اعتبار التعدّد في المتنجِّس بالبول وفي الظروف والتعفير فيما ولغ فيه الكلب - واعتبارات العصر 

الكتاب : التنقيح في شرح العروة الوثقى-الجزء الرابع:الطهارة   ||   القسم : الفقه   ||   القرّاء : 6712


ــ[11]ــ

   وأمّا الثاني : فالتعدّد في بعض المتنجسات كالمتنجِّس بالبول ((1)) وكالظروف (1) والتعـفير((2)) كما في المتنجِّس بولوغ الكلب (2) . والعـصر ((3)) في مثل الثياب والفرش ونحوها ممّا يقبله (3) .

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الاطلاق في الماء مطلقاً ، بلا فرق في ذلك بين الغسلة الاُولى والثانية ، بحيث لو انقلب مضافاً قبل إكمال الغسلات أو قبل تمام الغسلة الواحدة ـ  فيما لا يشترط فيه التعدّد  ـ حكم بعدم طهارة المغسول به .

   (1) يأتى الكلام في تفصيل هذه المسألة عن قريب (4) ونصرح هناك بأن تعدد الغسل في المتنجِّس بالبول لا يختص بالماء القليل ، بل يشترط ذلك حتى في الكثير ، وإنما يكفي المرّة الواحدة في المتنجِّس بالبول في خصوص الغسل بالجاري وما يلحق به من ماء المطر ـ  بناء على تمامية ما ورد من أن كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر (5)  ـ فتخصيص الماتن اشتراط التعدّد بالقليل يبتني على إلحاق الكثير بالجاري ، وفيه منع كما سيظهر .

   (2) خص لزوم التعفير في المتنجِّس بالولوغ بما إذا غسل بالماء القليل ، وهذا من أحد موارد المناقضة في كلام الماتن (قدس سره) فانّه سوف يصرح في المسألة الثالثة عشرة بأن اعتبار التعفير في الغسل بالكثير لا يخلو عن قوّة ، ويأتي هناك ما هو الصحيح في المسألة .

   (3) لا ينبغي الاشـكال في أن الغسل والصب لدى العرف مفهـومان متـغايران

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الظاهر اعتبار التعدّد في الثوب المتنجِّس بالبول حتى فيما إذا غسل بالماء الكثير. نعم ، لا يعتبر ذلك في الجاري .

(2) سيجيء منه (قدس سره) اعتبار التعفير عند الغسل بالماء الكثير أيضاً ، وهو الصحيح .

(3) إذا توقّف صدق الغسل على العصر أو ما بحكمه كالدلك فلا بدّ من اعتباره ولو كان الغسل بالماء الكثير ، وإلاّ فلا وجه لاعتباره في الماء القليل أيضاً .

(4) في ص 54 .

(5) ورد ذلك في مرسلة الكاهلي المروية في الوسائل 1 : 146 / أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5 .

ــ[12]ــ

وكذلك الحال في الأخبار حيث جعل الغسل في جملة منها مقابلاً للصب ، فقد ورد في بعضها «إن أصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله وإن مسّه جافاً فاصبب عليه الماء ...» (1) وفي آخر حينما سئل عن بول الصبي «تصب عليه الماء ، فان كان قد أكل فاغسله بالماء غسلاً ...» (2) وفي ثالث «عن البول يصيب الجسد ؟ قال : صب عليه الماء مرّتين ، فانما هو ماء ، وسألته عن الثوب يصيبه البول ؟ قال : اغسله مرّتين ...» (3) .

   وعلى الجملة لا تردد في أن الصب غير الغسل ، وإنما الكلام في أن الغسل الذي به ترتفع نجاسة المتنجِّسات ـ لما ذكرناه من أن الأمر في الروايات الآمرة بغسل الأشياء المتنجسة إرشاد إلى أمرين : أحدهما : نجاسة الثوب مثلاً بملاقاة النجس . وثانيهما : أن نجاسته ترتفع بغسله ـ هل يعتبر في مفهومه العصر فلا يتحقق إلاّ باخراج الغسالة بالعصر أو ما يشبهه كالتغميز والتثقيل ونحوهما ، أو يكفي في تحقق الغسل مجرد إدخال المتنجِّس في الماء أو صبّ الماء عليه حتى يرتوي ؟ وإلاّ فلم يرد في شيء من الروايات اعتبار العصر في الغسل فنقول :

   إن مقتضى إطلاق ما دلّ على تقذّر المتقذّرات بالمنع عن استعمالها في الصلاة أو الشرب أو غيرهما مما يشترط فيه الطهارة أو بغير ذلك من أنحاء البيان ، بقاؤها على قذارتها إلاّ أن يرد عليها مطهّر شرعي بحيث لولاه لبقيت على نجاستها إلى الأبد ، كما هو المستفاد من قوله (عليه السلام) في موثقة عمار «فاذا علمت فقد قذر» (4) وعلى ذلك إذا علمنا بحصول الطهارة بشيء من الأسباب الموجبة للطهارة فلا مناص من الأخذ به وتقييد الاطلاق المتقدم بذلك . وأما إذا شككنا في أن الشيء الفلاني سبب

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كما في صحيحة الفضل أبي العباس المروية في الوسائل 3 : 414 / أبواب النجاسات ب 12 ح 1 ، 1 : 225 / أبواب الأسآر ب 1 ح 1 .

(2) وهي مصححة الحلبي المروية في الوسائل 3 : 397 / أبواب النجاسات ب 3 ح 2 .

(3) وهي حسنة الحسين بن أبي العلاء المروية في الوسائل 3 : 395 / أبواب النجاسات ب 1 ح 4 .

(4) الوسائل 3 : 467 / أبواب النجاسات ب 37 ح 4 ، وتقدّمت في ص 8 .

ــ[13]ــ

للطهارة أو لا تحصل به الطهارة فلا بد من الرجوع إلى الاطلاق المتقدم ذكره ومقتضاه الحكم ببقاء النجاسة وآثارها .

   إذا عرفت ذلك فنقول : الصحيح اعتبار العصر في الغسل ، وذلك لأنه مفهوم عرفي لم يرد تحديده في الشرع فلا مناص فيه من الرجوع إلى العرف وهم يرون اعتباره في مفهومه بلا ريب ، ومن هنا لو أمر السيد عبده بغسل شيء ـ  ولو من القذارة المتوهمة  ـ كما إذا لاقى ثوبه ثوب رجل غير نظيف ، لا يكتفي العبد في امتثاله بادخال الثوب في الماء فحسب ، بل ترى أنه يعصره ويخرج غسالته . على أ نّا لو تنزلنا عن ذلك فلا أقل من أ نّا نشك في أن العصر معتبر في مفهوم الغسل الذي به ترتفع نجاسة المتنجِّس أو لا اعتبار به ، وقد عرفت أن المحكّم حينئذ هو الاطلاق وهو يقتضي الحكم ببقاء القذارة إلى أن يقطع بارتفاعها كما إذا عصر .

   وتؤيد ما ذكرناه حسنة الحسين بن أبي العلاء «سألت أبا عبدالله (عليه السلام) عن الصبي يبول على الثوب ؟ قال : تصب عليه الماء قليلاً ثم تعصره» (1) والوجه في جعلها مؤيدة أن الجملة المذكورة في الحديث مسبوقة بجملتين حيث سئل (عليه السلام) عن البول يصيب الجسد ؟ قال : صبّ عليه الماء مرّتين ، وعن الثوب يصيبه البول ؟ قال : إغسله مرّتين (2) وهاتان الجملتان قرينتان على أن المراد ببول الصبي في الرواية هو الصبي غير المتغذي ولا يجب فيه الغسل كي يعتبر فيه العصر ، فالأمر به محمول على الاستحباب لا محالة .

   وفي الفقه الرضوي «وإن أصاب بول في ثوبك فاغسله من ماء جار مرّة ، ومن ماء راكد مرّتين ثم اعصره» (3) وعن دعائم الاسلام عن علي (عليه السلام) قال في المني يصيب الثوب : «يغسل مكانه فان لم يعرف مكانه وعلم يقيناً أنه أصاب الثوب غسله كلّه ثلاث مرات يفرك في كل مرّة ويغسل ويعصر» (4) إلاّ أنهما لضعفهما مما لا يمكن

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) ، (2) المروية في الوسائل 3 : 397 / أبواب النجاسات ب 3 ح 1 ، 395 / ب 1 ح 4 .

(3) المستدرك 2 : 553 / أبواب النجاسات ب 1 ح 1 ، فقه الرضا : 95 .

(4) المستدرك 2 : 555 / أبواب النجاسات ب 3 ح 2 ، دعائم الاسلام 1 : 117 .

ــ[14]ــ

الاستدلال به ، حيث لم يثبت أن الاُولى رواية فضلاً عن اعتبارها ، والثانية مرسلة . على أنهما تشتملان على ما لا نقول به ، لأن ظاهرهما اعتبار العصر بعد الغسل ولم نعثر على قائل بذلك ، حيث إن من يرى اعتباره فانّما يعتبره في نفس الغسل أو الغسلتين لا بعدهما ، وكذلك الكلام في اعتبار الغسل ثلاث مرات في المني واعتبار الفرك في كل غسلة لأنهما مما لا نلتزم به ، هذا كله في الغسل بالماء القليل .

   وأمّا الغسل بالمطر، فقد يقال بعدم اعتبار العصر فيه لمرسلة الكاهلي عن أبي عبدالله (عليه السلام) «كل شيء يراه ماء المطر فقد طهر»(1) لدلالتها على كفاية رؤية المطر في التطهير فلا حاجة معها إلى العصر ، إلاّ أنها لارسالها غير قابلة للاعتماد عليها، بل الصحيح أن للغسل مفهوماً واحداً لا يختلف باختلاف ما يغسل به من أقسام المياه .

   وأمّا الجاري ، فقد ألحقه بعضهم بالمطر في عدم اعتبار العصر فيه ، ولعلّه من جهة ما بينهما من الشباهة في الجريان حيث إن المطر يجري من السماء فيشبه الماء الجاري على وجه الأرض . وفيه : أنّ ذلك لو تم فانّما يقتضي أن يكون المطر كالجاري لما مرّ وأما عكسه وهو كون الجاري كالمطر فلا ، إذ أنه لم يثبت بدليل فلا تترتب عليه أحكام المطر التي منها عدم اعتبار العصر في الغسل به ، على أن ذلك في المطر أيضاً محل منع فما ظنك بما اُلحق به .

   وأما الماء الكثير ، فعن أكثر المتأخرين عدم اعتبار العصر في الغسل به ، ولعل المستند في ذلك هو ما أرسله العلاّمة (قدس سره) (2) عن أبي جعفر محمد بن علي (عليه السلام) من أن هذا ـ  مشيراً به إلى ماء في طريقه فيه العذرة والجيف  ـ لايصيب شيئاً إلاّ طهّره ... (3) ولكن الرواية مرسلة لا يثبت بها شيء من الأحكام الشرعية.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) الوسائل 1 : 146 / أبواب الماء المطلق ب 6 ح 5 .

(2) هذا وبالمراجعة إلى المختلف [ 1 : 15 ] ظهر أن مرسلها هو ابن أبي عقيل ومن ثمة نسبها إليه النوري في مستدركه حيث قال : العلاّمة في المختلف عن ابن أبي عقيل قال : ذكر بعض علماء الشيعة .... ، وإن كانت الرواية معروفة بمرسلة العلاّمة (قدس سره) وعليه فلا وقع لما قيل من أن مراده ببعض علماء الشيعة هو ابن أبي عقيل .

(3) المستدرك 1 : 198 / أبواب الماء المطلق ب 9 ح 8 .




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net