الكلام في الامتثال الاجمالي 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4647


ــ[84]ــ

ورابعاً: أنّ لازم ما ذكره من قصور الأدلة عن الشمول لأطراف العلم الاجمالي عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي، ولو لم يكن العلم الاجمالي منجّزاً، لخروج بعض الأطراف عن محل الابتلاء، أو لكون الامتثال حرجياً أو ضررياً، مع أ نّه (قدس سره) لا يلـتزم بذلك قطعاً. وأمّا على ما ذكرناه (1) من أنّ المانع من جريان الأصل في اطراف العلم الاجمالي ثبوتي من جهة تنجيز العلم الاجمالي التكليف الواقعي، ولزوم اجتماع الضدّين في مقام الامتثال، فلا محذور في جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي في فرض خروج بعضها عن محل الابتلاء أو كون الامتثال حرجياً أو ضررياً، إذ العلم الاجمالي حينئذ لا يكون منجّزاً ولا يحكم العقل بلزوم امتثال الحكم الواقعي، لعدم القدرة عليه، أو لاستلزامه الحرج أو الضرر، فلا يلزم اجتماع الضدّين في مقام الامتثال، فلا مانع من جعل الترخيص في أطراف العلم الاجمالي.

 فتحصّل: أنّ الوجه في عدم جريان الأصل في أطراف العلم الاجمالي هو المانع الثبوتي على ما ذكرناه، لا قصور الأدلة في مقام الاثبات. هذا تمام كلامنا في المقام الأوّل والبحث عن ثبوت التكليف بالعلم الاجمالي.

 وأمّا المقام الثاني: وهو البحث عن سقوط التكليف بالعلم الاجمالي بعد ثبوته. فتحقيق القول فيه يقتضي التكلم في جهتين:

 الجهة الاُولى: في البحث عن كفاية الامتثال الاجمالي وعدمها، مع عدم تمكن المكلف من الامتثال التفصيلي.

 ولا ينبغي الشك في الكفاية لحكم العقل والشرع بحسن الاحتياط في هذا الحال وإن استلزم التكرار، بلا فرق بين التوصليات والتعبديات، وبلا فرق بين

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 79 ـ 80.

ــ[85]ــ

موارد تنجّز الواقع كما في أطراف العلم الاجمالي، وبين موارد عدم تنجّزه كما في الشبهة البدوية الحكمية أو الموضوعية، بلا فرق بين ما قبل الفحص وما بعده، إذ المفروض عدم تمكن الوصول إلى الواقع ولو بعد الفحص، فانّ الامتثال الاجمالي في جميع هذه الصور هو غاية ما يتمكن منه العبد في مقام امتثال أمر المولى، وهذا ممّا لا إشكال فيه ولا خلاف.

 الجهة الثانية: في البحث عن كفاية الامتثال الاجمالي مع تمكن المكلف من الامتثال التفصيلي، ويقع الكلام تارةً في التوصليات. واُخرى في التعبديات.

 أمّا التوصليات، فلا شك أيضاً في كفاية الامتثال الاجمالي فيها، لأنّ الغرض فيها مجرد حصول المأمور به في الخارج كيف ما اتّفق، وباتيان جميع المحتملات يتحقق المأمور به لا محالة، فإذا علم أحد بأ نّه مديون بدرهم إمّا لزيد أو لعمرو وأعطى درهماً لزيد ودرهماً لعمرو، حصل له العلم بالفراغ.

 ويلحق بالتوصليات الوضعيات، كالطهارة والنجاسة، فلو غسل المتنجس بمائعين طاهرين يعلم إجمالاً بكون أحدهما ماءً مطلقاً والآخر مضافاً طهر بلا إشكال. وكذا العقود والايقاعات، فان احتاط المكلف وجمع بين إنشاءات متعددة يعلم إجمالاً بصحّة أحدها، يكفي في حصول المنشأ لا محالة، وإن لم يتميز عنده السبب المؤثر.

 هذا، ولكن استشكل شيخنا الأنصاري (قدس سره) (1) في الاحتياط في العقود والايقاعات باستلزامه الاخلال بالجزم المعتبر في الانشاء، إذ الترديد ينافي الجزم، ولذا لا يصحّ التعليق في الانشائيات إجماعاً.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ الجزء الثالث من المكاسب: 173 (مبحث التنجيز في العقد).

ــ[86]ــ

 وهذا الاشكال ممّا لا يرجع إلى محصّل، لما ذكرناه في محلّه (1) من أنّ المراد بالجزم المعتبر في الانشاء هو الجزم بالاعتبار النفساني من قبل المنشئ، بأن يكون جازماً بالاعتبار من قبل نفسه لا متردداً فيه، والتعليق في الانشاء يوجب الترديد من قبل نفس المنشئ في اعتباره النفساني، فإذا قال: وهبتك هذا المال إن كنت ابن زيد مثلاً، لم يتحقق الاعتـبار منه، إذ علّقه على أمر لا يدري حصوله، فهو لا يدري أ نّه تحقق منه الاعتبار النفساني أم لا. وهذا هو الترديد المنافي لقصد الانشاء إجماعاً.

 وأمّا التردد في أنّ السبب الممضى شرعاً هو هذا أو ذاك ـ كما في موارد الاحتياط في العقود والايقاعات ـ فلا إشكال فيه، إذ لا ترديد في الانشاء الصادر من المنشئ بل هو جازم به، غاية الأمر كونه متردداً في أنّ السبب الممضى شرعاً هذا أو ذاك، فيجمع بينهما.

 وبالجملة: التردد في الحكم الشرعي لا ينافي الجزم المعتبر في الانشـاء، بل العلم بعدم إمضاء الشـارع لا ينافي الانشاء، إذ الانشاء اعتبار من قبل نفس المنشئ ولا ربط له بامضاء الشارع، فلو أوقع الوالد معاملةً ربويةً مع ولده مع العلم بعدم إمضاء الشارع حين الانشاء، ثمّ انكشف إمضاء الشارع، يحكم بصحّة المعاملة المذكورة، وكذا يحكم بصحّة معاملة الكفّار على تقدير اجتماع الشرائط، مع أ نّهم لا يلتزمون بالشرع وإمضاء الشارع أصلاً. فإذا كان الانشاء ممّا لا ينافيه الجزم بعدم إمضاء الشارع، فكيف ينافيه التردد في إمضاء الشارع.

 فالتحقيق: أنّ الاحتياط في العقود والايقاعات ممّا لا ينبغي الاشكال فيه.

 وأمّا التعبديات: فمع عدم تنجّز الواقع، كما في الشبهة البدوية الحكمية بعد

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) لاحظ مصباح الفقاهة 3: 58 وما بعدها (مبحث التنجيز في العقود).

ــ[87]ــ

الفحص، والشبهة الموضوعية مطلقاً، فلا إشكال في الاحتياط فيها أيضاً، بل يمكن أن يقال: إنّ هذا الامتثال الاجمالي مع ترخيص المولى بتركه أرقى من الامتثال التفصيلي في موارد يكون التكليف فيها منجّزاً.

 وأمّا مع تنجّز الواقع عليه، كما في موارد العلم الاجمالي، بل في الشبهة البدوية الحكمية قبل الفحص، فالاحتياط فيه تارةً يستلزم التكرار، واُخرى لايستلزمه. وعلى التقـديرين إمّا أن يكون التكليف المعـلوم بالاجمال أو المشـكوك فيه استقلالياً، أو يكون ضمنياً. وما لا يستلزم التكرار إمّا أن يكون أصل الطلب فيه معلوماً في الجملة وإنّما الشك في الخصوصية من الوجوب والاستحباب، وإمّا أن لا يكون كذلك، لاحتمال الاباحة. فهنا مسائل:




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net