حجّية قول اللغوي 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5157


المبحث الثاني

في حجّية قول اللغوي

 قد ذكرنا أ نّه إذا علم ظاهر الكلام يؤخذ به لبناء العقلاء على الأخذ به(2) وأمّا إذا لم يعلم ذلك، فهل يصح الرجوع إلى اللغوي في تعيين الظاهر بلا اعتبار ما يعتبر في الشهادة من التعدد والعدالة أم لا؟ فيه خلاف بينهم، واستدلّ القائل بحجّية قول اللغوي بوجوه:

 الوجه الأوّل: أنّ اللغوي من أهل الخبرة في تعيين الأوضاع وظواهر الألفاظ، وقد تحقق البناء من العقلاء على الرجوع إلى أهل الخبرة في كل فن، بلا اعتبار التعدد والعدالة، كالرجوع إلى المهندس في تقويم الدار مثلاً، وإلى الطبيب في

ـــــــــــــ
(2) تقدّم في الصفحة السابقة.

ــ[153]ــ

تشخيص المرض وعلاجه، ولم يثبت ردع شرعي عن ذلك. وأمّا اعتبار العدالة في الفقيه فانّما هو لدليل خاص.

 وفيه أوّلاً: أنّ الرجوع إلى أهل الخبرة إنّما هو في الاُمور الحدسـية التي تحتاج إلى إعمال النظر والرأي، لا في الاُمور الحسّية التي لا دخل للنظر والرأي فيها. وتعيين معاني الألفاظ من قبيل الاُمور الحسّية، لأنّ اللغوي ينقلها على ما وجده في الاستعمالات والمحاورات، وليس له إعمال النظر والرأي فيها، فيكون إخبار اللغوي عن معاني الألفاظ داخلاً في الشهادة المعتبرة فيها العدالة بل التعدد في مورد القضاء. وأمّا في غيره ففي اعتباره خلاف مذكور في محلّه (1).

 وإن شئت قلت: ليس اللغوي من أهل الخبرة بالنسبة إلى تعيين ظواهر الألفاظ بالوضع أو بالقرينة العامّة، بل هو من أهل الخبرة بالنسبة إلى موارد الاستعمال فقط.

 وثانياً: أ نّه على تقدير تسليم كون اللغوي من أهل الخبرة، لا يصح الرجوع إلى كتب اللغة، لأ نّها لم توضع لبيان الموضوع له، بل لبيان ما يستعمل فيه اللفظ حقيقة كان أو مجازاً، وإلاّ لزم كون جميع الألفاظ المستعملة في اللغة العربية إلاّ النادر مشتركاً لفظياً، لأنّ اللغويين يذكرون للفظ واحد معاني كثيرة، وهو مقطوع البطلان، وذكر معنىً من المعاني أوّلاً لا يدل على كونه هو المعنى الحقيقي، وإلاّ كان عليه ذكر القرينة في الألفاظ المشتركة، لتدل على أنّ المعنى الثاني أيضاً معنىً حقيقي لا مجازي.

 الوجه الثاني: دعوى الاجماع على العمل بقول اللغوي، فانّ العلماء في جميع الأعصار يراجعون كتب اللغة، ويعملون بها في تعيين معاني الألفاظ.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) شرح العروة 3: 155.

ــ[154]ــ

 وفيه أوّلاً: أنّ الاجماع القولي غير متحقق، فانّ كثيراً من العلماء لم يتعرّضوا لهذا البحث أصلاً، وكذا الاجماع العملي، لأنّ عملهم بقول اللغويين لعلّه لحصول الاطمئنان لهم من اتفاقهم على معنى من المعاني.

 وثانياً: أ نّه على تقدير تسليم الاتفاق ليس هنا إجماع تعبدي كاشف عن رأي المعصوم (عليه السلام) لاحتمال أن يكون مستند المجمعين هو الوجه الأوّل أو الوجه الثالث الذي تعرفه وما فيه الآن إن شاء الله تعالى.

 الوجه الثالث: أنّ جريان انسداد صغير في خصوص اللغات يستلزم حجّية قول اللغوي، فانّ معاني الألفاظ مجهولة غالباً، إمّا أصلاً وإمّا سعة وضيقاً، ولذا ذكر شيخنا الأنصاري (قدس سره) في الطهارة أنّ مفهوم الماء ـ مع كونه من أوضح المفاهيم العرفية، ويعرفه كل عارف باللغة العربية حتّى الصبيان ـ نشك فيه من حيث السعة والضيق كثيراً (1).

 وفيه: أنّ انسداد باب العلم في اللغة ممّا لا يترتب عليه أثر، إذ مع انفتاح باب العلم في الأحكام لا وجه للرجوع إلى قول اللغوي، انسدّ باب العلم في اللغة أو انفتح، ومع انسداد باب العلم في الأحكام وتمامية سائر المقدمات كان الظن بالحكم الشرعي حجّة، سواء حصل من قول اللغوي أو من غيره، وسواء كان باب العلم باللغة منفتحاً أو منسداً.

 ثمّ إنّ بعض الأعاظم التزم بحجّية قول اللغوي، وذكر جريان الانسداد في اللغة بتقريب آخر، وهو أنّ عدم جواز الرجوع إلى البراءة عند انسداد باب العلم والعلمي في الأحكام إنّما هو لأمرين:

 أحدهما: لزوم الخروج من الدين، فانّا إذا اقتصرنا على القدر المتيقن وجوبه

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كتاب الطهارة 1: 67.

ــ[155]ــ

من أجزاءه الصلاة وشرائطها، ورجعنا في غيره إلى البراءة، خرجت الصلاة عن حقيقتها، وكذا الحال في غيرها من العبادات والمعاملات.

 ثانيهما: لزوم المخالفة القطعية للعلم الاجمالي بتكاليف إلزامية وجوبية وتحريمية في موارد الجهل بالأحكام. والأمر الأوّل وإن كان منتفياً في الرجوع إلى البراءة عند انسداد باب العلم باللغة، إلاّ أ نّه يلزم الأمر الثاني، وهو المخالفة القطعية، لأنّ غالب الألفاظ الواردة في الكتاب والسنّة مجهولة المعاني، مع العلم الاجمالي بتكاليف إلزامية في موارد الجهل بها، فلا بدّ فيها من العمل بالظن الحاصل من قول اللغوي.

 وفيه أوّلاً: أ نّه لا نسلّم لزوم المخالفـة القطعية من الرجوع إلى البراءة في موارد الجهل باللغات، إذ ليس في ألفاظ الكـتاب والسنّة المتعلقة بالأحـكام الالزامية ما هو مجهول المعنى إلاّ القليل، كلفظ الصعيد والغناء ونحوهما، وليس لنا علم إجمالي بتكاليف إلزامية في هذه الموارد، سوى ما نعلمه تفصيلاً، فلا محذور في الرجوع إلى البراءة فيها.

 وثانياً: أنّ مقدّمات الانسداد غير منحصرة في عدم جواز الرجوع إلى البراءة، بل من جملتها عدم إمكان الاحتياط، لعدم قدرة المكلف عليه، أو لعدم وفاء الوقت به، أو عدم وجوب الاحتياط لاستلزامه العسر والحرج، أو عدم جواز الاحتياط لكونه موجباً لاختلال النظام.

 وهذه المقدمة غير تامة في المقام، إذ لايلزم من الرجوع إلى الاحتياط في موارد الجهل باللغة شيء من الاُمور المذكورة، فعلى تقدير تسليم العلم الاجمالي بتكاليف إلزامية في موارد الجهل باللغة لا بدّ من الاحتياط، لا العمل بقول اللغوي.

 فتحصّل ممّا ذكرناه: أ نّه لا دليل على حجّية قول اللغوي بلا اعتبار العدالة والتعدد.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net