ــ[246]ــ
(مسألة 211) : يستثنى من ثبوت الدية في القتل الخطائي ما إذا قتل مؤمناً في دار الحرب معتقداً
جواز قتله وأ نّه ليس بمؤمن فبان أ نّه مؤمن ، فإنّه لا تجب الدية عندئذ وتجب فيه الكفّارة فقط (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) وفاقاً للأكثر، وخالف في المسألة صريحاً ابن إدريس في السرائر، حيث قال بوجوب الدية(1).
واستشكل فيها صاحب الجواهر (قدس سره)(2) .
ولكنّ الصحيح هو ما ذهب إليه الأكثر .
وتدلّ على ذلك الآية الكريمة: (فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة)(3) ،
بقرينة الجملة المتقدّمة وهي قوله تعالى : (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ)
(4) ، والجملة اللاحقة وهي قوله تعالى : (وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْم بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيْثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ
وَتَحْرِيرُ رَقَبَة مُؤْمِنَة)(5) ، حيث إنّهما قرينتان على أ نّها في مقام بيان عدم ثبوت الدية في هذه الصورة،
وأنّ الثابت فيها خصوص الكفّارة ، فإنّ التفصيل بين الصورتين من هذه الناحية قاطعٌ للشركة ، وبها
يقيّد إطلاق ما دلّ على وجوب الدية في قتل المؤمن خطأً .
وبعد ذلك نقول : أنّ كلمة: (مِنْ) في قوله تعالى: (مِنْ قَوْم) ليست بمعنى: النشوء ، فإنّ لازمه هو أ
نّه لو قتل مؤمناً خطأً في دار الإسلام أيضاً لم تجب الدية له . وهذا باطل جزماً ، فإنّ المسلمين في زمان
نزول الآية كان فيهم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) السرائر 3 : 320 .
(2) الجواهر 43 : 410 .
(3) ، (4)، (5) سورة النساء 4 : 92 .
ــ[247]ــ
(مسألة 212) : دية القتل في الأشهر الحرم عمداً أو خطأً دية كاملة وثلثها (1) ، وعلى القاتل
متعمّداً مطلقاً كفّارة الجمع وهي عتق رقبة وصوم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
كثير ممّن كان قومه باقين على الكفر والعداوة إلاّ نادراً ، فالصحيح هو أنّ كلمة (مِنْ) هنا بمعـنى : في
، يعني : أنّ المقتول المؤمن خطأً كان بين قومه الكفّار فتوهّم أ نّه كافر مهدور الدم ، وكان هذا هو
السبب في قتله ، وإلاّ لم يكن فرقٌ بينه وبين غيره من المسلمين في ثبوت الدية بقتله . فالمراد من الخطأ في
الآية المباركة : هو ما إذا اعتقد القاتل أ نّه كافر وعدوّ له فقتله ثمّ بان أ نّه كان مؤمناً ، ففي مثله لا دية
بمقتضى الآية ، والواجب إنّما هو الكفّارة فحسب ، وأمّا الخطأ بمعناه المتعارف ـ وهو ما إذا رمى شيئاً
مثلاً فأصاب إنساناً ـ فالظاهر انصراف الآية الكريمة عن مثله ، ولذلك تثبت فيه الدية ولو كان القتل
في دار الحرب . والظاهر أنّ المسألة لا خلاف فيها .
فالنتيجة : أنّ المتيقّن من الآية هو ما ذكرناه ، وأمّا تعبير الفقهاء باستناد القتل إلى الظنّ بأ نّه كافر فلا
نعرف له وجهاً ، فإنّ الظنّ الذي ليس بحجّة ليس مجوّزاً للقتل ، ولا يوجب خروج القتل عن كونه
ظلماً ، فلا موجب لسقوط الدية .
(1) من دون خلاف بين الفقهاء ، بل ادّعي في كلمات غير واحد الإجماع على ذلك .
وتدلّ عليه عدّة روايات :
منها : صحيحة كليب الأسدي قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يقتل في الشهر
الحرام ، ما ديته ؟ «قال : دية وثلث»(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 203 / أبواب ديات النفس ب 3 ح 1 .
ــ[248]ــ
شهرين متتابعين وإطعام ستّين مسكيناً (1) ، وإذا كان القتل في الأشهر الحرم فلا بدّ وأن يكون الصوم
فيها
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
ومنها : صحيحة زرارة، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل قتل رجلاً خطأً في أشهر
الحرم «فقال: عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم» قلت : إنّ هذا يدخل فيه العيد وأيّام
التشريق «قال : يصومه ، فإنّه حقٌّ لزمه»(1) .
ورواها الشيخ الصدوق (قدس سره) بإسناده الصحيح عن أبان ، عن زرارة ، عن أبي عبدالله (عليه
السلام) «قال : عليه دية وثلث»(2) .
(1) بلا خلاف بين الأصحاب ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :
منها : صحيحة عبدالله بن سنان وابن بكير ، جميعاً عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سُئِل عن
المؤمن يقتل المؤمن متعمّداً ـ إلى أن قال : ـ «فإن عفوا عنه فلم يقتلوه أعطاهم الدية واعتق نسمة
وصام شهرين متتابعين وأطعم ستّين مسكيناً توبةً إلى الله عزّ وجلّ»(3) .
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان، قال: قال أبو عبدالله (عليه السلام): «كفّارة الدم إذا قتل الرجل
المؤمن متعمّداً فعليه أن يمكّن نفسه ـ إلى أن قال : ـ وإن عفا عنه فعليه أن يعتق رقبة ويصوم شهرين
متتابعين ويطعم ستّين مسكيناً ، وأن يندم على ما كان منه ، ويعزم على ترك العود ، ويستغفر الله عزّ
وجلّ أبداً ما بقي»(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 204 / أبواب ديات النفس ب 3 ح 4 .
(2) الوسائل 29 : 204 / أبواب ديات النفس ب 3 ح 5 ، الفقيه 4 : 81 / 257 .
(3) الوسائل 22 : 398 / أبواب الكفّارات ب 28 ح 1 .
(4) الوسائل 22 : 398 / أبواب الكفّارات ب 28 ح 2 .
ــ[249]ــ
فيصوم يوم العيد أيضاً إذا صادفه (1) ، والكفّارة مرتّبة إذا كان القتل خطأً حتّى إذا كان في الأشهر
الحرم على المشهور، وفيه إشكال، والأقرب أنّ الكفّارة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
ومنها : صحيحة ابن سنان ـ يعني : عبدالله ـ عن أبي عبدالله (عليه السلام) : أ نّه سُئِل عن رجل
قتل مؤمناً ـ إلى أن قال : ـ هل له من توبة إن أراد ذلك ، أو لا توبة له ؟ «قال : توبته إن لم يعلم ـ
إلى أن قال : ـ فإن عفي عنه أعطاهم الدية واعتق رقبة وصام شهرين متتابعين وتصدّق على ستّين
مسكيناً»(1) .
وتؤيّد ذلك رواية أبي بكر الحضرمي قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : رجل قتل رجلاً متعمّداً
«قال: جزاؤه جهنّم» قال: قلت له: هل له توبة ؟ «قال: نعم ، يصوم شهرين متتابعين ويطعم ستّين
مسكيناً ويعتق رقبة ويؤدّي ديته» الحديث(2) .
(1) تدلّ على ذلك صحيحة زرارة، قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: «إذا قتل الرجل في
شهر حرام صام شهرين متتابعين من أشهر الحرم»(3) .
ثمّ إنّه لا بدّ من تقييد إطلاق هذه الصحيحة بالروايات المتقدّمة .
فالنتيجة : هي ما ذكرناه من كفّارة الجمع ولزوم كون الصوم في الأشهر الحرم .
بقي هنا شيء : وهو أنّ دخول يوم العيد إنّما هو فيما إذا صادف ذلك ، كما إذا افترضنا أنّ القتل
وقع أثناء شهر ذي القعدة ، فعندئذ بطبيعة الحال يدخل العيد،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 22 : 399 / أبواب الكفّارات ب 28 ح 3 .
(2) الوسائل 22 : 399 / أبواب الكفّارات ب 28 ح 4 .
(3) الوسائل 29 : 203 / أبواب ديات النفس ب 3 ح 2 .
ــ[250]ــ
معيّنة فيما إذا وقع القتل في الأشهر الحرم وهي صوم شهرين متتابعين فيها (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
وأمّا إذا افترضنا أنّ القتل وقع في شهر رجب أو في الليلة الاُولى من شهر ذي القعدة ، فعندئذ لا
يصادف العيد ، فإنّ القاتل يصوم شهر ذي القعدة تماماً ويوماً من شهر ذي الحجّة ، فيحصل التتابع
بمقتضى صحيحة الحلبي(1) الدالّة على حصول التتابع بذلك ، كما فصّلنا الكلام في ذلك في مبحث
الصوم(2) .
(1) بيان ذلك : أنّ المشهور لم يفرّقوا في كفّارة القتل الخطائي بين أن يكون في الأشهر الحرم وأن
يكون في غيرها ، فقالوا بأ نّها مرتّبة .
واستدلّوا على ذلك بإطـلاق الآية الكريمة (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَة ...) الآية(3) .
وصحيحة عبدالله بن سنان ، قال : قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «كفّارة الدم إذا قتل الرجل
مؤمناً متعمدّاً ـ إلى أن قال : ـ وإذا قتل خطأً أدّى ديته إلى أوليائه ثمّ أعتق رقبة ، فإن لم يجد صام
شهرين متتابعين ، فإن لم يستطع أطعم ستّين مسكيناً مدّاً مدّاً» الحديث(4) .
ولكنّه لا يخلو من إشكال ، وذلك لأنّ مقتضى صحيحة زرارة ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه
السلام) عن رجل قتل رجلاً خطأً في أشهر الحرم «فقال : عليه الدية وصوم شهرين متتابعين من أشهر
الحرم» قلت : إنّ هذا يدخل فيه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 10 : 373 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 3 ح 9 .
(2) شرح العروة 22 : 278 ـ 281 .
(3) سورة النساء 4 : 92 .
(4) الوسائل 22 : 374 / أبواب الكفارات ب 10 ح 1 .
ــ[251]ــ
وهل يلحق بالقتل في الأشهر الحرم في تغليظ الدية القتل في الحرم ؟ فيه قولان ، الأقرب عدم الإلحاق
(1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
العيد وأيّام التشريق «قال : يصومه ، فإنّه حقٌّ لزمه»(1) هو أنّ كفّارة القتل الخطائي في خصوص
الأشهر الحرم هو صوم شهرين متتابعين في تلك الأشهر معيّناً ، وبما أنّ هذه الصحيحة وردت في مورد
خاصّ فبطبيعة الحال تقيّد إطلاق الآية والرواية المتقدّمتين بغير هذا المورد ، فعندئذ إن تمّ إجماع فهو ،
ولكنّه غير تامّ .
فالنتيجة : هي التفصيل بين القتل الخطائي في غير الأشهر الحرم فكفّارته مرتّبة ، وبين القتل فيها
فكفّارته معيّنة .
ولا تعارضها رواية زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، قال : سألته عن رجل قتل رجلاً خطأً في
الشهر الحرام «قال : تغلّظ عليه الدية ، وعليه عتق رقبة أو صيام شهرين متتابعين من أشهر الحرم»
الحديث(2) .
فإنّها وإن دلّت على التخيير بين العتق والصيام إلاّ أ نّها ضعيفة سنداً ، فإنّ في سندها سهل بن زياد ،
وهو لم يثبت توثيقه ولا مدحه ، فإذن لا يمكن الاعتماد عليها أصلاً ، على أ نّه لا عامل بها .
(1) خلافاً للأكثر كما عن كشف اللثام(3)، بل المشهور كما في مجمع البرهان(4)، بل في ظاهر
المحكيّ عن الشيخ في موضعين من المبسوط وعن ابن إدريس في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 204 / أبواب ديات النفس ب 3 ح 4 .
(2) الوسائل 10 : 380 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 8 ح 1 .
(3) كشف اللثام 2 : 495 (حجري) .
(4) مجمع الفائدة والبرهان 14 : 318 .
ــ[252]ــ
السرائر وعن غاية المرام وعن الغنية : الإجماع عليه(1) ، بل في محكي الخلاف عن الشيخ إجماع الفرقة
وأخبارها (2) . ومن هنا أخذ الشيخ في التهذيب في عنوان الباب القتل في الحرم مقابل القتل في الأشهر
الحرم(3) .
وكيف كان ، فاستند في ذلك إلى صحيحة زرارة ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل قتل
في الحرم «قال : عليه دية وثلث» الحديث(4) .
وروايته الثانية ، قال : قلت لأبي جعفر (عليه السلام) : رجل قتل رجلاً في الحرم «قال : عليه دية
وثلث» الحديث(5) .
أقول : إن تمّ إجماع في المسألة على أنّ حكم القتل في الحرم حكم القتل في الأشهر الحرم فهو ،
ولكنّه غير تامّ ، لتوقّف المحقّق والفاضل وأبي العبّاس والمقداد(6) وغيرهم في ذلك .
وأمّا الروايتان فلا يمكن الاستدلال بهما ، فإنّ الرواية الأخيرة مرسلة ، فإنّ في سندها ابن أبي عمير ،
وهو لا يمكن أن يروي عن أبان بن تغلب بلا واسطة ، فإنّ أبان قد مات في زمان الصادق (عليه
السلام) وابن أبي عمير لم يدرك الصـادق (عليه السلام) ، فإذن الرواية ساقطة من جهة الإرسال ، فلا
يمكن
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) حكاه في الجواهر 43 : 26 ـ 27 وانظر المبسوط 7 : 116 ـ 117، السرائر 3 : 363 ،
غاية المرام 4 : 421 ، الغنية 2 : 414 .
(2) حكاه في الجواهر 43 : 26 ، وراجع الخلاف 5 : 222 / 6 .
(3) التهذيب 10 : 215 .
(4) الوسائل 29 : 204 / أبواب ديات النفس ب 3 ح 3 .
(5) الوسائل 10 : 380 / أبواب بقية الصوم الواجب ب 8 ح 2 .
(6) الشرائع 4 : 252 ، انظر التحرير 2 : 268 ، المهذب البارع 5 : 246 ، التنقيح الرائع 4 :
465 .
ــ[253]ــ
ولا تغليظ في الجنايات على الأطراف إذا كانت في الأشهر الحرم (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
الاعتماد عليها. على أنّ فيها إشكالاً آخر، وهو اشتمالها على العيدين، مع أ نّه ليس في الأشهر الحرم إلاّ
عيد واحد .
وأمّا الرواية الاُولى فهي وإن كانت تامّة سنداً إلاّ أ نّه يمكن المناقشة في دلالتها ، إذ من المحتمل قويّاً أن
يكون ¸ الحرم · بضمّ الحاء والراء ، فيكون المراد منه الأشهر الحرم ، ويؤيّد ذلك قوله (عليه السلام) :
«ويصوم شهرين متتابعين من أشهر الحرم» قال : قلت : هذا يدخل فيه العيد وأيّام التشريق «فقال :
يصومه ، فإنّه حقٌّ لزمه» ، وهذا كفّارة القاتل في الشهر الحرام عند الأصحاب لا كفّارة القتل في الحرم
، ومن هنا ذكر جماعة عدم النصّ على ذلك .
ويؤيّده ما قاله صاحب الجواهر : وقد حضرني نسخة من الكافي معتبرة جدّاً ، وقد أعرب فيها الحُرُم
بضمّتين(1) .
فالنتيجة : أنّ الرواية لو لم تكن ظاهرة في أنّ المراد منها الأشهر الحرم دون الحرم فلا أقلّ أ نّها مجملة
فلا تكون حجّة .
ومن ذلك يظهر أنّ ما ذكره السيّد في الرياض من قوله: وكأ نّهم ـ أي القائلون بعدم تغليظ الدية
في القتل في الحرم ـ لم يقفوا على هذه الرواية ـ صحيحة زرارة ـ وإلاّ فهي مع اعتبار سندها في
المطلوب صريحة ... (2) في غير محلّه .
(1) وذلك لعدم الدليل عليه واختصاصه بقتل النفس ، ومن هنا لا قائل بذلك من الأصحاب .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الجواهر 43 : 27 .
(2) رياض المسائل 2 : 530 (حجري) .
|