كلام الشيخ الأنصاري في المقام - عدم الواسطة بين العادل والفاسق - الاستدلال بمفهوم الشرط 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4934


ــ[180]ــ

 الوجه الثاني: ما ذكره شيخنا الأنصاري (قدس سره) وملخّصه: أنّ لخبر الفاسق حيثيتين: إحداهما: ذاتية، وهي كونه خبر الواحد. والاُخرى: عرضية وهي كونه خبر الفاسق، وقد علّق وجوب التبين على العنوان العرضي، فيستفاد منه أ نّه العلّة لوجوب التبين، دون العنوان الذاتي، وإلاّ لكان العدول عن الذاتي إلى العرضي قبيحاً وخارجاً عن طرق المحاورة، فانّه نظير تعليل نجاسة الدم بملاقاته لمتنجس مثلاً، وعليه فيستفاد انتفاء وجوب التبين عند انتفاء هذا العنوان العرضي، وهو كونه خبر الفاسق (1).

 وقد اُورد على هذا الاستدلال بايرادات:

 الايراد الأوّل: أنّ كون الخبر خبر واحد أيضاً من العناوين العرضية، ككونه خبر فاسق، فكل من العنوانين عرضي يحتمل دخل كليهما في الحكم، وتخصيص أحدهما بالذكر لعلّه لنكتة كالاشارة إلى فسق الوليد مثلاً.

ــــــــــــــــــــــــــــ

=  الحكم لمحل الوصف، ومفهومه عدم ثبوته للطبيعة أينما سرت، وإلاّ لزم كون ذكر الوصف لغواً. فحاصل المفهوم هو السكوت عن غير محلّ الوصف فلا يستفاد من المفهوم انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف. وهذا اعتراف منه (دام ظلّه) بعدم المفهوم للوصف بالمعنى المصطلح عليه، فإنّ الكلام على تقدير دلالته على المفهوم يكون عندهم ذا دلالتين: إحداهما الدلالة على ثبوت الحكم في محل الوصف، والاُخرى الدلالة على نفيه عن غيره. فالقول بثبوت المفهوم للوصف وعدم استفادة انتفاء الحكم عند انتفاء الوصف ممّا لم نتحصّل معناه وهو خارج عن المصطلح. والتحقيق في الجواب عن الاستدلال بمفهوم الوصف هو أ نّه لا مفهوم له، لأنّ دلالة الوصف على المفهوم تحتاج إلى الدلالة على كونه علّة منحصرة وهي مفقودة كما ذكره سيّدنا الاُستاذ (دام ظلّه العالي).

(1) فرائد الاُصول 1: 164 و 165.

 
 

ــ[181]ــ

 وفيه: أنّ المراد بخبر الواحد في المـقام هو الذي لا يفيد القطع ويحتمل الصدق والكذب في قبال المتواتر والمحفوف بالقرينة القطعية، وهذا هو المراد من النبأ في الآية الشريفة بقرينة وجوب التبين عنه، إذ الخبر المعلوم صدقه متبيّن في نفسه ولا معنى لوجوب التبين عنه. وبقرينة التعليل، وهو قوله تعالى: (أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةً) وليس مراد الشيخ (قدس سره) من الذاتي في المقام هو الذاتي في باب الكلّيات أي الجنس والفصل، بل مراده هو الذاتي في باب البرهان، أي ما يكفي مجرد تصوّره في صحّة حمله عليه، من دون احتياج إلى لحاظ أمر خارج كالامكان بالنسبة إلى الانسان مثلاً، فانّه ليس جنساً ولا فصلاً له ليكون ذاتياً في باب الكلّيات، بل ذاتي له في باب البرهان، بمعنى أنّ تصور الانسان يكفي صحّة حمل الامكان عليه، بلا حاجة إلى لحاظ أمر خارجي، ومن الواضح أنّ الخبر في نفسه يحتمل الصدق والكذب، ويصح حمل ذلك عليه، بلا حاجة إلى ملاحظة أمر خارج عنه، فكونه خبر واحد ذاتي له، بخلاف كونه خبر فاسق، إذ لا يكفي في حمله على الخبر نفس تصور الخبر، بل يحتاج إلى ملاحظة أمر خارج عن الخبر، وهو كون المخبر به ممّن يصدر عنه الفسق.

 الايراد الثاني: أنّ الحكم على الطبيعة المهملة غير متصور، إذ لا يعقل الاهمال في مقام الثبوت، فلا محالة يكون الحكم بوجوب التبين عن الخبر إمّا مقيداً بكون المخبر به فاسقاً فيكون خبر العادل حجّة، وإمّا مقيداً بالجامع بينه وبين العادل، فلا يكون خبر العادل حجّة، فالتقـييد ضروري لا محالة إمّا بخصوص الفاسق أو بالأعم منه ومن العادل، وحيث إنّ التقييد ضروري فالتقييد بالفاسق لا يشعر بالعلّية ليدل على المفهوم، لاحتمال أن يكون الحكم مقيداً بالأعم منه ومن العادل وكان ذكر الفاسق لنكتة تقدّمت الاشارة إليه.

 وفيه: أنّ الاهمال في مقام الثبوت وإن كان غير معقول إلاّ أ نّه لا يلزم منه

ــ[182]ــ

كون التقييد ضرورياً بل يدور الأمر بين التقييد والاطلاق، وقد ذكرنا مراراً أنّ الاطلاق عبارة عن رفض القيود لا الأخذ بها (1) فالقول بحجّية خبر العادل وإن كان يستلزم تقييد الخبر بالفاسق إلاّ أنّ القول بعدم حجّيته لا يستلزم التقييد بالأعم منه ومن العادل بل يكفي فيه الاطلاق بمعنى إلغاء الخصوصيات لا الأخذ بجميع الخصوصيات. فإذن لا يكون التقييد ضرورياً حتّى لا يكون مشعراً بالعلّية.

 الايراد الثالث: أ نّا نقطع من الخارج بعدم دخل الفسق في وجوب التبين، وإلاّ لزم القول بحجّـية خبر غير الفاسق ولو لم يكن عادلاً، كمن لم يرتكب المعصية في أوّل بلوغه، ولم تحصل له ملكة العدالة بعد. وكذا الحال في الصغير والمجنون، فانّه لو قلنا بمفهوم الوصف في الآية الشريفة والتزمنا بحجّية خبر غير الفاسق لزم القول بحجّية خبر الصغير والمجنون أيضاً.

 وفيه: مضافاً إلى أ نّا لا نقول بالواسطة بين العادل والفاسق ـ على ما حقق في محلّه (2)، فلا يكون غير الفاسق إلاّ العادل ـ أنّ رفع اليد عن إطلاق المفهوم لأدلة خاصّة دلّت على اعتبار العدالة في حجّية الخبر لا يقدح في حجّية المفهوم وكم تقييد لاطلاقات المفهوم في أبواب الفقه لأدلة خاصّة، فعدم حجّية خبر الواسطة بين العادل والفاسق على تقدير إمكانها إنّما هو لأدلة خارجية مقيّدة لاطلاق المفهوم، وكذا خبر الصبي والمجنون خارج عن إطلاق المفهوم لأدلة خاصّة تدل على اعتبار الكبر والعقل، هذا مضافاً إلى إمكان القول بأ نّه لا إطلاق للمفهوم بالنسبة إليهما، باعتبار أنّ الآية الشريفة رادعة عن العمل بغير

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع محاضرات في اُصول الفقه 4: 512.

(2) راجع شرح العروة 1: 213 ـ 214.

ــ[183]ــ

التبين بما يعمل العقلاء به لولا الردع، كخبر الفاسق. وأمّا خبر الصبي والمجنون فالعقلاء بأنفسهم لا يعملون به، بلا حاجة إلى الردع، فهو خارج عن الآية الشريفة تخصصاً، بلا حاجة إلى دليل مقيّد لاطلاق المفهوم.

 ولا يخفى أنّ هذا الايراد غير مختص بالاستدلال بمفهوم الوصف، بل جار على الاستدلال بمفهوم الشرط أيضاً. والجواب الجواب.

 فتحصّل: أنّ هذه الايرادات الثلاثة غير واردة على الشيخ (قدس سره).

 نعم، يرد عليه أنّ هذا الوجه أيضاً يرجع إلى الاستدلال بمفهوم الوصف، لا أ نّه وجه مستقل في الاستدلال بالآية الشريفة في قبال الاستدلال بمفهوم الوصف، بل هو توضيح وبيان لكيفية الاستدلال بمفهوم الوصف، وحينئذ يرد عليه ما تقدّم في الوجه السابق من أنّ التقييد بالوصف وإن كان مشعراً بالعلّية، إلاّ أنّ ذلك لا يدل على الانتفاء عند الانتفاء، فانّه متفرع على كون الوصف علّة منحصرة، وهو لا يستفاد من مجرّد التعليق على الوصف على ما تقدّم بيانه، ولا حاجة إلى الاعادة.

 الوجه الثالث: الاستدلال بمفهوم الشرط، بتقريب أنّ وجوب التبين عن الخبر قد علّق على مجيء الفاسق به، فينتفي عند انتفائه، فلا يجب التبين عن الخبر عند مجيء غير الفاسق به.

 وقد اُورد على هذا الوجه من الاسـتدلال باُمور بعـضها راجع إلى منع المقتضي للدلالة على المفهوم، وبعضها راجع إلى دعوى وجود المانع عنها.

 أمّا الايراد من ناحية المقتضي: فهو أنّ القضيّة الشرطية في الآية الشريفة إنّما سيقت لبيان الموضوع نظير قولك: إن رزقت ولداً فاختنه، فلا مفهوم لها، فانّ الختان عند انتفاء الولد منتف بانتفاء موضوعه ولا مفهوم له، فكذا في

ــ[184]ــ

المقام انتفاء وجوب التبين عن الخبر عند انتفاء مجي الفاسق به إنّما هو لانتفاء موضوعه لا للمفهوم، إذ مع عدم مجي الفاسـق بالخبر لا خبر هناك ليجب التبين عنه أو لا يجب.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net