الثالث عشر : خرق مثانة البكر
المشهور أنّ من اقتضّ بكراً باصبعه فخرق مثانتها فلم تملك بولها فعليه ديتها كاملة ، ولكنّه لا يخلو عن إشكال ، فالأظهر أنّ فيه ثلث ديتها (2) ،
ـــــــــــــــــــــــــــــــ (2) استدلّ على ما ذهب إليه المشهور بأمرين :
الأوّل: ما رواه الشيخ (قدس سره) مرسلاً عن هشام بن إبراهيم، عن أبي الحسن (عليه السلام) : «لها الدية»(2) .
وفيه : أنّ الرواية ضعيفة سنداً من جهة الإرسال ومن جهة هشام بن إبراهيم ، لتردّده بين الثقة والضعيف .
الثاني : ما تقدّم من الروايات في مسألة سلس البول من أنّ فيه الدية
ــــــــــــــــ (2) الوسائل 29 : 335 / أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 3 ، التهذيب 10 : 308 / ذيل حديث 1148 .
ــ[457]ــ
وفيه أيضاً مثل مهر نساء قومها (1) .
الرابع عشر : الإفضاء
(مسألة 358): في إفضاء المرأة دية كاملة إذا كان المفضي أجنبياً(2)، وأمّا إذا كان المفضي زوجها فإن أفضاها ولها تسع سنين فلاشيء عليه، وإن أفضاها
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كاملة ، وهذه الروايات ـ بضميمة ما دلّ على أنّ دية المرأة نصف دية الرجل ـ تدلّ على أنّ الدية في المرأة هنا هي تمام ديتها .
ولكنّه لا بدّ من تخصيصها بمعتبرة ظريف عن أمير المؤمنين : في رجل اقتضّ جارية باصبعه فخرق مثانتها فلا تملك بولها ، فجعل لها ثلث الدية مائة وستّة وستّين ديناراً وثلثي دينار ، وقضى لها عليه بصداق مثل نساء قومها (1) .
فالنتيجة : أنّ المعتبرة تخصّص تلك الروايات بغير موردها ، فتكون الدية فيه ثلث دية المرأة .
(1) للمعتبرة المزبورة وللروايات المتقدّمة الدالّة على ذلك .
(2) بلا خلاف معتدّ به بين أصحابنا .
وتدلّ على ذلك صحيحة سليمان بن خالد، قال: سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل كسر بعصوصه فلم يملك إسته ، ما فيه من الدية ؟ «فقال : الدية كاملة» وسألته عن رجل وقع بجارية فأفضاها وكانت إذا نزلت بتلك المنزلة لم تلد «فقال : الدية كاملة»(2) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 335 / أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 2 .
(2) الوسائل 29 : 370 / أبواب ديات المنافع ب 9 ح 1 .
ــ[458]ــ
قبل بلوغ تسع سنين فإن طلّقها فعليه الدية ، وإن أمسكها فلا شيء عليه(1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
وما رواه الصدوق بسنده الصحيح إلى قضايا أمير المؤمنين (عليه السلام): أنّه قضى في امرأة اُفضيت بالدية(1) .
(1) بيان ذلك : أنّ المشهور بين الأصحاب ثبوت الدية مع الإمساك أيضاً، بل في الجواهر: بلا إشكال ، بل بلا خلاف معتدّ به(2) . وقال في الرياض : مقتضى صحيحة حمران هو التفصيل في الدية بين صورتي الطلاق والإمساك ، إلاّ أنّ الرواية غير معمول بها بين الأصحاب ولم أجد قائلاً به، وبه صرّح خالي العلاّمة المجلسي (قدس سره) ، بل زاد فقال : لم يقل به أحد(3) .
أقول : إنّ المسألة ليست إجماعيّة جزماً ، فإنّه ـ مضافاً إلى أنّ جماعة من المتقدّمين لم يتعرّضوا للمسألة أصلاً حتّى يتبيّن آراءهم فيها ـ قد خالف المشهور فيها صاحب الحدائق (قدس سره) صريحاً (4) ، ويظهر من المحقّق في نكت النهاية الميل إلى التفصيل المزبور ، حيث جعل الدليل في المسألة رواية بريد التي قد صرّحت بالتفصيل المذكور ورواية الحلبي الدالّة على وجوب النفقة (5) ، بل يمكن استظهار ذلك من الصدوق (قدس سره) أيضاً ، نظراً إلى اعترافه بالعمل بما رواه في كتابه من لايحضره الفقيه، والمفروض أ نّه روى رواية حمران بلا تعليق.
فالنتيجة : أنّ الإجماع غير ثابت ، فإذن لا دليل على ما ذهب إليه المشهور ،
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 29 : 330 / أبواب ديات الأعضاء ب 26 ح 1 ، الفقيه 4 : 111 / 377 .
(2) الجواهر 43 : 275 .
(3) الرياض 2 : 551 (حجري) .
(4) الحدائق الناظرة 23 : 93 .
(5) النهاية ونكتها 3 : 442 ـ 443 .
ــ[459]ــ
ولعلّه لأجل ذلك توقّف السيّد (رحمه الله) في العروة في ثبوت الدية مطلقاً (1) ، وكذا معظم المعلّقين عليها ، فالصحيح ما ذكرناه .
وتدلّ عليه صحيحة حمران عن أبي عبدالله (عليه السلام) ، قال : سُئِل عن رجل تزوّج جارية بكراً لم تدرك فلمّا دخل بها اقتضّها فأفضاها «فقال : إن كان دخل بها حين دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه ، وإن كانت لم تبلغ تسع سنين أو كان لها أقلّ من ذلك بقليل حين دخل بها فاقتضّها فإنّه قد أفسدها وعطّلها على الأزواج فعلى الإمام أن يغرمه ديتها ، وإن أمسكها ولم يطلّقها حتّى تموت فلا شيء عليه»(2) .
وتؤيّد ذلك رواية بريد بن معاوية عن أبي جعفر (عليه السلام) : في رجل اقتضّ جارية ـ يعني : امرأته ـ فأفضاها «قال : عليه الدية إن كان دخل بها قبل أن تبلغ تسع سنين . قال : وإن أمسكها ولم يطلّقها فلا شيء عليه ، وإن كان دخل بها ولها تسع سنين فلا شيء عليه ، إن شاء أمسك وإن شاء طلّق»(3) .
وبها تقيّد الروايات المطلقة الدالّة على الضمان بصورة الطلاق وأنّ المراد من المضمون فيها هو الدية :
منها : صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «قال : من وطئ امرأته قبل تسع سنين فأصابها عيب فهو ضامن»(4) ، ومثلها صحيحته الاُخرى(5) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) العروة الوثقى 2 : 590 / 3698 .
(2) الوسائل 20 : 103 / أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب 45 ح 9 ، الفقيه 3 : 272 / 1294 .
(3) الوسائل 29 : 281 / أبواب موجبات الضمان ب 44 ح 1 .
(4) الوسائل 20 : 103 / أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب 45 ح 5 .
(5) الوسائل 20 : 103 / أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب 45 ح 8 .
ــ[460]ــ
(مسألة 359) : إذا أكره امرأة فجامعها فأفضاها فعليه الدية والمهر معاً (1) ، وهل يجب عليه أرش البكارة ـ إذا كانت بكراً ـ زائداً على المهر ؟
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ومنها : معتبرة طلحة بن زيد ، عن جعفر، عن أبيه ، عن علي (عليهم السلام) «قال : من تزوّج بكراً فدخل بها في أقلّ من تسع سنين فعيبت ضمن»(1) .
وأمّا معتبرة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي (عليهم السلام) : «أنّ رجلاً أفضى امرأة فقوّمها قيمة الأمة الصحيحة وقيمتها مفضاة ، ثمّ نظر ما بين ذلك فجعل من ديتها وأجبر الزوج على إمساكها»(2) .
فمضافاً إلى أ نّه لم يعمل بها أحد من الأصحاب ، محمولة على التقيّة على ما ذكره الشيخ (قدس سره)(3) ، لموافقتها لمذهب كثير من العامّة .
بقي هنا شيء : هو أنّ صاحب الجواهر (قدس سره) حمل صحيحة حمران ورواية بريد على سقوط الدية في صورة الإمساك صلحاً ، بأن نختار المقام معه بدلاً عن الدية، فإنّ الدية قد لزمته بالإفضاء بدلالة النصّ والفتوى ، فلا تسقط مجّاناً من غير عوض(4) .
وما أفاده (قدس سره) غريب ، وذلك لأ نّه لا مانع من أن يكون ثبوت الدية مشروطاً بالطلاق على نحو الشرط المتأخّر، فلا تثبت في صورة الإمساك .
(1) أمّا الدية : فمن ناحية الإفضاء ، وقد مرّت آنفاً ، وأمّا المهر : فقد تقدّم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 20 : 103 / أبواب مقدّمات النكاح وآدابه ب 45 ح 6 .
(2) الوسائل 29 : 282 / أبواب موجبات الضمان ب 44 ح 3 .
(3) الاستبصار 4 : 295 / 1112 .
(4) جواهر الكلام 29 : 422 ـ 423 .
ــ[461]ــ
قيل : يجب ، وهو ضعيف ، فالصحيح عدم وجوبه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكلام فيه في أواخر مبحث الديات بشكل موسّع(1) .
(1) وجه الضعف : هو أ نّه لا دليل على أنّ لإزالة البكارة أرشاً زائداً على المهر ، ما عدا دعوى أنّ تعدّد السبب يوجب تعدّد المسبّب ، وما ذكره الشهيد الثاني (رحمه الله) في المسالك بأنّ تفويت الجزء يوجب الأرش(2) .
وفيه : أنّ المهر الذي تستحقّه البكر حسب الروايتين الآتيتين هو مهر البكر ، وعليه فالزيادة ملحوظة فيه ، فلا يكون تفويت هذا الجزء هدراً ، كما لا يكون على خلاف أصالة تعدّد المسبّب بتعدّد سببه .
والروايتان إحداهما: معتبرة طلحة بن زيد، عن جعفر، عن أبيه، عن علي (عليهم السلام) «قال : إذا اغتصب الرجل أمةً فاقتضّها فعليه عشر قيمتها ، وإن كانت حرّة فعليه الصداق»(3) .
وثانيتهما : صحيحة عبدالله بن سنان ، قال : قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : جعلت فداك ، ما على رجل وثب على امرأة فحلق رأسها ؟ «قال : يضرب ضرباً وجيعاً ويحبس في سجن المسلمين حتّى يستبرأ شعرها ـ إلى أن قال: ـ فقال: يابن سنان، إنّ شعر المرأة وعذرتها شريكان في الجمال، فإذا ذهب بأحدهما وجب لها المهر كمّلاً»(4) .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 267 .
(2) المسالك 2 : 397 (حجري) .
(3) الوسائل 21 : 304 / أبواب المهور ب 45 ح 2 .
(4) الوسائل 29 : 334 / أبواب ديات الأعضاء ب 30 ح 1 .
|