فرعان في مسألة الرضاع 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4949


ــ[250]ــ

الزوجة ، باعتبار أنّ المرتضعة كانت زوجة فتحرم ، وبناءً على أ نّه موضوع لخصوص المتلبس فعلاً لا يصدق عليها هذا العنوان بالفعل فلا تحرم (1) .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لمناسبة في المقام لا بأس بالتعرض لما استفدته من تحقيقات سيِّدنا الاُستاذ (دام ظلّه العالي) في بحث الرضاع حول هذه المسألة .


فرعان

الفرع الأوّل : من كانت له زوجتان إحداهما كبيرة والاُخرى صغيرة ، فأرضعت الكبيرة الصغيرة مع فرض دخوله بها ، يقع الكلام في بطلان نكاحهما معاً وحرمتهما عليه مؤبداً . المعروف بين الفقهاء بل لم نر من صرّح بالخلاف في المسألة هو بطلان نكاحهما معاً وصيرورتهما محرّمة عليه مؤبداً . أمّا الكبيرة : فلأجل أ نّها صارت بارضاعها الصغيرة اُمّ زوجة له ، وهي محرّمة في الكتاب والسنّة . وأمّا الصغيرة : فلأجل أ نّها صارت بارتضاعها من الكبيرة بنتاً له لو كان اللبن لبناً له ، وربيبته لو كان اللبن من فحل آخر ، وكلا العنوانين قد ثبتت حرمتهما في الكتاب والسنّة ، فانّه يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب .

وتحقيق الكلام : أنّ الصغيرة تحرم عليه بلا إشكال ، فانّ اللبن إذا كان منه فهي تكون بنتاً له ، وإذا كان من غيره فهي بنت الزوجة المدخول بها ، وقد دلّت عدّة من الروايات المعتبرة على حرمة بنت الزوجة ولو كانت من الزوجة المنفصلة عنه بطلاق أو نحوه (1) .

ـــــــــــــــــــــ
(1) منها : صحيحة محمّد بن مسلم قال : «سألت أحدهما (عليهما السلام) عن رجل كانت له جارية فاعتقت فزوجت فولدت أيصلح لمولاها الأوّل أن يتزوج ابنتها ؟ قال =

ــ[251]ــ

....................................................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وأمّا الكبيرة فقد استدلّ على حرمتها بوجوه :

الأوّل : صدق عنوان اُمّ الزوجة عليها ، وهي محرمة في الشريعة المقدّسة بالكتاب والسنّة . وفيه : أنّ صدق هذا العنوان عليها مبتن على كون المشتق موضوعاً للأعم ، وأمّا بناءً على كونه موضوعاً لخصوص المتلبس بالفعل كما هو الصحيح واختاره جماعة من الخاصة والعامّة فلا يصدق عليها العنوان المزبور ، وذلك لأنّ زوجية الصغيرة قد انقضت وزالت بتحقق الرضاع المحرّم ، فزمان تحقق الرضاع هو زمان ارتفاع الزوجية عنها ، وذلك الزمان بعينه هو زمان تحقق عنوان الاُمومة للكبيرة ، ومن الواضح أنّ في هذا الزمان لا يصدق على الصغيرة حقيقة عنوان الزوجية ليصدق على الكبيرة عنوان اُمّ الزوجة .

أو فقل : إنّ في زمان كانت الصغيرة زوجة له لم تكن الكبيرة اُمّاً لها ، وفي زمان صارت الكبيرة اُمّاً لها ارتفعت الزوجية عنها وانقضت ، فصدق عنوان الاُمية للكبيرة

ـــــــــــــــــــــ
= (عليه السلام) : لا ، هي حرام وهي ابنته والحرة والمملوكة في هذا سواء» .
ومنها : صحيحة [ ابن ] أبي نصر قال : «سألت أبا الحسن (عليه السلام) عن الرجل يتزوج المرأة متعة أيحل له أن يتزوج ابنتها ؟ قال (عليه السلام) : لا» .
ومنها : موثقة غياث بن إبراهيم عن جعفر عن أبيه «أنّ علياً (عليه السلام) قال : إذا تزوج الرجل المرأة حرمت عليه ابنتها إذا دخل بالاُم ... » الحديث [ الوسائل 20 : 457 / أبواب ما يحرم بالمصاهرة ب 18 ح 2 ، 1 ، 4 ] .
فالصحيحة الاُولى صريحة في حكم المقام ـ وهو حرمة بنت الزوجة التي ولدت متأخرة عن زمان الزوجية ـ بل موردها خصوص ذلك . وأمّا الصحيحة الثانية والموثقة فهما تدلاّن على حكم المقام بالاطلاق .

ــ[252]ــ

....................................................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

والزوجية للصغيرة في زمان واحد غير معقول . وعليه كان إطلاق عنوان الزوجة عليها في زمان تحقق الاُمومة إطلاقاً على المنقضي عنه المبدأ ، فيكون داخلاً في محل الكلام .

الثاني : أنّ المشتق ولو سلّمنا أ نّه مجاز في المنقضي عنه المبدأ ، إلاّ أنّ الموضوع للحرمة في الآية المباركة ليس من المشتقات ، ضرورة أ نّها ثابتة لعنوان اُمّهات نسائكم ، وهذا العنوان صادق في محل الكلام ، فانّ الاضافة يكفي فيها أدنى الملابسة ، وحيث كان المفروض أنّ الصغيرة قد تلبّست بالزوجة فيصدق على الكبيرة أ نّها من اُمّهات النساء فتحرم .

والجواب عنه : أنّ المشتق إذا سلّم أ نّه مجاز في المنقضي ، فالاضافة أيضاً بما أ نّها ظاهرة في التلبّس الفعلي كان حكمها حكم المشتق ، فالحكم بالحرمة يبتني على كون المشتق موضوعاً للأعم ، وعليه فعنوان اُمّهات نسائكم في الآية الشريفة ظاهر في الفعلية وحمله على الأعم أو على خصوص المنقضي عنه المبدأ خلاف الظاهر ، فلا يمكن المصير إليه إلاّ بقرينة ، وحيث لم تقم قرينة لا من الداخل ولا من الخارج على أنّ المراد منه في الآية المعنى الأعم ، لا يمكننا أن نرفع اليد عن ظهوره .

الثالث : أ نّا لو سلّمنا أنّ المشتق حقيقة في المتلبس فعلاً ، إلاّ أنّ المراد منه في الآية الكريمة هو الأعم ، وذلك بقرينة ذكر اُمّهات النساء في سياق قوله تعالى : (ورَبائِبُكُم اللاّتِي في حُجورِكُم ) (1) إذ لا إشكال في أ نّه لا يعتبر في حرمة الربيبة أن تكون من الزوجة الفعلية المدخول بها ، بل يكفي في حرمتها أن تكون من الزوجة المدخول بها ولو بعد زوال زوجيتها ، وبوحدة السياق نستكشف أ نّه لا يعتبر في حرمة اُمّهات

ـــــــــــــــــــــ
(1) النساء 4 : 23 .

ــ[253]ــ

....................................................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

النساء أيضاً أن تكون البنت زوجة فعلاً ، وعلى ذلك فتندرج المرضعة في المقام تحت عنوان اُمّهات نسائكم فتحرم .

وغير خفي أنّ حرمة الربيبة مطلقاً ولو لم تكن الاُم زوجة مدخولاً بها حال اُمومتها، قد ثبتت بقرينة خارجية لا من ناحية ظهور الآية المباركة ، فلو كنّا نحن وهذه الآية ولم يكن دليل من الخارج لكنّا نقول بعدم الحرمة في الصورة المذكورة . إذن لا مجال لتوهم وحدة السياق أصلاً ، فانّ المجال لهذا التوهم لو كان فانّما يكون فيما إذا كانت الآية في نفسها ظاهرة في المعنى المزبور ، مع أنّ للمناقشة على هذا أيضاً مجالاً واسعاً كما لا يخفى .

الرابع : أنّ زمان زوجية الصغيرة وزمان انقضائها وإن كانا في الواقع زمانين ، إلاّ أ نّهما كذلك بالنظر الدقي الفلسفي ، وأمّا بالنظر المسامحي العرفي فيرى الزمانان زماناً واحداً ، فان زوجية الصغيرة وانقضاءها عنها واُمّية الكبيرة جميعاً متحدات في الزمان وإن كانت مترتبات في الرتبة ، فأوّل زمن الاُمية متصل بآخر زمن الزوجية ، وهذا المقدار كاف في صدق عنوان اُم الزوجة والاندراج تحت الآية المباركة .

ويردّه : أنّ الأنظار العرفية إنّما تتبع في تعيين مفاهيم الألفاظ سعة وضيقاً لا في تطبيقاتها على مصاديقها ، فانّ المتبع في ذلك هو النظر الدقي ولا عبرة بالمسامحات العرفية ، والخصم بعد ما سلّم أنّ المشتق حقيقة في خصوص المتلبس بالمبدأ فعلاً دون الأعم ، لم يبق له مجال لدعوى صدق الآية وانطباقها على المقام إلاّ بنظر مسامحي عرفي الذي لا اعتداد به مطلقاً .

الخامس : أنّ زوجية الصغيرة وإن كانت زائلة في زمان اُمّية الكبيرة ، إلاّ أنّ زوالها في مرتبة متأخرة عن تحقق الاُمّية ، ففي مرتبة الاُمّية لم تكن الزوجية زائلة ، وهذا المقدار كاف في صدق عنوان اُمّ الزوجة على الكبيرة فتحرم عليه ، بيان ذلك :

ــ[254]ــ

....................................................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أنّه لا ريب في أنّ العلّة تتقدّم على المعلول رتبة وتتحد معه زماناً ، وهكذا الحكم والموضوع ، فانّ نسبة الحكم إلى الموضوع نسبة المعلول إلى العلّة ، فيتقدّم الموضوع على الحكم رتبةً وإن كان يتحد معه زماناً ، وحيث إنّ ارتفاع الزوجية عن الصغيرة معلول لتحقق عنوان البنوّة لها ، كان متأخراً عنه رتبة وإن كان متحداً معه زماناً ، قضاءً لحقّ العلية والمعلولية . وعليه فلا محالة أ نّها تكون زوجة في رتبة البنتية ، وإلاّ لزم ارتفاع النقيضين عن تلك الرتبة . وبما أنّ عنوان اُمومة الكبيرة قد تحقق في رتبة تحقق عنوان بنوّة الصغيرة وملازم له ، فانّهما متضائفان والمتضائفان متكائفان في القوّة والفعل ، فلا محالة تكون اُمّاً للزوجة الصغيرة التي هي في رتبة بنوّتها ، لا في رتبة انتفاء الزوجية عنها المتأخرة رتبة عن عنوان البنوّة ، إذن يصدق عليها أ نّها اُم زوجة في رتبة البنوّة ، وهذا المقدار كاف في الاندراج تحت الآية المباركة وشمول أدلة التحريم .

لا يخفى أنّ ذلك مخدوش من وجهين :

الأوّل : أ نّا قد ذكرنا غير مرّة أنّ الأحكام الشرعية مترتبة على الموجودات الزمانية ولا أثر للرتبة فيها أصلاً ، فانّ الأدلة المتكفلة ببيان الأحكام الشرعية من العمومات أو غيرها كلّها ناظرة إلى إثبات تلك الأحكام للموجودات الزمانية ، وتتقدر تلك الأحكام بالزمان لا بالرتبة . وعلى ذلك فلا أثر لكون اُمّية الكبيرة في رتبة بنوّة الصغيرة التي كانت الزوجية متحققة في تلك الرتبة ، ولا يوجب ذلك أن تشملها عمومات التحريم من الآية ونحوها ، لما عرفت من أ نّها غير ناظرة إلى إثبات الأحكام للرتبة .

نعم ، لو كانت اُمومة الكبيرة مقارنة مع زوجية الصغيرة زماناً لشملتها العمومات لا محالة ، ولكن قد عرفت أ نّها متأخرة عنها زماناً ، ومعه لا أثر لكون الاُمومة في رتبة سابقة على ارتفاع الزوجية أصلاً .

ــ[255]ــ

....................................................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الثاني : أنّ تقدّم شيء على شيء رتبة يحتاج إلى ملاك يوجب ذلك ولا يكون ذلك أمراً جزافياً ، فالعلّة تتقدّم على المعلول قضاءً لحقّ العلية ، والشرط يتقدّم على المشروط قضاءً لحقّ الشرطية ، والموضوع يتقدّم على الحكم قضاءً لحقّ الموضوعية وهكذا ، ولذا لا وجه لتقدّم العلّة على عدم المعلول، والشرط على عدم المشروط وهكذا، فانّه بلا ملاك يقتضي ذلك . إذن لا وجه لتقدّم اُمومة الكبيرة على انتفاء الزوجية عن الصغيرة لعدم مقتض لذلك ، وتقدّم عنوان بنوّتها على ارتفاع زوجيتها إنّما هو بملاك العلية وذلك الملاك منتف هنا .

وعليه فلو سلّمنا ثبوت الحكم للرتبة فأيضاً لا يصدق عليها عنوان اُمّ الزوجة ، لأنّ الاُمّية لا تقدم لها على ارتفاع زوجية الصغيرة رتبة وإنّما المتقدم عليها عنوان البنتية .

فالنتيجة من ذلك أمران :

الأوّل : أ نّه لا أثر للتقدم والتأخر والتقارن الرتبي في الأحكام الشرعية أصلاً .

الثاني : أ نّه على فرض تسليم أنّ لها أثراً فيها أيضاً لا يجدي في المقام كما عرفت .

السادس : برواية عليّ بن مهزيار عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «قيل له إنّ رجلاً تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته ثمّ أرضعتها امرأة له اُخرى ، فقال ابن شبرمة : حرمت عليه الجارية وامرأتاه ، فقال أبو جعفر (عليه السلام) : أخطأ ابن شبرمة تحرم عليه الجارية وامرأته التي أرضعتها أوّلاً ، فأمّا الأخيرة فلم تحرم عليه كأ نّها أرضعت ابنته» (1) .

ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 20 : 402 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب 14 ح 1 .

ــ[256]ــ

....................................................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

فدلّت الرواية على حرمة المرضعة الاُولى وإن كانت موردها في من كانت له زوجتان كبيرتان فأرضعتا زوجته الصغيرة ، إلاّ أ نّها تدل على حكم المقام أيضاً كما لا يخفى .

وقد ناقش فيها في المسالك بما إليك نصّه : ولكنّها ضعيفة السند في طريقها صالح ابن أبي حماد وهو ضعيف ، ومع ذلك فهي مرسلة ، لأنّ المراد بأبي جعفر (عليه السلام) حيث يطلق الباقر (عليه السلام) وقرينته قول ابن شبرمة في مقابله ، لأ نّه كان في زمنه ، وابن مهزيار لم يدرك الباقر (عليه السلام) ولو اُريد من أبي جعفر ، الثاني وهو الجواد (عليه السلام) بقرينة أ نّه أدركه وأخذ عنه، فليس فيه أ نّه سمع منه ذلك، بل قال: قيل له ، وجاز أن يكون سمع ذلك بواسطة ، فالارسال متحقق على التقديرين ، مع أنّ هذا الثاني بعيد ، لأنّ إطلاق أبي جعفر لا يحمل على الجواد (عليه السلام) ، انتهى(1) .

يتلخص ما في المسالك في اُمور ثلاثة :

الأوّل : أنّ الرواية ضعيفة السند بصالح بن أبي حماد ، ودعوى انجبارها بعمل المشهور مدفوعة بعدم إحراز استنادهم إليها في مقام الافتاء ، بل عدم الاستناد إليها معلوم ، لأ نّهم أفتوا بحرمة كلتا المرضعتين لا خصوص الاُولى فقط ، والرواية دلّت على حرمة الاُولى دون الثانية بل صرّحت فيها بعدم حرمتها .

الثاني : أ نّها مرسلة من جهة أنّ الظاهر من إطلاق أبي جعفر (عليه السلام) الإمام الباقر (عليه السلام) دون الإمام الجواد (عليه السلام) وممّا يدلّ على ذلك : قول ابن شبرمة في مقابله ، فانّه كان في عصر الباقر (عليه السلام) ومن الواضح أنّ ابن مهزيار لم يدرك الإمام الباقر (عليه السلام) لأنّ ابن مهزيار يدور بين كونه من أصحاب

ـــــــــــــــــــــ
(1) المسالك 7 : 269 .

ــ[257]ــ

....................................................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الرضا (عليه السلام) كما قال بعض ، وكونه من أصحاب الجواد (عليه السلام) كما قال بعض آخر ، وكونه من أصحاب العسكري (عليه السلام) كما قال ثالث ، فعلى كل تقدير لايمكن أن يروي ابن مهزيار عن الباقر (عليه السلام) بلا واسطة ، إذن الواسطة التي يروي عنها ابن مهزيار قد سقطت عن سـند الرواية يقـيناً ، وحيث إنّ حال الواسطة مجهولة لنا فتصبح الرواية مرسلة .

الثالث : أ نّا لو سلّمنا أنّ المراد من أبي جعفر (عليه السلام) الإمام الجواد ، إلاّ أ نّه ليس في الرواية شيء يدل على أنّ ابن مهزيار سمع منه ذلك بلا واسطة ، إذ من الجائز أن يكون سمع ذلك بواسطة ، وذلك بقرينة قوله : قال قيل له .

أقول : أمّا ما ذكره (قدس سره) أوّلاً من أنّ الرواية ضعيفة سنداً بصالح بن أبي حمّاد ، فالأمر كذلك ، إذ لم يثبت توثيقه ولا حسنه ، وإن عدّه بعض من الحسان .

وأمّا ما ذكره ثانـياً من أنّ أبي جعفر (عليه السلام) حيث اُطلق فالظاهر منه الإمام الباقر (عليه السلام) فالأمر أيضاً كذلك ، فانّ أبا جعفر (عليه السلام) إذا اُطلق فالمراد منه الإمام الباقر (عليه السلام) وإذا قيّد بالثاني فالمراد منه الجواد (عليه السلام) فالتمييز بينهما في رواياتنا بذلك . هذا الظهور في نفسه لا بأس به ، إلاّ أ نّه يمكن أن يعارض ذلك الظهور بظهور الرواية في أنّ علي بن مهزيار رواها عن الإمام (عليه السلام) بلا واسطة ، وهذا قرينة على أنّ المراد من أبي جعفر (عليه السلام) الإمام الجواد دون الإمام الباقر (عليه السلام) حيث إنّه أدرك زمانه ورواه عنه بلا واسطة في غير مورد .

وأمّا ما ذكره ثالثاً من أ نّه على تقدير تسليم أن يكون المراد من أبي جعفر (عليه السلام) الإمام الجواد كانت الرواية مرسلة ، فلا يمكن المساعدة عليه ، وذلك لأنّ مجرّد

ــ[258]ــ

....................................................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

عدم ذكر السائل لا يكون قرينة على الارسال ، بل لعل عدم ذكره لعدم دخله في المقصود كما هو ظاهر .

نعم ، الموجود في نسخة الكافي والتهذيب(1) علي بن مهزيار رواه عن أبي جعفر (عليه السلام) وهي ظاهرة في إرسال الرواية وإلاّ لم تكن حاجة لذكر كلمة رواه كما لم تذكر في سائر الروايات المسندة .

وعلى كل حال فالمتحصّل من المجموع أنّ الرواية ساقطة عن الاعتبار فلا يمكن الاعتماد عليها في مقام الاستنباط .

فقد أصبحت النتيجة ممّا ذكرناه لحدّ الآن : أنّ شيئاً من هذه الوجوه الستة لا يدل على حرمة المرضعة .

وممّا يؤكّد ما ذكرناه : عدّة من الروايات التي تعرّضت لحكم الصغيرة وحكمت بحرمتها بلا تعرّض لها لحكم الكبيرة نفياً أو إثباتاً .

منها : صحيحة عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في رجل تزوج بجارية صغيرة فأرضعتها امرأته واُم ولده قال (عليه السلام) : تحرم عليه» (2) .

ومنها : صحيحة محمّد بن مسلم عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : «لو أنّ رجلاً تزوج جارية رضيعة فأرضعتها امرأته فسد النكاح»(3) ، والظاهر منها فساد نكاح الصغيرة دون الكبيرة ، فانّها مسكوت عنها في الصحيحة من هذه الجهة .

ثمّ إنّ هذه الرواية نقلت بثلاث طرق : أحدها طريق الشيخ إلي علي بن فضال

ـــــــــــــــــــــ
(1) الكافي 5 : 446 / 13 ، التهذيب 7 : 293 / 1232 .
(2) ، (3) الوسائل 20 : 399 / أبواب ما يحرم بالرضاع ب 10 ح 2 ، 1 .

ــ[259]ــ

....................................................................................

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

وهو ضعيف ، والطريقان الآخران أحدهما صحيح والآخر حسن بابن هاشم .

وقد تحصّل : أ نّه مضافاً إلى أنّ عدم حرمة الكبيرة على طبق القاعدة من جهة عدم صدق عنوان اُمّ الزوجة عليها ، يؤكّده الصحيحتان المتقدّمتان ونحوهما من جهة سكوت الإمام (عليه السلام) فيها عن حكم الكبيرة .

هذا كلّه فيما إذا كانت الكبيرة مدخولاً بها . وأمّا إذا لم تكن كذلك وأرضعت الصغيرة فهل يفسد نكاحهما معاً أم لا ؟ المعروف والمشهور هو الأوّل ، مستدلاًّ على ذلك بأنّ فساد نكاح إحداهما دون الاُخرى ترجيح من غير مرجح .

وفيه : أ نّه بنـاءً على ما هو المشهور بينهم في المسألة الاُولى من الحكم بحرمة المرضعة من جهة صدق عنوان اُمّ الزوجة واُمّ النساء عليها ، فالقول بحرمة المرضعة هنا وفساد نكاحها متعيّن بعين الملاك المزبور فيها . وأمّا الصغيرة فهي لا تحرم بلا إشكال ، لفرض عدم الدخول بالكبيرة ، وأمّا بطلان نكاحها فلا وجه له لعدم صدق بنت الزوجة عليها ، بناءً على ما هو الصحيح من ظهور المشتق في فعلية التلبس ، ومن هنا يظهر فساد ما ذكروه من أ نّه لاترجيح لبطلان نكاح إحداهما دون الاُخرى ، إذ عرفت أنّ الترجيح موجود .

الفرع الثاني : في من كانت له زوجتان كبيرتان فأرضعتا زوجته الصغيرة مع فرض دخوله بإحداهما . المعروف والمشهور بل ادّعي عدم الخلاف والإشكال في المسألة حرمة المرضعة الاُولى بعين الملاك في الفرع الأوّل ، وإنّما الإشكال والخلاف هنا في حرمة المرضعة الثانية .

ولكن ممّا ذكرناه في الفرع الأوّل يستبين حال هذا الفرع ، فان حرمة المرضعة الاُولى هنا مبتنية على تمامية أحد الوجوه الستّة المذكورة ، وعمدتها الوجوه الثلاثة

ــ[260]ــ

ثمّ إنّ النزاع في هذه المسألة في وضع الهيئة وفي سعة المفهوم الاشتقاقي وضيقه ، من دون اختصاص لها بمادّة دون مادّة ، فلا ينظر إلى أنّ المادّة ذاتيّة أو عرضيّة وبزوالها تنتفي الذات أو لا تنتفي، فانّ كل ذلك لا دخل له في محلِّ النزاع.

نعم ، المادّة إذا كانت ذاتيّة لا يعقل فيها بقاء الذات مع زوال التلبّس . لكن الهيئة غير مختصّة بها ، بل تعم ما يعقل فيه بقاء الذات مع زوال التلبّس ، مثلاً المادّة في الناطق ذاتيّة ولكن الهيئة لا يختصّ وضعها بها ، بل يعم غيرها كالقائم ونحوه ، وهكذا المادّة في الحيوان فانّها ذاتيّة ولا يعقل بقاء الذات بدونها ، إلّا أنّ الهئية غير مختصّة بها ، بل تعم غيرها أيضاً كالعطشان ونحوه ، وهكذا .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net