ــ[291]ــ
[ 262 ] مسألة 21 : تجب الازالة عن ورق المصحف الشريف وخطه بل عن جلده وغلافه مع الهتك ((1)) كما أ نّه معه يحرم مسّ خطّه أو ورقه بالعضو المتنجس وإن كان متطهراً من الحدث ، وأما إذا كان أحد هذه بقصد الاهانة فلا إشكال في حرمته (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الكلام في هذه المسألة يقع من جهتين : إحداهما : ما إذا كان تنجيس الورق أو ترك الازالة عنه موجباً للهتك ، ولا إشكال حينئذ في حرمتهما لأن المصحف من أعظم الكتب السماوية وهو المتكفل لسعادة البشر في النشأتين وهتكه هتك الله جلت عظمته ، ولا يختص هذا بتنجيسه فان هتك المصحف محرّم بأيّ وجه اتفق ، كما إذا بصق عليه ولا سيما إذا كان بالاخلاط الخارجة من الصدر أو النازلة من الرأس فانه محرم وإزالته واجبة ، بل البصاق عليه أشد مهانة من تنجيسه بمثل اليد الرطبة المتنجسة بماء متنجس ونحوه . وعلى الجملة أن هتك المصحف مبغوض وقد يستلزم الكفر والارتداد كما إذا هتكه بما أنه كتاب الله المنزل على الرسول (صلّى الله عليه وآله وسلّم) .
وثانيتهما : ما إذا لم يكن تنجيس الورق وترك تطهيره موجباً للهتك ، كما إذا أراد قراءة الكتاب فأخذ الورق بيده وهي متنجسة فهل يحكم بحرمة ذلك ووجوب الازالة عنه ؟ ظاهر الماتن العدم حيث خص الحكم بوجوب الازالة بصورة الهتك ، والوجه فيه أنه لا دليل حينئذ على حرمة تنجيسه ووجوب الازالة عنه ، فان الكلام فيما إذا لم يكن المصحف ملكاً لغيره أو وقفاً ، والافتاء بحرمة التنجيس ووجوب الازالة حينئذ بلا دليل . هذا ولكن الجزم بجواز التنجيس وترك الازالة أيضاً مشكل فلا مناص من الاحتياط اللاّزم في المقام .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المصحف أو غيره ممّا ثبت احترامه في الشريعة المقدّسة لا ريب في حرمة هتـكه مطلقاً ، بل لا يبعد أن يكون بعض مراتبه موجباً للكفر ، وأمّا الأحكام المذكورة في ضمن المسائل الآتية فهي بإطلاقها عند عدم تحقق الهتك مبنية على الاحتياط .
ــ[292]ــ
هذا كلّه في ورق المصحف ، ومنه يظهر الحال في جلده وغلافه فان الكلام فيهما هو الكلام في ورقه ، لأن الجلد والغلاف قد اكتسبا الشرافة والحرمة باضافتهما إلى الكتاب نظير الخشبة والحديد والفضة والذهب حيث صارت متبركة باضافتها إلى أحد الأئمة (عليهم السلام) . وأما خط المصحف فعن شيخنا الأنصاري (قدس سره) الاستدلال على وجوب إزالة النجاسة عنه بفحوى حرمة مسّ المحدث له(1) . وفيه : أن الأحكام الشرعية مما لا سبيل إلى العلم بملاكاتها فمن المحتمل أن يكون لحرمة مسّ المحدث ملاك يخصّها ، ولا يكون ذلك الملاك موجوداً في مس غيره وإن كان موجباً لتنجيس الخط أو غيره فلا تلازم بينهما . على أن الأولوية والفحوى في كلامه ـ بدعوى أنه إذا حرم مسّ المحدث الخطوط من دون أن تتأثر بذلك ، فإنّ الحدث لا يسري من المحدث إلى غيره فلا محالة يحرم تنجيسها بالأولوية القطعية ، حيث إنه يؤثر في الخطوط وينجسها ـ لو تمت فانما تتم بالاضافة إلى حرمة التنجيس فحسب ، وأما وجوب الازالة فلا ربط له بحرمة مس المحدث بوجه ، والاستدلال على وجوبها بفحوى حرمة مس المحدث الكتاب من غرائب الكلام .
ثم إنّ قوله عزّ من قائل : (لا يمسّه إلاّ المطهّرون )(2) لا يستفاد منه حكم المسألة فضلاً أن يدل عليه بالأولوية ، وذلك أما أولاً : فلأن المطهر غير المتطهر حيث إن الثاني ظاهر في من تطهر من الحدث بالوضوء أو الغسل أو من الخبث بغسله ، وأما المطهر فهو عبارة عمن طهره الله سبحانه من الزلل والخطأ وأذهب عنه كل رجس ، والمذكور في الآية المباركة هو المطهر دون المتطهر ففيها إشارة إلى قوله سبحانه : (إنّما يريد الله ليُذهبَ عنكم الرِّجس أهل البيت ويطهِّركم تطهيراً )(3) فمعنى الآية على هذا أن مس الكتاب ـ الذي هو كناية عن دركه بما له من البواطن ـ لا يتيسّر لغير الأئمة المطهّرين فانّ غير من طهّره الله سبحانه لا يصل من الكتاب إلاّ إلى ظواهره . فالآية المباركة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) كتاب الطهارة : 369 (باب وجوب إزالة النجاسة عن المسجد) السطر 30 .
(2) الواقعة 56 : 79 .
(3) الأحزاب 33 : 33 .
|