مقتضى الأصل اللفظي في المقام - المختار في مقدمة الواجب 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4206


وأمّا المقام الثاني : فقد استدلّ على وجوب المقدمة بأدلة ثلاثة :
الأوّل : ما عن الأشاعرة (1) وملخصه : أنّ المولى إذا أوجب شيئاً فلا بدّ له من إيجاب جميع مقدمات ذلك الشيء، وإلاّ ـ أي وإن لم يوجب تلك المقدمات ـ فجاز تركها ، وهذا يستلزم أحد محذورين : إمّا أن يبقى وجوب ذي المقدمة بحاله ، وهو محال لأ نّه تكليف بما لا يطاق ، أو لا يبقى وجوبه بحاله بل يصير مشروطاً بحصول مقدمته ، فيلزم عندئذ انقلاب الواجب المطلق إلى المشروط .
وغير خفي أنّ عدم إيجاب الشارع المقدمة مع إيجاب ذيها لا يستلزم أحد هذين المحذورين أبداً ، والسبب في ذلك : ما تقدّم من أ نّه يكفي في القدرة على ذي المقدمة القدرة على مقدمته فلا تتوقف على الاتيان بها خارجاً ولا على وجوبها شرعاً ، بداهة أ نّه لا صلة لوجوب المقدمة بالقدرة على ذيها ، هذا من ناحية .
ومن ناحية اُخرى : أنّ الشارع وإن لم يوجب المقدمة إلاّ أنّ العقل يستقل بلا بدّية الاتيان بها بحيث لو لم يأت بها وأدّى ذلك إلى ترك ذي المقدمة لكان عاصياً بنظر العقل واستحقّ العقاب على مخالفته ، لفرض أ نّه خالف تكليف المولى باختياره ، فالنتيجة على ضوء هاتين الناحيتين : هي أ نّه لا يلزم من بقاء
وجوب ذي المقدمة بحاله تكليف بما لا يطاق ، لما عرفت من أ نّه مقدور في هذا

ـــــــــــــــــــــ
(1) المعتمد في اُصول الفقه 1 : 94 .

ــ[280]ــ

الحال ، وعليه فلا موجب للانقلاب أصلاً . والحاصل : أنّ ترخيص المولى بترك المقدمة معناه أ نّه لا يعاقب عليه ، لا أ نّه لا يعاقب على ترك ذيها بعد تمكن المكلف من الاتيان بمقدماته .
الثاني : ما عن المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) من أنّ الأوامر الغيرية في الشرعيات والعرفيات تدلنا على إيجاب المقدمة حين إرادة ذيها مثل قوله تعالى : (إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاَةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى ا لْمَرَافِقِ )(2) وقوله (عليه السلام) «اغسل ثوبك من أبوال ما لا يؤكل لحمه»(3) وما شاكل ذلك ، ومن الواضح أ نّه لا بدّ من أن يكون لهذه الأوامر ملاك ، وهو لا يخلو من أن يكون غير ملاك الواجب النفسي أو يكون هو المقدمية ، فعلى الأوّل يلزم أن تكون تلك الأوامر أوامر نفسية وهو خلاف الفرض ، فإذن يتعين الثاني ، هذا من ناحية ومن ناحية اُخرى : أ نّه لا خصوصية لهذه الموارد التي وردت فيها تلك الأوامر ، فإذن بطبيعة الحال يتعدى منها إلى غيرها ونقول بوجوب المقدمة مطلقاً .
ولنأخذ بالنقد عليه : وهو أنّ الأوامر المزبورة مفادها إرشاد إلى شرطية شيء دون الوجوب المولوي الغيري، ويدلنا على ذلك أمران: الأوّل: أنّ المتفاهم العرفي من أمثال تلك الأوامر هو الارشاد دون المولوية . الثاني : ورود مثل هذه الأوامر في أجزاء العبادات كالصلاة ونحوها والمعاملات ، ومن الطبيعي أنّ مفادها هو الارشاد إلى الجزئية لا الوجوب المولوي الغيري ، كيف حيث قد تقدّم أنّ الجزء لا يقبل الوجوب الغيري .

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 126 .
(2) المائدة 5 : 6 .
(3) الوسائل 3 : 405 / أبواب النجاسات ب 8 ح 2 .

 
 

ــ[281]ــ

الثالث : ما جاء به المحقق صاحب الكفاية (1) وشيخنا الاُستاذ (2) (قدس سرهما) من أنّ الوجدان أصدق شاهد على ذلك ، فانّ من اشتاق إلى شيء وأراده فبطبيعة الحال إذا رجع إلى وجدانه والتفت إلى ما يتوقف عليه ذلك الشيء اشتاق إليه كاشتياقه إلى نفس الواجب ، ولا فرق من هذه الجهة بين الارادة التكوينية والارادة التشريعية وإن كانتا مختلفتين من حيث المتعلق .
والجواب عنه : أ نّه إن اُريد من الارادة الشوق المؤكد الذي هو من الصفات النفسانية الخارجة عن اختيار الانسان وقدرته غالباً ، ففيه : مضافاً إلى أنّ اشتياق النفس إلى شيء البالغ حدّ الارادة إنّما يستلزم الاشتياق إلى خصوص مقدماته الموصلة لو التفت إليها لا مطلقاً ، أنّ الارادة بهذا المعنى ليست من مقولة الحكم في شيء ، ضرورة أنّ الحكم فعل اختياري للشارع وصادر منه باختياره وارادته .
وإن اُريد منها الاختيار وإعمال القدرة نحو الفعل ، فهي بهذا المعنى وإن كانت من مقولة الأفعال ، إلاّ أنّ الارادة التشريعية بهذا المعنى باطلة ، وذلك لما تقدّم بشكل موسّع من استحالة تعلّق الارادة بهذا المعنى أي إعمال القدرة بفعل الغير .
وإن اُريد منها الملازمة بين اعتبار شيء على ذمة المكلف وبين اعتبار مقدماته على ذمته ، فالوجدان أصدق شاهد على عدمها ، بداهة أنّ المولى قد لا يكون ملتفتاً إلى توقفه على مقدماته كي يعتبرها على ذمته . على أ نّه لا مقتضي لذلك بعد استقلال العقل بلا بدّية الاتيان بها ، حيث إنّه مع هذا لغو صرف .
وقد تحصّل من جميع ما ذكرناه : أنّ الصحيح في المقام أن يقال : إنّه لا دليل

ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول : 126 .
(2) أجود التقريرات 1 : 335 .

ــ[282]ــ

على وجوب المقدمة وجوباً مولوياً شرعياً ، كيف حيث إنّ العقل بعد أن رأى توقف الواجب على مقدمته ورأى أنّ المكلف لا يستطيع على امتثال الواجب النفسي إلاّ بعد الاتيان بها ، فبطبيعة الحال يحكم العقل بلزوم الاتيان بالمقدمة توصّلاً إلى الاتيان بالواجب ، ومع هذا لو أمر الشـارع بها فلا محالة يكون إرشاداً إلى حكم العقل بذلك ، لاستحالة كونه مولوياً .
فالنتيجة في نهاية الشوط : هي عدم وجوب المقدمة بوجوب شرعي مولوي لا على نحو الاطلاق ولا خصوص حصة خاصة منها .
 




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net