(مسألة 228) : إذا انقلب النائم غير الظئر فأتلف نفساً أو طرفاً منها ، قيل : إنّ الدية في ماله ،
وقيل : إنّها على عاقلته . وفي كلا القولين إشكال ، والأقرب عدم ثبوت الدية (2) .
ـــــــــــــــــــــــ (2) بيان ذلك : أنّ في المسألة وجوهاً :
الأوّل : أنّ الدية في ماله ، اختاره جماعة كما في المقنعة والنهاية والجامع والتحرير والإرشاد
والتلخيص ومجمع البرهان وابن إدريس(4) .
ـــــــــــــ (4) المقنعة : 747 ، النهاية : 758 ، الجامع للشرائع : 583 ، لاحظ التحرير 2 : 262 (
حجري)، لاحظ الإرشاد 2 : 223 ، انظر تلخيص المرام (سلسلة الينابيع الفقهية 40) : 486 ،
مجمع الفائدة والبرهان 14 : 231 ، السرائر 3 : 365 ـ 366 .
ــ[275]ــ
الثاني : أ نّها على عاقلته ، كما في القواعد وكشف الرموز والإيضاح واللمعة والتنقيح والروضة
والمسالك (1) ، بل نسبه بعض إلى عامّة المتأخّرين ، وقال المحقّق في الشرائع : أ نّه أشبه باُصول
المذهب(2) ، واختاره في الجواهر(3) .
الثالث : أ نّه لا دية لا عليه ولا على عاقلته ، وهذا هو الأقرب .
والوجه في ذلك : هو أ نّه لا دليل على القولين الأوّلين أصلاً :
أمّا الأوّل : فلا وجه له عدا ما قيل من أن قتل النائم باعتبار ارتفاع الاختيار عنه من باب الأسباب
التي ضمانها عليه دون العاقلة ، ولذا ذكر الأصحاب ذلك في باب ضمان النفوس . ولكنّه لادليل عليه
مطلقاً ما لم يستند القتل إليه بالاختيار لعمد أو شبه عمد أو خطأ محض ، لوضوح أنّ مجرّد كونه سبباً له
لا يوجب الضمان بدون تحقّق ذلك . وعليه ، فلا يتمّ ذكر الأصحاب ذلك في باب ضمان النفوس .
وأمّا الوجه الثاني : فلما تقدّم من أ نّه يعتبر في القتل الخطائي ـ على ما فسّر في الرواية ـ العمد في
الفعل بأن يريد شيئاً ويصيب غيره ، أو من اعتمد شيئاً وأصاب غيره(4) ، والمفروض انتفاء القصد هنا
. وعليه ، فلا يكون المقام داخلاً في القتل الخطائي .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) القواعد 3 : 651 ، كشف الرموز 2 : 638 ، إيضاح الفوائد 4 : 656 ، اللمعة 10 :
113 ، التنقيح الرائع 4 : 471 ، الروضة 10 : 113 ، المسالك 2 : 387 (حجري) .
(2) الشرائع 4 : 255 .
(3) الجواهر 43 : 51 ـ 52 .
(4) في ص 4 .
ــ[276]ــ
(مسألة 229) : لو أتلفت الظئر طفلاً وهي نائمة بانقلابها عليه أو حركتها، فإن كانت إنّما ظايرت
طلباً للعزّ والفخر فالدية في مالها ، وإن كانت مظايرتها للفقر فالدية على عاقلتها (1) .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ـــــ
فالنتيجة : أ نّه لا يمكن المساعدة على شيء من القولين المزبورين ، فالأقرب ما ذكرناه ، لأصالة
البراءة عن الضمان . ويؤكّد ذلك ما سيأتي في مسألة ما إذا سقط إنسان من شاهق على آخر بغير
اختياره فقتله ، من الروايات الدالّة على عدم ثبوت الدية على الساقط(1) .
وهنا وجه رابع : وهو أن تكون الدية على الإمام في بيت مال المسلمين ، لأنّ دم المسلم لا يذهب
هدراً .
وفيه : أنّ هذا الوجه لا يتمّ أيضاً ، وذلك لأنّ التعليل لا يعمّ ما إذا كان الموت بقضاء الله وقدره من
دون أن يستند إلى اختيار شخص ، كما إذا أطار الريح ـ مثلاً ـ رجلاً من على سطح فوقع على
إنسان فقتله ، فإنّه لا دية في ذلك لا على الواقع ولا على عاقلته ، ولا على بيت المال ، وما نحن فيه من
هذا القبيل .
(1) وفاقاً للصدوق والشيخ والفاضل في الإرشاد والشهيد في اللمعة(2) .
وخالف في ذلك الفاضل في بعض كتبه وولده وثاني الشهيدين ، وقالوا : إنّ الدية على العاقلة مطلقاً
، بل نسبه في المسالك إلى أكثر المتأخّرين معلّلاً بأ نّه خطأ محض(3) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 289 .
(2) المقنع : 518 ، النهاية : 757 ـ 758 ، الإرشاد : 223 ، اللمعة 10 : 130 ـ 131 .
(3) القواعد 3 : 651 ، إيضاح الفوائد 4 : 656 ـ 657 ، الروضة 10 : 132 .
ــ[277]ــ
وعن المفيد وسلاّر وابني حمزة وإدريس : أنّ الدية على الظئر مطلقاً (1) .
وتدلّ على ما ذكرناه صحيحة محمّد بن مسلم ، قال : «قال أبو جعفر (عليه السلام) : أ يّما ظئر
قوم قتلت صبيّاً لهم وهي نائمة فقتلته فإنّ عليها الدية من مالها خاصّـة إن كانت إنّما ظايرت طلب العزّ
والفخر ، وإن كانت إنّما ظايرت من الفقر فإنّ الدية على عاقلتها» ، ورواها عبدالرحمن بن سالم ، عن
أبيه ، عن أبي جعفر (عليه السلام) مثله ، ورواها الحسين بن خالد وغيره عن أبي الحسن الرضا (عليه
السلام) مثله(2) .
وذكر الشهيد الثاني (قدس سره) : أنّ هذه الروايات في أسنادها ضعف وجهالة(3) ، وذكر
الأردبيلي مثله(4) ، ووافقهما على ذلك صاحب الجواهر (رحمه الله) (5) .
ولكنّ الصحيح أنّ رواية محمّد بن مسلم صحيحة ، فإنّها مرويّة بطريقين : أحدهما فيه محمّد بن
أسلم، وثانيهما رواه البرقي في المحاسن عن أبيه ، عن هارون ابن الجهم ، عن محمّد بن مسلم ، وهذا
الطريق صحيح ، وكأ نّهم لم يلتفتوا إلى هذا الطريق ، وإلاّ فلا أقلّ من أن يعتبروا هذه الرواية حسنة .
وكيف كان ، فلا مناص من الأخذ بالرواية ، ولكنّه يقتصر على موردها ، ولا يمكن التعدّي إلى غيره
من الموارد ، ولولاه لم نلتزم بثبوت الدية أصلاً كما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المقنعة : 747 ، المراسم : 241 ، لاحظ الوسيلة : 454 ، السرائر 3 : 365 .
(2) الوسائل 29 : 265 / أبواب موجبات الضمان ب 29 ح 1 ، التهذيب 10 : 222 / 873
و 223 / 874، المحاسن 2: 14 / ذيل حديث 1085 .
(3) الروضة 10 : 131 .
(4) مجمع الفائدة والبرهان 14 : 232 .
(5) الجواهر 43 : 85 .
|