الجهة الثالثة : الفرق بين التزاحم والتعارض 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5195

وأمّا الجهة الثالثة: وهي نقطة امتياز كبرى باب التزاحم عن كبرى باب التعارض، فقد اتّضح حالها من بيان حقيقة التزاحم والتعارض، وملخصه: أنّ النقطة الأساسية في كل من البابين تخالف ما هو النقطة الأساسية في الآخر.

ــ[18]ــ

أمّا في باب التزاحـم فهي عدم قدرة المكلف على الجمـع بين الحكـمين المتزاحمين في مقام الامتثال بلا أيّة منافاة ومضادة بينهما في مقام الجعل أصلاً، فالتنافي بينهما إنّما هو في مرحلة الفعلية والامتثال، فانّ المكلف إن صرف قدرته في امتثال هذا عجز عن امتثال ذاك، وإن عكس فبالعكس.
ويتفرع على تلك النقطة أمران:
الأوّل: اختصاص التزاحم بينهما بالاضافة إلى من كان عاجزاً عن امتثالهما معاً، وأمّا من كان قادراً على امتثالهما فلا مزاحمـة بينهما بالاضافة إليه أبداً، فالمزاحمة في مادة العاجز دون مادة القادر، وهذا واضح.
الثاني: أنّ انتفاء الحكم في باب المزاحمة إنّما هو بانتفاء موضوعه وهو القدرة، لا انتفائه مع بقاء موضوعه بحاله.
وأمّا في باب التعارض فهي التنافي والتعاند بين الحكمين في مقام الجعل والثبوت، وعدم إمكان جعل كليهما معاً، إمّا بالذات والحقيقة، وإمّا من ناحية العلم الاجمالي بعدم جعل أحدهما في الواقع.
ونتيجة تلك النقطة أمران:
الأوّل: عدم اختصاص التعارض بمكلف دون آخر وبزمان دون زمان، بداهة أنّ استحالة اجتماع النقيضين أو الضدّين لا تختص بشخص دون آخر، وبزمان دون زمان آخر، وبحالة دون حالة اُخرى، والمفروض أنّ جعل كلا الحكمين معاً مستلزم للتناقض أو التضاد وهو محال.
الثاني: أنّ انتفاء الحكم في باب التعارض ليس بانتفاء موضوعه، وإنّما هو بانتفاء نفسه مع ثبوت موضوعه بحاله.

ــ[19]ــ

فتحصّل مما ذكرناه: أنّ المناط في كل من البابين أجنبي عما هو المناط في الباب الآخر، فلا جامع بين البابين أبداً.
وعلى هذا الأساس فالقول بأنّ الأصل عند الشك هل هو التعارض أو التزاحم لا مجال له أصلاً، ومن هنا ذكر شيخنا الاُستاذ (قدس سره) أنّ هذا القول يشبه القول بأنّ الأصل في الأشياء هل هي الطهارة أو البطلان في البيع الفضولي (1).
ثمّ إنّه لا يخفى أنّ ما ذكرناه من افتراق التزاحم والتعارض لا يبتني على وجهة نظر مذهب دون آخر، بل تعم جميع المذاهب والآراء، سواء فيها القول بتبعية الأحكام للمصالح والمفاسد في متعلقاتها أو في أنفسها، والقول بعدم التبعية مطلقاً، كما هو مذهب الأشعري، والوجه في ذلك ما عرفت من أنّ مسألة التزاحم ترتكز على ركيزة واحدة وهي عدم تمكن المكلف من الجمع بين التكليفين المتوجهين إليه في ظرف الامتثال، ومن الواضح أ نّه لا يفرق فيه بين أن يكون لهما ملاك في مورد المزاحمة أم لا، ضرورة أ نّه لا دخل لمسألة تبعية الأحكام للملاكات بمسألتنا هذه ولا صلة لاحداهما بالاُخرى أبداً.
ومسألة التعارض أيضاً ترتكز على ركيزة وهي تنافي الحكمين في مقام الجعل والواقع، ومن الواضح أ نّها أجنبية عن كون أحدهما ذا ملاك في مورد المعارضة أو لم يكن، بداهة أ نّه لا دخل لوجود الملاك في أحدهما لوقوع التعارض بينهما، وهذا واضح جداً.
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 32.

ــ[20]ــ

فما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) من ابتناء مسألة التزاحم على أن يكون المقتضي لكلا الحكمين موجوداً في مورد المزاحمة، ومسألة التعارض على أن يكون المقتضي لأحدهما موجوداً في مورد المعارضة لا يرجع إلى أصل صحيح، وسيأتي تفصيله بشكل واضح في مسألة اجتماع الأمر والنهي إن شاء الله تعالى (2).

ــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 154 الثامن.
(2) في ص 400.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net