ــ[331]ــ
للإعادة ، وإن كان الأحوط الاتمام ثم الاعادة ، ومع ضيق الوقت ((1)) إن أمكن التطهير أو التبديل ـ وهو في الصلاة من غير لزوم المنافي ـ فليفعل ذلك ويتم وكانت صحيحة ، وإن لم يمكن أتمها وكانت صحيحة ، وإن علم حدوثها في الأثناء مع عدم إتيان شيء من أجزائها مع النّجاسة ، أو علم بها وشكّ في أنها كانت سابقاً أو حدثت فعلاً ، فمع سعة الوقت وإمكان التطهير أو التبديل يتمها بعدهما ، ومع عدم الامكان يستأنف ومع ضيق الوقت يتمها مع النجاسة ولا شيء عليه (1) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لهذه المسألة صور :
الاُولى : ما إذا التفت إلى نجاسة ثوبه أو بدنه في أثناء الصلاة وعلم أو احتمل طروها في الآن الذي التفت إلى نجاسة ثوبه مثلاً ، في ذلك الآن لا قبل الصلاة ولا فيما تقدمه من أجزائها .
الثانية : الصورة مع العلم بطرو النجاسة في الأجزاء السابقة على الآن الملتفت فيه إليها .
الثالثة : الصورة مع العلم بطروها قبل شروعه في الصلاة . والمشهور بين أصحابنا في جميع ذلك ـ كما حكي ـ أنه إن تمكّن من إزالة النجاسة وتطهير بدنه أو ثوبه ـ ولو بالقائه وتبديله من غير إخلال بشرائط الصلاة ـ وجبت إزالتها فيتم صلاته ولا شيء عليه ، وأما إذا لم يتمكّن من إزالة النجاسة ولو بالقاء الثوب أو تبديله لعدم ثوب طاهر عنده أو لأن تحصيله يستلزم إبطال الصلاة ، فلا محالة يبطلها ويزيل النجاسة ثم يستأنف الصلاة .
أمّا الصورة الاُولى : فلا إشكال فيها في صحة الصلاة مع التمكن من إزالة النجاسة في أثنائها ، وذلك للنصوص المتضافرة ـ التي فيها الصحاح وغيرها ـ الواردة في من رعف في أثناء الصلاة ، حيث دلت على عدم بطلانها بذلك فيما إذا تمكن من إزالته من
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بأن لا يتمكّن من إدراك الصلاة في ثوب طاهر ولو بركعة .
ــ[332]ــ
دون استلزامه التكلم كما في بعضها (1) أو استدبار القبلة كما في بعضها الآخر (2) . والظاهر أنهما من باب المثال والجامع أن لا تكون إزالة النجاسة مستلزمة لشيء من منافيات الصلاة . وكيف كان ، فقد دلّتنا هذه الأخبار على أن حدوث النجاسة في أثناء الصلاة لا يبطلها فيما إذا أمكنت إزالتها ، وذلك لأن الأجزاء السابقة على الآن الذي طرأت فيه النجاسة وقعت مع الطهارة بالعلم أو باستصحاب عدم طروها إلى آن الالتفات ، والأجزاء الآتية أيضاً واجدة للطهارة لأن المفروض أنه يزيل النجاسة الطارئة في أثنائها ، وأما الآن الحادث فيه النجاسة فهو وإن كان قد وقع من غير طهارة إلاّ أن الأخبار الواردة في الرعاف صريحة في أن النجاسة في الآنات المتخللة بين أجزاء الصلاة غير مانعة عن صحتها ، ومن جملة تلك الأخبار صحيحة زرارة المتقدمة حيث ورد فيها : «وإن لم تشك ثم رأيته رطباً قطعت الصلاة وغسلته ثم بنيت على الصلاة لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك ، فليس ينبغي أن تنقض اليقين بالشك أبداً» (3) إذ المراد برؤية الدم رطباً هو عدم العلم بطروّه قبل الصلاة وإلاّ فالعادة تقضي بيبوسته . وقوله (عليه السلام) : «لعله شيء أوقع عليك» كالصريح في أن طرو النجاسة في أثناء الصلاة غير موجبة لبطلانها ، بلا فرق في ذلك بين العلم بحدوثها في أثناء الصلاة وبين الشك في ذلك ، لأن مقتضى الصحيحة أن الطهارة المعتبرة في الصلاة أعم من الطهارة الواقعية والظاهرية ، فاذا احتمل طروّها قبل الصلاة فله أن يستصحب عدم حدوثها إلى آن الالتفات ، وبه تحرز الطهارة الظاهرية التي هي شرط الصلاة ، فما ذهب إليه المشهور في هذه الصورة هو الصحيح .
وأمّا الصورة الثالثة : وهي ما إذا علم بالنجاسة في أثناء الصلاة مع العلم بطروها قبل الصلاة فقد عرفت أن المشهور صحّة صلاته إذا تمكّن من إزالة النجاسة في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع صحيحة محمد بن مسلم وغيرها من الأخبار في الوسائل 7 : 238 / أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 4 ، 6 ، 9 .
(2) راجع صحيحة عمر بن أذينة وما رواه الحميري عن علي بن جعفر في الوسائل 7 : 238 / أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح ، 18 .
(3) الوسائل 3 : 482 / أبواب النجاسات ب 44 ح 1 .
ــ[333]ــ
أثنائها ، وقد يستدل على ذلك بفحوى الأخبار الواردة في صحة الصلاة الواقعة مع النجاسة المجهولة ، لأن الصلاة الواقعة في النجس بتمامها إذا كانت صحيحة فالصلاة الواقعة في النجس ببعضها صحيحة بالأولوية القطعية . وأما الأجزاء المتأخرة عن آن الالتفات فهي واجدة لشرطها ، لأن المفروض أن المكلف يزيل النجاسة في أثناء الصلاة ، وأما الآنات المتخللة فقد مرّ أن النجاسة فيها غير مانعة عن صحة الصلاة .
وبذلك يظهر الحال في الصورة الثانية لأن الأولوية القطعية أيضاً تقتضي فيها الحكم بصحة الصلاة كما عرفت تقريبها .
وهذا الذي اُفيد وإن كان صحيحاً في نفسه إلاّ أن الأخبار الواردة في المسألة مطبقة على بطلان الصلاة في مفروض الكلام :
منها : صحيحة زرارة المتقدمة حيث قال : «لأنك لا تدري لعله شيء أوقع عليك» فانه يدل على أن الصلاة إنما يحكم بصحتها مع رؤية النجس فيما إذا احتمل طرو النجاسة في أثنائها ، وأما مع العلم بطروها قبل الصلاة فلا .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم المتقدِّمة الواردة في الرجل يرى في ثوب أخيه دماً وهو يصلي ؟ قال : لا يؤذنه حتى ينصرف (1) لدلالتها على أن العلم بالنجاسة الحاصل باعلام الغير في أثناء الصلاة يوجب البطلان .
ومنها : صحيحته الاُخرى عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «ذكر المني فشدّده فجعله أشد من البول ، ثم قال : إن رأيت المني قبل أو بعد ما تدخل في الصلاة فعليك إعادة الصلاة ، وإن أنت نظرت في ثوبك فلم تصبه ثم صليت فيه ثم رأيته بعد فلا إعادة عليك ، فكذلك البول»(2) فقد دلّت على بطلان الصلاة في النجاسة الواقعة قبلها ، لأن ذكر المني قرينة على حدوثه قبل الصلاة لبعد ملاقاته الثوب في أثنائها .
ومنها : ما عن أبي بصير عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في رجل صلّى في ثوب
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 474 / أبواب النجاسات ب 40 ح 1 وقد تقدّمت في ص 329 .
(2) الوسائل 3 : 478 / أبواب النجاسات ب 41 ح 2 وقد تقدّمت في ص 328 .
ــ[334]ــ
فيه جنابة ركعتين ثم علم به ؟ قال : عليه أن يبتدئ الصلاة ..» (1) وهذه الأخبار تقتضي الحكم ببطلان الصلاة في الصورة الثالثة ولا تبقي مجالاً للأولوية القطعية بوجه .
ثم إنّ الأخبار الواردة في الرعاف لا دلالة لها على صحة الصلاة في الصورة الثالثة وإنما يستفاد منها عدم بطلانها بحدوث النجاسة في أثنائها ، فالاستشهاد بها على صحّة الصلاة في الصورة الثالثة في غير محلّه . وما ذكرناه في المقام من الحكم ببطلان الصلاة لا ينافي كون الطهارة الظاهرية مجزئة في إحراز شرط الصلاة ، لأنه من الجائز أن تكون الطهارة الظاهرية مجزئة في خصوص ما إذا كانت الصلاة واقعة في النجس بأجمعها دون ما إذا وقع شيء منها في النجس بأن انكشف في أثناء الصلاة ، فانّ ذلك أمر ممكن لا استحالة فيه . هذا كله في الاستدلال على ما ذهب إليه المشهور بالأولوية .
وقد يستدل لهم بجملة من الأخبار : منها : موثقة داود بن سرحان عن أبي عبدالله (عليه السلام) «في الرجل يصلِّي فأبصر في ثوبه دماً ؟ قال : يتم» (2) ولا يحتاج تقريب الاستدلال بها إلى مزيد بيان .
والصحيح عدم دلالتها على صحة الصلاة في مفروض الكلام وذلك فان للرواية إطلاقاً من نواح ثلاث :
الاُولى : من جهة أمره (عليه السلام) باتمام الصلاة حيث إنه مطلق يشمل صورة التمكّن من إزالة الدم بغسله أو إلقاء ثوبه أو تبديله وصورة العجز عن ذلك ، كما أنه على الصورة الاُولى يشمل ما إذا أزاله وما إذا لم يزله .
الثانية : إطلاقها من جهة كون الدم بمقدار يعفى عنه في الصلاة وما إذا لم يكن وكونه مما يعفى عنه في نفسه وما إذا لم يكن كما إذا كان من الدماء الثلاثة أو من دم غير المأكول .
الثالثة : إطلاقها من جهة وقوع الدم المرئي في ثوب المصلي قبل الصلاة وما إذا وقع
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 474 / أبواب النجاسات ب 40 ح 2 وقد تقدّمت في ص 330 .
(2) الوسائل 3 : 430 / أبواب النجاسات ب 20 ح 3 ، ب 44 ح 2 .
ــ[335]ــ
فيه في أثنائها .
أما إطلاقها من الناحية الاُولى فهو مقطوع الخلاف ولا مناص من تقييده ، للاجماع القطعي وغيره من الأدلة القائمة على بطلان الصلاة في النجس عن علم وعمد فكيف يمكن الحكم بصحّة صلاته مع العلم بنجاسة ثوبه وعدم إزالته مع التمكن منها .
وأمّا إطلاقها من الناحية الثانية فهو أيضاً كسابقه قابل التقييد ، حيث يمكن أن نحمله على خصوص ما يعفى عنه في الصلاة ـ كما حكي عن الشيخ (1) ـ ومع تقييـد الرواية بذلك لا نضايق عن إبقائها على إطلاقها من الناحية الاُولى ، إذ لا مانع من الحكم بصحّة الصلاة وإتمامها مع الدم المعفو عنه في الثوب أو البدن ، إلاّ أن الرواية على ذلك غير قابلة للاستدلال بها على مذهب المشهور كما لعله واضح .
وأمّا إطلاقها من الناحية الثالثة فهو كاطلاقها من الناحيتين السابقتين يقبل التقييد بما إذا حدث الدم المشاهد في أثناء الصلاة ، وذلك بقرينة ما تقدم من الأخبار الواردة في بطلان الصلاة الواقعة في النجس السابق عليها . وعلى الجملة أن الرواية غير واردة في خصوص النجاسة السابقة على الصلاة وإنما تشمله باطلاقها ، ومعه يقيد بالأخبار المتقدمة المصرّحة ببطلان الصلاة الواقعة في النجس السابق عليها فلا معارضة بينهما .
ومنها : ما عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إن رأيت في ثوبك دماً وأنت تصلي ولم تكن رأيته قبل ذلك فأتم صلاتك ، فاذا انصرفت فاغسله قال : وإن كنت رأيته قبل أن تصلي فلم تغسله ثم رأيته بعد وأنت في صلاتك فانصرف فاغسله وأعد صلاتك» (2) لا إشكال في سندها لأن ابن إدريس نقلها من كتاب المشيخة للحسن بن محبوب عن عبدالله بن سنان (3) . وإنما الكلام في دلالتها ولا إطلاق لها من ناحية الدم حتى يشمل ما يعفى وما لا يعفى عنه في الصلاة ، بل تختص بالأخير بقرينة أمره (عليه السلام) بالانصراف وإعادة الصلاة على تقدير رؤيته قبل
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) التهذيب 1 : 423 ذيل الحديث 1344 .
(2) الوسائل 3 : 483 / أبواب النجاسات ب 44 ح 3 .
(3) السرائر 3 : 592 .
ــ[336]ــ
الصلاة . ولا وجه لهما على تقدير كون الدم معفواً عنه في الصلاة ، بل يحرم الانصراف عنها حينئذ على ما هو المشهور من حرمة إبطال الصلاة ، إلاّ أنها مطلقة من ناحية شمولها الدم الحادث في أثناء الصلاة وما حدث منه قبلها ، فهذه الرواية كسابقتها إنما تشمل المقام بالاطلاق فنقيدها بما إذا حدث في أثناء الصلاة بالأخبار المتقدِّمة المصرّحة ببطلانها في النجس السابق على الصلاة . كما أنها مطلقة من ناحية شمولها صورة عدم إزالة النجاسة مع التمكن منها ، فلا بد من تقييدها بما إذا أزالها أو بغير ذلك بقرينة الاجماع وسائر الأدلة القائمة على بطلان الصلاة في النجس عن علم وعمد .
ومنها : حسنة محمد بن مسلم قال «قلت له : الدم يكون في الثوب عليَّ وأنا في الصلاة ؟ قال : إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصلّ في غيره ، وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك ما لم يزد على مقدار الدرهم ، وما كان أقل من ذلك فليس بشيء رأيته قبل أو لم تره ، وإذا كنت قد رأيته وهو أكثر من مقدار الدرهم فضيعت غسله وصليت فيه صلاة كثيرة فأعد ما صليت فيه» (1) ومورد الاستشهاد منها قوله (عليه السلام) «إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل في غيره» لدلالته على عدم بطلان الصلاة بالعلم بالنجاسة في أثنائها ولو كانت النجاسة سابقة على الصلاة .
ولا يخفى أنّ محتملات الرواية ثلاثة : الأوّل : أن يكون الموضوع في الرواية وموردها الدم الذي يعفى عنه في الصلاة ، بأن يكون القيد وهو قوله : «ما لم يزد على مقدار الدراهم» راجعاً إلى كلتا الجملتين الشرطيتين أعني قوله : «إن رأيته وعليك ثوب غيره فاطرحه وصل في غيره» وقوله : «إن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك» فيقيد كل منهما بما إذا كان الدم أقل من الدرهم كما هو أحد المحتملات في الاستثناء المتعقب لجملتين أو أكثر ، إذ المراد به مطلق القيود لا خصوص الاستثناء كما لعله ظاهر . فمورد الرواية خصوص الدم المعفو عنه في الصلاة ، ومعه لا بدّ من حمل الأمر بطرح الثوب في الجملة الاُولى على مجرّد الاستحباب بقرينة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 431 / أبواب النجاسات ب 20 ح 6 .
ــ[337]ــ
ما ورد في عدم بطلان الصلاة في الدم الأقل من الدرهم وبه صرح في ذيل الرواية بقوله : «وما كان أقل من ذلك فليس بشيء» لأنه كغيره من الأدلة الواردة في عدم بطلان الصلاة في الدم الأقل من الدرهم ، وعلى هذا الاحتمال الرواية أجنبية عن الدلالة على مسلك المشهور ، لأن البحث إنما هو في العلم بالنجاسة المانعة عن الصلاة دون ما لا يضر بصحتها .
الثاني : أن يكون موضوعها الدم الجامع بين ما يعفى وما لا يعفى عنه في الصلاة ، كما إذا أرجعنا القيد إلى خصوص الشرطية الأخيرة وهي قوله : «وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك» كما هو الحال في سائر القيود على ما قدمناه في البحث عن الاستثناء المتعقب للجمل المتعددة (1) . وعلى هذا الاحتمال الجملة الاُولى تدل باطلاقها على لزوم إزالة النجاسة في أثناء الصلاة والمضي فيها ، لكنّا علمنا بعدم وجوب إزالة الدم المعفو عنه فتختص الرواية بغيره فتدل على مسلك المشـهور وأن الدم الكثير إذا علم به في أثناء الصلاة تجب إزالته حال الصلاة وإتمامها بلا فرق في ذلك بين وقوعه قبل الصلاة وبين وقوعه في أثنائها .
والجواب عن ذلك : أنّ الرواية مطلقة فوجب تقييدها بالأخبار المتقدِّمة الدالّة على بطلان الصلاة في النجاسة السابقة عليها فبذلك يحمل الدم على الدم الحادث في أثنائها . وبما ذكرناه يظهر الجواب عن الاستدلال بالرواية بناء على أن يكون المراد من كلمة الدم خصوص الدم الكثير وهو الاحتمال الثالث ، بل هو المتعين على رواية الشيخ (قدس سره) حيث نقلها عن الكليني (قدس سره) باضافة لفظة «واو» قبل قوله : «ما لم يزد على مقدار الدرهم» وإسقاط قوله : «وما كان أقل» فجاءت الرواية هكذا : «ولا إعادة عليك . وما لم يزد على مقدار الدرهم من ذلك فليس بشيء ..»(2) .
هذا ولكن الظاهر عدم ثبوت رواية الشيخ (قدس سره) ، وذلك لأن الجملة الثانية «وإن لم يكن عليك ثوب غيره فامض في صلاتك ولا إعادة عليك» بناء على رواية
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) محاضرات في اُصول الفقه 5 : 304 .
(2) التهذيب 1 : 254 ح 736 .
ــ[338]ــ
الشيخ مطلقة ، ومقتضى إطلاقها عدم الفرق في المضي على الصلاة بين صورة التمكّن من إزالة النجاسة ولو بالقاء ثوبه وبين صورة العجز عن إزالتها ، وهو على خلاف الاجماع وغيره من الأدلة القائمة على بطلان الصلاة في النجس متعمداً . وليس الأمر كذلك على رواية الكليني (قدس سره) حيث إن الجملة الثانية مقيدة بما إذا كان الدم أقل من الدرهم على كل حال سواء أرجعناه إلى الجملة السابقة أيضاً أم خصصناه بالأخيرة ، وهذا يدلنا على وقوع الاشتباه فيما نقله الشيخ (قدس سره) ، فالصحيح ما نقله في الوسائل عن الكليني (1) . على أنّ رواية الشيخ في الاستبصار (2) موافقة لنسخة الكافي من هذه الجهة ، والكليني (قدس سره) أضبط .
فالمتحصِّل : أنّ مقتضى الأخبار المتقدِّمة أنّ الصلاة في الصورة الثالثة باطلة ويجب استئنافها مع الطهارة بتبديل الثوب أو بغسله . هذا كله في سعة الوقت وتمكن المكلف من إيقاع الصلاة وإعادتها مع الطهارة في الوقت ، بلا فرق في ذلك بين تمكنه من إتيانها بتمامها في الوقت وبين عدم تمكنه إلاّ من إيقاع ركعة واحدة مع الطهارة قبل انقضائه وإتيان الباقي خارج الوقت ، وذلك لما ورد من أن من أدرك ركعة من الصلاة فقد أدرك الصلاة (3) وهذه الأخبار وإن كان أكثرها ضعيفة إلاّ أن اعتبار بعضها (4) كاف في إثبات المرام ، فبعموم التنزيل الذي نطقت به جملة من الأخبار نحكم بوقوع الصلاة في الوقت أداءً وإن لم يقع منها في الوقت سوى ركعة واحدة .
وأمّا إذا لم يسع الوقت لاعادتها بتمامها ولا بركعة منها مع الطهارة في الوقت ، فان بنينا على مقالة المشهور من وجوب الاتيان بالصلاة عارياً فيما إذا لم يتمكّن من الثوب الطاهر تجب إعادتها في الوقت عارياً بتمامها أو بركعة منها ـ لتمكّنه منها عارياً ـ وإنما
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 431 / أبواب النجاسات ب 20 ح 6 .
(2) الاستبصار 1 : 175 ح 609 .
(3) الوسائل 4 : 218 / أبواب المواقيت ب 30 ح 4 .
(4) كموثقة عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) في حديث قال : «فان صلّى ركعة من الغداة ثم طلعت الشمس فليتم وقد جازت صلاته» المروية في الوسائل 4 : 217 / أبواب المواقيت ب 30 ح 1 .
ــ[339]ــ
الوقت لا يسع لاعادتها مع الثوب الطاهر ، وأما إذا بنينا على ما بنى عليه جماعة وقوّيناه في محلِّه(1) من وجوب الصلاة في الثوب النجس عند عدم التمكّن من الثوب الطاهر فلا موجب لاستئناف الصلاة بل يتمها في ثوبه المتنجس ، والسر في ذلك أن الأخبار المتقدِّمة كصحيحتي زرارة ومحمد بن مسلم وغيرهما مما دلّ على بطلان الصلاة الواقعة في النجس السابق عليها واستئنافها تنصرف إلى صورة التمكّن من إعادتها في وقتها مع طهارة الثوب أو البدن ، وأما مع العجز عن ذلك لضيق الوقت فلا معنى للحكم ببطلانها واستئنافها ، لأنه لو استأنفها أيضاً يصلِّي في الثوب النجس فالمستأنفة كالمبتدأة ، والأخبار المتقدمة غير شاملة لصورة العجز عن إيقاع الصلاة في وقتها مع الطهارة ، ومعه يرجع إلى ما تقتضيه القاعدة وقد بيّنا في أوائل المسألة أن مقتضى القاعدة صحة الصلاة في النجس مع الجهل . وعليه فالصلاة في الصورة الثالثة محكومة بالصحة فيما إذا لم يسع الوقت لاعادتها في الوقت مع الطهارة كما حكم به في المتن هذا كله في الصورة الثالثة .
وأمّا الصورة الثانية : وهي ما إذا انكشف وقوع النجاسة على ثوبه أو بدنه بعد دخوله في الصلاة وقبل الالتفات إليها بأن علم وقوع جملة من الأجزاء المتقدمة في النجس ، فهل تلتحق بالصورة الاُولى فيحكم بصحة الصلاة ووجوب الازالة في أثنائها ، أو تلتحق بالصورة الثالثة فيحكم ببطلانها واستئنافها مع الطهارة ؟
ظاهر عبارة الماتن التحاقها بالثالثة ، حيث إن الصورتين مندمجتان في قوله : «فان علم سبقها وأنّ بعض صلاته وقع مع النجاسة» وحكم فيهما ببطلان الصلاة عند سعة الوقت للإعادة ، ولعل الوجه فيه أن العبرة في الحكم ببطلان الصلاة ووجوب الاعادة عند الماتن (قدس سره) إنما هي بوقوع بعض الصلاة مع النجس بلا تفرقة بين كون الأجزاء المتقدمة على زمان الالتفات واقعة في النجس بتمامها وبين ما إذا كانت واقعة فيه ببعضها ، إلاّ أن ظاهر الأصحاب التحاقها بما إذا علم بحدوث النجاسة في أثناء الصـلاة من دون أن يقـع شيء من الأجزاء السابقة مع النجس ، وقد عرفت صحّة
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 364 .
|