3 ـ الدليل الذي ذكره المحقق القمي 

الكتاب : محاضرات في اُصول الفقه - الجزء الرابع   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4646


الدليل الثالث:
ما عن المحقق القمي (قدس سره) (1) من أنّ الأمر على الفرض تعلق بطبيعة كالصلاة مثلاً، والنهي تعلق بطبيعـة اُخرى كالغصب مثلاً أو نحوه، هذا من ناحية. ومن ناحية اُخرى: أنّ الفرد الذي يكون مجمعاً لعنوانين في مورد الاجتماع مقدّمة لوجود الطبيعي في الخارج الذي يكون واجباً بوجوب نفسي، وعلى هذا الضوء يتوقف القول بالامتناع في المسألة على الالتزام بأمرين: الأوّل: بوجوب المقدّمة. الثاني: بتنافي الوجوب الغيري مع النهي النفسي.
ولكن كلا الأمرين خاطئ، أمّا الأمر الأوّل: فقد ذكر (قدس سره) أنّ مقدمة الواجب ليست بواجبة ليكون تناف بين وجوب هذا الفرد الذي يكون مقدمة للطبيعي الواجب وبين حرمته. وأمّا الأمر الثاني: مع تسليم أنّ مقدمة الواجب واجبة مطلقاً، فلما حققناه من أ نّه لا تنافي بين الوجوب الغيري والنهي النفسي أصلاً ولا مانع من اجتماعهما في شيء واحد.
وعلى الجملة: فعلى فرض أنّ النهي يسري إلى هذه الحصة التي تكون مجمعاً
ـــــــــــــــــــــ
(1) قوانين الاُصول: 140، السطر 24.

ــ[28]ــ

لهما، باعتبار انحلال هذا النهي وسريانه إلى جميع أفراد الطبيعة المنهي عنها، فمع ذلك لا يلزم اجتماع الضدّين وهما الوجوب والحرمة في شيء واحد، لأنّ ما هو محرّم وهو الفرد ليس بواجب، وما هو واجب وهو الطبيعة المأمور بها ليس بمنهي عنه، وعلى فرض أنّ الفرد واجب بوجوب غيري، فمع ذلك لا يلزم اجتماع الضدّين، لعدم التنافي بين الوجوب الغيري والنهي النفسي كما مرّ، فإذن لا مانع من القول بالجواز في المسألة.
وغير خفي ما فيه: وذلك لأنّ ما أفاده (قدس سره) يرتكز على ركيزتين، وكلتاهما خاطئة.
أمّا الركيزة الاُولى: وهي كون الحصة والفرد مقدمةً للطبيعة المأمور بها، فواضحة الفساد، ضرورة أنّ الفرد ليس مقدمةً للطبيعي، بل هو عينه وجوداً وخارجاً ولا تعقل المقدمية بينهما، لوضوح أ نّها إنّما تعقل بين شيئين متغايرين في الوجود، وعليه فالحصة الموجودة في مورد الاجتماع بما أ نّها تكون محرّمة بنفسها ومنهياً عنها، فلا يعقل أن تكون مصداقاً للواجب، وهذا معنى القول بالامتناع، بداهة أ نّه كما يمتنع تعلق الأمر والنهي بشيء واحد، كذلك يمتنع أن يكون المنهي عنه مصداقاً للمأمور به.
وأمّا الركيزة الثانية: وهي كون الوجوب الغيري لا ينافي النهي النفسي، فهي أيضاً واضحة الفساد، ضرورة أنّ الوجوب الغيري على القول به لا يجتمع مع النهي النفسي، فالمقدّمة إذا كانت محرّمة لا يعقل أن تكون واجبة، فلا محالة يختص الوجوب بغـيرها من المقدّمات، كما تقدّم في بحث مقدّمة الواجب(1)
ـــــــــــــــــــــ
(1) لاحظ المجلد الثاني من هذا الكتاب ص 273.

ــ[29]ــ

بشكل واضح. ولكنّ الذي يسهّل الخطب هو أ نّه لا مقدمية في البين، وعليه فإذا فرض أنّ الحصة في مورد الاجتماع محرّمة كما هو مفروض كلامه (قدس سره) فلا يعقل أن تكون مصداقاً للطبيعة المأمور بها، بداهة أنّ المحرّم لا يمكن أن يكون مصداقاً للواجب، وهذا معنى امتناع اجتماع الأمر والنهي. هذا إذا كان مراده من المقدمة ما هو ظاهر كلامه (قدس سره).
وأمّا لو كان مراده (قدس سره) منها هو أنّ الفرد لايتصف بالوجوب باعتبار أنّ متعلق الوجوب هو صرف وجود الطبيعة، ومن المعلوم أ نّه لا يسري إلى أفراده وحصصه، وهذا بخلاف النهي، فانّ متعلقه مطلق الوجود، ولذا ينحل بانحلال أفراده ويسري إلى كل واحد منها، وعلى هذا الضوء فلا يجتمع الوجوب والحرمة هنا في شيء واحد، فإنّ الحصة الموجودة في مورد الاجتماع لا تتصف بالوجوب على الفرض، وإنّما هي متصفة بالحرمة فحسب، فإذن لا يجتمع الوجوب والحرمة فيها ليكون محالاً.
فيرد عليه أوّلاً: أنّ هذا خلاف مفروض كلامه (قدس سره) فانّ المفروض فيه هو أنّ الفرد مقدمة لوجود الطبيعي في الخارج، لا أ نّه لا يتصف بالوجوب باعتبار أنّ متعلقه هو صرف الوجود. وثانياً: أنّ الأمر وإن كان كذلك، فانّ الحصة لا تتصف بالوجوب، إلاّ أ نّها إذا كانت محرّمة يستحيل أن تقع مصداقاً للواجب، وعليه فاذا فرض أنّ المجمع في مورد الاجتماع محرّم ومنهي عنه، يستحيل أن ينطبق عليه الواجب، وهذا معنى القول بالامتناع، لما عرفت من أ نّه كما يمتنع تعلق الأمر والنهي بشيء واحد، كذلك يمتنع أن يكون الحرام مصداقاً للواجب.
فالنتيجة: أنّ الضابط للقول بالامتناع والقول بالجواز في المسألة هو ما

ــ[30]ــ

ذكرناه من وحدة المجمع في مورد الاجتماع وجوداً وماهيةً وتعدده كذلك، فعلى الأوّل لا مناص من القول بالامتناع، وعلى الثاني من القول بالجواز على ما هو الصحيح من عدم سراية الحكم من الملزوم إلى لازمه.
إلى هنا قد تبيّن أنّ العمدة للقول بالجواز هي الوجه الأوّل، وأمّا الوجه الثاني والثالث فهما لا يرجعان إلى معنىً محصل أصلاً، كما أنّ الوجوه الاُخر التي ذكرت لهذا القول لا ترجع إلى معنى معقول، ولأجل ذلك لا نتعرض لتلك الوجوه، لوضوح فسادها وعدم ارتباطها للقول بالجواز أصلاً.
ونتائج البحث عن العبادات المكروهة عدّة نقاط:
الاُولى: أنّ ما يمكن أن يستدل به للقول بجواز اجتماع الأمر والنهي في المسألة مطلقاً إنّما هو موارد العبادات المكروهة، بدعوى أ نّه لو لم يجز الاجتماع لم يمكن تعلق النهي بتلك العبادات، ضرورة عدم اختصاص المضادة بين الوجوب والحرمة فحسب، بل تعم جميع الأحكام من الالزامية وغيرها، فإذن تعلق النهي بها ووقوعه في الخارج أقوى برهان على إمكانه وعدم استحالته، وإلاّ لم يقع.
الثانية: أنّ المحقق صاحب الكفاية (قدس سره) قد أجاب عن هذا الدليل بصورة إجمالية، ولكن قد عرفت النقد في بعض جهات جوابه، ثمّ أجاب عنه بصورة تفصيلية، حيث قسّم تلك العبادات إلى ثلاثة أقسام، وأجاب عن كل واحد واحد منها مستقلاً، ولا بأس بجوابه هذا في الجملة.
الثالثة: أنّ شيخنا الاُستاذ (قدس سره) قد أورد على ما أجاب به صاحب الكفاية (قدس سره) عن القسم الأوّل بما ملخصه: أنّ التزاحم لا يعقل بين النقيضين، ولا بين الضدّين اللذين لا ثالث لهما، وبما أنّ الصوم يوم عاشوراء

ــ[31]ــ

وتركه متناقضان، فلا يمكن جعل الحكم لهما معاً لتقع المزاحمة بينهما في مقام الامتثال، بل هما يدخلان في باب المعارضة فيرجع إلى قواعده وأحكامه. ولكن قد ذكرنا أنّ ما أفاده (قدس سره) من الكبرى ـ وهي استحالة وقوع المزاحمة بين النقيضين والضدين اللذين لا ثالث لهما ـ وإن كان في غاية المتانة والاستقامة، إلاّ أنّ تطبيق تلك الكبرى على المقام غير صحيح، وذلك لوجود أمر ثالث في البين وهو الامساك بدون قصد القربة فانّه لا موافقة فيه لبني اُميّة ولا مخالفة لهم، فإذن لا مانع من جعل الحكمين لهما اصلاً، كما تقدّم ذلك بشكل واضح.
الرابعة: أنّ النهي في القسم الأوّل لا يخلو من أن يكون إرشاداً إلى محبوبية الترك من جهة انطباق عنوان ذي مصلحة عليه أو ملازمته له، أو يكون بمعنى الأمر، أعني به ما يكون نهياً صورة وشكلاً وأمراً واقعاً وحقيقةً.
الخامسة: أنّ النهي في القسم الثاني نهي مولوي، ويترتب على هذا أنّ الكراهة في المـقام كراهة مصطلحة وليست بمعنى أقلّية الثواب، ومع ذلك لا تكون منافية لاطلاق العبادة فضلاً عن غيرها، غاية الأمر أنّ تطبيق الطبيعة المأمور بها على هذه الحصة المنهي عنها مرجوح بالاضافة إلى تطبيقها على غيرها من الحصص والأفراد، كما تقدّم.
السادسة: أ نّه لا فرق في القسم الثالث من أقسام العبادات المكروهة بين القول بالامتناع والقول بالجواز، فعلى كلا القولين تكون العبادة صحيحة في مورد الاجـتماع، أمّا على القول بالجواز فهي على القاعـدة، وأمّا على القول بالامتناع فلأجل ما ذكرناه في القسم الثاني من هذه الأقسام في وجه صحة العبادة باعتبار أنّ هذا القسم على هذا القول داخل فيه، ويكون من صغرياته كما تقدّم.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net