ــ[254]ــ
(مسألة 213) : دية المرأة الحرّة المسلمة نصف دية الرجل الحرّ المسلم (1) من جميع الأجناس
المتقدّمة (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
(1) من دون خلاف بين الأصحاب، بل ادّعي عليه الإجماع بقسميه مستفيضاً، بل هو كذلك بين
كافّة المسلمين إلاّ ابن علية والأصمّ(1) .
وتدلّ على ذلك عدّة روايات :
منها : صحيحة عبدالله بن سنان ، قال : سمعت أبا عبدالله (عليه السلام) يقول في رجل قتل امرأته
متعمّداً «قال : إن شاء أهلها أن يقتلوه قتلوه ، ويؤدّوا إلى أهله نصف الدية، وإن شاءُوا أخذوا نصف
الدية خمسة آلاف درهم» الحديث(2).
ومنها : صحيحة عبدالله بن مسكان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : إذا قتلت المرأة رجلاً قتلت
به ، وإذا قتل الرجل المرأة فإن أرادوا القود أدّوا فضل دية الرجل على دية المرأة وأقادوه بها ، وإن لم
يفعلوا قبلوا الدية دية المرأة كاملة ودية المرأة نصف دية الرجل»(3) .
ومنها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : في الرجل يقتل المرأة متعمّداً ، فأراد
أهل المرأة أن يقتلوه «قال : ذاك لهم إذا أدّوا إلى أهله نصف الدية ، وإن قبلوا الدية فلهم نصف دية
الرجل» الحديث(4) .
(2) فإنّ جملة من الروايات ـ منها صحيحة عبدالله بن سنان الآنفة الذكر ـ وإن عيّنت نصف الدية
في خمسة آلاف درهم إلاّ أنّ الظاهر هو أ نّه من باب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) البحر الزخار 6 : 275 ، المغني 9 : 532 ـ 533 .
(2) الوسائل 29 : 80 / أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 1 .
(3) الوسائل 29 : 81 / أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 2 .
(4) الوسائل 29 : 81 / أبواب القصاص في النفس ب 33 ح 3 .
ــ[255]ــ
(مسألة 214) : المشهور بين الأصحاب أنّ دية ولد الزنا إذا كان محكوماً بالإسلام دية المسلم ،
وقيل : إنّ ديته ثمانمائة درهم ، وهو الأقرب (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
المثال ولا خصوصية له ، وذلك بقرينة صحيحة أبان بن تغلب ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام)
: ما تقول في رجل قطع اصبعاً من أصابع المرأة كم فيها ؟ «قال : عشرة من الإبل» قلت : قطع اثنتين
؟ «قال : عشرون» قلت : قطع ثلاثاً؟ «قال : ثلاثون» قلت : قطع أربعاً ؟ «قال : عشرون» قلت :
سبحان الله يقطع ثلاثاً فيكون عليه ثلاثون ويقطع أربعاً فيكون عليه عشرون ؟! إنّ هذا كان يبلغنا
ونحن بالعراق فنبرأ ممّن قاله ، ونقول : الذي جاء به شيطان «فقال : مهلاً يا أبان ، هذا حكم رسول
الله (صلّى الله عليه وآله) ، إنّ المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت الثلث رجعت إلى النصف
، يا أبان ، إنّك أخذتني بالقياس ، والسنّة إذا قيست مُحِقَ الدين»(1) .
فإنّ هذه الصحيحة تدلّ على أنّ دية المرأة نصف دية الرجل من الإبل .
فالنتيجة : من ضمّ هذه الصحيحة إلى تلك الرواية هي أنّ دية المرأة لا تختصّ بجنس دون آخر . على
أنّ المسألة متسالم عليها بين الأصحاب .
(1) بيان ذلك : أنّ المعروف والمشهور ـ بل في الجواهر : عدم وجدان الخلاف بين من تأخّر عن
المصنّف(2) ـ أنّ دية ولد الزنا دية المسلم إذا أظهر الإسلام ، لإطلاقات الأدلّة .
وخالف في ذلك صريحاً الصدوق والسيّد المرتضى (قدس سرهما) من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 352 / أبواب ديات الأعضاء ب 44 ح 1 .
(2) جواهر الكلام 43 : 33 .
ــ[256]ــ
المتقدّمين ، فأختارا أنّ ديته ثمانمائة درهم(1) ، وقوّاه في مفتاح الكرامة(2) .
وتوقّف في المسألة المحقّق الأردبيلي (قدس سره) والشهيد في غاية المراد(3) .
وما اختاره الصدوق والمرتضى (رحمهما الله) ومن تبعهما هو الأظهر .
وتدلّ عليه معتبرة إبراهيم بن عبدالحميد عن جعفر (عليه السلام) ، قال : «قال : دية ولد الزنا دية
الذمّي ثمانمائة درهم»(4) .
ولا يضرّ كون عبدالرحمن بن حمّاد في سندها ، لأ نّه وإن لم يوثّق في كتب الرجال إلاّ أ نّه وارد في
أسناد كامل الزيارات ، فهو ثقة ، وله كتاب روى عنه جماعة ، منهم : ابن أبي عمير وإبراهيم بن هاشم
والبرقي وأحمد بن محمّد بن عيسى .
وقال في مفتاح الكرامة : الحديث إمّا حسن أو موثّق أو قوي .
وتؤيّد ذلك رواية عبدالرحمن بن عبدالحميد عن بعض مواليه ، قال : قال لي أبو الحسن (عليه
السلام) : «دية ولد الزنا دية اليهودي ثمانمائة درهم»(5) .
ورواية جعفر بن بشير عن بعض رجاله، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن دية ولد الزنا «
قال: ثمانمائة درهم مثل دية اليهودي والنصراني والمجوسي»(6) .
وأمّا ما قيل من أنّ رواية جعفر بن بشير معتبرة ، نظراً إلى ما قاله النجاشي
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المقنع : 530 ، الانتصار : 544 .
(2) مفتاح الكرامة 10 : 366 .
(3) مجمع الفائدة والبرهان 14 : 322 ـ 324 .
(4) الوسائل 29 : 223 / أبواب ديات النفس ب 15 ح 3 .
(5) الوسائل 29 : 222 / أبواب ديات النفس ب 15 ح 1 .
(6) الوسائل 29 : 222 / أبواب ديات النفس ب 15 ح 2 .
ــ[257]ــ
(مسألة 215) : دية الذمّي من اليهود والنصارى والمجوس ثمانمائة درهم(1)،
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
من أ نّه يروي عن الثقات وهم رووا عنه(1) .
فقد ذكرنا ما فيه في مدخل كتابنا : معجم رجال الحديث ، الصفحة (68) .
بقي هنا شيء : وهو أنّ عبدالله بن سنان روى في الصحيح عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال :
سألته فقلت له : جعلت فداك ، كم دية ولد الزنا ؟ «قال : يعطى الذي أنفق عليه ما أنفق»
الحديث(2) .
وهذه الصحيحة تدلّ على أ نّه كان المرتكز في ذهن عبدالله بن سنان أنّ دية ولد الزنا مغايرة لدية
الحرّ المسلم ، ولذا سأل عن مقدارها ، ويظهر من الجواب وعدم بيان أنّ ديته دية المسلم الحرّ : ثبوت
المغايرة . وأمّا ما فيها من لزوم الاعتبار بالمقدار الذي أنفقه المنفق عليه فلا بدّ من ردّ علمه إلى أهله ،
لمخالفته للإجماع القطعي ، ولعلّ إجمال الجواب كان لمصلحة هناك .
(1) بلا خلاف بيننا ، وتدلّ على ذلك عدّة روايات :
منها: صحيحة ابن مسكان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال: دية اليهودي والنصراني والمجوسي
ثمانمائة درهم»(3) .
ومنها : صحيحة ليث المرادي ، قال : سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن دية النصراني واليهودي
والمجوسي «فقال : ديتهم جميعاً سواء ، ثمانمائة درهم ثمانمائة درهم»(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) رجال النجاشي : 119 / 304 .
(2) الوسائل 26 : 275 / أبواب ميراث ولد الملاعنة ب 8 ح 3 .
(3) الوسائل 29 : 217 / أبواب ديات النفس ب 13 ح 2 .
(4) الوسائل 29 : 218 / أبواب ديات النفس ب 13 ح 5 .
ــ[258]ــ
بقي هنا طائفتان من الروايات :
الاُولى : ما دلّت على أنّ ديتهم أربعة آلاف درهم ، وهي روايتان :
إحداهما : ما رواه الصدوق مرسلاً : «أنّ دية اليهودي والنصراني والمجوسي أربعة آلاف درهم أربعة
آلاف درهم ، لأ نّهم أهل الكتاب»(1) .
ثانيتهما : رواية أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف
درهم» الحديث(2) .
أقول : إنّ كلتا الروايتين ضعيفة سنداً ، أمّا الاُولى : فمن جهة الإرسال ، وأمّا الثانية : فلوجود علي
في سندها وهو البطائني الضعيف على أ نّه يمكن حملهما على التقيّة، لموافقتهما للمرويّ عن عمر وعثمان
وسعيد بن المسيّب وعطا والحسن وعكرمة وعمرو بن دينار والشافعي وإسحاق وأبي ثور ، على ما
ذكره ابن قدامة في المغني(3) .
الطائفة الثانية : ما دلّت على أنّ ديتهم دية المسلم ، وهي أيضاً روايتان :
إحداهما : صحيحة أبان بن تغلب عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : دية اليهودي والنصراني
والمجوسي دية المسلم»(4) .
وثانيتهما : صحيحة زرارة عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : من أعطاه رسول الله (صلّى الله عليه
وآله وسلّم) ذمّة فديته كاملة» قال زرارة : فهؤلاء ؟ قال أبو عبدالله (عليه السلام) : «وهؤلاء من
أعطاهم ذمّة»(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 220 / أبواب ديات النفس ب 13 ح 12 ، الفقيه 4 : 91 / 297 .
(2) الوسائل 29 : 222 / أبواب ديات النفس ب 14 ح 4 .
(3) المغني 9 : 528 .
(4) الوسائل 29 : 221 / أبواب ديات النفس ب 14 ح 2 .
(5) الوسائل 29 : 221 / أبواب ديات النفس ب 14 ح 3 .
ــ[259]ــ
ودية نسائهم نصف ديتهم (1) ، وأمّا سائر الكفّار فلا دية في قتلهم ، كما لا قصاص فيه (2) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
أقول : هاتان الروايتان وإن كانتا تامّتين سنداً إلاّ أ نّه لا بدّ من حملهما على التقيّة للمعارضة ، نظراً
إلى موافقتهما لفتاوى جماعة من العامّة كعلقمة ومجاهد والشعبي والنخعي والثوري وأبي حنيفة(1).
وأمّا حملهما على المعتاد ـ كما عن الشيخ(2) ـ فلا شاهد له أصلاً ، كما لا مجال لحملهما على قتل
خصوص من قام بشرائط الذمّة ، فإنّه بلا موجب .
وأمّا معتبرة سماعة، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن مسلم قتل ذمّياً ـ إلى أن قال: ـ «
ومن قتل ذمّياً ظلماً فإنّه ليحرم على المسلم أن يقتل ذمّياً حراماً ما آمن بالجزية وأدّاها ولم يجحدها»(3)
.
فلا دلالة فيها على التقييد ، فإنّ الإيمان بالجزية وأدائها شرطٌ في تحقّق الذمّيّة ، وبدونهما لا يكون
الكافر ذمّياً ، ولا يكون في قتله دية أصلاً .
(1) بلا خلاف ظاهر ، وتدلّ على ذلك إطلاقات ما دلّ على أنّ دية المرأة نصف دية الرجل ،
وعدم دليل مقيّد في البين .
(2) من دون خلاف بين الأصحاب ، وذلك لأ نّه لا احترام لهم ، وأنّ دمهم هدر ، فكما لا يثبت
على قاتلهم القصاص كذلك لا تثبت الدية .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المغني 9 : 528 .
(2) التهذيب 10 : 187 / 737 .
(3) الوسائل 29 : 221 / أبواب ديات النفس ب 14 ح 1 .
|