الثمرة بين صور الأمر الاستقلالي بالترك - الثمرة بين صور الأمر الضمني بالترك 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4679


وبعد ذلك نقول: الكلام هنا يقع في مقامين:
الأوّل: في مقام الثبوت والواقع.
الثاني: في مقام الاثبات والدلالة.
أمّا المقام الأوّل: فيقع الكلام فيه في موردين:
الأوّل: في بيان ظهور الثمرة بين الصور المتقدمة في فرض كون الترك متعلقاً للأمر مستقلاً.
الثاني: في بيان ظهورها بين تلك الصور في فرض كونه متـعلقاً للأمر ضمناً.
أمّا الكلام في المورد الأوّل: فتظهر الثمرة بين تلك الصور في موضعين:
الأوّل: فيما إذا فرض أنّ المكلف قد اضطرّ إلى إيجاد بعض أفراد الطبيعة في الخارج [ التي ] كان المطلوب تركها فيه، كأن اضطرّ إلى إيجاد بعض محرّمات الإحرام في الخارج، أو اضطرّ إلى ترك الصوم في بعض آنات اليوم.
فعلى الصورة الاُولى، وهي ما كانت المصلحة قائمة بصرف تركها، فإن تمكن المكلف من صرف الترك في هذا الحال وجب عليه ذلك، وإلاّ فيسقط الأمر المتعلق به لا محالة، لفرض أ نّه غير مقدور له.
وبكلمة واضحة: أنّ الاضطرار المزبور لا يخلو من أن يكون مستوعباً لتمام وقت الواجب، كما إذا اضطرّ إلى إيجاد بعض تلك المحرّمات إلى آخر وقته، أو لا يكون مستوعباً له.
فعلى الأوّل، لا محالة يسقط الأمر المتعلق بصرف الترك، لعدم قدرته عليه، فهو نظير ما إذا اضطرّ المكلف إلى ترك الصلاة مثلاً في تمام وقتها، فانّه لا إشكال عندئذ في سقوط الصلاة عنه.

ــ[312]ــ

وعلى الثاني، لا يسقط الأمر عنه بالضرورة، لفرض أنّ الواجب هو الجامع، لا خصوص الفرد المضطر إليه، والمفروض أ نّه مقدور للمكلف، ومعه لا محالة لا يسـقط عنه، فيكون نظير ما لو اضطرّ المكلف إلى ترك الصلاة في بعض أوقاتها، فانّه لا إشكال في أنّ ذلك لا يوجب سقوط الأمر بالصلاة عنه، لفرض أنّ الواجب هو الجامع بين المبدأ والمنتهى، لا خصوص هذا الفرد المضطر إليه أو ذاك، وهذا واضح.
وعلى الصورة الثانية، وهي ما كانت المصلحة قائمةً بتمام تروك الطبيعة على نحو الانحلال والعموم الاستغراقي، فلا بدّ من الاقتصار على خصوص الفرد المضطر إليه، ولا يجوز ارتكاب فرد آخر زائداً على هذا الفرد، والوجه فيه واضح، وهو أنّ المجعول في هذه الصورة على الفرض أحكام متعددة بعدد تروك أفراد هذه الطبيعة في الخارج، فيكون ترك كل واحد منها واجباً مستقلاً ومناطاً للاطاعة والمعصية، ومن الظاهر أنّ الاضطرار إلى ترك واجب لا يوجب جواز ترك واجب آخر، وفي المقام الاضطرار إلى إيجاد فرد منها في الخارج لا يوجب جواز إيجاد فرد آخر منها... وهكذا، ضرورة أنّ سقوط التكليف عن بعض منها ـ لأجل اضطرار أو نحوه ـ لا يوجب سقوطه عن آخر، وجواز عصيانه بعد ما كان التكليف المتعلق بكل منهما تكليفاً مستقلاً غير مربوط بالآخر، فانّه بلا موجب، ومن المعلوم أنّ سقوط التكليف بلا موجب وسبب محال.
وعلى الصورة الثالثة، وهي ما كانت المصلحة قائمةً بمجموع التروك الخارجية على نحو العموم المجموعي، لا محالة يسقط التكليف المتعلق بالمجموع المركب من هذه التروك، لفرض أ نّه تكليف واحد شخصي متعلق به، فإذا فرض أنّ المكلف لا يقدر عليه لاضطراره إلى إيجاد بعض أفراد هذه الطبيعة في الخارج، ومعه لا يتمكن من ترك هذه الطبيعة فيه بجميع أفرادها، وإذا لم يتمكن منه فلا محالة

ــ[313]ــ

يسقط التكليف عنه، فيكون كما إذا تعلق التكليف بمجموع أفراد هذه الطبيعة على نحو العموم المجموعي، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً، ضرورة أ نّه لا فرق في الأحكام المترتبة على العموم المجموعي بين أن يكون هذا العموم ملحوظاً بين تروك الطـبيعة في الخارج، وأن يكون ملحـوظاً بين وجوداتها وأفرادها فيه، وهذا واضح.
وعلى ضوء ذلك لا يجب عليه الاقتصار على خصوص الفرد المضطر إليه بل يجوز له إيجاد فرد ثان وثالث... وهكذا، لفرض أنّ الأمر المتعلق بمجموع تروكها قد سقط، ومعه لا مانع من إيجاد البقية في الخارج أصلاً، إلاّ إذا فرض قيام الدليل على وجوب الباقي.
وقد تحصّل من ذلك: أنّ مقتضى القاعدة في أمثال المقام هو سقوط التكليف عن المجموع المركب بسقوط جزء منه أو قيده، ووجوب الباقي يحتاج إلى دليل خارجي، فإن دلّ دليل من الخارج على وجوبه فهو، وإلاّ فلا نلتزم به.
وعلى الصورة الرابعة، وهي ما كانت المصلحة قائمة بعنوان وجودي بسيط متولد من تروك هذه الطبيعة في الخارج، أيضاً يسقط التكليف المتعلق به، وذلك لفرض أنّ هذا العنوان مسبب عن ترك جميع أفراد هذه الطبيعة خارجاً، فإذا فرض اضطرار المكلف إلى إيجـاد بعض أفرادها في الخـارج، لا محالة لا يتحقق ذلك العنوان المعلول لترك جميعها، لاستحالة وجود المعلول بدون وجود علّته التامة.
فالنتيجة من ذلك: هي أنّ الثمرة تظهر بين الوجه الأوّل والثاني، كما أ نّها تظهر بينهما وبين الوجهين الأخيرين، وأمّا بينهما ـ أي بين الوجهين الأخيرين ـ فلا تظهر كما عرفت.

ــ[314]ــ

الثاني: فيما لو شككنا في فرد أ نّه من أفراد الطبيعة التي كان المطلوب تركها أم لا.
فعلى الصورة الاُولى: لا يجب تركه، لفرض أنّ المطلوب في هذه الصورة صرف تركها، والمفروض أ نّه يتحقق بتركها آناً ما، ومعه ـ أي مع تركها آناً ما ـ يجوز له إيجادها في الخارج في ضمن أفرادها المتيقنة في بقية الآنات والأزمنة فضلاً عن أفرادها المشكوكة، وهذا ظاهر.
وعلى الصورة الثانية: فبما أنّ مردّ الشك في كون هذا الموجود فرداً له أو ليس بفرد له، إلى الشك في تعلق التكليف به، فلا مناص من الرجوع إلى أصالة البراءة عنه، لفرض أ نّه شك في تكليف مستقل، وهو القدر المتيقن من موارد الرجوع إليها.
وعلى الصورة الثالثة: فبما أنّ المورد داخل في كبرى مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين، فلا محالة يرتكز جريان البراءة فيه وعدم جريانها على القول بجريان البراءة وعدمه في تلك المسألة، فإن قلنا فيها بجريان أصالة البراءة عن وجوب الأكثر العقلية والنقلية، فنقول بها كذلك في المقام أيضاً، وإن لم نقل به فيها فلا نقول هنا أيضاً، وحيث إنّا قد اخترنا في تلك المسألة جريان أصالة البراءة عن وجوبه عقلاً وشرعاً، فلا مناص من الالتزام به في المقام.
وقد ذكرنا هناك (1) أ نّه لا وجه لما عن المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) من التفصيل بين البراءة الشرعية والعقلية، فالتزم بجريان الاُولى دون الثانية، وذلك لأنّ ما توهّم من المانع عن جريان البراءة العقلية هنا منحصر في أمرين لا ثالث لهما:
ـــــــــــــــــــــ
(1) كفاية الاُصول: 363 ـ 366.

ــ[315]ــ

أحدهما: دعوى أنّ العلم الاجمالي هنا غير منحل.
ثانيهما: دعوى وجوب تحصيل الغرض في المقام، ومن الواضح جداً أنّ كلاً منهما لو تمّ، فكما أ نّه مانع عن جريان البراءة العقلية، فكذلك مانع عن جريان البراءة الشرعية، فلا فرق بينهما من هذه الناحية أصلاً.
بيان ذلك ملخصاً: هو أ نّه لو بنينا على أنّ انحلال العلم الاجمالي في المقام يبتني على أن يُثبت جريان البراءة الشرعية عن جزئية المشكوك فيه تعلق التكليف بالأقل على نحو الاطلاق وعدم دخل الجزء المشكوك فيه في الواجب، لم يمكن إثباته باجراء أصالة البراءة الشرعية عنها، وذلك لما ذكرناه غير مرّة من أنّ الاطلاق كالتقييد أمر وجودي، فانّ الأوّل عبارة عن لحاظ الطبيعة لا بشرط، والثاني عبارة عن لحاظها بشرط شيء، ومن المعلوم أ نّهما أمران متضادان، فإذا دار أمر التكليف بين تعلقه بالطبيعة على النحو الأوّل، وتعلقه بها على النحو الثاني، فأصالة البراءة عن تعلقه بها على النحو الثاني لا تثبت تعلقه بها على النحو الأوّل ـ وهو الاطلاق ـ إلاّ على القول بالأصل المثبت.
نعم، لو كان الاطلاق أمراً عدمياً عبارة عن عدم التقييد، فأصالة البراءة عن التقييد تثبت الاطلاق، إلاّ أنّ هذا الفرض خاطئ وغير مطابق للواقع.
فالنتيجة: هي أنّ البراءة الشرعية كالعقلية غير جارية.
وكذا لو بنينا على وجوب تحصيل الغرض في المقام، فانّه عندئذ لا أثر لجريان أصالة البراءة عن الجزء المشكوك فيه، لفرض أ نّها لاتثبت كون الغرض المعلوم مترتباً على الأقل إلاّ على القول بالأصل المثبت، ومعه لا محالة نشك في حصوله باتيانه. فإذن لا بدّ من الالتزام باتيان الأكثر ليعلم بحصوله وتحققه في الخارج.
ونتيجة ذلك هي عدم جريان البراءة الشرعية كالعقلية من دون فرق بينهما

ــ[316]ــ

من هذه الناحية أصلاً.
ولكن قد ذكرنا في محلّه (1) أنّ شيئاً من الأمرين لا يكون مانعاً عن إجراء البراءة الشرعية والعقلية.
أمّا العلم الاجمالي، فقد ذكرنا هناك أنّ انحلاله لايتوقف على إثبات الاطلاق ليقال إنّ البراءة عن التقييد لا تثبت الاطلاق، بل يكفي في انحلاله جريان البراءة في أحد الطرفين بلا معارض، لعدم جريانها في الطرف الآخر، والمفروض أنّ الأمر في المقام كذلك، وذلك لأنّ البراءة لا تجري عن الاطلاق، لفرض أ نّه توسعة للمكلف ولا ضيق فيه أصلاً، ومن المعلوم أنّ البراءة سواء أكانت شرعية أم عقلية إنّما ترفع الضيق عن المكلف والكلفة عنه ليكون في رفعه منّةً عليه، والفرض أ نّه لا كلفة ولا ضيق في طرف الاطلاق أصلاً، فإذن تجري البراءة عن التقييد بلا معارض.
ومن المعلوم أ نّه لا يفرق فيه بين البراءة الشرعية والعقلية، بل كلتاهما تجري بملاك واحد، وهو أنّ التقييد بما أنّ فيه كلفةً زائدةً ولم يقم بيان عليها من قبل الشارع، والاطلاق لا كلفة فيه، فلذا لا مانع من جريان البراءة عنه مطلقاً، أمّا البراءة الشرعية فواضح. وأمّا البراءة العقلية فلتحقق موضوعها هنا ـ وهو عدم البيان ـ ومعه لا محالة تجري كما هو ظاهر. فإذن لا وجه للتفرقة بينهما أصلاً.
وأمّا الغرض، فلفرض أ نّه لا يزيد عن التكليف بل حاله حاله، وذلك لما ذكرناه مراراً من أ نّه لا طريق لنا إلى إحرازه في مورد مع قطع النظر عن ثبوت التكليف فيه، وعليه فلا محالة تدور سعة إحراز الغرض وضيقه مدار سعة
ـــــــــــــــــــــ
(1) راجع مصباح الاُصول 2: 499 وما بعدها.

ــ[317]ــ

التكليف وضيقه، فلا يعقل أن يكون الغرض أوسع منه.
وعلى هذا فبما أنّ التكليف المتعلق بالأكثر غير واصل إلى المكلف، لما عرفت من انحلال العلم الاجمالي، فلا محالة يكون الغرض المترتب عليه في الواقع أيضاً غير واصل، لفرض أنّ وصوله تابع لوصول التكليف، فإذا فرض أنّ التكليف لم يصل فالغرض أيضاً كذلك، ومن الظاهر أ نّه لا يجب تحصيل مثل هذا الغرض لا بحكم العقل ولا بحكم الشرع، لفرض أ نّه لا يزيد عن التكليف، والمفروض في المقام أ نّه لا يجب امتثال هذا التكليف من جهة عدم تنجّزه ووصوله، فإذن لا مانع من قبل وجوب تحصيل الغرض من إجراء البراءة عن وجوب الأكثر شرعاً وعقلاً كما هو واضح.
وأمّا التكليف المتعلق بالأقل، فبما أ نّه واصل إلى المكلف ومنجّز، فلا محالة يكون الغرض المترتب عليه واصلاً أيضاً، ومعه يجب تحصيله، كما يجب امتثال التكليف المتعلق به.
ونتيجة ما ذكرناه: هي أنّ الغرض المترتب على الأكثر بما أ نّه مشكوك فيه من جهة، ولم يقم برهان عليه من جهة اُخرى، فلا محالة لا يمنع عن جريان البراءة عن وجوبه.
ومن ذلك يظهر أ نّه لا فرق بين البراءة الشرعية والعقلية، فانّه كما لا يمنع عن جريان الاُولى، كذلك لا يمنع عن جريان الثانية، ضرورة أنّ مانعيته إنّما هي في فرض كون تحصيله واجباً بحكم العقل، وقد عرفت أنّ العقل لا يحكم بوجوب تحصيله، إلاّ فيما إذا وصل إلى المكلف لا مطلقاً.
فما أفاده المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) (1) من التفكيك بين البراءة
ـــــــــــــــــــــ
(1) تقدّم ذكر المصدر في ص 314.

ــ[318]ــ

الشرعية والعقلية في مسألة الأقل والأكثر الارتباطيين، لا يمكن المساعدة عليه بوجه، وتمام الكلام هناك.
وأمّا الكلام في المورد الثاني، وهو بيان الثمرة بين الصور المتقدمة في فرض كون الترك متعلقاً للوجوب الضمني، فأيضاً تظهر الثمرة بينها في موردين:
الأوّل: فيما إذا اضطر المكلف إلى إيجاد بعض أفراد الطبيعة [ التي ] كان المطلوب تركها في الخارج في ضمن واجب كالصلاة مثلاً أو نحوها، كما إذا اضطرّ إلى لبس الثوب المتنجس أو الميتة أو ما لا يؤكل لحمه في الصلاة.
فعلى الصورة الاُولى، بما أنّ المطلوب هو صرف ترك هذه الطبائع في ضمنها وأ نّها متقيدة به، فلا محالة يحصل المطلوب بترك فرد مّا منها في الخارج، ولا يجب عليه ترك بقية أفرادهـا، وذلك لما عرفت من أنّ صرف الترك كصرف الوجود فكما أنّ صرف الوجود يتحقق بأوّل الوجودات، فكذلك صرف الترك يتحقق بأوّل التروك، فإذا حصل صرف الترك بأوّل الترك حصل الغرض، ومعه يسقط الأمر، فإذن لا أمر بترك بقية أفرادها، بل لا مقتضي له، لفرض أ نّه قائم بصرف الترك لا بمطلقه، كما أنّ عصيانه يتحقق بايجاد أوّل فرد منها في الخارج في ضمن الصلاة ولو في آن.
وعلى الجملة: فعلى هذه الصورة يكفي في صحة الصلاة ترك هذه الطبائع فيها آناً ما، ولا يلزم تركها في تمام آنات الاشتغال بالصلاة، بل لا مقتضي له. ويترتب على ذلك أنّ المانع عنها في هذه الصورة إنّما هو وجود هذه الطبائع في تمام آنات الاشتغال بها، ولا أثر لوجودها في بعض تلك الآنات أصلاً، والسر فيه واضح، وهو أنّ المطلوب حيث كان صرف ترك هذه الطبائع في الصلاة، فمن المعلوم أ نّه يتحقق بترك لبسها آناً ما فيها، وإن لم يترك في بقية آنات الاشتغال بها، لصدق صرف الترك عليه، ومعه يحصل المطلوب ويسقط الأمر

ــ[319]ــ

لا محالة، ولازم ذلك هو أنّ المانع لبس هذه الاُمور في جميع آنات الصلاة، وهذا واضح.
وعلى الصورة الثانية، وهي كون المطلوب ترك جميع أفراد هذه الطبائع في الصلاة على نحو الانحلال والعام الاستغراقي، وجب الاقتصار على خصوص الفرد المضطر إليه، وذلك لفرض أنّ الصلاة على هذا متقيدة بترك كل فرد من أفرادها في الخارج على نحو الاستقلال، ولازم ذلك هو أنّ وجود كل منها مانع مستقل عنها، فلا تكون مانعيته مربوطة بمانعية فرد آخر... وهكذا.
وبكلمة اُخرى: حيث إنّ المفروض في هذه الصورة هو أنّ ترك كل واحد من أفراد هذه الطبائع مطلوب على نحو الاستقلال، فلا محالة يكون وجود كل منها مانعاً مستقلاً، ضرورة أ نّا لا نعني بالمانع إلاّ ما يكون عدمه دخيلاً في الواجب. وعلى هدى ذلك فإذا فرض أنّ المكلف اضطرّ إلى إيجاد فرد من أفرادها، وجب عليه الاقتصار على خصوص هذا الفرد المضطر إليه ولا يسوغ له إيجاد فرد آخر منها، فلو أوجده لبطلت صلاته، لفرض أنّ ترك كلٍّ منها مطلوب مستقلاً وأ نّه زيادة في المانع.
ويترتب على ما ذكرناه أ نّه يجب التقليل في أفراد تلك الطبائع بالمقدار الممكن، ويلزم الاقتصار على قدر الضرورة، ولا يجوز ارتكاب الزائد، وذلك كما إذا فرض نجاسة طرفي ثوب المكلف مثلاً، وفرض أ نّه متمكن من إزالة النجاسة عن أحد طرفيه دون الطرف الآخر، كما إذا كان عنده ماء بمقدار يكفي لازالة النجاسة عنه دون الآخر، ففي مثل ذلك يجب عليه تقليل النجاسة وإزالتها عن أحد طرفي ثوبه، لفرض أنّ كل فرد منها مانع مستقل، وترك كل فرد منها مطلوب كذلك، فإذا فرض أنّ المكلف اضطرّ إلى إيجاد مانع فلا يجوز له إيجاد مانع آخر... وهكذا، فانّ الضرورة تتقدّر بقدرها، فلو أوجد فرداً

ــ[320]ــ

آخر زائداً عليه لكان موجباً لبطلان صلاته.
وكذا إذا فرض نجاسة ثوبه وبدنه معاً، فعندئذ إذا كان عنده ماء بمقدار يكفي لازالة النجاسة عن أحدهما وجبت الازالة بالمقدار الممكن.
وكذا إذا فرض نجاسة مواضع من بدنه وفرض أ نّه متمكن من إزالة النجاسة عن بعضها وجبت الازالة الممكنة.
وكذا الأمر فيما إذا فرض نجاسة مواضع من بدنه أو ثوبه، ولكنّه متمكن من تقليله بحسب الكم، وجب تقليله... وهكذا.
وعلى الجملة: فالاضطرار إلى إيجاد مانع في الخارج لا يوجب سقوط الصلاة، لفرض أ نّها لا تسقط بحال، كذلك لا يوجب سقوط مانعية فرد آخر، لفرض أنّ كلاً منها مانع مستقل.
ونتيجة ما ذكرناه: هي وجوب التقليل في أفراد النجس والميتة وما لا يؤكل ونحو ذلك في الصلاة من الأفراد العرضية والطولية بالمقدار الممكن، ولزوم الاقتصار على قدر الضرورة.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net