الجهة الرابعة : مرجحات المتعارضين 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5523


وأمّا الجهة الرابعة: فيقع الكلام فيها في موردين:
الأوّل: فيما تقتضيه القاعدة في المتعارضين.
الثاني: في مرجحاتهما.
أمّا المورد الأوّل: فقد ذكرنا في بحث التعادل والترجيح(3) أنّ مقتضى القاعدة سقوط المتعارضين عن الحجية وفرضهما كأن لم يكونا، والوجه في ذلك هو أنّ دليل الاعتبار لا يشمل كليهما معاً لاستحالة التعبد بالمتناقضين أو الضدّين، فشموله لأحدهما المعيّن وإن لم يكن له مانع في نفسه، إلاّ أ نّه معارض بشموله للآخر، حيث إنّ نسبته إلى كليهما على حد سواء، وعليه فالحكم بشموله لهذا دون ذاك ترجيح بلا مرجح، وأحدهما لا بعينه ليس فرداً ثالثاً، فإذن يسقطان معاً فيرجع إلى العموم أو الاطلاق إن كان، وإلاّ فإلى أصل عملي، وتمام الكلام في ذلك بصورة مشروحة في بحث التعادل والترجيح إن شاء الله تعالى.
ـــــــــ
(3) مصباح الاُصول 3: 440.

 
 
 

ــ[21]ــ

وأمّا المورد الثاني: فقد ذكرنا في بحث التعادل والترجيح (1) أنّ مرجحات باب التعارض تنحصر بموافقة الكتاب أو السنّة، وبمخالفة العامة، وليس غيرهما بمرجّح، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أنّ الترجيح بهما يختص بالخبرين المتعارضين فلا يعم غيرهما من آيتين متعارضتين أو ظاهرين متعارضين أو إجماعين متعارضين، بل لا يعم ما إذا كان أحد المتعارضين خبراً والآخر إجماعاً مثلاً.
فالنتيجة أنّ ها هنا دعاوى ثلاث:
الاُولى: انحصار المرجّح بخصوص موافقة الكتاب أو السنّة ومخالفة العامة.
الثانية: أنّ غيرهما من صفات الراوي ونحوها ليس بمرجح.
الثالثة: أنّ الترجيح بهما يختص بالخبرين المتعارضين فلا يعمّ غيرهما.
أمّا الدعوى الاُولى: فلأ نّهما قد وردتا في صحيحة قطب الراوندي عن الصادق (عليه السلام): «إذا ورد عليكم حديثان مختلفان فاعرضوهما على كتاب الله، فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فذروه، فإن لم تجدوهما في كتاب الله فاعرضوهما على أخبار العامة، فما وافق أخبارهم فذروه وما خالف أخبارهم فخذوه» (2) وقد ذكرنا هناك أنّ موافقة الكتاب والسنّة ومخالفة العامة من المرجحات، وليستا في مقام تمييز الحجة عن اللاّ حجة، كما تخيل المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (3) بدعوى أنّ ما ورد من الروايات من أنّ الخبر المخالف للكتاب زخرف وباطل أو لم نقله أو اضربوه على الجدار
ـــــــــــــــــــــ
(1) مصباح الاُصول 3: 495.
(2) الوسائل 27: 118 / أبواب صفات القاضي ب 9 ح 29.
(3) كفاية الاُصول: 444.

ــ[22]ــ

ونحو ذلك من التعبيرات، دال على أ نّه ليس بحجة، وكذا الحال في الخبر الموافق للقوم، فانّ الوثوق والاطمئنان بصدور الخبر المخالف للقوم يوجب الاطمئنان بأنّ الخبر الموافق لهم إمّا غير صادر أو صدر تقيّة.
ولكن قد ذكرنا هناك أنّ المراد بالمخالفة في تلك الروايات ما كان على نحو التباين أو العموم من وجه، فمثل هذا المخالف لم يمكن صدوره عن الأئمة (عليهم السلام) وأمّا المخالف على نحو العموم المطلق فلا إشكال في صدوره عنهم (عليهم السلام)، كيف وقد خصص به في كثير من الموارد عمومات الكتاب والسنّة، ومن الواضح جداً أنّ المراد من المخالفة في روايات الترجيح ليس المخالفة على النحو الأوّل، بل المراد منها المخالفة على النحو الثاني، وإلاّ لم يكن بيانها مناسباً لمقام الترجيح، إذ المفروض أ نّه (عليه السلام) كان في مقام بيان المرجّح لأحد الخبرين المتعارضين على الآخر لا في مقام تمييز الحجّة عن اللاّ حجة.
ومما يؤيّد ذلك: أ نّه لو كان المراد من المخالفة في تلك الطائفة هو المخالفة على النحو الأوّل لم يكن الخبر المشهور المخالف للكتاب أو السنّة حجة في نفسه، ومعه كيف يحكم (عليه السلام) بتقديمه على الخبر الشاذ الموافق للكتاب أو السنّة كما هو مقتضى إطلاق المقبولة. ومن ذلك يعلم أنّ هذه الطائفة ليست في مقام تمييز الحجة عن اللاّ حجة، وإلاّ لم يكن معنى لتقديم الخبر المشهور المخالف على الشاذ الموافق، بل هي في مقام بيان المرجّح لأحد المتعارضين على الآخر.
وأمّا ما ذكره من أنّ الخبر الموافق للقوم لا يكون حجّة مع وجود الخبر المخالف لهم فهو من الغرائب، ضرورة أنّ مجرد وجود الخبر المخالف لهم لا يوجب كون الموافق غير حجة، لأنّ الأحكام الموافقة لهم في نفسها كثيرة

ــ[23]ــ

جداً، وعليه فيحتمل أن يكون الخبر الموافق لهم هو الحكم الواقعي دون المخالف، وهذا واضح.
وأمّا الدعوى الثانية: فلأنّ الترجيح بغيرهما لم يرد في دليل معتبر، وعلى تقدير وروده في دليل معتبر ليس من جملة المرجحات هنا، بيان ذلك:
أمّا الشهرة فلم تذكر فيما عدا المرفوعة (1) والمقبولة (2). أمّا المرفوعة فهي ضعيفة سـنداً، بل غير موجودة في الكتب المعـتبرة، ولذا ناقش في سندها صاحب الحدائق (قدس سره) (3) الذي ادّعى القطع بصدور الروايات الموجودة في الكتب الأربعة، وغيرها من الكتب المعتبرة.
وأمّا المقبولة فهي وإن كان الأصحاب يتلقونها بالقبـول، إلاّ أ نّها أيضاً ضعيفة سنداً بعمر بن حنظلة حيث لم تثبت وثاقته، ومع الغض عن سندها فالمذكور فيها هو الأخذ بالمجمع عليه، ومن المعلوم أنّ المراد منه هو الخبر الذي أجمع الأصحاب على روايته عن المعصومين (عليهم السلام) وصدوره منهم. وعلى هذا فالمراد منه هو الخبر القطعي الصدور، فإذن تقديمه على الشاذ ليس من باب الترجيح، كما هو ظاهر.
ومن هنا يظهر حال صفات الراوي كالأعدلية والأفقهية والأوثقية ونحوها أيضاً، فانّ الترجـيح بها لم يذكر في غير المقبولة والمرفوعة من الأخبار العلاجية. أمّا المرفوعة فقد عرفت حالها. وأمّا المقبولة فمع الغض عن سندها لم تجعل الترجيح بالصفات من مرجحات الروايتين، وإنّما جعلت الترجيح بها من
ـــــــــــــــــــــ
(1) عوالي اللآلي 4: 133.
(2) الوسائل 27: 136 / أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1.
(3) الحدائق 1: 99 المقدّمة السادسة.

ــ[24]ــ

مرجحات الحكمين حيث قال (عليه السلام): «الحكم ما حكم به أعدلهما وأفقههما وأصدقهما» إلخ.
وأمّا الدعوى الثالثة: فلأنّ موضوع الترجيح في الأخبار العلاجية خصوص الخبرين المتعارضين، فالتعدي منهما إلى غيرهما يحتاج إلى دليل، وحيث لا دليل عليه فلا بدّ من الاقتصار عليهما، فانّ الدليل الخارجي مفقود على الفرض، وروايات الترجيح لا إطلاق فيها ولا عموم، فإذن لا يمكن رفع اليد عن مقتضى الأصل الأوّلي في غيرهما. ويأتي الكلام في جميع ذلك في بحث التعادل والترجيح إن شاء الله تعالى بصورة مفصّلة. والغرض من التعرّض هنا بهذا المقدار الاشارة إلى أنّ مسألة التعارض كما تمتاز عن مسألة التزاحم بذاتها كذلك تمتاز عنها بمرجحاتها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net