ــ[390]ــ
فصل
فيما يعفى عنه في الصلاة
وهو اُمور : الأوّل : دم الجروح والقروح ما لم تبرأ (1)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ويندفع : بأنه يشترط في التمسك بحديث لا تعاد كون الفائت مما لا يمكن تداركه بأن لم يتمكن من تصحيح الصلاة إلاّ باعادتها ، وفي مفروض المثال يمكن أن يتدارك السجدة لعدم فوت محلها ، ونظيره ما لو علم بوقوع كلتا السجدتين على الموضع النجس أو على ما لا تصح السجدة عليه بعد ما رفع رأسه من السجدة الثانية مع التمكن من السجدة على المحل الطاهر ، إلاّ أنه تصحح السجدة الاُولى بالحديث لمضي محلها وعدم كونها قابلة للتدارك ويأتي بالسجدة الأخيرة ثانياً لبقاء محلها . وعلى الجملة لا مانع من نفي وجوب الاعادة في مفروض المسألة بحديث لا تعاد . وبهذا ظهر أن نسيان النجاسة في الثوب أو البدن وإن كان موجباً لبطلان الصلاة إلاّ أن حكم نسيان النجاسة في محل السجود حكم الجهل بالنجاسة هناك .
فصل
فيما يعفى عنه في الصلاة
(1) العفو في الصلاة عن دم القروح والجروح في الجملة مما لا خلاف فيه ، وإنما اختلفت كلماتهم في اعتبار المشقّة والسيلان ـ بأن لا يكون فترة تتيسر فيها الصلاة من دونه ـ في موضـوع حكمـهم بالعفـو ، فعن ظاهر الصـدوق(1) وصريح جملة من المتأخِّرين عدم اعتبار شيء منهما . وفي كلمات جماعة منهم المحقق(2) (قدس سره) اعتبارهما معاً ، وعليه فالعفو عن الدمين في الصلاة لا يحتاج إلى رواية لأنه مقتضى
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الفقيه 1 : 43 / ذيل الحديث 167 .
(2) المعتبر 1 : 429 .
ــ[391]ــ
قاعدة نفي العسر والحرج نظير صاحب السلس والبطن ، فكما أن القاعدة تقتضي عدم اعتبار الطهارة في حقهما من غير حاجة إلى رواية فكذلك الحال في المقام وإن كان يمكن التفرقة بين المسألتين ، نظراً إلى أن مقتضى القاعدة الأولية سقوط الصلاة عن صاحب السلس والبطن لعدم تمكنهما من الطهارة ولا صلاة إلاّ بطهور ، كما التزموا بذلك في فاقد الطهورين ، فلولا الأخبار الواردة في المسألة لالتزمنا بعدم تكليفهما بالصلاة ، وهذا بخلاف ما نحن فيه لأن المكلف واجد فيه للطهارة من الحدث فلا مقتضي لسقوط الصلاة في حقه ، وغاية الأمر أن ثوبه أو بدنه متنجس وحيث إن في تطهيره مشقّة وعسراً فنحكم بسقوط اشتراط الطهارة من الخبث في صلاته من غير حاجة إلى رواية كما مرّ ، بل ولا يختص ذلك بدم القروح والجروح لوضوح أن النجاسات بأجمعها كذلك ويرتفع الأمر بغسلها عند المشقّة والحرج ، فأية خصوصية لدم القروح والجروح وما المقتضي لتخصيصه بالذكر في المسألة ؟
ومن هنا لا بدّ من التصرّف في كلماتهم ولو بحمل المشقّة الظاهرة في الفعلية على المشقّة النوعية ، فانّ القاعدة تختص بالمشقة الشخصية ولا تعم النوعية ، وبهذا يحصل نوع خصوصية للدمين حيث إن المشقة النوعية توجب رفع مانعيتهما في الصلاة . وهل الأمر كذلك وأن المشقّة توجب الحكم بالعفو عنهما ؟ يأتي عليها الكلام بعد تحقيق المسألة إن شاء الله . فالمتبع هو الأخبار فلا بد من ملاحظتها لنرى أنها هل تدل على اعتبار السيلان والمشقّة الفعلية في العفو عن دم القروح والجروح ، أو أنها إنما تدل على أنهما ما لم تبرءا يعفى عنهما في الصلاة سواء أسال دمهما أم لم يسل ، فالمعتبر أن لا ينقطع الدم لبرئهما ؟
والأخبار في المسألة مستفيضة منها : موثقة أبي بصير قال : «دخلت على أبي جعفر (عليه السلام) وهو يصلي فقال لي قائدي : إن في ثوبه دماً ، فلما انصرف قلت له : إن قائدي أخبرني أن بثوبك دماً ، فقال لي : إن بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ» (1) وهي كما ترى مطلقة من ناحية السيلان وعدمه ، فان الغاية في ارتفاع العفو
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 433 / أبواب النجاسات ب 22 ح 1 .
ــ[392]ــ
فيها إنما هي البرء لا انقطاع السيلان ، كما أن إطلاقها يقتضي عدم الفرق بين كون الازالة ذات مشقة وعدم كونها كذلك .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم عن أحدهما (عليهما السلام) قال : «سألته عن الرجل يخرج به القروح فلا تزال تدمي كيف يصلِّي ؟ فقال : يصلي وإن كانت الدماء تسيل» (1) فقد دلّت على أنّ دم القروح إذا سال لا يمنع عن الصلاة فكيف بما إذا لم يسل ، ومعناه أنّ السيلان وعدمه على حد سواء ، كما أنها مطلقة من ناحية كون الازالة حرجية وما إذا لم تكن .
ومنها : الصحيح عن ليث المرادي قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) : الرجل تكون به الدماميل والقروح فجلده وثيابه مملوة دماً وقيحاً ، وثيابه بمنزلة جلده ؟ فقال : يصلي في ثيابه ولا شيء عليه ولا يغسلها» (2) وإطلاقها من جهتي السيلان وعدمه ولزوم المشقّة وعدم لزومها مما لا يكاد يخفى .
ومنها : موثقة (3) عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «سألته عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة ، قال : يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصـلاة» (4) وهي كسابقتها ظاهرة الاطلاق من الجهـتين المذكورتين ، بل الظاهر المستفاد منها أن الحكم بالعفو أمده البرء ، إذ ما لم يبرأ يصدق أنه رجل به الدمل أو غيره من القروح والجروح ، فيكون العفو مغي بانقطاع الدم وعدم سيلانه المستند إلى البرء ، لا مجرد عدم السيلان مع بقاء الجرح بحاله .
وأما الأخبار المستدل بها على اعتبار المشقة والسيلان فمنها : مرسلة سماعة بن مهران عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال : «إذا كان بالرجل جرح سائل فأصاب ثوبه من دمه فلا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم» (5) حيث جعلت الغاية للعفو وعدم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 434 / أبواب النجاسات ب 22 ح 4 .
(2) الوسائل 3 : 434 / أبواب النجاسات ب 22 ح 5 .
(3) كذا عبّروا عنها في كلماتهم مع أن في سندها علي بن خالد فراجع .
(4) الوسائل 3 : 435 / أبواب النجاسات ب 22 ح 8 .
(5) الوسائل 3 : 435 / أبواب النجاسات ب 22 ح 7 .
ــ[393]ــ
وجوب الازالة انقطاع الدم ووقوفه عن السيلان ، كما أن مفهوم صدرها أن الجرح إذا لم يكن سائلاً لا عفو عنه ويجب غسله .
وفيه أوّلاً : أنّ الرواية ضعيفة بارسالها ، لأنّ ابن أبي عمير نقلها عن بعض أصحابنا ولا ندري أنه ثقة ، ولعلّه من غير الثقة الذي علمنا برواية ابن أبي عمير عن مثله ولو في بعض الموارد ، فما في بعض العبائر من التعبير عنها بالموثقة مما لا وجه له .
وثانياً : الرواية لا مفهوم لصدرها حيث لم يقل : الجرح إذا سال فلا يغسله ، ليكون مفهومه أنه إذا لم يسل يغسله ولا عفو عنه وإنما قال : «إذا كان بالرجل جرح سائل» ومفهومه إذا لم يكن بالرجل جرح سائل فهو من السالبة بانتفاء موضوعها . نعم ، لو دلّ فانما يدل عليه مفهوم القيد ، ونحن وإن قلنا بمفهوم الوصف في محله إلاّ أنه إذا لم يكن لاتيانه فائدة بحيث لولا دلالته على مدخلية الوصف في الحكم المترتب على موصوفه أصبح لغواً ظاهراً ، وليس الأمر في المقام كذلك لأنه إنما اُتي لفائدة التمهيد والمقدمة لاصابة الدم الثوب التي هي المقصودة بالافادة في قوله : «فاصاب ثوبه ...» أي سال حتى أصاب ثوبه ، فانه لو لم يسل لم يصب الثوب طبعاً ، ولا دلالة معه للمفهوم كما أسلفناه في محله .
وثالثاً : المراد بالانقطاع في ذيلها هو الانقطاع المساوق للبرء فهو عطف توضيح وبيان لقوله حتى يبرأ ، ولم يرد منه الانقطاع المؤقّت بسدّ طريقه بشيء بحيث لو ارتفع لسال ، فان الغاية إذا كانت هي انقطاعه مع بقاء الجرح بحاله لم يكن لذكر البرء قبل ذلك معنى صحيح ، فان المدار حينئذ على مجرد الانقطاع ولو من غير برء فما معنى ذكر البرء قبله ، فالرواية مطلقة من جهتي المشقة والسيلان ولا دلالة لها على اعتبارهما بوجه .
ومنها : مضمرة سماعة قال : «سألته عن الرجل به الجرح والقرح فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه ، قال : يصلي ولا يغسل ثوبه كل يوم إلاّ مرة ، فانه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة» (1) فان الغسل كل ساعة إنما يكون مع السيلان وعدم الفترة في
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 433 / أبواب النجاسات ب 22 ح 2 .
ــ[394]ــ
البين ، إذ معها لا حاجة إلى الغسل كل ساعة .
ويدفعه : أوّلاً : أنّ الرواية مضمرة إذ لم يثبت أن سماعة لا يروي عن غير الإمام (عليه السلام) . وثانياً : ليس عدم الاستطاعة من الغسل كل ساعة علة للعفو وإلاّ لوجب القول بعدم العفو عمن استطاع من غسل ثوبه كذلك ، وللزم حمل موثقة أبي بصير المتقدمة على عدم تمكن الإمام من غسل ثوبه كل ساعة ولا يمكن الالتزام بذلك . على أن غسل الثوب والبدن إنما هو مقدمة للصلاة ولا تجب الصلاة كل ساعة لتجب تحصيل مقدمتها كذلك ، فلا معنى له إلاّ أن يكون حكمة لما دلّت عليه الرواية من عدم وجوب غسل الثوب في كل يوم إلاّ مرّة واحدة ، وقد أتى بها تقريباً للأذهان فمعناه أن المكلف لا يتمكن من غسل ثوبه في كل ساعة من ساعات وجوب الصلاة ، فاذا كان الجرح أو القرح يدميان كل أربع ساعات مثلاً مرة واحدة يصدق أن يقال إنه لا يستطيع أن يغسل ثوبه كل ساعة من ساعات الصلاة أو إصابه الدم ، وأين هذا من اعتبار استمرار السيلان في العفو كاعتباره في الحائض ، فلا دلالة للرواية على اعتبار السيلان .
نعم يمكن أن يستدل بها على اعتبار المشقة في العفو لقوله (عليه السلام) «فانه لا يستطيع أن يغسل ...» ويدفعه أن الإمام (عليه السلام) إنما ذكر ذلك لأجل أنه مفروض السؤال ، فان سماعة إنما سأله عمن به جرح أو قرح لا يستطيع أن يغسله ويربطه ، فكأنه (سلام الله عليه) قال : وحيث إن مفروض المسألة عدم تمكن الرجل من الغسل فلا يغسله إلاّ مرة في كل يوم ، لا لأجل اعتباره في العفو . نعم ظاهرها وجوب الغسل مرة في كل يوم وهو أمر آخر يأتي عليه الكلام عن قريب ، حيث وقع الكلام في أنه واجب أو مستحب فلو قوينا استحبابه يزداد ضعف ما توهم من دلالتها على اعتبار المشقة في العفو لدلالتها على عدم وجوب الغسل مطلقاً مع التمكن وعدمه .
ومنها : موثقة عبدالرحمن بن أبي عبدالله قال «قلت لأبي عبدالله (عليه السلام) الجرح يكون في مـكان لا يقـدر على ربطه فيسـيل منه الدم والقيح فيصـيب ثوبي
ــ[395]ــ
فقال : دعه فلا يضرّك أن لا تغسله» (1) بدعوى دلالتها على اعتبار السيلان في العفو . وفيه : أن سيلان الدم إنما ورد في كلام السائل ولم يؤخذ في موضوع الحكم في كلامه (عليه السلام) .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم المـروية في السرائر عن كتاب البزنطي قال «قال : إنّ صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلي ولا يغسل ثوبه في اليوم أكثر من مرّة» (2) فانّ عدم التمكّن من حبس الدم لا يكون إلاّ باستمرار سـيلانه ، ولا يضرّها الاضمار لأنّ محمد بن مسلم لا يروي عن غيرهم (عليهم السلام) .
والجواب عنها : أن عدم التمكّن من حبس الدم يصدق على من به جرح يدمي في كل أربع ساعات مثلاً وهو لا يتمكن من حبسه ، وأين هذا من اعتبار استمرار السيلان كما في الحائض ، فلا دلالة للرواية على المدعى . وأما دلالتها على وجوب الغسل مرّة في كل يوم فيأتي عليه الكلام بعيد ذلك .
فالنتيجة : أن دم القروح والجروح يمتاز عن بقية النجاسات بالعفو عنه في الصلاة سال أم لم يسل ، وكانت في إزالته أو في تبديل الثوب المتنجس به مشقة أم لم تكن كثيراً كان أم قليلاً .
ثم إنّ مقتضى صحيحة محمد بن مسلم المروية عن المستطرفات ومضمرة سماعة المتقدِّمتين أن الجريح والقريح يغسلان ثوبهما مرّة في كل يوم ، ولم يلتزم بذلك الأصحاب . نعم مال إليه في الحدائق معترفاً بعدم ذهابهم إليه (3) . والحق معهم وذلك لا لأنّ إعراضهم عن الرواية يسقطها عن الاعتبار ، لما مرّ غير مرّة من أنّ إعراضهم عن رواية لا يكون كاسراً لاعتبارها ، بل من جهة أنّ المسألة كثيرة الابتلاء وقلّ موضع لم يكن هناك مبتلى بالقروح والجروح ، والحكم في مثلها لو كان لذاع واشتهر
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) الوسائل 3 : 435 أبواب النجاسات ب 22 ح 6 .
(2) السرائر 3 : 558 .
(3) الحدائق 5 : 304 .
ــ[396]ــ
في الثوب أو البدن قليلاً كان أو كثيراً، أمكن الازالة أو التبديل بلا مشقّة أم لا(1). نعم يعتبر أن يكون مما فيه مشقة نوعية (2) فان كان مما لا مشقّة في تطهيره أو تبديله على نوع الناس فالأحوط إزالته أو تبديل الثوب ، وكذا يعتبر أن يكون
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ونفس عدم الاشتهار حينئذ يدل على عدمه ، كما هو الحال في مسألة وجوب الاقامة في الصلاة لأنها مما يبتلى به مرات في كل يوم فكيف لا يشتهر وجوبها ـ لو كانت واجبة ـ ومن هنا رفعنا اليد عما ظاهره وجوب الاقامة وحملناه على الاستحباب . هذا أوّلاً .
وثانياً : لو سلمنا أن المسألة ليست كثيرة الابتلاء فالأمر في الروايتين يدور بين حملهما على الوجوب حتى نقيد بهما المطلقات ، وبين حملهما على الندب ليسلم المطلقات عن القيد والمتعين هو الأخير ، لأنّ بعض المطلقات يأبى عن التقييد بذلك كما في موثقة أبي بصير «ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ» وقوله في مرسلة سماعة : «لا يغسله حتى يبرأ وينقطع الدم» . وإباؤهما عن التقييد بالغسل مرّة في كل يوم غير خفي فلا مناص من أن تحملا على استحباب الغسل مرّة في كل يوم .
(1) كل ذلك للاطلاق كما شرحناه في الحاشية المتقدمة بعض الشرح .
(2) الوجه في ذلك وفيما تعرض له بقوله : «وكذا يعتبر أن يكون الجرح مما يعتد به وله ثبات واستقرار» أن الروايات المتقدمة موردها ذلك ، فان موثقة أبي بصير إنما وردت في دماميل كانت على بدنه (عليه السلام) والمشقة النوعية في تطهيرها أمر جلي وإن لم تكن فيه مشقة شخصية ، كما إذا تمكن الجريح من تطهير ثوبه بسهولة لحرارة الهواء أو تمكنه من تبديل ثوبه ، كما أنّ الدماميل ليست من الجروح الطفيفة سريعة الزوال . وكذلك الحال في موثقة عبدالرحمن وروايتي سماعة وعمّار فليلاحظ . ومع كون موردها مما فيه مشقة نوعية ودوام لا يمكننا التعدي عنه إلى غيره، فالجروح الطفيفة التي لا ثبات لها ولا فيها مشقة نوعية تبقى مشمولة لاطلاق ما دلّ على مانعية النجس في الصلاة في غير المقدار الأقل من مقدار الدرهم .
ــ[397]ــ
الجرح مما يعتد به وله ثبات واستقرار فالجروح الجزئية يجب تطهير دمها (1) ، ولا يجب فيما يعفى عنه منعه عن التنجيس (2) نعم يجب شدّه ((1)) إذا كان في موضع يتعارف شدّه (3) ، ولا يختص العفو
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1) لما قدّمناه في الحاشية السابقة لا للانصراف .
(2) لاطلاقات الأخبار وعدم اشتمالها على لزوم منعه عن التنجيس مع أنها واردة في مقام البيان ، فلاحظ صحيحة محمد بن مسلم المتقدمة حيث ترى أنها مع كونها مسوقة لبيان وظيفة المصلي ـ الذي به قروح لا تزال تدمي ـ غير مشتملة على الأمر بمنعها عن التنجيس ، وكذلك غيرها من الأخبار .
(3) لم يظهر الفرق بين الشد والمنع لأن الشد من أحد طرق المنع عن التنجيس ، فما استدل به على أن ما يعفى عنه في الصلاة لا يجب منعه عن التنجيس هو الدليل على عدم وجوب الشد أيضاً ، فان الأخبار الواردة في المسألة مع أنها في مقام البيان غير مشتملة على وجوبه . وأما ما في موثقة عبدالرحمن من سؤاله عن الجرح يكون في مكان لا يقدر على ربطه فيسيل منه الدم ... فلا دلالة له على وجوب ربط الجرح وشده ، لأنه إنما ورد في كلام السائل دون الإمام (عليه السلام) وكذلك مضمرة سماعة «فلا يستطيع أن يربطه ولا يغسل دمه» لأنه قضية في واقعة وقعت في كلام السائل ، فليست في شيء من الروايتين أية دلالة على وجوب الشدّ والربط .
نعم ورد في صحيحة محمد بن مسلم المروية عن البزنطي : «أن صاحب القرحة التي لا يستطيع صاحبها ربطها ولا حبس دمها يصلي ولا يغسل ...» وقد اُخذ في موضوع العفو عدم التمكّن من ربط القرحة وشدّها في كلامه (عليه السلام) وقد ذكرنا في محله أن الأصل في القيود أن تكون احترازية ولازمه أن تكون للقيود مدخلية في الحكم إذا لم يؤت بها لافادة أمر آخر ، وعليه فالصحيحة تدل على وجوب الازالة وعدم العفو عند القدرة على ربط الجرح وشدّه .
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) فيه تأمل بل منع .
ــ[398]ــ
بما في محل الجرح ، فلو تعدى عن البدن إلى اللباس أو إلى أطراف المحل كان معفواً (1) لكن بالمقدار المتعارف في مثل ذلك الجرح ويختلف ذلك باختلافها من حيث الكبر والصغر ، ومن حيث المحل ، فقد يكون في محل لازمه بحسب المتعارف التعدِّي إلى الأطراف كثيراً أو في محل لا يمكن شدّه ، فالمناط المتعارف بحسب ذلك الجرح (2) .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
ولكن الصحيح أن الصحيحة لا يمكن الاعتماد عليها كما لم يعتمد عليها الماتن (قدس سره) وإلاّ للزم الحكم بوجوب منعه عن التنجيس أيضاً لأنه الغاية المترتبة على الشد ، والسر في ذلك ما تقدم من أن مسألة دم القروح والجروح كثيرة الابتلاء ، والحكم في مثلها لو كان لشاع ولم تنحصر روايته بواحدة أو اثنتين ، فنفس عدم اشتهاره يفيد القطع بعدمه . ولم ينقل وجوبه إلاّ عن بعضهم بل عن الشيخ (قدس سره) الاجماع على عدم وجوب عصب الجرح ومنعه عن التنجيس(1) وهذا يوجب سقوط الصحيحة عن الاعتبار فلا مناص من تأويلها ولو بحمل القيد على وروده تمهيداً لبيان إصابة الدم الثوب . وهذا غير مسألة سقوط الرواية عن الاعتبار بالاعراض كما لعله ظاهر .
(1) لاطلاقات الأخبار وصراحة بعضها كقوله في موثقة أبي بصير : «ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ» .
(2) فلو تعدى الدم من القرحة الواقعة في بدنه إلى رأسه مثلاً فلا عفو عنه لعدم دلالة الأخبار عليه ، ففي موثقة أبي بصير «ولست أغسل ثوبي ...» والثوب متعارف الاصابة في مثل الدماميل الكائنة في البدن ولا تعرض لها إلى أن الدم لو كان أصاب رأسه مثلاً لم يكن يغسله . نعم ورد في رواية عمّار عن أبي عبدالله (عليه السلام) أنه سأله عن الدمل يكون بالرجل فينفجر وهو في الصلاة ؟ قال : يمسحه ويمسح يده بالحائط أو بالأرض ولا يقطع الصلاة (2) واستدل بها في الحدائق على جواز تعدية دم
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الخلاف 1 : 252 المسألة 225 .
(2) الوسائل 3 : 435 / أبواب النجاسات ب 22 ح 8 ، وتقدّمت في ص 392 .
ــ[399]ــ
[ 290 ] مسألة 1 : كما يعفى عن دم الجروح ، كذا يعفى عن القيح المتنجس الخارج معه (1) والدواء المتنجس الموضوع عليه، والعرق المتّصل به في المتعارف(2) أما الرطوبة الخارجية إذا وصلت إليه وتعدّت
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
القروح والجروح إلى سائر أجزاء البدن والثوب بالاختيار ، حيث دلت على جواز مسح الدم بيده فضلاً عما إذا تعدى إليها بنفسه ، بلا فرق في ذلك بين متعارف الاصابة وغيره (1) . ويدفعه : أن الرواية لا دلالة لها على جواز التنجيس بالاختيار ولا على العفو عما لم يتعارف إصابة الدم له . أما عدم دلالتها على جواز التنجيس بالاختيار فلأنها إنما دلت على جواز تنجيس اليد في حال الصلاة وهو حال الاضطرار ، فان مسح الدم بثوبه ينجس الثوب فلا محيص من أن يمسحه بيده لأنه المتعارف في مسح دم القروح والجروح ، والتعدي عن موردها يحتاج إلى دليل ولا دليل عليه . وأما عدم دلالتها على العفو عما لا تصيبه القروح عادة ، فلأنها لم تدل إلاّ على مسح الدم بيده وهي مما يتعارف إصابته بدم القروح . فالمتحصل أن دم القروح والجروح فيما لم يتعارف إصابته غير مشمول لأدلة العفو إلاّ إذا كان أقل من مقدار الدرهم كما ستعرف .
(1) كما في صحيحة ليث وموثقة عبدالرحمن المتقدِّمتين (2) بل نلتزم بذلك وإن لم يكن هناك نص ، لأن دم القروح والجروح يلازم القيح غالباً ولا تجد جرحاً سال دمه من دون قيح إلاّ نادراً ولا سيما في الدماميل ، فما دلّ على العفو عن دم الجروح والقروح دلّ على العفو عن القيح المتنجس بالالتزام ، ولا فرق بين الدم والقيح إلاّ في أن الدم نجس معفو عنه في الصلاة والقيح متنجس معفو عنه ، فلو خصّصنا الأخبار المتقدِّمة بالدم غير المقترن بالقيح للزم حملها على المورد النادر وهو ركيك .
(2) لعين ما قدمناه آنفاً لتلازمه مع الجروح والقروح ، وحملهما على ما لا دواء عليه حمل على مورد نادر . ومنه يظهر الحال في العرق المتصل بهما الجاري على
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) راجع الحدائق 5 : 305 .
(2) في ص 392 ، 394 .
ــ[400]ــ
إلى الأطراف (1) فالعفو عنها مشكل فيجب غسلها إذا لم يكن فيه حرج .
[ 291 ] مسألة 2 : إذا تلوثت يده في مقام العلاج يجب غسلها ولا عفو كما أنه كذلك إذا كان الجرح مما لا يتعدى ، فتلوثت أطرافه بالمسح عليها بيده ، أو بالخرقة الملوثتين على خلاف المتعارف(2) .
[ 292 ] مسألة 3 : يعفى عن دم البواسير(3) خارجة كانت أو داخلة ، وكذا كل قرح أو جرح باطني خرج دمه إلى الظاهر .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
المواضع الطاهرة لأنه أيضاً أمر غالب الوجود معهما ولا سيما في البلاد الحارة ، فما دلّ على العفو عن نجاستهما يقتضي العفو عن نجاسة العرق المتصل بهما أيضاً بالملازمة .
(1) كما إذا وقعت قطرة من الماء عند شربه على الجرح وسرت منه إلى المواضع الطاهرة فهل يعفى عنها في الصلاة ؟ فقد يتوهّم أنّ الدم إذا كان بنفسه معفوّاً عنه في الصلاة فالرطوبة المتنجسة بسببه أيضاً يعفى عنها في الصلاة ، لأنّ الفرع لا يزيد على أصله ، ويندفع بأن هذه القاعدة ونظائرها مما لا يمكن الاعتماد عليه في الأحكام الشرعية ، فانها قواعد استحسانية لا تنهض حجة في مقابل أدلة مانعية النجاسة فانها مطلقة ، ولا بد في الخروج عنها من إقامة الدليل ولا دليل على العفو عن الرطوبة المتنجسة بدم القروح والجروح .
(2) ظهر حكم هذه المسألة مما قدمناه في الحواشي المتقدمة .
(3) لأنها علة وقروح باطنية في أطراف المقعدة قد تنفجر وتسيل دمها ، في مقابل النواسير التي هي قروح خارجية حوالي المقعدة أو غيرها ، ودم القروح والجروح معفو عنه في الصلاة بلا فرق في ذلك بين الداخلية والخارجية ، فان المدار على صدق أنّ الرجل به جرح أو قرح ولا إشكال في صدق ذلك في البواسير حقيقة ، لصحّة أن يقال أن للمبسور قرحة فلا وجه لتخصيص الجرح بالخارجي . نعم يمكن أن يقال بعدم العفو في بعض القروح الداخلية كما في جرح الكبد والحلق والصدر ـ أعاذنا الله منه ومن نظائره ـ وذلك لأن الدم الخارج منه وإن كان يصدق أنه دم القرحة أو الجرح حقيقة إلاّ أن العفو إنما ثبت لخصوص الدم الذي يصيب الثوب أو البدن عادة ولا يعفى
ــ[401]ــ
[ 293 ] مسألة 4 : لا يعفى عن دم الرعاف ولا يكون من الجروح (1) .
[ 294 ] مسألة 5 : يستحب لصاحب القروح والجروح أن يغسل ثوبه من دمهما كلّ يوم مرّة(2).
[ 295 ] مسألة 6 : إذا شك في دم أنه من الجروح أو القروح أم لا ، فالأحوط عدم العفو عنه ((1))(3).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
عما لم تتعارف إصابته البدن والثوب، والدم الخارج من الجروح المذكورة مما لايصيبهما عادة .
(1) لدلالة غير واحد من الأخبار على عدم جواز الصلاة معه (2) ولعلّ الوجه فيه : أنّ دم الرعاف يستند إلى الحرارة الناشئة من الهواء أو أكل شيء وشربه ولأجلها تتفجّر العروق ، وهو وإن كان يصدق عليه الجرح حقيقة إلاّ أنه يندمل بساعته ولا استقرار له وقد مرّ اشتراطهما في العفو عن دم القروح والجروح . وأما إذا استند دم الرعاف إلى قرحة داخلية وكان لها ثبات ودوام فالأمر أيضاً كما عرفت وهو غير مشمول للأخبار المتقدِّمة ، لأن العفو إنما ثبت في الدم الذي يصيب الثوب أو البدن عادة ، والدم الخارج من الأنف بسبب القرحة الداخلية ليس كذلك ، لمكان تقدّم الأنف على سائر أجزاء البدن فهو عند خروجه لا يصيب شيئاً منهما بطبعه .
(2) عرفت تفصيل الكلام في ذلك مما قدمناه فلا نعيد .
(3) لا شبهة في أنّ الحكم بالمانعية وعدمها أي العفو موضوعهما الدم المتحقق خارجاً ، فانّ غير الخارج لا يكون مانعاً ولا يقال إنه من دم القروح والجروح أو من غيرهما ولو قلنا بنجاسته ، فاذا رأينا في الخارج دماً وشككنا في أنه من القروح والجروح حتى لا يكون مانعاً أو من غيرهما ليكون مانعاً لم يمكننا استصحاب كونه
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) بل الأظهر ذلك .
(2) الوسائل 1 : 264 / أبواب نواقض الوضوء ب 7 ح 1 ، 2 ، 5 وكذا في المجلد 3 : 479 / أبواب النجاسات ب 42 ح 2 وكذا في المجلد 7 : 238 أبواب قواطع الصلاة ب 2 ح 1 ، 4 ، 6 .
ــ[402]ــ
[ 296 ] مسألة 7 : إذا كانت القروح أو الجروح المتعددة متقاربة ، بحيث تعد جرحاً واحداً عرفاً (1) جرى عليه حكم الواحد فلو برأ بعضها لم يجب غسله ، بل معفو عنه حتى يبرأ الجميع ، وإن كانت متباعدة لا يصدق عليها الوحدة العرفية فلكل حكم نفسه ، فلو برأ البعض وجب غسله ولا يعفى عنه إلى أن يبرأ الجميع(2).
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
من غيرهما لعدم الحالة السابقة وهو ظاهر . نعم بناءً على مسلكنا من جريان الأصل في الأعدام الأزلية لا مانع من استصحاب عدم كونه من الجروح والقروح ، لأنه قبل وجوده لم يكن منتسباً إليهما قطعاً فاذا وجدت الذات وشككنا في أن الاتصاف والانتساب إلى القروح والجروح هل تحققا معها أم لم يتحقّقا فنستصحب عدم حدوث الاتصاف والانتساب ، فهو دم بالوجدان وليس بدم القروح والجروح بالاستصحاب فبضم أحدهما إلى الآخر يحرز دخوله تحت العموم أعني عموم ما دلّ على مانعية النجس أو إطلاقه ، لوضوح أن الباقي تحت العموم غير معنون بشيء سوى عنوان عدم كونه دم الجروح والقروح . ولعل الوجه في احتياط الماتن (قدس سره) عدم جزمه بجريان الأصل في الأعدام الأزلية .
(1) وإن كانت له شعب .
(2) فاذا كان جرح في يده وآخر في رجله مثلاً فبرأ أحدهما فلا محالة يرتفع عنه العفو لبرئه ، ولا يحكم باستمراره إلى أن يبرأ الثاني لتعدّدهما فانّ كلاًّ منهما جرح مستقل له حكمه .
وقد يقال باستمرار العفو إلى أن يبرأ الجميع لموثقة أبي بصير المتقدِّمة (1) حيث ورد فيها «إن بي دماميل ولست أغسل ثوبي حتى تبرأ» بدعوى دلالتها على العفو عن الجميع حتى يبرأ الجميع . وللمناقشة في ذلك مجال واسع وذلك أمّا أوّلاً : فلأنها حكاية فعل من الإمام (عليه السلام) في قضية شخصية ولا إطلاق للافعال ، ولعلّ عدم غسله الثوب من جهة أن دماميله كانت تعد بالنظر العرفي قرحة واحدة ذات
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1) في ص 391 .
|