2 ـ اختصاص محل النزاع بوجود أمر بالفعل \ 3 ـ عمومية عدم الاجزاء للأحكام والموضوعات 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4430

الثاني : ما ذكره المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) من أنّ محل النزاع في هذه المسألة هو ما إذا كان الفعل متعلقاً للأمر الاضطراري أو الظاهري حقيقة وواقعاً ، وأمّا إذا لم يكن متعلقاً للأمر أصلاً لا واقعاً ولا ظاهراً ، بل كان مجرد تخيل وتوهم بدون واقع له ، كما في موارد الاعتقادات الخاطئة ، مثل أن يعتقد الانسان بكون مائع مخصوص ماءً ثمّ انكشف له خلافه وأ نّه لم يكن ماءً ، أو قطع بأ نّه متوضئ ثمّ بان خلافه وهكذا ، فهو خارج عن محل النزاع . ومن هذا القبيل تبدل رأي المجتهد في غالب الموارد ، حيث يظهر له مثلاً ضعف سند الرواية بعد أن قطع بأنّ سندها صحيح ، وهكذا .
وهذا الذي أفاده (قدس سره) متين جداً ولا مناص عنه .
الثالث : أ نّه لا فرق فيما ذكرناه من عدم الإجزاء فيما إذا انكشفت مخالفة

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 88 .

ــ[100]ــ

الأمارة للواقع ، بين الأحكام الكلية والموضوعات الخارجية ، وإن كان القول بعدم الإجزاء في الأحكام الكلية أظهر من القول به في الموضوعات ، وذلك لما عرفت من استلزام القول بالإجزاء التصويب، وقد تقدّم(1) أ نّه في الأحكام الكلية إمّا محال أو باطل بالضرورة والاجماع . مضافاً إلى أ نّه خلاف إطلاقات الأدلة .
وأمّا الموضوعات الخارجية فالتصويب في نفس تلك الموضوعات من ناحية تعلق العلم بها أو الأمارة غير معقول ، ومن ثمة لا قائل به فيها أصلاً ، بداهة أنّ تعلق العلم بموضوع خارجي أو قيام الأمارة عليه لا يوجب تغييره وانقلابه عما هو عليه . وأمّا التصويب من جهة الحكم المتعلق بها ، فالظاهر أ نّه لا مانع منه في نفسه ، ولا دليل على بطلانه ، فإن ما دلّ من الاجماع والضرورة على اشتراك العالم والجاهل يختص بالأحكام الكلية ، ولا يعمّ الموارد الجزئية .
وعلى هذا الضوء فيمكن دعوى اختصاص الأحكام الشرعية بالعالمين بالموضوعات الخارجية لا مطلقاً ، بأن يكون العلم بها مأخوذاً في موضوعها ، كما نسب اختصاص الحكم بنجاسة البول بما إذا علم بوليته إلى بعض الأخباريين، ومن هنا يمكن القول بالإجزاء في موارد مخالفة الأمارة للواقع في الشبهات الموضوعية ، لامكان القول بالتصويب فيها ، ولا يلزم فيه محذور مخالفة الاجماع والضرورة كما يلزم من القول به في موارد مخالفة الأمارة للواقع في الشبهات الحكمية ، إلاّ أنّ القول بالتصويب فيها باطل من ناحية مخالفته لظواهر الأدلة الدالة على اعتبار الأمارات والطرق المثبتة للأحكام على موضوعاتها الخارجية ، حيث إنّ مقتضاها طريقية تلك الأمارات إلى الواقع وكاشفيتها عنه من دون دخل لها فيه أصلاً ، كما هو الحال في الأمارات القائمة على الأحكام الكلية ، بلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً .

ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 85 .

 
 

ــ[101]ــ

وعلى الجملة: فقد تقدّم في ضمن البحوث السالفة أنّ الحجية التأسيسية غير موجودة في الشريعة الاسلامية المقدسة، بل الحجج فيها بتمام أشكالها حجج عقلائية ، والشارع أمضى تلك الحجج ، ومن الطبيعي أنّ أثر إمضائه ليس إلاّ ترتب تنجيز الواقع عند الاصابة والتعذير عند الخطأ ، من دون فرق في ذلك بين أن يكون الدليل على اعتبارها السيرة القطعية من العقلاء أو غيرها كما عرفت ، وعليه فلا يمكن الالتزام بالتصويب والسببية فيها .
ولو تنزلنا عن ذلك وسلّمنا أنّ حجية الأمارات الشرعية كانت تأسيسية ابتدائية ولم تكن إمضائية، ولكن مع ذلك لا يستلزم القول بها القول بالتصويب، وذلك لأنّ غاية ما يترتب عليه هو جعل الأحكام الظاهرية في مؤدياتها ، وقد ذكرنا في محله بشكل موسع أ نّها لا تنافي الأحكام الواقعية أصلاً ، ولا توجب انقلابها بوجه، بدون فرق في ذلك بين الشبهات الحكمية والشبهات الموضوعية، هذا من ناحية . ومن ناحية اُخرى : أنّ ظاهر إطلاق الأدلة الدالة على ثبوت الأحكام للموضوعات الخارجية ثبوتها لها في نفسها من دون التقييد بالعلم بها ، مثلاً قوله (عليه السلام) «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه» (1) يدل على نجاسة البول مطلقاً ، أي سواء أكان المكلف عالماً بها أم لم يكن ، غاية الأمر أ نّه في حال الجهل بها يكون معذوراً، لا أنّ البول لايكون نجساً في الواقع .
إلى هنا قد استطعنا أن نخرج بهاتين النتيجتين :
الاُولى : أنّ جعل الأحكام للموضوعات المعلومة في الخارج بالوجدان أو بالتعبد وإن كان بمكان من الامكان ، كجعل الحرمة للخمر المعلوم مثلاً دون الخمر الواقعي وهكذا ، إلاّ أ نّه خلاف ظاهر إطلاق أدلتها من ناحية ، وخلاف

ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .

ــ[102]ــ

ظاهر أدلة حجيتها من ناحية اُخرى .
الثانية : بطلان توهم أنّ مقتضى أدلة حجيتها هو وجوب العمل على طبق الأمارة في صورتي الاصابة والخطأ ، ومن الطبيعي أنّ العمل بها إذا كان واجباً على كلا التقديرين لزمه القول بالتصويب ، ولكن القول به في الأحكام الكلية لا يمكن من ناحية الاجماع والضرورة ، وحيث لا إجماع ولا ضرورة في الموضوعات الخارجية فلا بأس بالقول به فيها أصلاً .
توضيح البطلان : ما عرفت من أنّ هذا القول يقوم على أساس أن يكون المجعول في باب الأمارات بمقتضى أدلة حجيتها هو نفس المؤدى ، وقد تقدّم بشكل موسّع أ نّه لا عين ولا أثر له فيها أصلاً ، فإذن لا موجب للقول بالإجزاء في الشبهات الموضوعية ، فحالها من هذه الناحية حال الشبهات الحكمية . على أنّ وجوب العمل على طبقها مطلقاً لا يستلزم التصويب كما لا يخفى .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net