أسماء الإشارة والضمائر
قال صاحب الكفاية (قدس سره) يمكن أن يقال : إنّ المستعمل فيه في أسماء الاشارة والضمائر ونحوهما أيضاً عام ، وأنّ تشـخصه إنّما جاء من قبل طور استعمالها ، حيث إنّ أسماء الإشارة وضعت ليشار بها إلى معانيها ، وكذا بعض الضمائر، وبعضها ليخاطب بها المعنى، والإشارة والتخاطب يستدعيان التشخص كما لا يخفى ، فدعوى أنّ المستعمل فيه في مثل : هذا وهو وإيّاك ، إنّما هو المفرد المذكر ، وتشخصه إنّما جاء من قبل الإشارة والتخاطب بهذه الألفاظ إليه ، فانّ الاشارة والتخاطب لايكاد يكون إلاّ إلى الشخص أو معه ، غير مجازفة انتهى(1) .
والتحقيق : أ نّا لو سلّمنا اتحاد المعنى الحرفي والاسمي ذاتاً وحقيقة، واختلافهما باللحاظ الآلي والاستقلالي ، لم نسلّم ما أفاده (قدس سره) في المقام ، والوجه فيه : هو أنّ لحاظ المعنى في مرحلة الاسـتعمال ممّا لا بدّ منه ولا مناص عنه ، ضرورة أنّ الاستعمال فعل اختياري للمستعمل فيتوقف صدوره على تصور اللفظ والمعنى، وعليه فللواضع أن يجعل العلقة الوضعية في الحروف بما إذا لوحظ المعنى في مقام الاستعمال آلياً ، وفي الأسماء بما إذا لوحظ المعنى استقلالاً ، ولا يلزم على الواضع أن يجعل لحاظ المعنى آلياً كان أو استقلالياً قيداً للموضوع له ، بل هذا لغو وعبث بعد ضرورة وجوده ، وأ نّه في مقام الاستعمال ممّا لا بدّ منه .
ـــــــــــــــــــــ (1) كفاية الاُصول : 12 .
ــ[101]ــ
وهذا بخلاف أسماء الاشارة والضمائر ونحوهما ، فانّ الإشارة إلى المعنى ليست ممّا لا بدّ منه في مرحلة الاستعمال ، بيان ذلك : أنّه إن اُريد بالاشارة استعمال اللفظ في المعنى ودلالته عليه ، كما قد تستعمل في ذلك في مثل قولنا : قد أشرنا إليه فيما تقدّم ، أو فلان أشار إلى أمر فلاني في كلامه أو كتابه، فهذه الاشارة يشترك فيها جميع الألفاظ، فلا اختصاص لها بأسماء الاشارة وما يلحق بها . وإن اُريد بها أمر زائد على الاستعمال ، فلا بدّ من أخذه في الموضوع له ، ضرورة أ نّه ليس كلحاظ المعنى ممّا لا بدّ منه في مقام الاستعمال ، بمعنى أ نّه ليس شيئاً يقتضيه طبع الاستعمال بحيث لا يمكن الاستعمال بدونه ، فلا بدّ من أخذه قيداً في المعنى الموضوع له ، وإلاّ فالاستعمال بدونه بمكان من الامكان .
فالصحيح في المقام أن يقال : إنّ أسماء الإشارة والضمائر ونحوهما وضعت للدلالة على قصد تفهيم معانيها خارجاً عند الاشارة والتخاطب لا مطلقاً ، فلا يمكن إبراز تفهيم تلك المعاني بدون الاقتران بالاشارة والتخاطب ، فكل متكلم تعهد في نفسه بأ نّه متى ما قصد تفهيم معانيها أن يتكلم بها مقترنة بهذين الأمرين ، فكملة (هذا) أو (ذاك) لا تدل على معناها وهو المفرد المذكر إلاّ بمعونة الاشارة الخارجية، كالإشارة باليد كما هي الغالب أو بالرأس أو بالعين ، وضمير الخطاب لا يبرز معناه إلاّ مقترناً بالخطاب الخارجي .
ومن هنا لا يفهم شيء من كلمة (هذا) مثلاً عند إطلاقها مجردة عن أيّة إشارة خارجية ، وعلى ذلك جرت سيرة أهل المحاورة في مقام التفهيم والتفهم ، وصريح الوجدان ومراجعة سائر اللغات أقوى شاهد على ما ذكرناه .
ثمّ لا يخفى أنّ مثل كلمة (هذا) أو (هو) إنّما وضعت لواقع المفرد المذكر أعني به كل مفهوم كلّي أو جزئي لا يكون مؤنثاً ، لا لمفهومه ، وإلاّ فلازمه أن يكون لفظ هذا مرادفاً مع مفهوم المفرد المذكر ، مع أ نّه خلاف الضرورة والوجدان ،
ــ[102]ــ
وعلى ذلك فيكون الوضع عاماً والموضوع له خاصاً ، وقس عليهما غيرهما من أسماء الاشارة والضمائر .
|