مناقشة صاحب الكفاية - أدلة صاحب الفصول 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5170


الثانية : ما عن المحقق صاحب الكفاية(1) وشيخنا الاُستاذ (2) (قدس سرهما)

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 116 .
(2) أجود التقريرات 1 : 345 .

ــ[255]ــ

وملخصه هو: أنّ ملاك الوجوب الغيري لو كان قائماً بخصوص ما يترتب عليه الواجب النفسي خارجاً، فلا بدّ من القول باختصاص الوجوب بخصوص السبب دون غيره كما عن صاحب المعالم (قدس سره) وهذا ممّا لم يلتزم به صاحب الفصول (قدس سره) ، وإن كان ملاكه مطلق التوقف والمقدمية فهو مشترك فيه بين تمام أقسام المقدمات ، وعندئذ فلا موجب للتخصيص بخصوصها .
وغير خفي أنّ ملاك الوجوب الغيري قائم بخصوص ما يكون توأماً وملازماً لوجود الواجب في الخارج من ناحية وقوعه في سلسلة مبادئ وجوده بالفعل ، لا بمطلق المقدمة وإن لم تقع في سلسلتها ، ولا بخصوص الأسباب التوليدية ، فالطهارة من الحدث أو الخبث مثلاً إن وقعت في سلسلة مبادئ وجود الصلاة في الخارج فهي واجبة وإلاّ فلا، مع أ نّها ليست من الأسباب التوليدية بالاضافة إلى الصلاة .
الثالثة : ما جاء به المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) من أنّ الغرض الداعي إلى إيجاب المقدمة إنّما هو تمكن المكلف من الاتيان بذيها ، نظراً إلى أ نّه لايتمكّن من الاتيان به ابتداءً بدون الاتيان بها ، ومن المعلوم ترتب هذا الغرض على مطلق المقدمة دون خصوص الموصلة منها .
والجواب عنه : أنّ هذا ليس الغرض من إيجاب المقدمة ، ضرورة أنّ التمكن من الاتيان بذيها ليس من آثار الاتيان بها ، بل هو من آثار التمكن من الاتيان بالمقدمة ، لوضوح أ نّه يكفي في التمكن من الاتيان بالواجب النفسي وامتثاله التمكن من الاتيان بمقدمته ، فانّ المقدور بالواسطة مقدور . أضف إلى ذلك : أنّ القدرة على الواجب لو كانت متوقفة على الاتيان بالمقدمة لجاز للمكلف تفويت الواجب بترك مقدمته ، بداهة أنّ القدرة ليست بواجبة التحصيل . فالنتيجة : أنّ

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 115 .

ــ[256]ــ

ما أفاده (قدس سره) لا يمكن أن يكون غرضاً لايجابها ، بل الغرض منه ليس إلاّ إيصالها إلى الواجب ، حيث إنّ الاشتياق إلى شيء لا ينفك عن الاشتياق إلى ما يقع في سلسلة علة وجوده دون ما لا يقع في سلسلتها .
الرابعة : ما أورده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) أيضاً وحاصله هو: أنّ المكلف إذا جاء بالمقدمة مع عدم الاتيان بذيها ـ وهو الواجب النفسي ـ فلا يخلو الحال من أن يلتزم بسقوط الأمر الغيري عنها أو بعدم السقوط ، ولا مجال للثاني، لأ نّه موجب للتكرار، وعلى الأوّل فامّا أن يكون السقوط للعصيان أو لفقد الموضوع أو لموافقة الخطاب ، والأوّل غير حاصل ، لفرض الاتيان بالمقدمة ، وكذا الثاني فيتعين الثالث ، وهذا هو المطلوب ، إذ لو كان الواجب هو خصوص المقدمة الموصلة لم يسقط الأمر الغيري ، فالسقوط كاشف عن أنّ الواجب هو مطلق المقدمة ولو لم توصل إلى ذيها .
والجواب عنه أوّلاً : بالنقض بأجزاء الواجب المركب كالصلاة مثلاً ، فانّ المكلف إذا جاء بأوّل جزء منها ولم يأت ببقية الأجزاء فبطبيعة الحال يسأل عنه أ نّه هل يلتزم بسقوط الأمر الضمني المتعلق به أو لا يلتزم به ، والثاني لا يمكن لاستدعائه التكرار ، وعلى الأوّل فالسقوط لا يخلو من أن يكون بالعصيان أو بانتفاء الموضوع أو بالامتثال ، ولا يمكن الالتزام بشيء منهما ، فإذن ما هو جوابه عن ذلك فهو جوابنا عن المسألة .
وثانياً : بالحل ، وملخّصه : هو ما عرفت من أنّ الواجب على هذا القول هو حصة خاصة من المقدمة وهي التي يكون وجودها توأماً وملازماً لوجود ذي المقدمة في الخارج ، وواقعاً في سلسلة العلة التامة لوجوده ، فإذا كانت منفكة

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 117 .

ــ[257]ــ

عن ذلك ووقعت مجردة عن بقية أجزاء العلة التامة ، فبما أنّ الغرض الداعي إلى إيجابها لم يترتب عليها عندئذ فلا محالة لا تقع في الخارج على صفة الوجوب ، وعليه فبطبيعة الحال يستند سقوط الأمر الغيري إلى العصيان أو نحوه لا إلى الاتيان بالمقدمة ، لفرض أ نّه لم يأت بما هو الواجب منها .
فالنتيجة : أنّ وجود الواجب النفسي في الخارج كاشف عن تحقق المقدمة فيه ، وعدم وجوده كاشف عن عدم تحققها كالشرط المتأخر . ومن ذلك يظهر الحال في أجزاء الواجب النفسي ، فانّ كل واحد منها إنّما يقع على صفة الوجوب إذا وقع في الخارج منضماً إلى بقية أجزائه ، وأمّا إذا وقع منفكاً عنها فلا يقع على هذه الصفة ، لفرض أ نّه ليس بجزء من الواجب .
 

أدلّة صاحب الفصول

استدلّ صاحب الفصول (قدس سره) (1) على إثبات نظريته باُمور :
الأوّل : أنّ الحاكم بالملازمة بين وجوب شيء ووجوب مقدماته إنّما هو العقل ، ومن الطبيعي أ نّه لا يدرك أزيد من الملازمة بين طلب شيء وطلب مقدماته التي في سلسلة علة وجود ذلك الشيء في الخارج، بحيث يكون وجودها فيه توأماً وملازماً لوجود الواجب ، وأمّا ما لا يقع في سلسلة علته ويكون وجوده خارجاً مفارقاً عن وجود الواجب فالعقل لا يدرك الملازمة بين إيجابه وإيجاب ذلك أبداً .

ـــــــــــــــــــــ
(1) الفصول الغرويّة : 86 .

ــ[258]ــ

وقد أورد عليه المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) بأنّ العقل لا يفرّق في الحكم بالملازمة بين الموصلة وغيرها ، نظراً إلى أنّ ملاك حكمه بالملازمة إنّما هو حصول التمكن للمكلف من الاتيان بالواجب من قبل الاتيان بها وهو مشترك فيه على الفرض بين تمام أنواع المقدمة . وجوابه قد ظهر ممّا تقدّم حيث بيّنا أنّ التمكن المزبور لا يصلح أن يكون ملاكاً للوجوب الغيري وداعياً له ، لفرض أ نّه حاصل قبل الاتيان بالمقدمة .
الثاني : أنّ العقل لا يأبى عن تصريح الآمر بعدم إرادة غير المقدمة الموصلة ، ومن الطبيعي أنّ عدم إباء العقل عن ذلك وتجويزه دليل قطعي على وجوب خصوص المقدمة الموصلة دون مطلق المقدمة ، مثلاً يجوز للمولى أن يقول لعبده اُريد الحج واُريد المسير الذي يوصل إلى بيت الله الحرام ، ولا اُريد المسير الذي لا يوصل ، ولا يسوغ له أن يقول اُريد الحج ولا اُريد جميع مقدماته الموصلة وغيرها ، كما لا يسوغ له التصريح بعدم إرادة خصوص الموصلة ، ومن الواضح أنّ ذلك كلّه آية اختصاص الوجوب بالمقدمة الموصلة .
وناقش في ذلك صاحب الكفاية (قدس سره) (2) بأ نّه ليس للمولى الحكيم غير المجازف التصريح بذلك بعد ما عرفت من أنّ الغرض مشترك بين الجميع ـ وهو التمكن ـ وجوابه يظهر ممّا تقدّم ، وأنّ ما ذكره من الغرض لا يصلح أن يكون غرضاً ، وعليه فلا بأس بهذا التصريح ، بل الوجدان أصدق شاهد على جواز ذلك .

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 115 .
(2) كفاية الاُصول : 118 .

ــ[259]ــ

الثالث : أنّ الغرض من إيجاب المقدمة إنّما هو إيصالها إلى الواجب ووقوعها في سلسلة علة وجوده ، وإلاّ فلا داعي للمولى في إيجاب المقدمة ، فإذن بطبيعة الحال يكون الواجب هو خصوص المقدمة الموصلة ، والوجدان شاهد صدق على ذلك ، فانّ من أراد شيئاً أراد مقدماته التي توصل إليه ، وأمّا ما لا يوصل إليه فهو غير مراد له ، مثلاً من أراد الطبيب فبطبيعة الحال أراد مقدماته التي توصل إليه دون ما لا يوصل ، وهكذا .
وقد ناقش فيه صاحب الكفاية (قدس سره) بما يرجع إلى وجهين أحدهما : إلى منع الصغرى . وثانيهما : إلى منع الكبرى ، أمّا الأوّل : فملخصه هو : أنّ الغرض الداعي إلى إيجاب المقدمة إنّما هو التمكن من الاتيان بالواجب النفسي لا ترتبه عليه خارجاً ، وهذا الغرض موجود في الموصلة وغيرها ، فلا موجب لتخصيص الوجوب بخصوص الموصلة . وجوابه قد تبين ممّا سبق فلا نعيد . وأمّا الثاني فحاصله هو : أنّ صريح الوجدان قاض بأنّ المقدمة التي اُريد لأجل غاية من الغايات وتجرّدت عنها تقع على صفة الوجوب ، وعلى هذا وإن سلّمنا أنّ الغاية لوجوب المقدمة إنّما هي ترتب وجود ذيها عليها ، إلاّ أ نّه لا يكون قيداً للواجب بحيث لو تجرد عنه لم يقع على صفة الوجوب . وجوابه واضح ، وهو أنّ الشيء إذا وجب لغاية من الغايات فكيف يعقل تحقق الوجوب بدون تحقق تلك الغاية ، فإذا افترضنا أنّ الغاية من إيجاب المقدمة إنّما هي إيصالها إلى الواجب النفسي وترتبه عليها ، فعندئذ لو تجردت عنها ولم يترتب الواجب عليها فكيف تقع على صفة الوجوب ، ومن هنا قلنا إنّ وجود الواجب في الخارج كاشف عن تحقق مقدمته الواجبة وعدم وجوده كاشف عن عدم تحققها ، ونظير ذلك ما تقدّم من أنّ المكلف إذا أتى بجزء من الواجب وتجرد عن بقية أجزائه لم يقع على صفة الوجوب .

ــ[260]ــ

وعلى الجملة : فالغرض بما أ نّه قائم بخصوص المقدمة الموصلة دون غيرها ودون الجامع بينهما ، فلا مقتضي لايجاب غيرها ولو بايجاب الجامع . فالنتيجة أنّ ما أفاده المحقق صاحب الفصول (قدس سره) متين جداً ولا مناص عنه لو قلنا بوجوب المقدمة .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net