3 ـ الالتفات إلى الأهم أثناء الاشتغال بالمهم 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 3971


الأمر الثالث

ذكر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (2) أنّ المكلف قد يكون عالماً بخطاب الأهم قبل الشروع في امتثال خطاب المهم، وقد يكون عالماً به بعد الشروع

ــــــــــ
(2) أجود التقريرات 2: 99.

ــ[493]ــ

فيه. أمّا على الفرض الأوّل فيدور الحكم بصحة الاتيان بالمهم وامتثال خطابه مدار القول بامكان الترتب، كما أنّ الحكم بفساده يدور مدار القول بامتناعه كما سبق. وأمّا على الفرض الثاني وهو ما إذا كان المكلف عالماً بخطاب الأهم بعد الشروع فيه، فان كان الواجب المهم ممّا لا يحرم قطعه فحكمه حكم الفرض الأوّل بلا كلام. وأمّا إن كان ممّا يحرم قطعه كما إذا دخل في المسجد وشرع في الصلاة ثمّ علم بتنجسه، فعندئذ لا يتوقف بقاء الأمر بالمهم ـ وهو الصلاة في مفروض المثال ـ على القول بالترتب، فيمكن الحكم بصحتها من دون الالتزام به أصلاً.
والوجه في ذلك: هو أنّ إزالة النجاسة عن المسجد وإن كانت أهم من الصلاة باعتبار أ نّها فورية دون الصلاة، إلاّ أنّ المكلف إذا شرع فيها وحرم عليه قطعها على الفرض لم يكن عندئذ موجب لتقديم الأمر بالازالة على الأمر بالصلاة، وعليه فلا يتحقق عصيان لخطابها ليكون الأمر باتمامها متوقفاً على جواز الترتب.
وسرّ ذلك: هو أنّ الدليل على وجوب الازالة إنّما هو الاجماع، وليس دليلاً لفظياً ليكون له إطلاق أو عموم يشمل هذه الصورة أيضاً. وعلى هذا فلا بدّ من الاقتصار على المقدار المتيقن منه، والمقدار المتيقن منه غير تلك الصورة فلا يشملها. إذن يبقى الأمر بالاتمام بلا مزاحم. وعلى الجملة فالاجماع بما أ نّه دليل لبّي فالقدر المتيقن منه غير هذا الفرض فلا يشمل ذلك.
نعم، إذا كان هناك واجب آخر أهم من إتمام الصلاة كحفظ النفس المحترمة أو ما شاكله، توقف الأمر باتمام الصلاة عندئذ على القول بالترتب أيضاً، ضرورة أنّ الأمر بالاتمام من جهة مزاحمته بالأهم قد سقط يقيناً، فثبوته له حينئذ لا محالة يتوقف على عصيان الأمر بالأهم وعدم الاتيان بمتعلقه خارجاً.
وغير خفي أنّ ما أفاده (قدس سره) إنّما يتم لو كان مدرك حرمة قطع

ــ[494]ــ

الصلاة هو الروايات الدالة على أنّ تحليلها هو التسليم (1)، فان مقتضى إطلاق تلك الروايات هو حرمة قطعها والخروج عنها بغير التسليم مطلقاً ولو كانت مزاحمة مع الازالة. ولكن قد ذكرنا في بحث
الفقه(2) أنّ شيئاً من هذه الروايات لا يدل على حرمة قطع الصلاة، غاية ما في الباب أ نّها تدل على أنّ التسليم هو الجزء الأخير، وأنّ الصلاة تختتم به كما تفتتح بالتكبيرة، وأمّا أنّ قطعها يجوز أو لا يجوز فهي أجنبية عن هذا تماماً.
ومن هنا قلـنا إنّه لا دلـيل على حرمة قطع الصلاة أصلاً ما عدا دعوى الاجماع على ذلك كما في كلمات غير واحد، ولكن قد ذكرنا أنّ الاجماع لم يتم، فانّ المحصّل منه غير ثابت، والمنقول منه غير معتبر. على أ نّه يحتمل أن يكون مدركه تلك الروايات أو غيرها، ومع هذا كيف يمكن أن يكون كاشفاً عن قول المعصوم (عليه السلام).
ولو تنزلنا عن ذلك وسلّمنا ثبوت الاجماع، فالقدر المتيقن منه هو ما إذا لم تكن الصلاة مزاحمة مع الازالة، وأمّا في صورة المزاحمة فلا علم لنا بثبـوته، وذلك لعدم تعرض كثير من الفقهاء لتلك الصورة. وعليه فلا موجب لتقديم وجوب إتمام الصلاة على وجوب الازالة.
وعلى الجملة: بما أنّ الدليل على كل من الطرفين هو الاجماع فهو لا يشمل الصورة المزبورة، فإذن لا دليل على وجوب الازالة في تلك الصورة، ولا على وجوب الاتمام، وحيث لا أهمية في البين فمقتضى القاعدة هو التخيير بين قطع الصلاة والاشتغال بالازالة وبين إتمامها، وتمام الكلام في محلّه.

ـــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 6: 415 / أبواب التسليم ب 1.
(2) شرح العروة 15: 523 وما بعدها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net