حجية الظن بالاُصول الاعتقادية 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 4578


 وأمّا الظن المتعلق بالاُصول الاعتقادية، فلا ينبغي الشك في عدم جواز الاكتفاء بالظن فيما يجب معرفته عقلاً، كمعرفة البارئ (جلّ شأنه)، أو شرعاً كمعرفة المعاد الجسماني، إذ لا يصدق عليه المعرفة، ولا يكون تحصيله خروجاً من ظلمة الجهل إلى نور العلم، وقد ذكرنا في بحث القطع أنّ الأمارات لا تقوم مقام القطع المأخوذ في الموضوع على نحو الصفتية (1)، فلا بدّ من تحصيل العلم والمعرفة مع الامكان، ومع العجز عنه لا إشكال في أ نّه غير مكلّف بتحصيله، إذ العقل مستقل بقبح التكليف بغير المقدور. كما أ نّه لا إشكال في كونه غير معذور ومستحقاً للعقاب فيما إذا كان عجزه عن تقصير منه المعبّر عنه بالجاهل المقصّر، فانّ الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار بالنسبة إلى استحقاق العقاب وإن كان ينافيه بالنسبة إلى التكليف على ما قرّر في محلّه (2). وهذا كلّه واضح، إنّما الكلام فيما إذا كان عجزه عن تحصيل العلم والمعرفة عن قصور للغفلة أو لغموض المطلب مع عدم الاستعداد، كما هو المشاهد في كثير من النساء بل الرجال، ويعبّر عن هذا بالجاهل القاصر، والكلام فيه يقع في مقامات ثلاثة:

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) راجع ص 36.

(2) محاضرات في اُصول الفقه 2: 185 ـ 186.

ــ[275]ــ

 المقام الأوّل: في وجود الجاهل القاصر وعدمه.

 المقام الثاني: في ترتب أحكام الكفر عليه، كالنجاسة والمنع من الارث والتناكح وغير ذلك من الأحكام الفرعية المترتبة على الكفر.

 المقام الثالث: في استحقاقه العقاب وعدمه.

 أمّا المقام الأوّل: فحقّ القول فيه أ نّه لا يوجد الجاهل القاصر بالنسبة إلى وجود الصانع إلاّ نادراً، إذ كل إنسان ذي شعور وعقل ـ ولو كان في غاية قلّة الاستعداد ما لم يكن ملحقاً بالصبيان والمجانين ـ يدرك وجوده ونفسـه، وهو أوّل مدرك له، ويدرك أ نّه حادث مسبوق بالعدم، وأ نّه ليس خالقاً لنفسه بل له خالق غيره، وهذا المعنى هو الذي ذكره سبحانه وتعالى بقوله: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْء أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ)(1) ثمّ ينتقل إلى وجود غيره، وهو مدرك ثان له، وينتقل منه أيضاً إلى وجود الصانع، كما قال عزّ من قائل: (وَلَئِن سَأَ لْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّموَاتِ وَا لاَْرْضِ لَيَقُولُنَّ اللهُ)(2) أي أ نّهم يعترفون بالخالق (جلّ ذكره) بمجرد الالتفات إلى وجود السماوات والأرض. وكذا الحال بالنسبة إلى التوحيد، فانّ كل إنسان ذي شعور وعقل كما يدرك أنّ له صانعاً يدرك بحسب ارتكازه الفطري أنّ الخالق (جلّ ذكره) واحد لا شريك له.

 وبالجملة: الجاهل القاصر بالنسبة إلى وجود الصانع وتوحيده (جلّ ذكره) نادر أو غير موجود. نعم، الجاهل القاصر بالنسبة إلى النبوّة الخاصّة والإمامة والمعاد الجسماني في غاية الكثرة، فانّ كثيراً من نسوان اليهود والنصارى قاصرات

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الطور 52: 35.

(2) الزُّمر 39: 38.

ــ[276]ــ

عن تحصيل مقدّمات التصديق والجزم بالنبوّة الخاصّة، وكذا نسوان المخالفين بالنسبة إلى الإمامة، وكذا بعض من الرجال بالنسبة إلى المعاد الجسماني.

 وأمّا المقام الثاني: فالصحيح فيه جريان أحكام الكفر على الجاهل بالاُصول الاعتقادية ولو كان جهله عن قصور، لاطلاقات الأدلة الدالة على ترتب تلك الأحكام، فإن قلنا بنجاسة أهل الكتاب مثلاً لا فرق بين أن يكون جهلهم عن تقصير أو قصور.

 وأمّا المقام الثالث: فالمعروف بينهم أنّ الجاهل القاصر غير مستحق للعقاب وهو الصحيح، إذ العقل مستقل بقبح العقاب على أمر غير مقدور، وأ نّه من أوضح مصاديق الظلم، فالجاهل القاصر معذور غير معاقب على عدم معرفة الحق بحكم العقل إذا لم يكن يعانده، بل كان منقاداً له على إجماله. ولعل هذا ظاهر، ولكن مع ذلك التزم صاحب الكفاية (قدس سره) في هامش الكفاية بأ نّه مستحق للعقاب(1)، وهو مبني على ما ذكره في بحث الطلب والارادة تارةً وفي بحث القطع اُخرى من أنّ العقاب إنّما هو من تبعات البُعد عن المولى الناشئ من الخباثة الذاتية، فينتهي الأمر بالأخرة إلى أمر ذاتي، والذاتي لايعلّل(2). وهذا الكلام وإن صدر من هذا العالم العيلم، إلاّ أ نّه خلاف الصواب وقد ذكرنا ما فيه في بحث الطلب والارادة (3) ولا نعيد. هذا كلّه فيما إذا كان الظن متعلقاً بما تجب معرفته عقلاً أو شرعاً.
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كفاية الاُصول: 331.

(2) كفاية الاُصول: 68 و 261.

(3) محاضرات في اُصول الفقه 1: 456.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net