامع على نحو الانحلال .
أمّا الأوّل : فهو ـ مضافاً إلى أ نّه لا دليل عليه ، بل هو خلاف ظاهر الآية الكريمة كما سنشير إليه
ـ ينافي حكمة وضع القصاص ، حيث إنّه يمكن للقاتل أن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبسوط 7 : 54 ، الخلاف 5 : 179 الجنايات / 43 .
(2) حكاه في الجواهر 42 : 289 .
(3) مجمع الفائدة والبرهان 13 : 430 .
(4) القواعد 3 : 622 ، الشهيدان في اللمعة الدمشقية وشرحها الروضة البهية 10 : 95 ، التنقيح
الرائع 4 : 445 ، مجمع الفائدة والبرهان 13 : 430 ـ 431 ، وحكاه في الجواهر عن الكاشاني
42 : 289 .
(5) غاية المرام 4 : 402 .
ــ[159]ــ
يتوسّل إلى عفو أحد الأولياء مجّاناً ، أو مع أخذ الدية ، ومعه يسقط حقّ الاقتصاص من الآخرين ، فلو
قتل واحد منهم الجاني ـ والحال هذه ـ كان قتله ظلماً فعليه القصاص ، وهو ممّا لا يمكن الالتزام به .
وأمّا الثاني : فهو أيضاً كذلك ، حيث إنّ لازمه هو سقوط القصاص بإسقاط واحد منهم .
وأمّا الثالث : فهو الأظهر ، فإنّه الظاهر من الآية الكريمة : (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ
سُلْطَاناً)(1) .
بتقريب : أنّ الحكم المجعول لطبيعيّ الولي ينحلّ بانحلاله ، فيثبت لكلّ فرد من أفراده حقّ مستقلّ كما
هو الحال في سائر موارد انحلال الحكم بانحلال موضوعه ، ولا يقاس ذلك بحقّ الخيار فإنّه حقّ واحد
ثابت للمورّث ـ على الفرض ـ والوارث يتلقّى منه هذا الحقّ الواحد ، فلا محالة يكون ذلك لمجموع
الورثة بما هو مجموع ، وهذا بخلاف حقّ الاقتصاص فإنّه مجعول للوليّ ابتداءً ، وكونه حقّاً واحداً أو
متعدّداً بتعدّد موضوعه تابع لدلالة دليله .
وتدل عليه أيضاً صحيحة أبي ولاّد الحناط ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قُتِل وله
اُمّ وأب وابن ، فقال الابن : أنا اُريد أن أقتل قاتل أبي ، وقال الأب : أنا اُريد أن أعفو ، وقالت الاُمّ :
أنا اُريد أن آخذ الدية ، «قال : «فقال : فليعط الابن اُمّ المقتول السدس من الدية ويعطى ورثة القاتل
السدس من الدية حقّ الأب الذي عفا وليقتله»(2) .
ولا تعارضها صحيحة عبدالرحمن ـ في حديث ـ قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجلان
قتلا رجلا عمداً وله وليّان ، فعفا أحد الوليّين ، قال :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الإسراء 17 : 33 .
(2) الوسائل 29 : 113 / أبواب القصاص في النفس ب 52 ح 1 .
ــ[160]ــ
«فقال : إذا عفا بعض الأولياء دُرئ عنهما القتل ، وطرح عنهما من الدية بقدر حصّة من عفا ، وأدّى
الباقي من أموالهما إلى الذين لم يعفو»(1) .
ومعتبرة أبي مريم عن أبي جعفر (عليه السلام) «قال : قضى أمير المؤمنين (عليه السلام) فيمن عفا من
ذي سهم فإنّ عفوه جائز ، وقضى في أربعة إخوة عفا أحدهم قال : يعطى بقيّتهم الدية ويرفع عنهم
بحصّة الذي عفا»(2) .
ومعتبرة إسحاق بن عمّار ، عن جعفر ، عن أبيه : «أنّ عليّاً (عليه السلام) كان يقول : من عفا عن
الدم من ذي سهم له فيه فعفوه جائز وسقط الدم وتصير دية ويرفع عنه حصّة الذي عفا»(3) .
لأنّ هذه الروايات موافقة للمشهور بين العامّة ـ منهم : أبو حنيفة وأبو ثور وظاهر مذهب
الشافعي(4) ـ فتحمل على التقيّة .
فالنتيجة : هي ثبوت حقّ الاقتصاص لكلّ واحد من الأوليـاء على نحو الاستقلال، ويترتّب على
ذلك جواز مبادرة كلّ منهم إلى الاقتصاص، فلا يتوقّف على إذن الآخرين .
بقي هنا شيء : وهو أنّ ما ذكرناه من الانحـلال إنّما هو فيما إذا كان حقّ الاقتصاص مجعولاً
ابتداءً للأولياء ، وأمّا إذا كان مجعولاً لهم من جهة الإرث والانتقال من الميّت ، كما إذا قطع الجاني يد
أحد متعمّداً فمات المجنيّ عليه قبل الاقتصاص اتّفاقاً ، فإنّ حقّ القصاص ينتقل إلى ورثته لا محالة ، وبما أ
نّه حقّ
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 115 / أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 1 .
(2) الوسائل 29 : 115 / أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 2 .
(3) الوسائل 29 : 116 / أبواب القصاص في النفس ب 54 ح 4 .
(4) بدائع الصنائع 7 : 242 ـ 243 ، الاُم 6 : 12 ـ 13 ، الحاوي الكبير 12 : 102 ،
المجموع 18 : 443 ، الوجيز 2 : 134 ـ 135.
|