(مسألة 205) : تستوفى دية العمد في سنة واحدة (2) من مال الجاني ، ويتخيّر الجاني بين الأصناف
المذكورة ، فله اختيار أيّ صنف شاء وإن كان أقلّها قيمةً ، وهو عشرة آلاف درهم أو مأتا حلّة في
زماننا هذا، وليس لوليّ المقتول إجباره على صنف خاصّ من الأصناف المذكورة(3).
(مسألة 206) : دية شبه العمد أيضاً أحد الاُمور الستّة (4)
ـــــــــــــــــــــــــــــ (2) بلا خلاف ولا إشكال بين الأصحاب ، بل ادّعي عليه الإجماع .
وتدلّ على ذلك صحيحة أبي ولاّد عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : كان علي (عليه السلام)
يقول : تُستأدى دية الخطأ في ثلاث سنين ، وتُستأدى دية العمد في سنة»(2) .
(3) من دون خلاف بين الفقهاء ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات تقدّم بعضها ، وما دلّ على
الترتيب قد عرفت حاله .
فالنتيجة : هي تخيّر الجاني بين الأصناف المذكورة ، وليس لوليّ المقتول إلزامه بصنف خاصّ منها .
(4) فإنّ الدية أحد هذه الاُمور في القتل مطلقاً، بلا فرق بين كونه عمداً أو خطأً .
ـــــــــــــ (2) الوسائل 29 : 205 / أبواب ديات النفس ب 4 ح 1 .
ــ[235]ــ
وهي على الجاني نفسه(1) . إلاّ أ نّه إذا اختار تأديتها من الإبل اعتبر أن تكون
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) بلا خلاف بين الفقهاء، بل ادّعي في كلمات غير واحد الإجماع على ذلك .
نعم ، عن الحلبي : أ نّها على العاقلة(1) .
والصحيح هو القول الأوّل .
والوجه في ذلك : هو أنّ مقتضى إطلاق الآية الكريمة : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة وَدِيَةٌ
مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ ...)(2) .
وإطلاق صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً خطأً في أشهر
الحرم «فقال : عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرام» الحديث(3) .
هو أنّ الدية في القتل الخطائي أيضاً على القاتل وإن كان خطأً محضاً ، غاية الأمر أ نّها تحمل على
العاقلة في الخطأ المحض على ما دلّت عليه عدّة روايات ، مثل قوله (عليه السلام) : «عمد الصبيان خطأٌ
يحمل على العاقلة»(4) ، وقوله (عليه السلام) : «والأعمى جنايته خطأٌ يلزم عاقلته»(5) ، ونحو ذلك
من الروايات ، هذا من ناحية .
ومن ناحية اُخرى : أ نّه قد ورد في عدّة روايات في أبواب متفرّقة : أنّ الدية في القتل أو الجناية
الشبيهة بالعدم على الجاني نفسه :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حكاه في الجواهر 43 : 20 .
(2) النساء 4 : 92 .
(3) الوسائل 29 : 204 / أبواب ديات النفس ب 3 ح 4 .
(4) الوسائل 29 : 400 / أبواب العاقلة ب 11 ح 3 .
(5) الوسائل 29 : 399 / أبواب العاقلة ب 10 ح 1 .
ــ[236]ــ
منها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) : في رجل دفع رجلاً على رجل فقتله
«قال: الدية على الذي دفع ـ إلى أن قال: ـ وإن أصاب المدفوع شيء فهو على الدافع أيضاً»(1).
ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل ينفر برجل فيعقره
وتعقر دابته رجلاً آخر «قال: هو ضامن لما كان من شيء»(2).
ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل تزوّج جارية فوقع بها
فأفضاها «قال : عليه الإجراء عليها ما دامت حيّة»(3) .
ومنها : معتبرة إسحاق بن عمّار عن جعفر (عليه السلام) : «أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول: من
وطئ امرأة من قبل أن يتمّ لها تسع سنين فأعنف ضمن»(4).
ومنها : صحيحة سليمان بن خالد عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أ نّه سُئِل عن رجل أعنف على
امرأته ، فزعم أ نّها ماتت من عنفه «قال : الدية كاملة ولا يقتل الرجل»(5) .
ومنها : معتبرة ظريف عن أمير المؤمنين (عليه السلام) ، أ نّه قال : «لا قود لامرأة أصابها زوجها
فعيبت ، وغرم العيب على زوجها ، ولا قصاص عليه» وقضى في امرأة ركبها زوجها فأعفلها : «أنّ لها
نصف ديتها : مائتان وخمسون ديناراً»(6) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 57 / أبواب القصاص في النفس ب 21 ح 1 .
(2) الوسائل 29 : 58 / أبواب القصاص في النفس ب 21 ح 2 .
(3) الوسائل 29 : 282 / أبواب موجبات الضمان ب 44 ح 2 .
(4) الوسائل 29 : 282 / أبواب موجبات الضمان ب 44 ح 4 .
(5) الوسائل 29 : 269 / أبواب موجبات الضمان ب 31 ح 1 .
(6) الوسائل 29 : 269 / أبواب موجبات الضمان ب 31 ح 3 .
ــ[237]ــ
تكون على الأوصاف التالية : أربعون منها خلفة من بين ثنية إلى بازل عامها ، وثلاثون حقّة ، وثلاثون
بنت لبون (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
ومنها : معتبرة السكوني عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: قال أميرالمؤمنين (عليه السلام) : من
تطبّب أو تبيطر فليأخـذ البراءة من وليّه ، وإلاّ فهو له ضامن»(1) .
ومنها : معتبرته الثانية عن جعفر عن أبيه : «أنّ علياً (عليه السلام) ضمّن ختّاناً قطع حشفة
غلام»(2) .
وتؤيّد ذلك مرسلة يونس عن بعض أصحابه عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إن ضرب رجلٌ
رجلاً بعصاً أو بحجر فمات من ضربة واحدة قبل أن يتكلّم فهو يشبه العمد ، فالدية على القاتل»
الحديث(3) .
(1) خلافاً لجماعة ، منهم : المحقّق في الشرائع(4) ، فإنّهم ذهبوا إلى أنّ
دية شبيه العمد إذا اختار الجاني الإبل ثلاث وثلاثون حقّة وثلاث وثلاثون جذعة ، وأربع وثلاثون ثنية
، كلّها طروقة الفحل .
واستدلّ على ذلك برواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : دية الخطأ إذا لم يرد الرجل
القتل ـ إلى أن قال : ـ وقال : دية المغلّظة التي تشبه العمد وليست بعمد أفضل من دية الخطأ بأسنان
الإبل ثلاثة وثلاثون حقّة ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 260 / أبواب موجبات الضمان ب 24 ح 1 .
(2) الوسائل 29 : 260 / أبواب موجبات الضمان ب 24 ح 2 .
(3) الوسائل 29 : 37 / أبواب القصاص في النفس ب 11 ح 5 .
(4) انظر الشرائع 4 : 251 .
ــ[238]ــ
وثلاثة وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنية ، كلّها طروقة الفحل» الحديث(1) .
وبرواية العلاء بن الفضيل عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ «قال : والخطأ مائة من
الإبل أو ألف من الغنم ـ إلى أن قال : ـ والدية المغلّظة في الخطأ الذي يشبه العمد الذي يضرب
بالحجر والعصا الضربة والاثنتين فلا يريد قتله فهي أثلاث : ثلاث وثلاثون حقّة ، وثلاث وثلاثون
جذعة ، وأربع وثلاثون ثنيّة ، كلّها خلفة من طروقة الفحل» الحديث(2) .
أقول : الروايتان بما أ نّهما ضعيفتان سنداً ـ حيث إنّ في سند الاُولى علي بن أبي حمزة وهو البطائني
الضعيف ، وفي سند الثانية محمّد بن سنان ، وهو لم يثبت توثيقه ولا مدحه ـ لا يمكن الاستدلال بهما
على حكم شرعي أصلاً .
هذا ، وقد يتوهّم جواز الاستدلال على هذا القول بما في صحيحة محمّد بن مسلم وزرارة وغيرهما
عن أحدهما (عليهما السلام) ، في الدية «قال : هي مائة من الإبل» ـ إلى أن قال : ـ قال ابن أبي
عمير : فقلت لجميل : هل للإبل أسنان معروفة ؟ فقال : نعم ثلاث وثلاثون حقّة ، وثلاث وثلاثون
جذعة ، وأربع وثلاثون ثنية إلى بازل عامها ، كلّها خلفة إلى بازل عامها ، الحديث(3) .
ولكنّه يندفع مضافاً إلى أنّ ذلك لم يرد في دية الشبيه بالعمد ، وإنّما ورد في الدية مطلقاً ، وخصّها عليّ
بن حديد بدية الخطأ على ما يأتي(4) ـ بأنّ هذا التحديد من جميل ولم ينسبه إلى معصوم ، فلا حجّية
فيه .
وعن النهاية والقواعد واللمعة والنافع والروضة وغيرها : أنّ الدية ثلاث
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 200 / أبواب ديات النفس ب 2 ح 4 .
(2) الوسائل 29 : 198 / أبواب ديات النفس ب 1 ح 13 .
(3) الوسائل 29 : 201 / أبواب ديات النفس ب 2 ح 7 .
(4) في ص 245 .
ــ[239]ــ
وثلاثون بنت لبـون ، وثلاث وثلاثون حقّـة، وأربع وثلاثون ثنية طروقة الفحل(1). بل عن
الخلاف: دعوى إجماع الفرقة وأخبارها عليه(2). وفي النافع: أ نّه أشهر الروايتين، وفي المفاتيح. أ نّه
المشهور وبه روايتان(3) .
أقول : الظاهر أ نّه لم يرد ذلك في شيء من الروايات ، فإنّ الوارد في روايتي أبي بصير والعلاء بن
الفضيل المتقدّمتين : ثلاث وثلاثون جذعة ، وليس في المقام إلاّ هاتان الروايتان ، كما اعترف بذلك
جماعة ، منهم : أبو العبّاس والاصبهاني والمقدّس الأردبيلي وصاحب الجواهر (قدس الله أسرارهم)(4) .
فالنتيجة : أ نّه لم يثبت شيء من هذين القولين ، والصحيح هو ما اخترناه ، وفاقاً للمحكيّ عن أبي
علي والمقنع والجامع والمقتصر والغنية والتحرير(5) .
وتدلّ على ذلك صحيحة عبدالله بن سنان، قال: سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول : «قال أمير
المؤمنين (عليه السلام) : في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط أو بالعصا أو بالحجر ، أنّ دية ذلك تغلّظ
، وهي مائة من الإبل : منها أربعون خلفة من بين ثنيّة إلى بازل عامها، وثلاثون حقّة، وثلاثون بنت
لبون» الحديث(6).
بقي هنا روايتان :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) النهاية : 738 ، القواعد 3 : 667 ، اللمعة 10 : 177 ، المختصر النافع : 302 ، الروضة
10 : 177 ـ 179 .
(2) الخلاف 5 : 221 / 5 .
(3) المختصر النافع : 302 .
(4) المهذب البارع 5 : 242 ، كشف اللثام 2 : 495 (حجري) ، مجمع الفائدة والبرهان 14 :
314 ، الجواهر 43 : 17 ـ 20 .
(5) حكاه في مفتاح الكرامة 10 : 359 (حجري)، وراجع المقنع : 514 ، الجامع للشرائع : 573
، المقتصر : 438 ، الغنية 2: 412، التحرير 2 : 268 .
(6) الوسائل 29 : 199 / أبواب ديات النفس ب 2 ح 1 .
|