الجهة الثالثة : كيفية انطباق الحديث على قصّة سمرة 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الاول   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 3994


 الجهة الثالثة: في انطباق قاعدة نفي الضرر على ما ذكر في قصّة سمرة بن جندب، فربّما يقال بعدم انطباقها عليه، لأنّ الضرر في تلك القضيّة لم يكن إلاّ في دخول سمرة على الأنصاري بغير استئذان. وأمّا بقاء عذقه في البستان فما كان يترتب عليه ضرر أصلاً، ومع ذلك أمر النبي (صلّى الله عليه وآله) بقلع العذق، فالكبرى المذكورة فيها لا تنطبق على المورد، فكيف يمكن الاستدلال بها في غيره.

 وأجاب عنه المحقق النائيني (قدس سره) (2) بما حاصله: أنّ دخول سمرة على الأنصاري بغير استئذان إذا كان ضررياً، فكما يرتفع هذا الضرر بمنعه عن الدخول بغير استئذان، كذلك يرتفع برفع علّته وهي ثبوت حق لسمرة في إبقاء عذقه في البستان، فلأجل كون المعلول ضررياً رفعت علّته، كما إذا كانت المقدمة ضررية، فانّه كما ينتفي وجوب المقدمة كذلك ينتفي وجوب ذي المقدمة، فإذا كان على المكلف غسل ولم يكن الغسل بنفسـه موجباً للضرر عليه، ولكن كانت مقدمته كالمشي إلى الحمام مثلاً ضررياً، فلا إشكال في رفع وجوب ذي المقدمة وهو الغسل، كرفع وجوب المقدمة وهي المشي إلى الحمام، فلا مانع من

ــــــــــــــ
(2) منية الطالب 3: 398.

ــ[617]ــ

سقوط حق سمرة استناداً إلى نفي الضرر، لكون معلوله ضررياً وهو الدخول بغير استئذان.

 وفيه: أن كون المعلول ضررياً لا يوجب إلاّ ارتفاع نفسه، فانّ رفع علّته بلا موجب، فإذا كانت إطاعة الزوج في عمل من الأعمال ضرراً على الزوجة لا يرتفع به إلاّ وجوب الاطاعة في ذلك العمل. وأمّا الزوجية التي هي السبب في وجـوب الاطاعة فلا مقتضي لارتفاعها. وكذا إذا اضطرّ أحد إلى شرب النجس فالمرتفع بالاضطرار إنّما هو الحرمة دون نجاسته التي هي علّة الحرمة وهكذا. وقياس المقام بكون المقدمة ضررية الموجبة لارتفاع وجوب ذي المقدمة مع الفارق، لأنّ كون المقدمة ضررية يستلزم كون ذي المقدمة أيضاً ضررياً، لأنّ الاتيان بذي المقدمة يتوقف على الاتيان بالمقدمة على ما هو معنى المقدمية، فضررية المقدمة توجب ضررية ذيها لا محالة، فارتفاع وجوب ذي المقدمة إنّما هو لكونه بنفسه ضررياً، فانّ المشي إلى الحمام لو كان ضررياً كان الغسل بنفسه ضررياً مع فرض توقفه على المشي إلى الحمام، فكيف يقاس المقام به.

 وأجاب شيخنا الأنصاري (قدس سره) بأ نّا لا ندري كيفية انطباق الكبرى على المورد، والجهل بها لا يضر بالاستدلال بالكبرى الكلّية فيما علم انطباقها عليه (1).

 وما ذكره وإن كان صحيحاً في نفسه، إلاّ أنّ المقام ليس كذلك أي مجهول الانطباق على المورد، بل معلوم الانطباق عليه، فانّ ما يستفاد من الرواية الواردة في قصّة سمرة أمران: أحدهما: عدم جواز دخول سمرة على الأنصاري

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) رسائل فقهية: 111.

ــ[618]ــ

بغير استئذان. ثانيهما: حكمه (صلّى الله عليه وآله) بقلع العذق. والاشكال المذكور مبني على أن يكون الحكم الثاني بخصوصه أو منضماً إلى الأوّل مستنداً إلى نفي الضرر، وأمّا إن كان المستند إليه خصوص الحكم الأوّل، وكان الحكم الثاني الناشئ من ولايته (صلّى الله عليه وآله) على أموال الاُمّة وأنفسهم، دفعاً لمادّة الفساد أو تأديباً له لقيامه معه (صلّى الله عليه وآله) مقام العناد واللجاج، كما يدل عليه قوله (صلّى الله عليه وآله): «اقلعها وارم بها وجهه» (1) وقوله (صلّى الله عليه وآله) لسمرة: «فاغرسها حيث شئت» (2) مع أنّ الظاهر والله العالم سقوط العذق بعد القلع عن الاثمار، وعدم الانتفاع بغرسه في مكان آخر. فهذان الكلامان ظاهران في غضبه (صلّى الله عليه وآله) على سمرة وكونه (صلّى الله عليه وآله) في مقام التأديب، كما هو في محلّه لمعاملته معه (صلّى الله عليه وآله) معاملة المعاند التارك للدنيا والآخرة والاطاعة والأدب معاً كما يظهر من مراجعة القضيّة بتفصيلها.

 فتلخّص: أنّ حكمه (صلّى الله عليه وآله) بقلع العذق لم يكن مستنداً إلى قاعدة نفي الضرر، فالاشكال مندفع من أصله.
 
ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 25: 427 و 428 / كتاب إحياء الموات ب 12 ح 1 و 3 (باختلاف يسير).

(2) المصدر السابق ح 4.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net