اتحاد الصلاة مع الغصب في السجود - اعتبار الاعتماد في مفهوم السجود 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الثالث   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4147


وقد ذكرنا في بحث مقدّمة الواجب (1) أنّ حرمة المقدّمة لا تنافي إيجاب ذيها إذا لم تكن منحصرة، وأمّا إذا كانت منحصرة فتقع المزاحمة بين حرمة المقدّمة ووجوب ذيها، كما لو توقف إنقاذ الغريق مثلاً على التصرف في مال الغير، ولم يكن له طريق آخر يمكن إنقاذه منه، فإذن لا بدّ من الرجوع إلى قواعد باب التزاحم وأحكامه.
وعلى الجملة: فالهوي الذي هو مقدّمة للركوع والسجود، والنهوض الذي هو مقدّمة للقيام، إذا كانا من أفعال الصلاة وأجزائها يتعين القول بالامتناع في المسألة، وإذا كانا من المقدّمات يتعين القول بالجواز فيها، ولذا لو فرض تمكن شخص من الركوع والسجود والقيام والجلوس بدونهما، لكان مجزئاً لا محالة، ولا يجب عليه الاتيان بهما، لفرض عدم دخلهما في المأمور به لا جزءاً ولا شرطاً. وعلى هذا الضوء فلا بدّ من أن يدرس ناحية كونهما من أجزاء الصلاة أو من مقدّماتها.
الصحيح هو أ نّهما من المقدّمات، وذلك لأنّ الظاهر من أدلة جزئية الركوع والسجود والقيام والجلوس هو أنّ نفس هذه الهيئات جزء فحسب، لا مع
ـــــــــــــــــــــ
(1) في المجلد الثاني من هذا الكتاب ص 247.

ــ[491]ــ

مقدّماتها من الهوي والنهوض، لفرض أنّ هذه العناوين اسم لتلك الهيئات خاصة لا لها ولمقدّماتها معاً، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أنّ المذكور في لسان الأدلة إنّما هو نفس تلك العناوين على الفرض، لا هي مع مقدّماتها.
فالنتيجة على ضوئهما: هي أنّ المستفاد من تلك الأدلة ليس إلاّ جزئية هذه العناوين فحسب دون مقدّماتها كما لا يخفى، وتمام الكلام في ذلك في محلّه.
وعلى هدى هذا البيان قد ظهر أ نّه لا شبهة في صحة الصلاة في الدار المغصوبة إذا فرض أ نّها لم تكن مشتملة على الركوع والسجود ذاتاً، كصلاة الميت على تقدير كونها صلاة، وإن ذكرنا في موضعه أ نّها ليست بصلاة، بل هي دعاء حقيقة، أو عرضاً كما إذا كان المكلف عاجزاً عنهما وكانت وظيفته الصلاة مع الايماء والاشارة بدلاً عنهما، لفرض أنّ الصلاة عندئذ كما أ نّها ليست مصداقاً للتصرف في مال الغير، كذلك ليست متوقفة عليه، وأمّا إذا كانت مشتملة على الركوع والسجود فوقتئذ تقع المزاحمة بين حرمة التصرف في مال الغير ووجوب الصلاة، فلا بدّ من الرجوع إلى قواعد باب المزاحمة من تقديم الأهم أو محتمل الأهمّية أو نحو ذلك على غيره إن كان، وإلاّ فيتعين التخيير.
وعلى الجملة: فعلى ما حـققناه من أنّ الهوي والنهوض ليسا من أفعال الصلاة وأجزائها، لا مناص من القول بالجواز من هذه الناحية في المسألة، وعليه فإذا لم تكن مندوحة في البين تقع المزاحمة بين وجوب الصلاة وحرمة التصرف، كما عرفت.
الثاني: أنّ الظاهر عدم صدق السجدة الواجبة على مجرّد مماسة الجبهة الأرض، بل يعتبر في صدقها الاعتماد عليها، ومن المعلوم أنّ الاعتماد على أرض الغير نحو تصرف فيها فلا يجوز، وعليه فتتحد الصلاة المأمور بها مع الغصب المنهي عنه في الخارج، فإذن لا مناص من القول بالامتناع، ولا يفرق في ذلك

ــ[492]ــ

بين كون ما يصح عليه السجود نفس أرض الغير أو شيئاً آخر، ضرورة أ نّه على كلا التقديرين يكون الاعتماد على أرض الغير، وعلى هذا فلا يكفي في القول بالجواز مجرد الالتزام بكون الهوي والنهوض من المقدّمات لا من الأجزاء، بل لا بدّ من فرض عدم كون السجود على أرض الغير أيضاً.
ونتيجة ذلك: هي جواز الاجتماع فيما إذا لم تكن الصلاة مشتملة على السجود ذاتاً كصلاة الميت على تقدير كونها صلاة، أو عرضاً كما إذا كان المكلف عاجزاً عنه، أو فرض أ نّه متمكن من السجود على أرض مباحة أو مملوكة كما إذا كان في انتهاء الأرض المغصوبة، وفي غير هذه الصور لا بدّ من القول بالامتناع، لفرض أنّ المأمور به فيها ـ أي في هذه الصور ـ متحد مع المنهي عنه خارجاً، وكون شيء واحد وهو السجود مصداقاً للمأمور به والمنهي عنه وهو محال.
وعلى ضوء هذا البيان قد ظهر فساد ما أفاده شيخنا الاُستاذ (قدس سره)(1)من أ نّه لا يمكن أن تكون الحركة الواحدة مصداقاً للصلاة والغصب معاً، وذلك لأنّ ما أفاده (قدس سره) يرتكز على نقطة واحدة، وهي أنّ الغصب من مقولة برأسها وهي مقولة الأين، وعلى هذا فيستحيل اتحاده مع الصلاة خارجاً.
ولكن قد عرفت أنّ هذه النقطة خاطئة جداً ولا واقع موضوعي لها أصلاً، ضرورة أنّ الغصب مفهوم انتزاعي منتزع من مقولات متعددة، وليس من المفاهيم المتأصلة والماهيات المقولية، وعليه فلا مانع من اتحاده مع الصلاة في الخارج أبداً، بأن يكون منشأ انتزاعه بعينه ما تصدق عليه الصلاة، بل قد مرّ أ نّه متحد خارجاً مع السجدة فيها، ومع الهوي والنهوض بناءً على كونهما من أجزائها، كما أنّ ما أفـاده (قدس سره) من أنّ الصادر من المكلف في الدار
ـــــــــــــــــــــ
(1) أجود التقريرات 2: 136.

ــ[493]ــ

المغصوبة حركتان إحداهما مصداق للغصب والاُخرى مصداق للصلاة من الغرائب، بداهة أنّ الصـادر من المكلف في الدار ليس إلاّ حركة واحدة وهي مصداق للغصب، فلا يعقل أن تكون مصداقاً للصلاة المأمور بها.
على أ نّه لو كانت هناك حركة اُخرى تكون مصداقاً لها في نفسها فلا محالة تكون مصداقاً للغصب أيضاً، لوضوح أنّ كل حركة فيها تصرف فيها ومصداق له، فإذن كيف يمكن فرض وجود الحركتين فيها تكون إحداهما مصداقاً للغصب فحسب، والاُخرى مصداقاً للصلاة كذلك.
وخلاصة ما ذكرناه لحدّ الآن: هي أنّ القول بالامتناع في مسألتنا هذه أعني الصلاة في الأرض المغصوبة يتوقف على الالتزام بأحد أمرين:
الأوّل: أن نقول بكون الهوي والنهوض من أفعال الصلاة وأجزائها لا من المقدّمات، وعلى هذا فلا بدّ من القول بالامتناع.
الثاني: أن نقول بأنّ السجود لا يصدق على مجرد وضع الجبهة على الأرض بدون الاعتماد عليها، فانّ الاعتماد عليها مأخوذ في مفهوم السجدة، فلو وضع جبهته عليها بدون اعتماد لم تصدق عليه السجدة، بل هو مماسة لها، لا أ نّه سجدة.
أمّا الأمر الأوّل: فقد عرفت أ نّهما ليسا من الأفعال والأجزاء، بل هما من المقدّمات، فإذن من هذه الناحية لا مانع من القول بالجواز أصلاً.
وأمّا الأمر الثاني: فقد عرفت أنّ الاعتماد على الأرض مأخوذ في مفهوم السجدة فلا تصدق السجدة بدون الاعتماد عليها، وهذا واضح. وعليه فلا تجوز الصلاة المشتملة على السجدة في الأرض المغصوبة، لاستحالة كون المنهي عنه مصداقاً للمأمور به، كما أ نّها إذا لم تكن مشتملة عليها فلا مانع من جوازها

ــ[494]ــ

فيها، أو إذا فرض أنّ المكلف متمكن من السجدة على الأرض المباحة أو المملوكة.
فالنتيجة من جميع ما ذكرناه لحدّ الآن قد أصبحت: أنّ الصلاة في الدار المغصوبة إذا كانت مشتملة على السجود فلا مناص من القول بالامتناع، وأمّا إذا لم تكن مشتملة عليه ذاتاً أو عرضاً، أو كان المكلف متمكناً منه على أرض مباحة أو مملوكة فلا مانع من القول بالجواز.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net