ــ[242]ــ
(مسألة 209) : دية الخطأ المحض أيضاً أحد الاُمور الستّة المذكورة (1) ، وهي تحمل على العاقلة
(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
فإنّها وإن وردت في القتل العمدي إلاّ أنّ مقتضى عموم التعليل فيها ثبوت الحكم في المقام أيضاً .
(1) لما تقدّم من أنّ هذه الاُمور دية للقتل مطلقاً (1) .
(2) بلا خلاف بين العامّة (2) والخاصّة (3) إلاّ من الأصمّ .
وتدلّ على ذلك عدّة روايات :
منها : صحيحة محمّد الحلبي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل ضرب رأس رجل
بمعول فسالت عيناه على خدّيه فوثب المضروب على ضارب فقتله قال : «فقال أبو عبدالله (عليه
السلام) : هذان متعدّيان جميعاً ، فلا أرى على الذي قتل الرجل قوداً ، لأ نّه قتله حين قتله وهو أعمى
، والأعمى جنايته خطأ يلزم عاقلته يُؤخذون بها في ثلاث سنين» الحديث(4) .
ومنها : معتبرة إسحاق بن عمّار عن جعفر عن أبيه «أنّ علياً (عليه السلام) كان يقول : عمد
الصبيان خطأٌ يحمل على العاقلة»(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 230 ـ 232 .
(2) المغني لإبن قدامة 9 : 497 ـ 498 ، المحلى 10 : 401 / 2024 ، المجموع 19 : 141 ،
الوجيز 2 : 153 .
(3) الخلاف 5 : 269 / 84 ، المهذب 2 : 457 ، القواعد 3 : 667 ، الجواهر 43 : 25 .
(4) الوسائل 29 : 399 / أبواب العاقلة ب 10 ح 1 .
(5) الوسائل 29 : 400 / أبواب العاقلة ب 11 ح 3 .
ــ[243]ــ
(مسألة 210) : إذا أرادت العاقلة أداء الدية من الإبل اعتبر أن يكون ثلاثون منها حقّة ، وثلاثون
منها بنت لبون ، وعشرون منها بنت مخاض ، وعشرون منها ابن لبون (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
بقي هنا اُمور :
الأوّل : أنّ المحكيّ عن المفيد وسلاّر : أنّ العاقلة يرجعون إلى الجاني بعد تأدية الدية ويأخذونها
منه(1) . ولكنّه لا دليل عليه أصلاً ، ولذا لم يقل به أحد غيرهما .
الثاني : أنّ أبا حنيفة ذهب إلى أنّ الجاني أيضاً يدخل في العاقلة(2) . وهو ظاهر البطلان .
الثالث : أ نّه يأتي(3) في بحث العاقلة أنّ تحمّل العاقلة الدية تكليفٌ محض ، والدية إنّما هي في ذمّة
القاتل خطأً ، ويترتّب على ذلك أ نّه إذا لم تكن عاقلة أو أنّها لم تتمكّن من الأداء أو امتنعت ولم يمكن
الأخذ منها وجب الأداء على القاتل نفسه .
(1) على المشهور بين الأصحاب، بل في الجواهر: أنّ عليه عامّة المتأخّرين(4) .
وتدلّ على ذلك صحيحة عبدالله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حكاه في الجواهر 43 : 25 ، راجع المقنعة : 737 ، والمراسم : 239 .
(2) بدائع الصنائع 7 : 255 ، المبسوط للسرخسي 27 : 126 .
(3) في ص 554 ـ 557 .
(4) الجواهر 43 : 23 .
ــ[244]ــ
السلام) يقول : «قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : في الخطأ شبه العمد أن يقتل بالسوط ـ إلى أن قال
: ـ والخطأ يكون فيه ثلاثون حقّة ، وثلاثون ابنة لبون ، وعشرون بنت مخاض ، وعشرون ابن لبون
ذكر» الحديث(1) .
وهنا قولان آخران :
أحدهما : ما حكي عن ابن حمزة من أنّ دية الخطأ المحض من الإبل خمس وعشرون بنت مخاض ،
وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقّة ، وخمس وعشرون جذعة(2) .
واستند في ذلك إلى رواية العلاء بن الفضيل عن أبي عبدالله (عليه السلام) ـ في حديث ـ «قال :
والخطأ مائة من الإبل، أو ألف من الغنم، أو عشرة آلاف درهم، أو ألف دينار ، وإن كانت الإبل
فخمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون حقّة ، وخمس وعشرون
جذعة» الحديث(3) .
ونحوها مرسلة العيّاشي عن عبدالرحمن عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: كان عليّ (عليه السلام)
يقول : في الخطأ خمس وعشرون بنت لبون ، وخمس وعشرون بنت مخاض ، وخمس وعشرون حقّة ،
وخمس وعشرون جذعة» الحديث(4) .
أقول : إنّ الروايتين بما أ نّهما ضعيفتان سنداً ـ فإنّ في سند الاُولى : محمّد بن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 199 / أبواب ديات النفس ب 2 ح 1 .
(2) حكاه في الجواهر 43 : 23 ، وراجع الوسيلة : 441 .
(3) الوسائل 29 : 198 / أبواب ديات النفس ب 1 ح 13 .
(4) الوسائل 29 : 202 / أبواب ديات النفس ب 2 ح 10 .
ــ[245]ــ
سنان ، وهو لم يثبت توثيقه ولا مدحه ، والثانية من جهة الإرسال ـ لا يمكن الاعتماد عليهما في
استنباط حكم شرعي أصلاً .
وثانيهما : ما عن الشيخ في المبسوط وابن إدريس في السرائر من أنّ دية الخطأ من الإبل عشرون
بنت مخاض وعشرون ابن لبون وعشرون بنت لبون وعشرون حقّة وعشرون جذعة(1) .
وفيه : أ نّه لا دليل عليه أصلاً ، ولم نجد له شاهداً فيما وصل إلينا من نصوص الباب .
ثمّ إنّ محمّد بن يعقوب روى بسنده الصحيح عن محمّد بن مسلم وزرارة وغيرهما عن أحدهما (
عليهما السلام) ، في الدية «قال : هي مائة من الإبل ، وليس فيها دنانير ولا دراهم ولا غير ذلك» قال
ابن أبي عمير : فقلت لجميل : هل للإبل أسنان معروفة ؟ فقال : نعم ، ثلاث وثلاثون حقّة وثلاث
وثلاثون جذعة وأربع وثلاثون ثنيّة إلى بازل عامها، كلّها خلفة إلى بازل عامها . قال: وروى ذلك بعض
أصحابنا عنهما. وزاد عليّ بن حديد في حديثه: إنّ ذلك في الخطأ . الحديث(2) .
وهذه الرواية وإن كانت صحيحة ، إلاّ أنّ هذه الجملة التي زادها عليّ بن حديد غير ثابتة ، فإنّ عليّ
بن حديد ضعيف جدّاً . فإذن لا يمكن الاعتماد عليها، ومن هنا لا عامل بها ظاهراً من الأصحاب . على
أنّ التحديد المذكور فيها من جميل نفسه وليس منسوباً إلى الإمام (عليه السلام) على ما عرفت .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبسوط 7 : 115 ، السرائر 3 : 322 .
(2) الوسائل 29 : 201 / أبواب ديات النفس ب 2 ح 7 .
|