3 ـ الاطراد 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 7186


ومنها : أي علائم الحقيقة الاطراد ، وذكروا عدم الاطراد من علائم المجاز .

لا يخفى أنّ المراد من الاطراد ليس تكرار الاستعمال في معنى ، ضرورة أ نّه إذا صحّ الاستعمال فيه مرّة واحدة يصح فيه مرّات عديدة ، من دون فرق في ذلك بين الاستعمال الحقيقي والمجازي .

ومن هنا فسّر الإطراد شيخنا المحقق (قدس سره) بمعنى آخر وإليك قوله : مورد هاتين العلامتين ـ الاطراد وعدمه ـ ما إذا اُطلق لفظ باعتبار معنى كلي على فرد يقطع بعدم كونه من حيث الفردية من المعاني الحقيقية ، لكنّه يشك في أنّ ذلك الكلي كذلك أم لا ، فاذا وُجد صحّة الإطلاق مطرداً باعتبار ذلك الكلي كشف عن كونه من المعاني الحقيقية ، لأنّ صحّة الاستعمال فيه ـ وإطلاقه على أفراده مطرداً ـ لابدّ من أن تكون معلولة لأحد الأمرين : إمّا الوضع أو العلاقة، وحيث لا اطراد لأنواع العلائق المصححة للتجوز ثبت الاستناد إلى الوضع ، فنفس الاطراد دليل على الحقيقة وإن لم يعلم وجه الاستعمال على الحقيقة ، كما أنّ عدم الاطراد في غير مورد، يكشف عن عدم الوضع له، وإلاّ لزم تخلّف المعلول عن العلة ، لأنّ الوضع علّة صحّة الاستعمال مطرداً ، وهذه العلامة علامة قطعية لو ثبت عدم اطراد علائق المجاز، كما هو المعروف والمشاهد في جملة من الموارد(1) انتهى .

وحاصله : أنّ إطلاق لفظ باعتبار معنى كلّي على فرد مع القطع بعدم كون ذلك الفرد من حيث الفردية معنى حقيقياً ، إن كان مطرداً كشف عن كونه من

ـــــــــــــــــــــ
(1) نهاية الدراية 1 : 84 .

ــ[138]ــ

المعاني الحقيقية ، وإن لم يكن مطرداً كشف عن كونه من المعاني المجازية ، مثلاً إطلاق لفظ الأسد على كل فرد من أفراد الحيوان المفترس مع العلم بعدم كون الفرد بخصوصه من المعاني الحقيقية ، لمّا كان مطرداً كشف ذلك عن كون الحيوان المفترس معنى حقيقياً له ، وإطلاقه على كل فرد من أفراد الشجاع لما لم يكن مطرداً ، فانّه يصح إطلاقه باعتبار هذا المفهوم الكلي على الانسان وعلى جملة من الحيوانات ، إلاّ أ نّه لا يصح إطلاقه على النملة الشجاع مثلاً ، كشف ذلك عن كونه من المعاني المجازية .

نعم ، إن إطلاق لفظ الشجاع باعتبار هذا المفهوم الكلي على جميع أفراده حيث كان مطرداً كشف هذا عن كون ذلك الاطلاق حقيقياً .
ولكن الصحيح أ نّه لا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ المراد من الاطراد كما لا يمكن أن يكون تكرار الاستعمال لما مرّ ، كذلك لا يمكن أن يراد به التكرار في التطبيق أي تطبيق المعنى على مصاديقه وأفراده .

بيان ذلك : أنّ انطباق الطبيعي على أفراده والكلي على مصاديقه أمر عقلي ، وأجنبي عن الاستعمال بالكلية، فلا يعقل أن يكون المعنى كلياً ومع ذلك لا ينطبق على تمام أفراده ومصاديقه ، ولا يصح إطلاقه عليها ، فهذا من الواضحات الأوّلية وغير قابل للنزاع فيه أصلاً .

وأمّا عدم انطباق بعض المفاهيم في بعض الموارد فهو إنّما كان من جهة ضيق دائرة ذلك المفهوم من ناحية تخصصه بخصوصية ما عرفاً ، ومن الواضح أنّ مثل هذا المفهوم لا ينطبق إلاّ على أفراد تلك الحصّة خاصة دون غيرها ، فانّ سعة الانطباق وضيقه تابعان لسعة المفهوم وضيقه ، فإذا كان المفهوم وسيعاً كان الانطباق كذلك ، وإذا كان مفهوماً ضيّقاً كان الانطباق مثله ، وعلى كلٍّ فلا يعقل انطباقه على غير أفراده وعدم انطباقه إلاّ على بعض أفراده ، مثلاً مفهوم الانسان

ــ[139]ــ

إذا لاحظناه بما له من السعة والإطلاق فلا محالة ينطبق على جميع أفراده فلايعقل انطباقه على بعضها دون بعضها الآخر، وإن لاحظناه بما له من الخصوصية كالعالمية أو الهاشمية أو العربية أو غير ذلك ، فلا يعقل انطباقه إلاّ على أفراد هذه الحصّة ، فعدم الاطراد بهذا المعنى أو الاطراد ، مشترك فيه بين المعنى الحقيقي والمعنى المجازي ، وتابع لسعة المعنى وضيقه، مثلاً لفظ الماء في لغة العرب موضوع للجسم السيال البارد بالطبع ، مع أ نّه لاينطبق على كل جسم سيال بارد بالطبع، وليس ذلك إلاّ من جهة أنّ معناه حصّة خاصة منه ، لا هو على إطلاقه وسريانه، وعليه فلا محالة لا ينطبق إلاّ على أفراد تلك الحصّة دون غيرها وهكذا ، وعلى ذلك لا يكون عدم الاطراد كاشفاً عن عدم الحقيقة .

ومنه يظهر أنّ عدم اطراد إطلاق لفظ الأسد باعتبار مفهوم الشجاع على كل فرد من أفـراده ، لا يكون إلاّ من جهة أنّ صحّة ذلك الإطلاق إنّما كانت باعتبار حصّة خاصـة من ذلك الكلّي ، لا هو باطلاقه ، ومن المعلوم أنّ ذلك الاطلاق باعتبار تلك الحصّة مطرد .

فالنتيجة لحدّ الآن اُمور :

الأوّل : أنّ انطباق طبيعي المعنى على أفراده ومصاديقه قهري وأجنبي عن الاستعمال رأساً .

الثاني : أنّ سعة الانطباق وضيقه تابعان لسعة المعنى وضيقه عرفاً ، فان تعيين المفاهيم وخصوصياتها من حيث السعة والضيق أمر راجع إلى أهل العرف ، فان كان معنى اللفظ عندهم وسيعاً كان الانطباق أيضاً كذلك ، وإن كان ضيقاً وحصّة خاصة فالانطباق تابع له .

الثالث : أ نّه لا فرق في ذلك بين المعنى الحقـيقي والمعنى المجازي ، فهما على حد سواء في ذلك .

ــ[140]ــ

الرابع : أنّ الاطراد بهذا المعنى وعدمه أجنبيان عن الحقيقة والمجاز .

والذي ينبغي أن يقال في المقام : هو أنّ الاطراد الكاشف عن الحقيقة في الجملة عبارة عن اسـتعمال لفظ خاص في معنى مخصوص في موارد مختلفة بمحمولات عديدة ، مع إلغاء جميع ما يحتمل أن يكون قرينة على إرادة المجاز ، فهذا طريقة عملية لتعليم اللغات الأجنبية ، واستكشاف حقائقها العرفية .

توضيح ذلك : هو أنّ من جاء من بلد إلى بلد آخر لا يعرف لغاتهم إذا تصدى لتعلم اللغة السائرة في هذا البلد رأى أنّ أهل البلد يطلقون لفظاً ويريدون به معنى ، ويطلقون لفظاً آخر ويريدون به معنى آخر وهكذا ، ولكنّه لا يعلم أنّ هذه الاطلاقات من الاطلاقات الحقيقية أو المجازية ، فإذا رأى أ نّهم يطلقون هذه الألفاظ ويريدون بها تلك المعاني في جميع الموارد حصل له العلم بأ نّها معان حقيقية، لأنّ جواز الاستعمال معلول لأحد أمرين: إمّا الوضع، أو القرينة، وحيث فرض انتفاء القرينة من جهة الاطراد فلا محالة يكون مستنداً إلى الوضع، مثلاً إذا رأى أحد أنّ العرب يستعملون لفظ الماء في معناه المعهود ، ولكنّه شكّ في أ نّه من المعاني الحقيقية ، أو من المعاني المجازية ، فمن إلغاء ما يحتمل أن يكون قرينة من جهة الاطراد علم بأ نّه من المعاني الحقيقية ، ولا يكون فهمه منه مستنداً إلى قرينة حالية أو مقالية .

وبهذه الطريقة غالباً يتعلمون الأطفال والصبيان اللغات والألفاظ .

فقد تحصّل من ذلك : أنّ الاطراد بهذا التفسير الذي ذكرناه علامة لاثبات الحقيقة، بل إنّ هذا هو السبب الوحيد لمعرفة الحقيقة غالباً ، فان تصريح الواضع وإن كان يعلم به الحقيقة إلاّ أ نّه نادر جداً ، وأمّا التبادر فهو وإن كان يثبت به الوضع كما عرفت ، إلاّ أ نّه لا بدّ من أن يستند إلى العلم بالوضع ، إمّا من جهة تصريح الواضع ، أو من جهة الاطراد ، والأوّل نادر فيستند إلى الثاني لا محالة .

 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net