ــ[323]ــ
وأما إذا كان جاهلاً بالموضوع (1) بأن لم يعلم أن ثوبه أو بدنه لاقى
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لامَسْتمُ النِّساءَ فَلمْ تَجِدُوا ماءً فتيمّموا صَعيداً طيِّباً ... )(1) .
وبذلك يظهر أن الحديث إنما يشير إلى تلك الخمسة التي ذكرها الله سبحانه في الكتاب ، والذي ذكره سبحانه إنما هو خصوص الطهارة من الحدث ـ أعني الغسل والوضوء والتيمم ـ وليس من الطهارة الخبثية ذكر في الكتاب ، فاذا ضممنا إلى ذلك ما استفدناه من ذيل الحديث ، فلا محالة ينتج أن الطهور في الحديث إنما هو بمعنى ما يتطهر به من الحدث ، وأما الطهارة من الخبث فليست من الأركان التي تبطل الصلاة بالاخلال بها مطلقاً كما هو الحال في الخمسة المذكورة في الحديث . ولعل ما ذكرناه هو الوجه فيما سلكه المشهور من أصحابنا حيث خصوا الحديث بالطهارة من الحدث مع عمومه في نفسه .
ومما يدلنا على أن الطهارة من الخبث ليست كالطهارة الحدثية من مقومات الصلاة حتى تبطل بفواتها ، أنه لا إشكال في صحة الصلاة الواقعة في النجس في بعض الموارد ولو مع العلم به كموارد الاضطرار وعدم التمكن من استعمال الماء ، وكذلك الأخبار الواردة في صحة الصلاة في النجس في الشبهات الموضوعية كما نوافيك عن قريب حيث إنها لو كانت مقومة للصلاة كالخمسة المذكورة في الحديث لم يكن للحكم بصحة الصلاة مع الاخلال بها وجه صحيح . وكيف كان ، فما ذكرناه من القرينة مؤيداً بما فهمه المشهور من الحديث كاف في إثبات المدعى ، وعليه فالحديث يعم الجاهل القاصر والناسي كليهما وتخصيصه بالناسي تخصيص بلا وجه .
(1) ما سردناه في الحاشية المتقدمة إنما هو في الجهل بالنجاسة من حيث الحكم والاشتراط ، وأما إذا صلّى في النجس جاهلاً بموضوعه مع احتماله النجاسة أو الغفلة عنها ثم علم بالنجاسة بعد الصلاة ، فقد نسب إلى بعضهم القول بوجوب الاعادة حينئذ في الوقت وخارجه ولم يسم قائله . وعن المشهور عدم وجوب الاعادة مطلقاً
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المائدة 5 : 6 .
ــ[324]ــ
وعن المبسوط والنهاية في باب المياه(1) والنافع(2) والقواعد(3) وغيرها التفصيل بين الوقت وخارجه فيعيد في الوقت دون خارجه وهناك تفصيل آخر احتمله الشهيد في ذكراه بل مال إليه في الدروس(4) وقوّاه في الحدائق وادعى أنه ظاهر الشيخين والصدوق(5) وهو التفصيل بين من شك في طهارة ثوبه أو بدنه ولم يتفحص عنها قبل الصلاة وبين غيره فيعيد في الأول دون غيره .
والصحيح ما هو المشهور بينهم من صحة صلاته وعدم وجوب الاعادة لا في الوقت ولا في خارجه ، وذلك لا لما ذكره بعضهم من أن الشرطية والجزئية إنما تنشآن من الأوامر الواردة بغسل الثوب أو البدن أو النواهي الواردة عن الصلاة في النجس ومن الظاهر أن الأوامر والنواهي إنما تتحققان في فرض العلم ولا يثبتان في حق الجاهل . والوجه في عدم اعتمادنا عليه أن منشأ الشرطية والجزئية وإن كان هو الأوامر الغيريّة المتعلِّقة بغسل الثوب والبدن أو النـواهي الغيرية المتعلقة بالصلاة في النجس إلاّ أنها أوامر أو نواهي إرشادية والارشاد كالحكاية والاخبار ، فكما أنهما تعمّان العالمين والجاهلين كذلك الارشاد الذي وزانه وزانهما لاطلاقه ، ولا وجه لمقايسة الأوامر الغيرية الارشادية بالأوامر النفسية التي لا تثبت في حق غير العالمين هذا . على أن هذا الكلام لو تم فانما يتم في موارد الخطأ والنسيان والجهل المركب ونحوها لا بالاضافة إلى الجاهل البسيط ، إذ لا مانع من شمول الأوامر والنواهي للجاهل غاية الأمر أنها لا تكون منجّزة في حقه ، وكم فرق بين الثبوت والتنجز . هذا مضافاً إلى دلالة الأخبار وقيام الاجماع والضرورة على أن الأحكام الشرعية مشتركة بين العالمين والجاهلين .
بل الوجه فيما ذكرناه دلالة حديث لا تعاد على عدم وجوب الاعادة ، لما عرفت
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) المبسوط 1 : 38 ، النهاية : 8 .
(2) المختصر النافع : 19 .
(3) قواعد الأحكام 1 : 194 .
(4) الذكرى : 17 السطر 17 ، الدروس 1 : 127 .
(5) الحدائق 5 : 415 ، 417 .
ــ[325]ــ
من أن الطهور في الحديث بمعنى ما يتطهّر به من الحدث فالطهارة من الخبث مما لا تعاد منه الصلاة . ويدل عليه أيضاً جملة من الصحاح : منها : صحيحة العيص بن القاسم قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن رجل صلّى في ثوب رجل أياماً ثم إن صاحب الثوب أخـبره أنه لا يصلِّي فيه ، قال : لا يعيد شيئاً من صلاته»(1) ومنها : مصححة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال : «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الرجل يصلي وفي ثوبه عذرة من إنسان أو سنور أو كلب ، أيعيد صلاته ؟ قال : إن كان لم يعلم فلا يعيد» (2) . ومنها : صحيحتا زرارة ومحمد بن مسلم الآتيتان . ومنها غير ذلك من الأخبار حيث تدل على نفي وجوب الاعادة فضلاً عن القضاء ، بل لعل الصحيحة صريحة في نفي وجوبه ومن هنا لم يستشكلوا في الحكم بعدم وجوب القضاء .
وأما من فصّل بين الوقت وخارجه فقد اعتمد على روايتين : إحداهما : صحيحة وهب بن عبد ربه عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الجنابة تصيب الثوب ولا يعلم بها صاحبه فيصلي فيه ثم يعلم بعد ذلك ، قال : يعيد إذا لم يكن علم» (3) وثانيتهما : موثقة أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن رجل صلّى وفي ثوبه بول أو جنابة ، فقال : علم به أو لم يعلم فعليه إعادة الصلاة إذا علم» (4) بدعوى أن هاتين الروايتين وإن دلتا على وجوب الاعادة مطلقاً فالنسبة بينهما وبين الصحاح النافية للإعادة مطلقاً نسبة التباين ، إلاّ أن القاعدة تقتضي تخصيصهما أوّلاً بما هو صريح في عدم وجوب الإعادة خارج الوقت ، لأن النسبة بينهما وبينه بالاضافة إلى الاعادة في خارج الوقت نسبة النص أو الأظهر إلى الظاهر ، وبعد ذلك تنقلب النسبة بينهما وبين الطائفة النافية إلى العموم المطلق ، حيث إنهما تقتضيان وجوب الاعادة في الوقت والطائفة النافية تنفي وجوبها في الوقت وخارجه ، فلا مناص من الجمع بينهما بحمل الطائفة النافية على إرادة الاعادة خارج الوقت وحمل الروايتين الآمرتين بالاعادة على الاعادة في الوقت هذا .
ويرد على هذا الجمع أوّلاً : أن صحيحة وهب وإن كانت تامة سنداً إلاّ أنها
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) ، (2) ، (3) ، (4) الوسائل 3 : 475 / أبواب النجاسات ب 40 ح 6 ، 5 ، 8 ، 9 .
ــ[326]ــ
مشوّشة المتن جداً ، وذلك لأنها علّقت وجوب الاعادة على ما إذا لم يكن علم ، ومقتضى مفهومها عدم وجوب الاعادة فيما إذا علم ، ولا يمكن إسناد الحكم بوجوب الاعادة على الجاهل وعدم وجوبها على العالم بالنجاسة إلى الإمام (عليه السلام) حيث إن العالم أولى بوجوب الاعادة من الجاهل بالارتكاز . نعم ، لو كانت العبارة : «حتى إذا علم» أو «ولو إذا علم» لكانت الصحيحة ظاهرة في المدعى إلاّ أن الأمر ليس كذلك ، وهذا مما يوجب الظن القوي بل الاطمئنان على وجود سقط في الرواية ، ولعل الساقط كلمة «لا» قبل كلمة يعيد(1) فيكون مدلولها عدم وجوب الاعادة إذا لم يكن علم ، أو يحمل قوله : «يعيد» على كونه استفهاماً إنكارياً وكأنه قال : هل يعيد إذا لم يكن علم ؟ ومعناه أيضاً يرجع إلى نفي وجوب الاعادة على الجاهل ، وبهذا الاحتمال وذاك تصبح الصحيحة مجملة ولا يمكننا الاعتماد عليها أبداً .
وكذلك الحال في الموثقة لاضطراب متنها ، فانّ قوله: «فعليه إعادة الصلاة إذا علم» يحتمل أمرين ومعنيين أحدهما : أن يكون معناه أن الاعادة يشترط فيها العلم بوقوع الصلاة في النجس وحيث إنه علم بذلك بعد الصلاة فلا محالة وجبت عليه إعادتها ، وعلى ذلك فهذه الجملة مسوقة لبيان حكم عقلي أعني اشتراط العلم في تنجز التكليف ، والشرطية مسوقة لبيان التسوية والتعميم في الاعادة بين الصورتين المذكورتين في قوله : «علم به أو لم يعلم» فتجب فيهما الاعادة لعلمه بوجود الخلل في صلاته . وثانيهما : أن يكون معناه أن الاعادة تختص بما إذا علم بالنجاسة دون ما إذا لم يعلم بها ، وعليه فهو شارح للتفصيل المتقدم عليه في قوله : «علم به أو لم يعلم» وقرينة على أن قوله ذلك تشقيق لا تفصيل ، وحاصله : أن الإمام (عليه السلام) لما شقق الموضوع وبيّن أنه قد يكون عالماً بنجاسة ثوبه وقد لا يكون ، فرّع عليه الحكم بالاعادة إذا علم مشعراً بعدم وجوبها إذا لم يعلم وأن الحكم بالاعادة لا يعم كلا الشقين ، وحيث لا قرينة على تعيين أحد المحتملين فلا محالة تصبح الموثقة كالصحيحة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لا يخفى ان الرواية مشتملة على كلمة (لا) وفقاً لبعض نسخ التهذيبين كما في الطبعة الأخيرة من التهذيب 2 : 360 / 1491 ، والاستبصار 1 : 181 / 635 وما استظهرناه ونقلنا عنه في المتن موافق مع النسخة التي روى عنها الوافي 6 : 164 / 4009 والوسائل .
ــ[327]ــ
مجملة .
وثانياً : أنّ حمل الأخبار النافية للاعادة على نفيها خارج الوقت مما لا يتحمّله جميعها ، فدونك صحيحة زرارة حيث ورد فيها : «فان ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئاً ثم صليت فرأيت فيه ؟ قال : تغسله ولا تعيد الصلاة قلت : لم ذلك ؟ قال : لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شكّكت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقـين بالشك أبداً»(1) لأنها كما ترى علّلت عدم وجـوب الاعـادة بالاستصحاب ، فلو كان عدم وجوبها مستنداً إلى خروج وقت الصلاة لكان المتعين أن يعلل بذلك لا بالاستصحاب المشترك بين الوقت وخارجه ، وذلك فان استصحاب طهارته إنما يناسب أن تكون علّة لجواز دخوله في الصلاة ـ وهو شاك في طهارة ثوبه ـ ولا يناسب أن يكون علّة لعدم وجوب الاعادة في مفروض المسألة ، لما بيّناه في محلِّه من أن الأحكام الظاهرية لا تقتضي الإجزاء وبذلك نستفيد من الصحيحة أنّ الطهارة التي هي شرط الصلاة أعم من الظاهرية والواقعية ، فمع إحرازها يحكم بصحة الصلاة ولا تجب إعادتها في الوقت ولا في خارجه لكونها واجدة لشرطها ومعه كيف يصح حملها على إرادة الاعادة في الوقت دون خارجه . فالروايتان الآمرتان بالاعادة في الوقت على تقدير تماميتهما تعارضان الصحيحة كما تعارضان صحيحة محمد بن مسلم ورواية أبي بصير الآتيتين . فالصحيح حمل الروايتين على استحباب الاعادة في الوقت والحكم بعدم وجوبها لا فيه ولا في خارجه . ولعله لأجلهما احتاط الماتن بالإعادة في الوقت .
وأما التفصيل بين من شك في طهارة ثوبه أو بدنه ولم يتفحص عنها قبل الصلاة وبين غيره بالحكم بالاعادة في الأول دون غيره ، بلا فرق في ذلك بين أن يكون دخوله في الصلاة مستنداً إلى أصالة عدم نجاسة ثوبه أو بدنه وبين أن يكون مستنداً إلى غفلته ، فقد استدل له بجملة من الأخبار : منها : صحيحة زرارة المتقدمة حيث ورد فيها : «فان ظننت أنه قد أصابه ولم أتيقن ذلك فنظرت فلم أر فيه شيئاً ثم صليت
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 477 / أبواب النجاسات ب 41 ح 1 .
ــ[328]ــ
فرأيت فيه ، قال : تغسله ولا تعيد الصلاة» الحديث (1) حيث رتب الحكم بعدم الاعادة على ما إذا نظر المكلف وفحص عن نجاسة ثوبه ولم ير شيئاً قبل الصلاة .
وفيه : أن فرض النظر والفحص عن النجاسة قبلها إنما ورد في سؤال الراوي لا في جواب الإمام (عليه السلام) ولم يعلّق الحكم في كلامه على الفحص قبل الصلاة . على أن الصحيحة فيها جملتان صريحتان في عدم اعتبار الفحص والنظر في عدم وجوب الاعادة : إحداهما : قوله : «لا ولكنك إنما تريد أن تذهب الشك الذي وقع في نفسك» بعد ما سأله زرارة بقوله : فهل عليَّ إن شككت في أنه أصابه شيء أن أنظر فيه ؟ حيث إنها تنفي وجوب الفحص والنظر وتدل على أن فائدتهما منحصرة بزوال الوسوسة والتردد الذي هو أمر تكويني ، فلو كانت لهما فائدة شرعية كعدم وجوب الاعادة بعد الالتفات لم تكن الثمرة منحصرة بذهاب الوسوسة ولكان الأولى بل المتعين التعليل بتلك الفائدة الشرعية . وثانيتهما : قوله : «لأنك كنت على يقين من طهارتك ثم شككت فليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك أبداً» حيث علل عدم وجوب الاعادة بأنه كان مورداً للاستصحاب الذي مرجعه إلى أن شرط الصلاة أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية وهو متحقق في مورد السؤال بلا فرق في ذلك بين الفحص والنظر قبل الصلاة وعدمهما .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ذكر المني فشدّده فجعله أشد من البول ، ثم قال : إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك فكذا البول» (2) حيث رتبت الحكم بعدم الاعادة على نظره في الثوب قبل الصلاة وهي تقتضي بمفهومها وجوب الاعادة إذا رأى المني أو البول في ثوبه بعد الصلاة ولم يكن نظر فيه قبلها .
وفيه : أن سوق العبارة وظاهرها أن المناط في الاعادة وعدمها إنما هو رؤية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 477 / أبواب النجاسات ب 41 ح 1 .
(2) الوسائل 3 : 478 / أبواب النجاسات ب 41 ح 2 ، 3 .
ــ[329]ــ
النجاسة ـ أي العلم بها ـ وعدمها قبل الصلاة أو بعد ما دخل فيها ، فاذا لم يعلم بها قبل الصلاة ولا في أثنائها صحت صلاته ولا تجب إعادتها ، وإن رأى النجاسة وعلم بها قبل الصلاة أو في أثنائها وجبت إعادتها ، فلا مدخلية للنظر في ذلك بوجه وإنما عبّر عن العلم بالنجاسة ورؤيتها بالنظر في قوله : «وإن أنت نظرت» من جهة أنهما إنما يحصلان بالنظر على الأغلب .
ومنها : رواية ميمون الصيقل عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال «قلت له : رجل أصابته جنابة بالليل فاغتسل فلما أصبح نظر فاذا في ثوبه جنابة ، فقال : الحمد لله الذي لم يدع شيئاً إلاّ وله حد ، إن كان حين قام نظر فلم ير شيئاً فلا إعادة عليه ، وإن كان حين قام لم ينظر فعليه الاعادة»(1) وبمضمونها مرسلة الفقيه حيث قال : «وقد روى في المني أنه إن كان الرجل حيث قام نظر وطلب فلم يجد شيئاً فلا شيء عليه فان كان لم ينظر ولم يطلب فعليه أن يغسله ويعيد صلاته»(2) ومن المحتمل القوي أن تكون المرسلة إشارة إلى رواية الصيقل فهما رواية واحدة ، ودلالتها على المدعى غير قابلة للمناقشة إلاّ انها ضعيفة السند لجهالة ميمون الصيقل . وفي هامش الوسائل عن الكافي المطبوع منصور الصيقل(3) بدلاً عن ميمون الصيقل . وصرح في تنقيح المقال بأن إبدال ميمون الصيقل بالمنصور اشتباه(4) . ولعله من جهة أن الراوي عن ابن جبلة عن سيف تارة وعن سعد اُخرى إنما هو ميمون لا منصور . ولكن الخطب سهل لجهالة منصور الصيقل كميمون فلا يجدى تحقيق أن الراوي هذا أو ذاك .
على أنّ الرواية لو أغمضنا عن سندها أيضاً لا تنهض حجّة في مقابل الأخبار الدالّة على عدم الفرق بين الفحص والنظر قبل الصلاة وعدمه . منها : صحيحة زرارة المتقدِّمة على التقريب الذي أسلفناه آنفاً . ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يصلي ، قال :
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 478 / أبواب النجاسات ب 41 ح 2 ، 3 .
(2) الوسائل 3 : 478 / أبواب النجاسات ب 41 ح 4 ، الفقيه 1 : 42 ح 167 .
(3) الوسائل 3 : 478 هامش 1 من الحديث 3 .
(4) تنقيح المقال 3 : 265 .
ــ[330]ــ
البول مثلاً فان لم يلتفت أصلاً أو التفت بعد الفراغ من الصلاة صحّت صلاته ولا يجب عليه القضاء ، بل ولا الاعادة في الوقت ، وإن كان أحوط . وإن التفت في أثناء الصلاة فان علم سبقها وأن بعض صلاته وقع مع النّجاسة، بطلت مع سعة الوقت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لا يؤذنه حتى ينصرف» (1) لصراحتها في أنه لا أثر للعلم الحاصل من إعلام المخبر بنجاسة الثوب بعد الصلاة ، وإنما الأثر وهو وجوب الاعادة يترتب على العلم بالنجاسة حال الصلاة أو قبلها ، بلا فرق في ذلك بين الفحص قبل الصلاة وعدمه ولا بين كون العلم بالنجاسة في الوقت وبين كونه خارج الوقت ، لأن المناط الوحيد في وجوب الاعادة هو العلم بنجاسة الثوب أو البدن قبل الصلاة .
ومنها : موثقة (2) أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في رجل صلّى في ثوب فيه جنابة ركعتين ثم علم به ؟ قال : عليه أن يبتدئ الصلاة ، قال : وسألته عن رجل يصلي وفي ثوبه جنابة أو دم حتى فرغ من صلاته ثم علم ؟ قال : مضت صلاته ولا شيء عليه» فان التقابل بين العلم بالنجاسة في أثناء الصلاة والحكم بوجوب الاعادة حينئذ ، وبين العلم بالنجاسة بعد الفراغ والحكم بعدم وجوب الاعادة ، صريح في أن المدار في وجوب الاعادة وعدمه إنما هو العلم بنجاسة الثوب أو البدن قبل الصلاة أو في أثنائها والعلم بها بعد الفراغ ، بلا فرق في ذلك بين الفحص قبل الصلاة وعدمه ولا بين داخل الوقت وخارجه .
فالمتلخص أن المكلف إذا جهل نجاسة ثوبه أو بدنه وصلّى والتفت إليها بعد الفراغ لا تجب عليه الاعادة في الوقت ولا في خارجه ، نظر وفحص قبلها أم لم يفحص . نعم ، إذا علم بنجاسته في الوقت فالأحوط إعادة الصلاة ولا سيما إذا لم يفحص عن النجاسة قبل الصلاة .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 474 / أبواب النجاسات ب 40 ح 1 .
(2) كذا عبّر عنها في بعض الكلمات وفي سندها محمد بن عيسى عن يونس فراجع الوسائل 3 : 474 / أبواب النجاسات ب 40 ح 2 .
|