[ 244 ] مسألة 3 : وجوب إزالة النجاسة عن المساجد كفائي (2)
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
(2) لعدم اختصاص أدلّة وجوبها بشخص دون شخص وعدم قابلية الإزالة للتكليف بها إذا قام بها بعض المكلفين . وعن الشهيد في الذكرى التفصيل بين ما إذا استند تنجيس المسجد إلى فاعل مشعر مختار فوجوب الازالة عيني في حقه ، وبين ما إذا كان مستنداً إلى غيره فوجوب الازالة كفائي على الجميع(1) وهذا كما إذا اقتتل في المسجد حيوانان فاقدان للشـعور والاختيار فقتل أحدهما الآخر وتلوث المسجد بدمه ، أو افترست الهرة طيراً وتنجس المسجد بدمه وهكذا . وفيه : أنه إن أراد بذلك أن الإزالة ـ عند ما استند تنجيس المسجد إلى فاعل مختار ـ متعينة في حقه وإذا عصى واجبه وترك الازالة تجب على غيره من المسلمين كفاية كما التزموا بذلك في مثل إنفاق الوالد على ولده الفقير أو العكس حيث إنه واجب عيني في حقه ، إلاّ أنه إذا عصى وترك واجبه يجب على عامة الناس كفاية لوجوب حفظ النفس المحترمة ، وفي صلاة الميت ودفنه وكفنه فانها أيضاً واجبات عينية على وليه ـ على وجه ـ فيقوم بها بالمباشرة أو التسبيب ، فاذا خالفها تجب على غيره من المسلمين كفاية ، فهو وإن كان دعوى معقولة ـ على ما حقّقناه في محلِّه ـ إلاّ أنّ إثباتها يحتاج إلى دليل وهو مفقود في المقام ، لأنّ نسبة أدلة وجوب الازالة إلى من نجّس المسجد وغيره على حد سواء .
وإن أراد به أن الأمر بالازالة متوجه إلى الفاعل المختار ولا تكليف على غيره أزال
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الذكرى : 157 .
ــ[262]ــ
ولا اختصاص له بمن نجّسها أو صار سبباً ، فيجب على كل أحد .
[ 245 ] مسألة 4 : إذا رأى نجاسة في المسجد وقد دخل وقت الصلاة تجب المبادرة إلى إزالتها مقدّماً على الصلاة مع سعة وقتها (1) ومع الضيق قدّمها (2) ، ولو ترك الازالة مع السعة واشتغل بالصلاة عصى لترك الازالة ، لكن في بطلان صلاته إشكال ، والأقوى الصحة (3)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أم لم يزل ، وإنما تجب على المسلمين كفاية فيما إذا استند تنجيس المسجد إلى غير الفاعل المختار ، ففيه : أن الفاعل المختار قد يعصي ولا يزيل فيبقى المسجد متنجساً لعدم وجوب الازالة على غيره من المكلفين لا كفاية ولا عيناً وهو خلاف الاجماع والارتكاز وغيرهما من الأدلة القائمة على وجوب إزالة النجاسة عن المسجد . فالصحيح أن وجوب الازالة كفائي في كلتا الصورتين .
(1) لأنها من الواجبات المضيقة ووجوبها على الفور ، والصلاة موسّعة والموسّع لا يزاحم المضيق بوجه .
(2) لأن الصلاة أهم فانها عمود الدين كما في الخبر (1) .
(3) قالوا إن الوجه في صحتها منحصر بالترتب . وذهب صاحب الكفاية إلى إمكان تصحيح العبادة حينئذ بالملاك من غير حاجة إلى القول بالترتّب(2) . أما الملاك فقد أسلفنا في محله عدم صحة تصحيح العبادة به إذ لا علم لنا بوجوده ، لوضوح أن الملاك إنما نستكشفه من الأمر المتعلق بالعبادة ومع فرض سقوط الأمر بالمزاحمة لا سبيل لنا إلى إحرازه(3) ، وأما الترتّب فهو وإن كان صحيحاً في نفسه بل إن تصوره ـ بجميع ما هو عليه من خصوصياته ومزاياه ـ مساوق لتصديقه ، إلاّ أن مورده ما إذا كان كلا الواجبين مضيقاً كحفظ النفس المحترمة والصلاة في آخر وقتها ، وأما إذا كان
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 4 : 27 / أبواب أعداد الفرائض ب 6 ح 12 وب 8 ح 13 .
(2) كفاية الاُصول : 134 .
(3) محاضرات في اُصول الفقه 3 : 70 .
ــ[263]ــ
هذا إذا أمكنه الازالة . وأما مع عدم قدرته مطلقاً أو في ذلك الوقت فلا إشكال في صحة صلاته (1) ولا فرق في الاشكال في الصورة الاُولى بين أن يصلي في ذلك المسجد أو في مسجد آخر ((1)) (2) وإذا اشتغل غيره بالازالة لا مانع من مبادرته إلى الصلاة قبل تحقّق الازالة (3) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أحدهما أو كلاهما موسعاً فلا مجال فيه للترتب بوجه .
فالتحقيق في تصحيح الصلاة حينئذ أن يقال : إن المضيق قد وجب على المكلف بعينه ، وأما الأمر في الموسع فهو إنما تعلق بالطبيعي الجامع بين المبدأ والمنتهى ، فالفرد المزاحم من أفراده مع المضيق لم يتعلق به أمر أو وجوب وإنما هو مصداق للمأمور به لا أنه مأمور به بنفسه حتى في غير موارد التزاحم ، ومن البين أنه لا تزاحم بين الواجب وهو المضيق وبين غير الواجب وهو الفرد المزاحم من الموسع مع الواجب المضيق ، فاذا أتى المكلف بالمضيق فهو وإلاّ فقد عصى التكليف المتوجِّه إليه ، إلاّ أنه يتمكّن من إتيان ذلك الفرد المزاحم من الموسع مع المضيق بداعي الأمر المتعلق بالطبيعي الجامع الملغى عنه الخصوصيات وهذا كاف في صحة صلاته . نعم ، إذا بنينا على أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضده ولو نهياً غيريّاً فلا مناص من بطلان الصلاة في مفروض المسألة ، لأنها من أضداد الإزالة المأمور بها ، ولكنّا لا نقول به كما أسلفنا تفصيله في محلِّه .
(1) لوضوح أنّ النجاسة بوجودها غير مزاحمة لشيء وإنما المزاحم مع الصلاة هو الأمر بإزالتها ، وإذا سقط عن المكلف لعجزه فلا موجب لبطلان صلاته .
(2) أو في مكان ثالث كما إذا صلّى في بيته ، لأن الميزان منافاة العمل للواجب المأمور به والمنافاة متحققة في جميع الصور كما هو واضح .
(3) لانصراف الأمر بالازالة عنه بفعل غيره ، فكما له حينئذ أن ينام أو يجلس أو يشاهد عمل المزيل كذا له أن يصلي لوحدة المناط .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) أو في مكان آخر غير المسجد .
|