الواجب الكفائي 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 7394


ــ[235]ــ
 

الواجب الكفائي

لا يخفى أنّ الأمر الوارد من قبل الشرع كما أ نّه بحاجة إلى المتعلق، كذلك هو بحاجة إلى الموضوع، فكما أ نّه لا يمكن تحققه ووجوده بدون الأوّل، فكذلك لا يمكن بدون الثاني، ولا فرق في ذلك بين وجهة نظر ووجهة نظر آخر، فانّ حقيقة الأمر سواء أكانت عبارة عن الارادة التشريعية، أم كانت عبارة عن الطلب الانشائي كما هو المشهور، أم كانت عبارة عن البعث والتحريك كما عن جماعة، أم كانت عبارة عن الأمر الاعتباري النفساني المبرز في الخارج بمبرز ما من صيغة الأمر أو نحوها كما هو المختار عندنا، على جميع هذه التقادير بحاجة إلى الموضوع كحاجته إلى المتعلق.
أمّا على الأوّل فواضح، وذلك لأنّ الارادة لا توجد في اُفق النفس بدون المتعلق، لأ نّها من الصفات الحقيقية ذات الاضافة، فلا يعقل أن توجد بدونه، فالمتعلق إذا كان فعل نفسه فهي توجب تحريك عضلاته نحوه، وإن كان فعل غيره فلا محالة يكون المراد منه ذلك الغير، بمعنى أنّ المولى أراد صدور هذا الفعل منه في الخارج.
وأمّا على الثاني فأيضاً كذلك، ضرورة أنّ الطلب كما لا يمكن وجوده بدون المطلوب، كذلك لايمكن وجوده بدون المطلوب منه، لأ نّه في الحقيقة نسبة بينهما، وهذا واضح.
وأمّا على الثالث، فلأنّ البعث نحو شيء لا يمكن أن يوجد بدون بعث أحد

ــ[236]ــ

نحوه، والتحريك نحو فعل لايمكن أن يتحقق بدون متحرك، ضرورة أنّ التحريك لا بدّ فيه من محرّك ومتحرك وما إليه الحركة، من دون فرق في ذلك بين أن تكون الحركة حركة خارجية وأن تكون اعتبارية، كما هو واضح.
وأمّا على الرابع فأيضاً الأمر كذلك، لما عرفت من أنّ معنى الأمر هو اعتبار الفعل على ذمّة المكلف وإبرازه في الخارج بمبرز. ومن المعلوم أنّه كما لا يمكن أن يتحقق في الخارج بدون متعلق، كذلك لا يمكن أن يتحقق بدون فرض وجود المكلف فيه كما هو واضح، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أنّ الواجبات الكفائية تمتاز عن الواجبات العينية في نقطة، وهي أنّ المطلوب في الواجبات العينية يتعدد بتعدد أفراد المكلف وينحل بانحلاله، فيكون لكل مكلف تكليف مستقل فلا يسقط عنه بامتثال الآخر... وهكذا، من دون فرق بين أن يكون الفعل في الواقع ومقام الثبوت ملحوظاً على نحو الاطلاق والسريان أو ملحوظاً على نحو الاطلاق والعموم البدلي الذي يعبّر عنه بصرف الوجود، أو ملحوظاً على نحو الاطلاق والعموم المجموعي، ضرورة أنّ التكليف في جميع هذه الصور ينحل بانحلال أفراد المكلف ويتعدد بتعددها، فلا فرق بينها من هذه الناحية أبداً، فالجميع من هذه الجهة على صعيد واحد. نعم، فرق بينها من ناحية اُخرى، وهي أنّ التكليف ينحل بانحلال متعلقه أيضاً مع الأوّل دون الثاني والثالث. وسيجيء تفصيل ذلك بشكل واضح في مبحث النواهي إن شاء الله تعالى (1) فلاحظ. وهذا بخلاف الواجبات الكفائية فانّ المطلوب فيها واحد ولا يتعدد بتعدد أفراد المكلف في الخارج، ولأجل ذلك وقع الكلام في تصوير ذلك وأ نّه كيف يعقل أن يكون الفعل الواحد مطلوباً بطلب واحد من الجميع.
وما قيل أو يمكن أن يقال في تصويره وجوه:
ـــــــــــــــــــــ
(1) في ص 293.

ــ[237]ــ

الأوّل: أن يقال إنّ التكليف متوجه إلى واحد معيّن عند الله، ولكنّه يسقط عنه بفعل غيره لفرض أنّ الغرض واحد فإذا حصل في الخارج فلا محالة يسقط الأمر.
ويردّه أوّلاً: أنّ هذا خلاف ظواهر الأدلة، فانّ الظاهر منها هو أنّ التكليف متوجه إلى طبيعي المكلف لا إلى فرد واحد منه المعيّن في علم الله، كما هو واضح.
وثانياً: لو كان الأمر كذلك فلا معنى لسقوط الواجب عنه بفعل غيره، فانّه على خلاف القاعدة فيحتاج إلى دليل، وإذا لم يكن دليل فمقتضى القاعدة عدم السقوط. ودعوى أنّ الدليل في المقام موجود، لفرض أنّ التكليف يسقط باتيان بعض أفراد المكلف وإن كانت صحيحة من هذه الناحية، إلاّ أ نّه من المعلوم أنّ ذلك من ناحية أنّ التكليف متوجه إليه ويعمّه، ولذا يستحقّ الثواب عليه، لا من ناحية أ نّه يوجب سقوط التكليف عن غيره كما هو ظاهر.
وثالثاً: أنّ مثل هذا التكليف غير معقول، وذلك لأنّ المفروض أنّ توجه هذا التكليف إلى كل واحد من أفراد المكلف غير معلوم، فيكون كل منهم شاكّاً في ذلك، ومعه لا مانع من الرجوع إلى البراءة عنه عقلاً وشرعاً، لفرض أنّ الشك في أصل ثبوت التكليف، وهذا هو القدر المتيقن من موارد جريان البراءة. وعلى هذا فلا يمكن أن يصل هذا التكليف إلى المكلف أصلاً، لما ذكرناه من أنّ وصول التكليف يتوقف على وصول الكبرى والصغرى له معاً، والمفروض في المقام أنّ الصغرى غير واصلة، ضرورة أنّ من كان مكلفاً بهذا التكليف في الواقع غير معلوم وأ نّه من هو.
ومن الطبيعي أنّ جعل تكليف غير قابل للوصول إلى المكلف أصلاً لغو محض فلا يترتب عليه أيّ أثر، ومن المعلوم أنّ صدور اللغو من الحكيم مستحيل، فإذن يستحيل أن يكون موضوعه هو الواحد المعيّن عند الله، كما أ نّه لا يمكن

ــ[238]ــ

أن يكون موضوعه هو الواحد المعيّن مطلقاً حتّى عند المكلفين، وذلك لأ نّه مضافاً إلى كونه مفروض العدم هنا، يلزم التخصيص بلا مخصص والترجيح من غير مرجح، فانّ نسبة ذلك الغرض الواحد إلى جميع المكلفين على صعيد واحد، وعليه فتخصيص الواحد المعيّن منهم بتحصيله لا محالة يكون بلا مخصص.
الثاني: أن يقال التكليف في الواجبات الكفائية متوجه إلى مجموع آحاد المكلفين من حيث المجموع، بدعوى أ نّه كما يمكن تعلق تكليف واحد شخصي بالمركب من الاُمور الوجودية والعدمية على نحو العموم المجموعي إذا كان الغرض المترتب عليه واحداً شخصياً، كذلك يمكن تعلقه بمجموع الأشخاص على نحو العموم المجموعي.
ويرد على ذلك أوّلاً: أنّ لازم هذا هو عدم حصول الغرض وعدم سقوط التكليف بفعل البعض، لفرض أنّ الفعل مطلوب من مجموع المكلف على نحو العموم المجموعي، والغرض مترتب على صدوره من مجموعهم على نحو الاشتراك، وعليه فمن الطبيعي أ نّه لا يسقط بفعل البعض ولا يحصل الغرض به، وهذا ضروري الفساد ولم يتوهّم أحد ولا يتوهّم ذلك.
وثانياً: أنّ هذا لو تمّ فانّما يتمّ فيما إذا كان التكليف متوجهاً إلى صرف وجود مجموع أفراد المكلف الصادق على القليل والكثير، دون مجموع أفراده المتمكنين من الاتيان به، ضرورة أنّ بعض الواجبات الكفائية غير قابل لأن يصدر من المجموع، فإذن كيف يمكن توجيه التكليف به إلى المجموع، وعلى كل فهذا الوجه واضح الفساد.
الثالث: أن يقال إنّ التكليف به متوجه إلى عموم المكلفين على نحو العموم الاستغراقي، فيكون واجباً على كل واحد منهم على نحو السريان، غاية الأمر أنّ وجوبه على كل مشروط بترك الآخر.

ــ[239]ــ

ويردّه: مضافاً إلى أ نّه بعيد في نفسه ـ فانّ الالتزام بوجوبه أوّلاً واشتراطه بالترك ثانياً تبعيد للمسافة فلا يمكن استفادته من الأدلة ـ أنّ الشرط لو كان هو الترك في الجملة فلازمه هو أنّ المكلف لو ترك في برهة من الزمان ولو بمقدار دقيقة واحدة فقد حصل الشرط وتحقق، ومن المعلوم أ نّه إذا تحقق يجب على جميع المكلفين عيناً، وهذا خلف. ولو كان الشرط هو الترك المطلق فلازمه هو أ نّه لو أتى به جميع المكلفين لم يحصل الشرط ـ وهو الترك المطلق ـ وإذا لم يحصل فلا وجوب لانتفائه بانتفاء شرطه على الفرض، فإذن لا معنى للامتثال وحصول الغرض، ضرورة أ نّه على هذا الفرض لا وجوب في البين ليكون الاتيان بمتعلقه امتثالاً وموجباً لحصول الغرض في الخارج، على أ نّه لا مقتضي لذلك، والوجه فيه: هو أنّ الغرض بما أ نّه واحد وقائم بصرف وجود الواجب في الخارج، فلا بدّ أن يكون الخطاب أيضاً كذلك، وإلاّ لكان بلا داع وغرض. وهو محال.
نعم، لو كانت هناك أغراض متعددة بعدد أفعال المكلفين ولم يمكن الجمع بينها واستيفاؤها معاً لتضادها، فعندئذ لا محالة يكون التكليف بكل منها مشروطاً بعدم الاتيان بالآخر على نحو الترتب، وقد ذكرنا في بحث الضدّ(1) أنّ الترتب كما يمكن بين الحكمين في مقام الفعلية والامتثال، كذلك يمكن بين الحكمين في مقام الجعل والتشريع، فلا مانع من أن يكون جعل الحكم لأحد الأمرين مترتباً على عدم الاتيان بالآخر.
وغير خفي أنّ هذا مجرد فرض لا واقع له أصلاً.
أمّا أوّلاً: فلأنّ هذا الفرض خارج عن محل الكلام، فانّ المفروض في محل
ـــــــــــــــــــــ
(1) راجع المجلد الثاني من هذا الكتاب ص 469.

ــ[240]ــ

الكلام هو ما إذا كان الغرض واحداً بالذات، وفرض تعدد الغرض بتعدد أفعال المكلفين فرض خارج عن مفروض الكلام.
وأمّا ثانياً: فلأنّ فرض التضاد بين الملاكات مع عدم التضاد بين الأفعال يكاد يلحق بأنياب الأغوال، بداهة أ نّه لا واقع لهذا الفرض أصلاً. على أ نّه لو كان له واقع فلا طريق لنا إلى إحراز تضادها وعدم إمكان الجمع بينها مع عدم التضاد بين الأفعال.
وأمّا ثالثاً: فلأنّ فرض تعدد الغرض إنّما يمكن فيما إذا كان الواجب متعدداً خارجاً، وأمّا إذا كان الواجب واحداً كما هو المفروض في المقام كدفن الميت وكفنه وغسله وصلاته ونحو ذلك، فلا معنى لأن تترتب عليه أغراض متعددة، فلا محالة يكون المترتب عليه غرضاً واحداً، بداهة أ نّه لا يعقل أن يكون المترتب على واجب واحد غرضين أو أغراض كما هو واضح، فالنتيجة أنّ هذا الوجه أيضاً فاسد.
الرابع: أن يكون التكليف متوجهاً إلى أحد المكلفين لا بعينه المعبّر عنه بصرف الوجود، وهذا الوجه هو الصحيح، بيان ذلك: هو أنّ غرض المولى كما يتعلق تارةً بصرف وجود الطبيعة، واُخرى بمطلق وجودها، كذلك يتعلق تارةً بصدوره عن جميع المكلفين واُخرى بصدوره عن صرف وجودهم، فعلى الأوّل الواجب عيني فلا يسقط عن بعض بفعل بعض آخر... وهكذا، وعلى الثاني فالواجب كفائي، بمعنى أ نّه واجب على أحد المكلفين لا بعينه المنطبق على كل واحد واحد منهم، ويسقط بفعل بعض عن الباقي، وهذا واقع في العرف والشرع، ولا مانع منه أصلاً.
أمّا في العرف، فلأ نّه لا مانع من أن يأمر المولى أحد عبيده أو خدّامه بايجاد فعل ما في الخارج من دون أن يتعلق غرضه بصدور هذا الفعل من خصوص

 
  

ــ[241]ــ

هذا وذاك، ولذا أيّ واحد منهم أتى به وأوجده فقد حصل الغرض وسقط الأمر لا محالة، كما إذا أمر أحدهم باتيان ماء مثلاً ليشربه، فانّه من المعلوم أنّ أيّ واحد منهم قام به فقد وفى بغرض المولى.
وأمّا في الشرع فأيضاً كذلك، ضرورة أ نّه لا مـانع من أن يأمر الشارع المكلفين بايجاد فعل في الخارج كدفن الميت مثلاً أو كفنه أو ما شاكل ذلك، من دون أن يتعلق غرضه بصدوره عن خصوص واحد منهم، بل المطلوب وجوده في الخارج من أيّ واحد منهم كان، فانّ نسبة ذلك الغرض الواحد إلى كل من المكلفين على السوية، فعندئذ تخصيص الواحد المعيّن منهم بتحصيل ذلك الغرض خارجاً بلا مخصص ومرجح، وتخصيص المجموع منهم بتحصيل ذلك مع أ نّه بلا مقتض وموجب باطل بالضرورة كما عرفت، وتخصيص الجميع بذلك على نحو العموم الاستغراقي أيضاً بلا مقتض وموجب، إذ بعد كون الغرض واحداً يحصل بفعل واحد منهم، فوجوب تحصيله على الجميع لا محالة يكون بلا مقتض وسبب، فإذن يتعين وجوبه على الواحد لا بعينه المعبّر عنه بصرف الوجود، ويترتب على ذلك أ نّه لو أتى به بعض فقد حصل الغرض لا محالة وسقط الأمر، لفرض أنّ صرف الوجود يتحقق بأوّل الوجود ولو أتى به جميعهم، كما إذا صلّوا على الميت مثلاً دفعةً واحدة كان الجميع مستحقاً للثواب، لفرض أنّ صرف الوجود في هذا الفرض يتحقق بوجود الجميع دون خصوص وجود هذا أو ذاك، وأمّا لو تركه الجميع لكان كل منهم مستحقاً للعقاب، فانّ صرف الوجود يصدق على وجود كل منهم من ناحية، والمفروض أنّ كلاً منهم قادر على إتيانه من ناحية اُخرى.
فالنتيجة: هي أنّ الواجب الكفائي ثابت في اعتبار الشارع على ذمّة واحد من المكلفين لا بعينه، الصادق على هذا وذاك، نظير ما ذكرناه في بحث الواجب

ــ[242]ــ

التخييري من أنّ الواجب أحـدهما لا بعينه المنطبق على هذا الفرد أو ذاك لا خصوص أحدهما المعيّن، فلا فرق بين الواجب التخييري والواجب الكفائي إلاّ من ناحية أنّ الواحد لا بعينه في الواجب التخييري متعلق الحكم، وفي الواجب الكفائي موضوعه.
بقي هنا فرع ذكره شيخنا الاُستاذ (قدس سره) (1) هو أ نّه إذا فرضنا شخصين فاقدي الماء فتيمّما، ثمّ بعد ذلك وجدا ماءً لا يكفي إلاّ لوضوء أحدهما، فهل يبطل تيمم كل منهما أو لا يبطل شيء منهما أو يبطل واحد منهما لا بعينه دون الآخر ؟ وجوه.
قد اختار (قدس سره) الوجه الأوّل، وأفاد في وجه ذلك: أنّ في المقام اُموراً ثلاثة: الأوّل: الأمر بالوضوء، الثاني: الأمر بالحيازة، الثالث: القدرة على الحيازة. لا إشكال في أنّ وجوب الوضوء مترتب على الحيازة الخارجية وكون الماء في تصرف المكلف، ليصدق عليه أ نّه واجد له فعلاً، وأمّا وجوب الحيازة على كل منهما فمشروط بعدم سبق الآخر وحيازته، وإلاّ فلا وجوب، كما هو واضح، وعلى هذا فلا يمكن وجوب الوضوء على كل منهما فعلاً، لفرض أنّ الماء لا يكفي إلاّ لوضوء أحدهما، ولكن بطلان تيممهما لا يترتب على وجوب الوضوء لهما فعلاً، بل هو مترتب على تمكن المكلف من استعمال الماء وقدرته عليه عقلاً وشرعاً، والمفروض أنّ القدرة على الحيازة بالاضافة إلى كليهما موجودة فعلاً، ضرورة أنّ كلاً منهما متمكن فعلاً من حيازة هذا الماء في نفسه مع قطع النظر عن الآخر، وعدم كفاية الماء إلاّ لوضوء واحد إنّما يكون منشأً لوقوع التزاحم بين فعلية حيازة هذا وذاك خارجاً، لا بين القدرة على الحيازة، لما عرفت من أ نّها فعلية بالاضافة إلى كليهما معاً من دون أيّ تناف في البين.
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 1: 273.

ــ[243]ــ

وعلى الجملة، فبما أنّ بطلان التيمم في الآية المباركة أو نحوها منوط بوجدان الماء، وقد ذكرنا أنّ المراد منه القدرة على استعماله عقلاً وشرعاً، فلا محالة يبطل تيمم كل منهما، لفرض أ نّه واجد للماء ومتمكن من استعماله كذلك، وهذا لا ينافي وقوع التزاحم بين الخطابين في ناحية الوضوء خارجاً، وذلك لفرض أنّ تيمم كل مكلف مشروط بعدم الوجدان، فإذا كان واجداً وقادراً على الاستعمال لا محالة يفسد تيممه، ولا فرق فيه بين وقوع التزاحم بين الخطابين في ناحية الوضوء وعدم وقوعه أصلاً، كما هو واضح.
ولنأخذ بالمناقشة على ما أفاده (قدس سره) وهي أنّ هذين الشخصين لا يخلوان من أن يتسابقا إلى أخذ هذا الماء المفروض وجوده أم لا، فعلى الأوّل إن كان كل منهما مانعاً عن الآخر، كما إذا فرض كون قوّة أحدهما مساويةً لقوّة الآخر، فتقع الممانعة بينهما والمزاحمة إلى أن يضيق الوقت، فلا يتمكن واحد منهما من الوصول إلى الماء، فعندئذ لا وجه لبطلان تيممهما أصلاً ولا لبطلان تيمم أحدهما، لفرض عدم تمكنهما من استعمال الماء، وإذا كان أحدهما أقوى من الآخر فالباطل هو تيمم الأقوى دون الآخر، أمّا بطلان تيمم الأقوى، فلفرض أ نّه واجد للماء فعلاً، وأمّا عدم بطلان تيمم الآخر، فلكشف ذلك عن عدم قدرته على الوضوء أو الغسل، وأ نّه باق على ما كان عليه من عدم الوجدان.
وعلى الثاني فيبطل كلا التيممين معاً، والوجه في ذلك: هو أنّ كلاً منهما قادر على حيازة هذا الماء واستعماله في الوضوء أو الغسل من دون مانع من الآخر، لفرض عدم تسابقهما إلى أخذه وحيازته ولو لأجل عدم المبالاة بالدين، وعليه فيصدق على كل منهما أ نّه واجد للماء ومتمكن من استعماله عقلاً وشرعاً، ومعه لا محالة يبطل كلا التيممين معاً، وقد ذكرنا في محلّه أنّ وجوب الوضوء وبطلان التيمم في الآية المباركة مترتبان على وجدان الماء، فإذا كان المكلف واجداً له

ــ[244]ــ

وجب الوضوء وبطل تيممه وإلاّ فلا، وهذا واضح، ولكن العجب من شيخنا الاُستاذ (قدس سره) كيف فصّل بين بطلان التيمم ووجوب الوضوء، مع أنّ وجوب الوضوء لا ينفك عن بطلان التيمم كما هو مقتضى الآية الكريمة، كما أ نّه لا وجه لما ذكره (قدس سره) من بطلان تيمم كليهما معاً، لما عرفت من أ نّه لا بدّ من التفصيل في ذلك.
ونتيجة هذا البحث عدّة نقاط:
الاُولى: أنّ الأمر كما أ نّه لا يمكن تحققه بدون متعلق، كذلك لا يمكن تحققه بدون موضوع على جميع المذاهب والآراء.
الثانية: أ نّه كما يمكن لحاظ متعلق الحكم تارةً على نحو العموم الاستغراقي واُخرى على نحو العموم المجموعي، وثالثة على نحو صرف الوجود، يمكن لحاظ الموضوع أيضاً كذلك، بأن يلحظ تارةً على نحو العموم الاستغراقي، واُخرى على نحو العموم المجموعي، وثالثة على نحو صرف الوجود.
الثالثة: أنّ الواجب الكفائي ثابت على ذمّة أحد المكلفين لا بعينه الذي عبّر عنه بصرف الوجود، لا على ذمّة جميع المكلفين ولا على ذمّة مجموعهم ولا على ذمّة الواحد المعيّن كما عرفت.
الرابعة: أنّ فرض تعدد المـلاك فرض خارج عن محل الكلام، مع أ نّه لا شاهد عليه أصلاً كما مرّ.
الخامسة: أنّ ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره) من بطلان تيمم شخصين كانا فاقدي الماء، ثمّ وجـدا ماءً لا يكفي إلاّ لوضوء أحدهما فحسب، مطلقاً لا وجه له أصلاً كما سبق، كما أ نّه لا أصل لما ذكره (قدس سره) من التفصيل بين بطلان التيمم ووجوب الوضوء.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net