التفصيل بين أخذ الزمان قيداً للفعل أو ظرفاً له - استصحاب عدم الغاية 

الكتاب : مصباح الاُصول - الجزء الثاني   ||   القسم : الأصول   ||   القرّاء : 5152


ــ[157]ــ

 وهذا الكلام صحيح لو تمّ المبنى المذكور، لكنّه غير تام لما تقدّم(1) من أنّ أخبار الاستصحاب لاتختص بالشك في الرافع، فلا مانع من جريان الاستصحاب من هذه الجهة.

 نعم، هنا جهة اُخرى تقتضي عدم جريان الاستصحاب في أمثال المقام وهي أنّ الاهمال في مقام الثبوت غير معقول كما مرّ غير مرّة، فالأمر بشيء إمّا أن يكون مطلقاً وإمّا أن يكون مقيداً بزمان خاص ولا تتصور الواسطة بينهما، ومعنى كونه مقيداً بذلك الزمان الخاص عدم وجوبه بعده، فأخذ الزمان ظرفاً للمأمور به ـ بحيث لا ينتفي المأمور به بانتفائه قبالاً لأخذه قيداً للمأمور به ـ مما لا يرجع إلى معنىً معقول، فانّ الزمان بنفسه ظرف لا يحتاج إلى الجعل التشريعي، فاذا اُخذ زمان خاص في المأمور به فلا محالة يكون قيداً له، فلا معنى للفرق بين كون الزمان قيداً أو ظرفاً، فانّ أخذه ظرفاً ليس إلاّ عبارة اُخرى عن كونه قيداً، فاذا شككنا في بقاء هذا الزمان وارتفاعه من جهة الشبهة المفهومية أو لتعارض الأدلة، لا يمكن جريان الاستصحاب لا الاستصحاب الحكمي ولا الموضوعي.

 أمّا الاستصحاب الحكمي، فلكونه مشروطاً باحراز بقاء الموضوع وهو مشكوك فيه على الفرض، فانّ الوجوب تعلق بالامساك الواقع في النهار، فمع الشك في بقاء النهار كيف يمكن استصحاب الوجوب، فانّ موضوع القضية المتيقنة هو الامساك في النهار، وموضوع القضية المشكوكة هو الامساك في جزء من الزمان يشك في كونه من النهار، فيكون التمسك بقوله (عليه السلام): «لا تنقض اليقين بالشك» لاثبات وجوب الامساك فيه تمسكاً بالعام في الشبهة المصداقية.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) في ص 30 ـ 35.

ــ[158]ــ

 وأمّا الاستصحاب الموضوعي بمعنى الحكم ببقاء النهار، فلأ نّه ليس لنا يقين وشك تعلقا بشيء واحد حتى نجري الاستصحاب فيه، بل لنا يقينان: يقين باسـتتار القرص ويقين بعدم ذهاب الحمرة المشرقية، فأيّ موضوع يشك في بقائه بعد العلم بحدوثه حتى يكون مجرىً للاستصحاب. فاذن لا شك لنا إلاّ في مفهوم اللفظ، ومن الظاهر أ نّه لا معنى لجريان الاستصحاب فيه.

 ونظير المقام ما إذا شككنا في معنى العدالة وأ نّها عبارة عن ترك الكبائر فقط أو هو مع ترك الصغائر، فاذا كان زيد عادلاً يقيناً فارتكب صغيرةً، نشك في بقاء عدالته للشبهة المفهومية، فلا معنى لجريان الاستصحاب الموضوعي، لعدم الشك في شيء من الموضوع حتى يجري فيه الاستصحاب، فانّ ارتكابه الصغيرة معلوم، وارتكابه الكبيرة معلوم الانتفاء، فليس هنا شيء يشك في بقائه ليجري فيه الاستصحاب. وقد صرّح الشيخ(1) (قدس سره) في بعض تحقيقاته بعدم جريان الاستصحاب الموضوعي في موارد الشبهة المفهومية.

 وربّما يتوهّم في المقام جريان الاستصحاب في الغاية بوصف كونها غاية، فانّ الغاية المجعولة الشرعية مشكوكة الحدوث والأصل عدم تحققها.

 وفيه: أنّ استصحاب عدم تحقق الغاية بوصف كونها غايةً ليس إلاّ عبارة اُخرى عن استصحاب الحكم، فان عدم الغاية بوصف كونها غايةً عبارة عن بقاء الحكم، فاستصحابه هو استصحاب الحكم، فيجري فيه الاشكال المتقدم، هذا كلّه في الشبهة الحكمية مع كون الشك في الحكم ناشئاً من الشك في المفهوم أو من تعارض الأدلة.

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 605 ولاحظ 692.

ــ[159]ــ

 وأمّا إذا كان الشك في الحكم ناشـئاً من احتمال حدوث تكليف آخر مع اليقين بتحقق الغاية، كما إذا علمنا بوجوب الجلوس إلى الزوال وعلمنا بتحقق الزوال، وشككنا في وجوب الجلوس بعد الزوال لاحتمال حدوث تكليف جديد، فقد يستفاد من طي كلام الشيخ(1) (قدس سره) عدم جريان استصحاب وجود التكليف فيه، بل يجري فيه استصحاب عدم التكليف، لأنّ الشك في حدوث تكليف جديد، والأصل عدمه.

 وأنكر المحقق النائيـني(2) (قدس سره) كلا الاستصحابين وقال: لا يجري استصحاب الوجود ولا استصحاب العدم، بل لا بدّ من الرجوع إلى أصل آخر من البراءة أو الاشتغال. أمّا عدم جريان استصحاب الوجود، فلارتفاع التكليف السابق يقيناً، فلو ثبت وجوبٌ بعد الغاية فهو تكليف آخر. وأمّا عدم جريان استصحاب العدم، فلأ نّه إن اُريد به استصحاب عدم المجعول ـ أي الحكم ـ فهو وإن كان معدوماً سابقاً إلاّ أ نّه بعدم موضوعه، ولا يجري الاستصحاب في العدم الأزلي الثابت عند عدم موضوعه المعبّر عنه بالعدم المحمولي، وإنّما يجري في العدم المنتسب إلى المحمول بعد العلم بوجود موضوعه المعبّر عنه بالعدم النعتي. وإن اُريد به استصحاب عدم الجعل، حيث إنّ جعل وجوب الجلوس بعد الزوال مشكوك فيه والأصل عدمه، فلا أثر لهذا الاستصحاب إلاّ الحكم بعدم المجعول، وإثبات عدم المجعول باستصحاب عدم الجعل يتوقف على القول بالأصل المثبت، فانّ عدم المجعول من لوازم عدم الجعل.

 وفيه: أ نّه يمكن اختيار كل من الشقين: أمّا الشق الأوّل، فلما عرفت في

ــــــــــــــــــــــــــــ

(1) فرائد الاُصول 2: 648 و 649.

(2) أجود التقريرات 4: 112 و 113، فوائد الاُصول 4: 445 ـ 448.

ــ[160]ــ

بحث العام والخاص(1) من أ نّه لا مانع من جريان الاستصحاب في الأعدام الأزلية. وأمّا الشق الثاني، فلأ نّه لا فرق بين الجعل والمجعول إلاّ بالاعتبار، نظير الفرق بين الماهية والوجود أو الايجاد والوجود، فلا يكون استصحاب عدم الجعل لاثبات عدم المجعول من الأصل المثبت في شيء.

 فالتحـقيق ما ذكره الشـيخ (قدس سره) من جريان استصحاب عدم التكليف في المقام، فلا تصل النوبة إلى البراءة أو الاشتغال.
ـــــــــــــــ

(1) محاضرات في اُصول الفقه 4: 360 وما بعدها.




 
 


أقسام المكتبة :

  • الفقه
  • الأصول
  • الرجال
  • التفسير
  • الكتب الفتوائية
  • موسوعة الإمام الخوئي - PDF
  • كتب - PDF
     البحث في :


  

  

  

خدمات :

  • الصفحة الرئيسية للمكتبة
  • أضف موقع المؤسسة للمفضلة
  • إجعل الموقع رئيسية المتصفح

الرئيسية   ||   السيد الخوئي : < السيرة الذاتية - الإستفتاءات - الدروس الصوتية >   ||   المؤسسة والمركز   ||   النصوص والمقالات   ||   إستفتاءات السيد السيستاني   ||   الصوتيات العامة   ||   أرسل إستفتاء   ||   السجل

تصميم، برمجة وإستضافة :  
 
الأنوار الخمسة @ Anwar5.Net